الشارع المغاربي – طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬يُعيد‭ ‬جذوة‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويُغيّر‭ ‬المعادلات‭...‬/بقلم: معز زيود

طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬يُعيد‭ ‬جذوة‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويُغيّر‭ ‬المعادلات‭…‬/بقلم: معز زيود

قسم الأخبار

11 أكتوبر، 2023

الشارع المغاربي: كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬باختزال‭ ‬عن‭ ‬الملحمة‭ ‬الكبرى‭ ‬لطوفان‭ ‬الأقصى؟‭! ‬إنجاز‭ ‬تاريخي‭ ‬أدهش‭ ‬العالم،‭ ‬وأبكى‭ ‬فرحًا‭ ‬شعوبًا‭ ‬عربيّة‭ ‬تعوّدت‭ ‬على‭ ‬الهزائم‭ ‬والخيانات،‭ ‬وأربك‭ ‬الغرب‭ ‬المتواطئ‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬والمُبرّر‭ ‬دائما‭ ‬لجرائمه‭ ‬الإرهابيّة‭. ‬ملحمة‭ ‬وضعت‭ ‬نصب‭ ‬الأعين‭ ‬معادلات‭ ‬جديدة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتعود‭ ‬بهذا‭ ‬الألق‭ ‬والقوّة‭…‬

صباح‭ ‬يوم‭ ‬السبت،‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬كان‭ ‬حقّا‭ ‬يومًا‭ ‬رهيبًا‭ ‬على‭ ‬كافّة‭ ‬الأصعدة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلّة‭. ‬إطلاق‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬لم‭ ‬يُباغت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أثار‭ ‬الذهول‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬بلاد‭ ‬العالم‭. ‬معركة‭ ‬كبرى‭ ‬دشّنتها‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬بإطلاق‭ ‬زهاء‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬صاروخ‭ ‬على‭ ‬المستوطنات‭ ‬المحيطة‭ ‬بقطاع‭ ‬غزّة‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬المحتلّة‭. ‬

رقعة‭ ‬الشطرنج

مثل‭ ‬بطل‭ ‬أسطوري‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الشطرنج،‭ ‬فصّلت‭ ‬حماس‭ ‬بدهاء‭ ‬وتخطيط‭ ‬وإرادة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬مواقع‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬ومراحلها‭ ‬الأولى،‭ ‬ولكنّها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرّد‭ ‬لعبة‭. ‬كانت‭ ‬نارًا‭ ‬مستعرةً‭ ‬داهمت‭ ‬قوّات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬عُقر‭ ‬مخابئها‭ ‬برًّا‭ ‬وبحرًا‭ ‬وجوًّا‭. ‬جريًا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬وباستخدام‭ ‬الدراجات‭ ‬الناريّة‭ ‬والعربات‭ ‬والزوارق‭ ‬والمظلّات‭ ‬والطائرات‭ ‬الشراعيّة‭ ‬بدأت‭ ‬عمليّات‭ ‬اقتحام‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلّة‭ ‬المدجّجة‭ ‬بكافّة‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭. ‬ثمّ‭ ‬تواترت‭ ‬الأنباء‭ ‬عن‭ ‬سيطرة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬العسكريّة‭ ‬شديدة‭ ‬التحصينات،‭ ‬وأدّت‭ ‬سريعًا‭ ‬إلى‭ ‬إسقاط‭ “‬فرقة‭ ‬غزّة‭” ‬الصهيونيّة‭ ‬بالكامل‭ ‬وتدمير‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬المراقبة‭ ‬والآليّات‭ ‬العسكريّة‭ ‬الثقيلة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دبابات‭ “‬الميركافا‭” ‬التي‭ ‬أوهمت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬بأنّها‭ ‬لا‭ ‬تُقهر،‭ ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬شباب‭ ‬حماس‭ ‬دمّروا‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬استطاعوا‭ ‬وولّى‭ ‬بعضهم‭ ‬عائدين‭ ‬غانمين‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أخرى‭.‬

وفي‭ ‬ظرف‭ ‬قياسي،‭ ‬جاءت‭ ‬المفاجأة‭ ‬بالقضاء‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬والجنود‭ ‬الصهاينة،‭ ‬والأهمّ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وقوع‭ ‬عشرات‭ ‬الأسرى‭ ‬منهم‭ ‬بين‭ ‬عسكريّين‭ ‬ومستوطنين‭. ‬ووفق‭ ‬اعتراف‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬نفسها،‭ ‬فإنّ‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬القتلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬القيادات‭ ‬العسكريّة‭ ‬في‭ ‬مقدّمتهم‭ “‬قائد‭ ‬لواء‭ ‬الناحال‭” ‬و‭”‬قائد‭ ‬كتيبة‭ ‬الاتّصالات‭” ‬و‭”‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬وحدة‭ ‬ماجلان‭” ‬و‭”‬قائد‭ ‬وحدة‭ ‬متعدّدة‭ ‬الأبعاد‭” ‬و‭”‬قادة‭ ‬من‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخليّة‭”… ‬والأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬قد‭ ‬نشرت،‭ ‬أمس‭ ‬الاثنين،‭ ‬أسماء‭ ‬18‭ ‬ضابطا‭ ‬برتب‭ ‬عليا‭ ‬من‭ ‬الوحدات‭ ‬الخاصّة‭ ‬قُتلوا‭ ‬خلال‭ ‬الاشتباكات‭ ‬الميدانيّة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المستوطنات‭ ‬المجاورة‭ ‬لقطاع‭ ‬غزّة‭. ‬حصيلة‭ ‬مهينة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬العدوّ‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬900‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيّام‭. ‬

المشهد‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلّة‭ ‬بدا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬بنايات‭ ‬مدمّرة‭ ‬وعشرات‭ ‬السيّارات‭ ‬المتفحّمة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بؤر‭ ‬الاستيطان‭ ‬وألسنة‭ ‬النيران‭ ‬تتصاعد‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬مكان،‭ ‬وكأنّنا‭ ‬إزاء‭ ‬مشاهد‭ ‬حيّة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

وفي‭ ‬المحصّلة،‭ ‬تكبّدت‭ ‬قوّات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬خسائر‭ ‬رهيبة،‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والعتاد‭ ‬وإنّما‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الكرامة‭ ‬المهدورة‭ ‬لجيشٍ‭ ‬زعمت‭ ‬قيادته‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬طويل‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يُقهر‭. ‬فطالما‭ ‬تباهت‭ ‬بوهم‭ ‬قبّة‭ ‬حديديّة‭ (‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭) ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للاختراق‭ ‬ويزيد‭ ‬معدّل‭ ‬فعاليّة‭ ‬يفوق‭ ‬90‭ ‬بالمائة،‭ ‬غير‭ ‬أنّها‭ ‬تعطّلت‭ ‬تمامًا‭ ‬بفضل‭ ‬وسائل‭ ‬محليّة‭ ‬الصنع‭ ‬لدى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينيّة‭. ‬وكذا‭ ‬أيضا‭ “‬جدار‭ ‬فولاذي‭ ‬ذكيّ‭” ‬يُطوّق‭ ‬غزّة‭ ‬بطول‭ ‬65‭ ‬كلم،‭ ‬ويزيد‭ ‬ارتفاعه‭ ‬عن‭ ‬ستّة‭ ‬أمتار‭ ‬ومثلها‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬تعتليه‭ ‬أبراج‭ ‬مراقبة‭ ‬شاهقة‭ ‬مرتبطة‭ ‬إلكترونيّا‭ ‬بأزرار‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬أي‭ ‬كائن‭ ‬يتحرّك‭ ‬بالقرب‭ ‬منه‭. ‬هكذا‭ ‬بشّرت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬بأنّها‭ ‬أنشأت‭ ‬خطّا‭ ‬دفاعيّا‭ ‬إعجازيّا‭ ‬يمنع‭ ‬كلّيّا‭ ‬إمكانيّة‭ ‬التسلّل‭ ‬فوق‭ ‬جدارها‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الأنفاق‭ ‬تحته‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المستوطنات‭ ‬الصهيونيّة‭. ‬وفي‭ ‬لحظات‭ ‬تاريخيّة‭ ‬تسّاقط‭ ‬هذا‭ ‬البناء‭ ‬الواهم‭ ‬كـ‭”‬العهن‭ ‬المنفوش‭” ‬بمجرّد‭ ‬جرّافة‭ ‬ومقصّات‭ ‬حديديّة‭… ‬مشهد‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭.‬

كلّ‭ ‬ذلك‭ ‬يُفسّر‭ ‬الإجماع‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فشل‭ ‬فشلا‭ ‬تاريخيّا‭ ‬لم‭ ‬يعهده‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬والعسكري‭. ‬والمكمن‭ ‬الأوّل‭ ‬لهذا‭ ‬الفشل‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬توهّم‭ ‬ضمور‭ ‬القوّة‭ ‬العسكريّة‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬والاعتقاد‭ ‬زهوًا‭ ‬أنّها‭ ‬غير‭ ‬مستعدّة‭ ‬لخوض‭ ‬عمليّة‭ ‬عسكريّة‭ ‬ضخمة‭. ‬والحال‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الوهم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اعتباطيّا،‭ ‬بل‭ ‬غذّته‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أعوام،‭ ‬فقد‭ ‬التزمت‭ ‬بضبط‭ ‬النفس‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬حين‭ ‬شنّت‭ ‬حركة‭ ‬الجهاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬العمليّات‭ ‬العسكريّة‭ ‬ضدّ‭ ‬قوّات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كلّف‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬حينها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬الداخليّة‭ ‬واتّهامها‭ ‬بأنّها‭ ‬تخلّت‭ ‬عن‭ ‬جوهرها‭ ‬الأسمى‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أوضحه‭ ‬الناطق‭ ‬العسكري‭ ‬باسم‭ ‬جناحها‭ ‬العسكري‭ “‬كتائب‭ ‬القسّام‭” ‬عبر‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬جاء‭ “‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الإعداد‭ ‬والتخطيط‭ ‬والتدبير‭”.‬

انتقام‭ ‬وتواطؤ

لحفظ‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬من‭ ‬ماء‭ ‬الوجه‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الارتباك‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬اللامحدود‭ ‬لاستخدام‭ ‬آليّات‭ ‬التقتيل‭ ‬الجماعي‭ ‬باسم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬عمد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬حصار‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬وحرمان‭ ‬أهلها‭ ‬كلّيا‭ ‬من‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬والغذاء‭ ‬والدواء‭. ‬ثمّ‭ ‬كثّف‭ ‬الغارات‭ ‬الجويّة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬ودعّمها‭ ‬بقصف‭ ‬مدفعي‭ ‬بين‭ ‬العشوائي‭ ‬والمقصود‭. ‬فالقصف‭ ‬بالطائرات‭ ‬لم‭ ‬يستهدف‭ ‬فقط‭ ‬الأحياء‭ ‬والمجمّعات‭ ‬السكنيّة‭ ‬وإنّما‭ ‬دمّر‭ ‬أيضا‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الجوامع‭ ‬والمساجد،‭ ‬بل‭ ‬واستهدف‭ ‬كذاك‭ ‬سيّارات‭ ‬الإسعاف‭. ‬وبالنتيجة‭ ‬أعلنت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أمس‭ ‬الإثنين،‭ ‬أنّ‭ ‬قرابة‭ ‬123‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬نزحوا‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬المعارك،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬مئات‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬برّرته‭ ‬واشنطن‭ ‬بأنّه‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬لها‭ ‬صولات‭ ‬وجولات‭ ‬يعرفها‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬إرهاب‭ ‬الدولة‭ ‬ضدّ‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭ ‬عديدة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬تحديدا‭ ‬يندرج‭ ‬البعد‭ ‬المتوحّش‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الصهيوني‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت،‭ ‬أمس‭ ‬الاثنين،‭ ‬عند‭ ‬إعلانه‭ ‬عن‭ ‬فرض‭ “‬حصار‭ ‬كامل‭”‬‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬قائلا‭ “‬نحن‭ ‬نقاتل‭ ‬حيوانات‭ ‬ونتصرّف‭ ‬وفقا‭ ‬لذلك‭”. ‬

هذا‭ ‬الصلف‭ ‬يكشف‭ ‬حدّة‭ ‬نوبة‭ ‬الجنون‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬قوّات‭ ‬الاحتلال‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬المعلن‭ ‬بالانتقام‭ ‬الشامل‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬العزّل،‭ ‬مُصرّحا‭ ‬بأنّ‭ “‬صور‭ ‬الدمار‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬مجرّد‭ ‬بداية‭ ‬وكل‭ ‬مكان‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭ ‬حماس‭ ‬سيتم‭ ‬تدميره‭”…‬

وطبعا‭ ‬فإنّ‭ ‬هذا‭ ‬الدمار‭ ‬والتدمير‭ ‬أمرٌ‭ ‬مرحّب‭ ‬به‭ ‬أمريكيّا‭ ‬وأوروبيّا،‭ ‬وحتّى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربيّة‭ ‬المطبّعة‭ ‬مع‭ ‬الصهاينة‭ ‬والمتواطئة‭ ‬معهم‭ ‬علنًا‭ ‬ضدّ‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬كالنظامين‭ ‬الإماراتي‭ ‬والمغربي‭ ‬بالخصوص‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُستشفّ‭ ‬بوضوح‭ ‬من‭ ‬بياني‭ ‬وزارتي‭ ‬خارجيّتيْهما‭ ‬اللذين‭ ‬استنكرا‭ ‬معركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬واعتبراها‭ ‬تصعيدا‭ ‬خطيرا،‭ ‬دون‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬حقّ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬المسؤول‭ ‬دون‭ ‬سواه‭ ‬عن‭ ‬تصعيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬وإراقة‭ ‬دماء‭ ‬الأبرياء‭. ‬والأكثر‭ ‬صلفًا‭ ‬ووقاحةً‭ ‬وخسّةً‭ ‬أنّ‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الصهيوني‭ ‬يائير‭ ‬لبيد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أعلن،‭ ‬أمس‭ ‬الاثنين،‭ ‬أنّ‭ ‬وزير‭ ‬الخارجيّة‭ ‬الإماراتي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬عبّر‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفيّة‭ ‬جمعتهما‭ ‬عن‭ “‬تضامنه‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭”. ‬وعلى‭ ‬خلاف‭ ‬المواقف‭ ‬الرسميّة‭ ‬المشرّفة‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربيّة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تونس‭ ‬والجزائر‭ ‬والكويت،‭ ‬فإنّ‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الإماراتي‭ ‬المخزي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للأسف‭ ‬مفاجئا،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أنّ‭ ‬الخارجيّة‭ ‬الإماراتيّة‭ ‬أعربت‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬بكلّ‭ ‬وقاحة‭ ‬عن‭ “‬استيائها‭ ‬الشديد‭” ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬سَمّته‭ ‬بـ‭”‬اختطاف‭ ‬مدنيّين‭ ‬إسرائيليّين‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬كرهائن‭”‬،‭ ‬متناسيةً‭ ‬أنّ‭ ‬الآلاف‭ ‬المؤلّفة‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬يقبعون‭ ‬أسرى‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭. ‬والحال‭ ‬أنّها‭ ‬عضو‭ ‬غير‭ ‬دائم‭ ‬بمجلس‭ ‬الأمن‭ ‬خلال‭ ‬دورته‭ ‬الحاليّة،‭ ‬وكان‭ ‬يُفترضُ‭ ‬أن‭ ‬تغّض‭ ‬الطرف‭ ‬مؤقّتا،‭ ‬حتّى‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬والعروبة‭ ‬المزعومة،‭ ‬عن‭ ‬صفقاتها‭ ‬الذليلة‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وعن‭ ‬تنكّرها‭ ‬الجسيم‭ ‬للحدّ‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬تجاه‭ ‬عذابات‭ ‬شعب‭ ‬هُجّر‭ ‬معظمه‭ ‬وانتُزعت‭ ‬أراضيه‭ ‬ومورست‭ ‬ضدّ‭ ‬أبنائه‭ ‬أبشع‭ ‬الانتهاكات‭ ‬والمجازر‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬السبعة‭ ‬الأخيرة‭…‬

ارتباك‭ ‬غربي

حالة‭ ‬الارتباك‭ ‬والذهول‭ ‬لم‭ ‬تُصب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬فقط،‭ ‬وإنّما‭ ‬طالت‭ ‬بالخصوص‭ ‬القوى‭ ‬الغربيّة‭ ‬الداعمة‭ ‬للاحتلال‭. ‬وممّا‭ ‬عمّق‭ ‬ذلك‭ ‬أنّها‭ ‬فشلت‭ ‬حتّى‭ ‬في‭ ‬مجرّد‭ ‬إقناع‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬باتّخاذ‭ ‬قرار‭ ‬يُدين‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ومعركة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ “‬الإدانة‭” ‬فحسب،‭ ‬إذ‭ ‬تفادت‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬بيان‭ ‬مشترك،‭ ‬لأنّها‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬طرح‭ ‬مسألة‭ ‬حلّ‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬بالذات‭ ‬حتّى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ملزمة‭ ‬بذلك‭ ‬ولو‭ ‬أخلاقيّا‭.‬

وبدلا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اضطرّت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبيّة‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ (‬بريطانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإيطاليا‭) ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬بيان‭ ‬مشترك‭ ‬لإدانة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وإعلان‭ ‬التزامها‭ ‬بدعم‭ ‬نظام‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فضلا‭ ‬وهذا‭ ‬الهم‭ ‬تبرير‭ ‬علميّات‭ ‬الانتقام‭ ‬الهمجيّة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬ضدّ‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬العزّل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

استشعار‭ ‬الخطورة‭ ‬بما‭ ‬قد‭ ‬يُغيّر‭ ‬المعادلات‭ ‬المستقبليّة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكيّة‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬حاملة‭ ‬طائرات‭ ‬إلى‭ ‬سواحل‭ ‬غزّة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬انعدام‭ ‬الحيلة‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬حالة‭ ‬الارتباك‭ ‬السائدة‭ ‬جعلت‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬ينتقد‭ ‬الحكومة‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬قائلا‭  ‬إنّ‭ “‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬تضمّ‭ ‬أكثر‭ ‬الأعضاء‭ ‬تطرّفا‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬غولدا‭ ‬مائير‭… ‬وإنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الوزراء‭ ‬الذين‭ ‬يدعمون‭ ‬استيطان‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬وعلى‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬هم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيّين‭”‬،‭ ‬معترفا‭ ‬بأنّه‭ ‬شخصيًا‭ ‬من‭ ‬بين‭ “‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنّ‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬النهائي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬حلّ‭ ‬الدولتين‭”.‬

ومن‭ ‬جهته،‭ ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬أمس‭ ‬الاثنين،‭ ‬عن‭ ‬تعليق‭ ‬مساعداته‭ ‬التنموية‭ ‬للفلسطينيّين‭ ‬وإعادة‭ ‬تقييم‭ ‬جميع‭ ‬برامجه‭ ‬الحالية،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ “‬أوليفر‭ ‬فارهيلي‭” ‬المفوّض‭ ‬الأوروبي‭ ‬المكلّف‭ ‬بالجوار‭ ‬وعمليّات‭ ‬التوسيع،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬أمس‭ ‬نفسها‭ ‬عاد‭ ‬الاتّحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬الإعلان‭ ‬السابق‭ ‬لمفوّضه‭ ‬المجري‭ ‬المتصهين‭ ‬فارهيلي‭ ‬الذي‭ ‬زعم‭ ‬حرفيّا‭ ‬أنّ‭ “‬مدى‭ ‬الإرهاب‭ ‬والوحشيّة‭ ‬ضدّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬وشعبها‭ ‬يُشكّل‭ ‬منعطفا،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬التصرّف‭ ‬وكأنّ‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭”. ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يُجدّد،‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬مسؤولي‭ ‬سائر‭ ‬الدول‭ ‬الغربيّة،‭ ‬ممارسة‭ ‬الانتقائيّة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬وتحويل‭ ‬الضحيّة‭ ‬إلى‭ ‬جلّاد‭ ‬دعما‭ ‬لنظام‭ ‬احتلال‭ ‬متشبّع‭ ‬بالعنصريّة‭ ‬والجرائم‭ ‬الإرهابيّة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التنكّر‭ ‬لقرارات‭ ‬الشرعيّة‭ ‬الدوليّة‭ ‬المعلومة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتمكينه‭ ‬حتّى‭ ‬من‭ ‬الحدّ‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬أرضه‭ ‬وإعلان‭ ‬دولته‭ ‬المستقلّة‭ ‬والاعتراف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المنتظم‭ ‬الأممي‭.‬

لا‭ ‬ريب‭ ‬إذن‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬هذه‭ ‬الأيّام‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلّة‭ ‬يُشكّل‭ ‬بالفعل‭ “‬منعطفا‭” ‬حقيقيّا،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬اتّجاه‭ ‬إعادة‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬وفتح‭ ‬أبواب‭ ‬جديدة‭ ‬أمام‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬امتلاك‭ ‬أوراق‭ ‬ضغط‭ ‬قويّة‭ ‬غير‭ ‬محسوبة‭ ‬سابقا‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬التاريخ‭ ‬كشف‭ ‬مجدّدا‭ ‬أنّه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إلّا‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فإنّه‭ ‬من‭ ‬المُرجّح‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬موجة‭ ‬التطبيع‭ ‬خفوتا‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الرفض‭ ‬الشعبي‭ ‬المتزايد‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لوحظ‭ ‬بالأمس‭ ‬في‭ ‬التعديل‭ ‬الظاهر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الموقف‭ ‬والتحرّكات‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬السعوديّة،‭ ‬جرّاء‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يُمثّله‭ ‬التطبيع‭ ‬من‭ ‬حرج‭ ‬سياسي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬ومتاجرة‭ ‬معلنة‭ ‬بالحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وخاصّة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬انتعاش‭ ‬جذوة‭ ‬الصمود‭ ‬والمقاومة‭ ‬وكسر‭ ‬شوكة‭ ‬الاحتلال‭ ‬البغيض‭…

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 10 اكتوبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING