الشارع المغاربي – الوضع خارج عن السّيطرة..وأسئلة مباشرة للسيد المشيشي!

الوضع خارج عن السّيطرة..وأسئلة مباشرة للسيد المشيشي!

قسم الأخبار

27 أكتوبر، 2020

الشارع المغاربي: إن المبادرة التي اطلقها رئيس الجمهورية مؤخرا بمناسبة مرور سنة على انتخابه حول مشروع قانون أساسي يتعلق «بإقرار صلح لاسترجاع المال العام بهدف خدمة التنمية» ورغم وجاهة الموضوع من ناحية الاستحقاقات والحقوق فهو يدل بكل اسف على انعدام وجود رؤيا واضحة على مستوى رئاسة الجمهورية حول مخطط اقتصادي متكامل ينطلق من تقييم معمق وموضوعي يتعرض لكل المسائل التي تتعلق بمنوال التنمية وفي مقدمتها تداعيات اتفاقيات الشراكة ومردودية المناولة واختلال الموازنات المالية الخارجية وأسبابها ومعضلة المديونية وانهيار سعر العملة الوطنية وانتشار البطالة وانعدام التنمية.

من هذا المنطلق يجب التذكير بمسائل مبدئية مفادها ان التنمية وتشييد المرافق العمومية من مستشفيات ومدارس وجامعات وبنية تحتية كبناء الجسور والطرقات والموانىء وغيرها هي إنجازات تُخطّط لها وتتكفل بها مباشرة الدولة الوطنية وتوفر لها الجزء الهام من المصادر المالية الذاتية مع إمكانية اللجوء بطريقة جزئية إلى القروض الخارجية بشروط ميسرة. هذه القواعد المبدئية التي تحفظ سيادة الدول وحرمتها دأبت عليها دولة الاستقلال في تونس وأنجزت بها الكثير في كنف العزة والتقدير. من ذلك نذكر أنه عندما انجزت تونس المدرسة الوطنية للمهندسين التونسيين في الستينات كانت فرنسا من أول المعارضين لهذا المشروع الرائد مما جعل تونس تتوجه إلى بلدان أوروبا الشرقية لتأمين الإطار العلمي وفي ذلك مدلول هام لمن يعتبر.

في كل الأحوال ونقولها بكل صراحة وبكل مسؤولية أن التنمية هي بناء صرح وطني لا يجب ان يعتمد استجداء الدول لا غربا و لا شرقا ولا يجب ان يُعتمد على مصالحة ليُصبح منّا ممّن أفسد وتحيّل وقام بتهريب أكثر من 60 مليار دولار أمريكي إلى الخارج أي ما يمثل ضعف المديونية العمومية. هذه المسائل التي تعرّضت لها عديد البلدان في العالم يجب أن تُعالج عبر المؤسسات القضائية و الإدارية التابعة للدولة بوصفها جزءا متكاملا غير قابل لأي تجزئة.

وزارة المالية قدمت التدقيق الضافي للوضع المالي للبلاد ولكن غاب تنفيذ العلاج في تقريرها الصادر بتاريخ 15 ماي 2020 حول المديونية العمومية بين السنوات 2016 – 2018 قدمت وزارة المالية عدة توصيات تتعلق بوسائل تخفيف وطأة المديونية وتعزيز القدرة على تحمل الديون العمومية. وهي في الحقيقة توصيات بديهية تعرضنا لها بالتحليل وبالتأكيد على وجوبها في عديد المناسبات وبدون انقطاع نذكر أهمها:

• وجوب دفع النمو «لتجنب الوقوع في حلقة مفرغة» حيث تصبح الديون من اجل خلاص الديون وضرورة التحول إلى ديون منتجة. غير ان هذا الهدف لم يتحقق حيث سجلنا نسبة نمو بواحد بالمائة سنة 2019.

• كما تذكر وزارة المالية «أن الرجوع إلى نسبة نمو مرتفعة من شأنه أن يكون له تأثير على مستوى المديونية بما أن ارتفاع النمو سوف يقلص آليا من النسبة المائوية للمديونية» لتصبح ضمنيا مقبولة من طرف الدائنين. وكأننا بالوزارة تكتشف في البديهيات !!!

• ثم تضيف كذلك وبنفس الطريقة «أن ارتفاع نسبة النمو سوف تقلص من ثقل كتلة الأجور في الناتج الإجمالي الداخلي مما يمكن الدولة من تخطي هذا العائق والحصول على قروض ميسرة. وهذا اعتراف واضح بأن كتلة الأجور هي شبه ثابتة ولا دخل لها في الوضع الذي تعانيه البلاد وهو كذلك ما اكدناه في عديد المناسبات درءا للمغالطات التي تطلقها الحكومات سنويا لشيطنة الوظائف العمومية.

• ثم بعد التأكيد على ضرورة توفير الحوكمة الرشيدة في المؤسسات العمومية حيث مرت مرور الكرام على دور الحكومات المتعاقبة التي اضرت بهذه المؤسسات مثلما سنبينه لاحقا تمر وزارة المالية إلى التوصية الأخيرة المتعلقة «بضرورة كسب رهان التصدير لكي نقلص من العجز التجاري الذي يستوجب اللجوء إلى المديونية الخارجية».

غير أن ما تتناساه الوزارة تعمدا هو أن الاقتصاد التونسي ليس له قدرة إنتاجية قادرة على تطوير التصدير خاصة على المستوى الصناعي الذي دُمّر بالكامل تقريبا. في هذه الحالة وفي كل الحالات كان عليها أن تطالب بضرورة ترشيد التوريد وهو الحل الذي تقوم به كل بلدان العالم بما فيها الولايات المتحدة الامريكية.هنا يتبين مدى تغلغل نفوذ الاتحاد الأوروبي وفرنسا بالذات في القرار السيادي الوطني حيث وضع خطوطا حمراء ترفض أي ترشيد للتوريد سعيا لتصدير ازمتها الاقتصادية لبلدنا عبر دعم تصدير منتوجاتها و دفع تونس نحو مزيد التداين لتسهيل عمليات التوريد من بلدان الاتحاد الأوروبي.

الحوكمة «الرشيدة» في حكومة يوسف الشاهد ومجلس التحاليل الاقتصادية التي دمرت المؤسسات العمومية عندما يتعرض تقرير وزارة المالية إلى ضرورة إرساء الحوكمة الرشيدة لتحقيق التوازنات المالية للمؤسسات العمومية والتي كانت تتابع من طرف مجلس التحاليل الاقتصادية الذي كان يرأسه عفيف شلبي وزير الصناعة الأسبق الذي يبدو انه محل نظر لإعادة تفعيله من طرف حكومة هشام المشيشي نعرض عليكم هذا المثال الذي يبين كيف تم في الحقيقة تدمير المؤسسات العمومية بقرارات غير مسؤولة وجائرة في حق الشركة التونسية للكهرباء والغاز وهي مؤسسة استراتيجية بامتياز.

• نلاحظ أن الأعباء المالية السنوية التي تشمل فوائد القروض وتأثير انهيار قيمة الدينار ارتفعت من 150 مليون دينار سنة 2015 إلى 543 1 مليون دينار سنة 2018 (10 أضعاف) والخسائر السنوية ارتفعت من أقل من 24 مليون دينار إلى أكثر من 093 2 مليون دينار في نفس المدة؟

بالمقابل نلاحظ أن كتلة الأجور كان تطورها عاديا أي بمعدل زيادة سنوية ٪3,4 فقط وهو ما يفند كل المغالطات. هذه النتائج الكارثية دفعت حكومة يوسف الشاهد والأحزاب التي كانت تدعمه إلى إقرار زيادات مُشطّة في سعر الطاقة الموظفة على المؤسسات بنسبة ٪54 في اقل من سنة مما أدى إلى انهيار الإنتاج الصناعي وتقلص التشغيل ووزارة المالية تتحدث عن تطوير التصدير؟

رئيس الحكومة هشام المشيشي قدم أطروحة سنة 2005 حول اتفاق الشراكة الموقعة في سنة 1995 فماذا يمكن أن ننتظر منه بعدما تبين بالكاشف أن هذا الاتفاق دمر النسيج الصناعي الوطني؟

تعرضت أطروحة الماجستير في الإدارة العامة اثر التخرج من المدرسة الوطنية للإدارة إلى الجوانب المؤسساتية للعلاقة بين الطرفين وإلى الإطار العام الذي أسس لهذه الشراكة بالرجوع إلى مسار برشلونة الذي أكد «على بناء أسس شراكة بين بلدان المتوسط تحمل تطلعات كل الأطراف نحو السلم وتقاسم الثروات بين شعوب كل المنطقة بما فيها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والعيش في وطن مستقل وعاصمته القدس.

ليوم وقد حصحص الواقع وتبين أن شعوب منطقتنا العربية في الضفة الجنوبية والشرقية من المتوسط أصبحت تعاني ويلات الحروب والعدوان الأوروبي الغربي في ليبيا وسوريا والعراق وويلات الاحتلال والتنكيل في فلسطين المحتلة والتنكر لكل التعهدات وويلات الفقر والاحتياج والتصحر الصناعي والهجرة السرية التي التهمت أبناءنا في البحر المتوسط ماذا يمكن ان ننتظر من هذه الشراكة. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي نفسه يعترف بفشل هذا المسار الزائف.

تحدث رئيس الحكومة مؤخرا عن تقييم لتداعيات هذه الشراكة واردف إلى نية المرور إلى فتح المفاوضات حول تعميق الشراكة نحو «الأليكا» بالطبع حسب ما يبدو. في كل الأحوال نسائلكم من منبر «الشارع المغاربي» هل ستقومون بتكليف لجنة وطنية حيادية تتكون من كفاءات تونسية تشمل كل الحساسيات ام سوف تقتصرون على دعوة من يدعم التوجه الداعم لتأبيد هذا الحلف مثلما فعلتم اثر تسلم مرسوم التكليف بتكوين الحكومة أم ستقتصرون على نتائج مكتب دولي لا يمت لواقع البلاد بشيء؟

في كل الأحوال الوضع في تونس اقتصاديا واجتماعيا وصحيا اصبح خارجا عن السيطرة لغياب رؤيا وتخطيط وطني والمالية العمومية في حالة إفلاس غير معلن وأنتم تعرفون ذلك حق المعرفة. التعنت في نفس المنوال التنموي وفي نفس سيل التوريد الذي خرب البلاد سوف يدفع نحو التصعيد الخطير الذي سيفضي إلى الاستبداد والعنف حتما. في هذا الوضع كيف يمكن قراءة سحب مشروع القانون الأساسي لحرية الاتصال السمعي البصري و تداول تقديم مشروع قانون زجر الاعتداء على الأمنيين بين الحين والآخر؟
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 27 أكتوبر 2020

اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING