الشارع المغاربي – المنظمة الشغيلة تحدد البوصلة للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية/ بقلم جمال الدين العويديدي

المنظمة الشغيلة تحدد البوصلة للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية/ بقلم جمال الدين العويديدي

25 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي : ما جاء على لسان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم 17 نوفمبر 2018 بساحة محمد علي يعتبر بكل المواصفات تحول مفصلي في التعامل وفي معالجة الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية الهيكلية التي تعاني منها البلاد منذ الثمانينات إلى اليوم.

تحدث الأمين العام للمنظمة الشغيلة “عن وجود حكومة ظل خارج الحدود تسير الدولة التونسية ” مشيرا إلى “أن غرفة سوداء تدير مستقبل الشعب التونسي”. كما أعرب الأمين العام لاتحاد الشغل عن ألمه وشعوره بالمرارة لأن “القرار ليس مرتبطا بقرار الحكومة وإنما مرتبط بخارج حدود الوطن من وراء البحار” مضيفا بكل وضوح أن “القرار يرتبط ببعض دول أوروبية” و مؤكدا أمام ما يجري في البلاد من استصدار للقرار السيادي الوطني “أنّ أبناء حشاد دورهم الدفاع عن السيادة الوطنية و استقلالية الخيار الوطني”. من خلال هذا التصريح الشجاع و الجريء نعتقد أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل قد وضع الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية في إطارها الصحيح في علاقة بالهيمنة الخارجية المسلطة على البلاد بعنوان العولمة و الشراكات المزيفة و غير المتكافئة التي دمرت المسيرة التنموية للبلاد بقدر ما مكنت فئة قليلة داخلية تتمثل في مائتي عائلة استفردت بمقدرات البلاد و ثرواتها تحت عنوان الخصخصة و الليبرالية المتوحشة.

وضع اجتماعي متفجر شمل البلدان المتطورة و البلدان النامية و الفقيرة
من المفارقات العجيبة أن تزامن هذا التصريح الهام في نفس اليوم التي احتشد فيه مئات الآلاف من المتظاهرين الفرنسيين في كل أنحاء البلاد في إطار حركة مدنية سميت بحركة “الستائر الصفراء” بعيدة عن الأحزاب السياسية. هذه الحركة انطلقت اثر قرار الزيادة في سعر المحروقات. غير أن عديد المختصين يرون في هذه الحركة بوادر انتفاضة شعبية كبيرة نظرا لانطلاقها أساسا من المناطق التي تضررت من تنامي البطالة الناتجة عن غلق عديد المؤسسات الصناعية. حيث أكد “كريستوف قيلي ” Christophe Guilly” المتخصص في الجغرافيا و الذي ألف كتابا حول ” نهاية الطبقة الوسطى في البلدان الغربية ” أن “هناك حالة غليان كبرى خاصة في المناطق الداخلية التي تعطل فيها الاقتصاد المنتج حيث انتشرت البطالة بصفة كبيرة. كما أكد أن المتظاهرين الذي خرجوا تحت لافتة هذه الحركة المدنية تضرروا من التحول الاقتصادي بين العشرين و الثلاثين سنة الفارطة نتيجة العولمة و تفشي ظاهرة الليبرالية المتوحشة التي جعلت سياسة التقشف و الضغط على الأجور و تشجيع التجارة الخارجية المنهج الأساسي للاقتصاد بدعوى أن تحرير التجارة وهيمنة اقتصاد السوق هو الكفيل بدفع التنمية في بلدان العالم. غير أن الحقيقة بينت أن هذه السياسة الموغلة في الليبرالية استفادت منها أقليات استحوذت على كل القطاعات الاقتصادية بقدر ما أهملت الأبعاد الاجتماعية في جميع البلدان مما خلق حالة من الرفض التام و الغليان الذي بدأ ينذر بالانفجار. لقد شمل هذا الوضع الطبقات الوسطى و العمال و أصحاب المهن الصغرى الخاصة وكذلك المتقاعدين الذي أصبحوا يخشون من تقلص منح معاشهم.

و هذا الوضع ليس حكرا على المجتمع الفرنسي فقط بل أصبح في الحقيقة قاسما مشتركا لجميع المجتمعات الغربية المتطورة ناهيك عن مجتمعات البلدان الفقيرة”. كما أكد “أن تعامل الحكومة الفرنسية الحالية مع هذا الموضوع الذي سعى لحصره حول مشكلة الترفيع في سعر المحروقات و الوعد بتوفير حل بديل يتمثل في صنع سيارة “نظيفة” تعمل بالكهرباء هي في الحقيقة عملية تمويه و تحويل وجهة لا تجدي نفعا لأن الحكومة تهربت من الموضوع الأساسي و المتعلق بتحديد حقوق و دور هذه الطبقات في المجتمع الحالي”.

خبراء صندوق النقد الدولي يؤكدون : سياسة التقشف و تحرير السوق لم تف بوعودها في التنمية
هذا الوضع المتفجر سواء في البلدان المتطورة أو في البلدان النامية و الفقيرة تنبأ به فريق من أهم الخبراء الاقتصاديين التابعين لصندوق النقد الدولي في تقرير صدر في شهر ماي 2016 أعده كلا من “جوناثان أستري” المدير المساعد للبحوث الاقتصادية لدى صندوق النقد الدولي و اثنين من زملائه و هما “براكاش لونقاني” أحد مستشاري الصندوق و “دافيد فورسري” خبير اقتصادي لدى الصندوق. حيث أكد هؤلاء الخبراء أنه يمكن تلخيص ” الليبرالية الجديدة” في محورين أساسيين و هما:
– “الإرادة السياسية لتحسين القدرة التنافسية ” ” و ذلك عبر الضغط على الأجور و التخلي عن الضوابط القانونية و في مقدمتها مجلة الشغل و كذلك عبر تحرير التجارة و فتح الأسواق الداخلية للمنافسة الخارجية”.
– “الإرادة السياسية لتقليص دور الدولة و ذلك عبر الخصخصة و عبر منع الحكومات من اللجوء إلى العجز الداخلي على مستوى الميزانية أو الخارجي على مستوى عجز ميزان الدفوعات.
غير أن الواقع حسب هؤلاء الخبراء “أثبت أن هذه السياسة الليبرالية الجديدة لم تحقق أهدافها على مدى الثلاثين سنة الماضية و لم تأت بالنمو الاقتصادي المنشود”. كما أكدوا “أنه في آخر الأمر ما حققته هذه السياسة هو أنها مكنت فئة قليلة جدا من الأفراد من الاستحواذ على الثروات، في حين أنها تخلت و همشت في نفس الوقت الأغلبية العظمى من المجتمع”. وهي ظاهرة تتجلى نتائجها بوضوح في غالبية بلدان العالم حاليا بما فيها تونس.

انعدام الرؤيا الإستراتيجية للحكومات المتعاقبة في السلطة قبل 2011 و بعده
هذه الدراسات المعمقة نتجت عنها تحولات هامة منذ سنة 2016 إلى اليوم. نذكر في مقدمتها قرار “البريكسيت” الذي خرجت بمقتضاه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر استفتاء شعبي . كما نذكر أيضا انتصار دونالد ترمب في انتخابات 2016 و الذي خاض بعدها حربا تجارية ضارية سواء ضد من وصفهم بالأعداء وفي مقدمتهم الصين و روسيا و إيران و الهند أو ضد أصدقاء الولايات المتحدة الذين تمثلهم بلدان الاتحاد الأوروبي و ذلك سعيا للدفاع عن مؤسساتهم و عن مواطن الشغل التي توفرها.
هذه الإجراءات تعتبر في حد ذاتها نفيا لليبرالية الجديدة في بعدها الذي يفرضه اليوم صندوق النقد الدولي في شكل تحرير الأسواق لكل بلد سقط في فخ هذه المؤسسة العالمية التي تديرها بلدان معينة طبقا لمصالحها الخاصة.
في خضم هذه التحولات العالمية الإستراتيجية العميقة نجد الحكومات التونسية المتعاقبة على السلطة في غيبوبة تامة و فاقدة لكل رؤيا إستراتيجية من شأنها أن تتأقلم مع الوضع الجديد للدفاع عن مصالح البلاد العليا و للذود عن عن حق الشعب التونسي في خياراته الوطنية المستقلة لضمان العيش الكريم لأبنائه.
المنظمة الشغيلة ترفع راية الوطن و السيادة و منظمة الأعراف تسوق لمزيد التبعية و استصدار حقوق البلاد و حقوق المؤسسات الوطنية
في الوقت الذي دأبت فيه المنظمة الشغيلة بكل قوة و بكل روح مسؤولية للدفاع عن الطبقات الفقيرة و المتوسطة التي تعاني من غلاء المعيشة و من البطالة و التهميش نتيجة سوء تصرف حكومات فاقدة للسيادة الوطنية و مطيعة للوبيات داخلية طغى عليها التغول و الجشع ، يستمر اتحاد الصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية في ممارسته القديمة التي تعتمد تذييل المنظمة عبر التسويق لسياسات خارجية تريد المزيد من ارتهان البلاد لمصالحها مثل ما قامت به منذ أسبوعين من تنظيم ندوة تسوق بطريقة أحادية لمشروع الاتفاق الحر الشامل و المعمق الذي يضغط الاتحاد الأوروبي لفرضه على بلادنا. و قد كان حري بالمنظمة التي تتصرف في ملايين الدنانير التي يدفعها المهنيون أن تقدم تقييما ضافيا و كافيا حول ما ثبت من فقدان أكثر من 400 ألف موطن شغل مستديم نتج عن إفلاس أكثر من 10 آلاف مؤسسة وطنية بين سنة 1996 و سنة 2010 نتيجة الممارسات المخلة بقواعد المنافسة التي قامت بها الشركات الأوروبية و التي أدانها كلا من مجلس المنافسة و من المحكمة الإدارية مما جعلها تستفرد بسوقنا الوطنية. و ذلك أمام صمت مذهل من منظمة الأعراف سواء قبل 2011 أو بعده حيث لم تطالب الحكومات المتتالية بتطبيق القوانين المتعلقة بحماية المؤسسات الوطنية. كما أن المنظمة تستنكف عن دعوة منخرطيها لتقديم آرائهم لإثراء الموقف الوطني دفاعا عن اقتصادنا الوطني المنتج و حفاظا على مواطن الشغل لأبنائنا.

صمت و تخاذل مخجل من طرف منظمة الأعراف
من ذلك شهدت هذه السنة ارتفاعا مشطا و غير معقول في سعر الطاقة (كهرباء و غاز طبيعي) في القطاع الصناعي فاق 46 بالمائة بين شهر ماي و أكتوبر لسنة 2018، كما شهدت زيادة في نسبة الفائدة البنكية مشطة أيضا علاوة على انهيار قيمة الدينار و ذلك بقرارات حكومية غير مسؤولة دمرت ما تبقى من المؤسسات الوطنية الصغرى و المتوسطة و الصناعات التقليدية أمام صمت مثير للتساؤل و الاستغراب و تخاذل مخجل من طرف اتحاد الصناعة و التجارة في حق منخرطيه و في حق أبنائنا في الشغل و العيش الكريم في الوطن.

من هذا المنطلق نعتبر أن ما صرح به السيد نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل يوم السبت الفارط هو خطوة هامة تذكر فتشكر و ذاك بالنظر لمدى أهميتها لتكريس تمشي إستراتيجي وطني مبني على مبدأ السيادة الوطنية و استقلالية الخيار الوطني للخروج من كابوس هيمنة و دكتاتورية شريك أوروبي فرض نفسه على بلادنا بطريقة أحادية غير متكافئة دمرت المسيرة التنموية لبلادنا. لذلك لابد من الدعوة لكل القوى الوطنية للوقوف إل جانب هذه المنظمة الوطنية العريقة و مساندتها. كما نطالب من الأحزاب الحاكمة أن تترفع و تكف عن حملة الشيطنة التي تقوم بها ضد المنظمة الشغيلة.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING