الشارع المغاربي- حاوره العربي الوسلاتي: قاد المدرب التونسي المهاجر محمد الساحلي فريق فولفسبيرغر أي سي النمساوي إلى المشاركة في دوري مجموعات مسابقة الدوري الأوروبي الموسم القادم وهو إنجاز فريد غير مسبوق لأيّ مدرّب عربي في الملاعب الأوروبية.
الساحلي سطع نجمه مع فريقه النمساوي منذ الموسم الفارط بعد النتائج الباهرة التي حققها في الدوري الأوروبي أمام فرق كبيرة على غرار روما الايطالي. عن مسيرته التدريبية وعن أجواء الكرة النمساوية ورأيه في كرة القدم التونسية وعن عديد المحاور الأخرى تحدّث محمد الساحلي من النمسا في حوار مع «الشارع المغاربي».
بداية نبارك الانجاز المهمّ الذي حقّقته مع فريق فولفسبيرغر أي سي النمساوي والترشّح لدوري مجموعات الأوروبا ليغ؟
شكرا جزيلا… الحمد لله قمنا بعمل كبير والمرور مباشرة الى دوري المجموعات لمسابقة الأوروبا ليغ أمر يسعدني كثيرا… كانت لنا تجربة مميّزة في الموسم الفارط واكتسبنا من خلالها تجربة كبيرة من خلال احتكاكنا بأندية كبيرة على غرار بوروسيا مونشن غلادباخ وروما وان شاء الله ننجح في استغلالها في الموسم القادم. يوم الأحد الماضي قمنا بمباراة ممتازة وهي ثمرة تعب واجتهاد على امتداد موسم كامل وطويل وشاق وإرهاق وكورونا ولكن بتوفيق من عند الله نجحنا في الوصول الى هدفنا رغم أننا كنّا قريبين جدّا من الترشّح الى رابطة أبطال اوروبا لولا التعادل وإهدار ركلة جزاء في الوقت البديل.
نجاحك مع الفريق في الموسم الماضي وتواصل مسيرة النتائج الايجابية في الموسم الحالي وبالتالي خروجك مع الفريق من قوسي المفاجأة يجعل الضغط المسلّط أكبر على محمد الساحلي؟
بالفعل الجميع بات يقرأ لنا الآن ألف حساب… ولكن هذا الضغط أوظّفه واعتبره دائما عاملا ايجابيا للتحسّن والتطوّر لتأكيد أن النجاح لم يكن وليد الحظّ أو الصدفة وهو نتاج عمل جماعي ونتاج تضحيات فالجميع يعرف أن فريقنا متوسّط الإمكانيات من الناحية المادية مقارنة بالفرق التقليدية في البطولة النمساوية التي تعوّدت المراهنة على الالقاب واللعب على المراكز الأمامية. الضغط في كرة القدم عامل مهمّ جدا لأنه يدفعنا للتقدّم وبذل جهد أكبر.
قبل مواصلة الحديث عن النجاح الأوروبي لا يمكن التغافل عن فيروس كورونا وما حصل في العالم بأسره خاصة على المستوى الرياضي…؟
بطبيعة الحال… مررنا بظرف صعب وعصيب ليس من السهل أن يتوقّف العالم بتلك الصورة الفجئية وحتى في كرة القدم كان الضرر كبيرا… بالنسبة لفريقي كنّا نقدّم مستويات ممتازة ونحقق نتائج باهرة قبل أن تتوقّف البطولة بسبب هذا الوباء ولكن أقول دائما الحمد لله لأننا خرجنا بأخفّ الأضرار مقارنة بما حصل في بعض الدول المجاورة وحتى في بعض الفرق الأخرى وهذا بسبب الاجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة النمساوية والحقيقة تقال فريقنا لم يتضرّر كثيرا مقارنة بالبقية… على الصعيد المادي الجميع تضرّر وعلى سبيل المثال مهاجم الفريق «شان فايسمان» الذي يتصدّر ترتيب هدافي البطولة بـ 30 هدفا كان محط أنظار عديد الفرق الكبيرة ولكن بعد كورونا تراجعت قيمته التسويقية الى الثلث…
لنعد الى محمّد الساحلي وأنت لازلت في بداية مسيرتك التدريبية هل تعتقد أنّ المدرّب التونسي قادر أن يكون خير سفير للكرة التونسية في العالم؟
أكيد… أعتقد أنّ المدرّب التونسي قادر على أن يكون أفضل سفير لتونس في الخارج وان شاء الله العبد لله قد وفّقت ربّما في فتح الأبواب للمدرّبين التونسيين للنسج على منوالي… كنت دائما أكرّرها «تونس ولاّدة وان شاء الله ما تولّيش مقبرة للمواهب»… المدرّب التونسي يحظى بسمعة طيبة في الخارج خاصة في بلدان الخليج العربي وفي شمال افريقيا ولم لا نمرّ الى الضفّة الأخرى وإن شاء الله أكون فاتحة خير للبقيّة.
القاعدة تقول إنّ الكفاءات التونسية التي تسطع في الخارج من الصعب جدّا ان لم نقل من المستحيل عودتها الى تونس… فهل تفكّر في خوض تجربة تدريبية في تونس لو توفّر لك العرض المناسب؟
الباب دائما مفتوح… ولست من الذين يؤمنون بأن النجاح في الخارج يعني استحالة العودة الى تونس… الشرط الوحيد هو وصول عرض يتناسب مع أفكاري ومع قيمتي ويوفّر لي فرص وضمانات النجاح… أنا منفتح دائما على كل الأفكار وكلّ العروض ولم لا أعود الى تونس لتدريب فريق يكون هدفه التطور والذهاب بعيدا على المستوى الخارجي. فقط أنا أرفض أن أكوّن مدرّبا بديلا أو مؤقتا لفترة زمنية قصيرة أو أن أفتك مكان أحد… أنا مع مشروع رياضي متكامل وواضح على المدى الطويل.
بالنسبة لي كان لي منذ البداية هدف واضح وهو الوصول الى آخر الطريق والحقيقة أنّي لم أختر الطريق السهلة… كنت في تحدّ شخصي مع نفسي والحمد لله أنا في الطريق الصحيحة ومازال بانتظاري الكثير لأحققه ان شاء الله في بطولة أقوى ومع فريق أكبر…
بحكم قربك من الدوريات الأوروبية ومن مراكز تكوين الشبان لماذا تونس لا تملك لاعبين متميزين في أوروبا على غرار لاعبي الجزائر ومصر والمغرب أمثال محمد صلاح ورياض محرز وأشرف حكيمي؟
من وجهة نظري المشكل يكمن في عنصرين أساسيين هما تكوين الشبان وعقلية اللاعب التونسي… في تونس التكوين سيءّ والعقلية «خايبة برشة»... في تونس هناك ضغط كبير مسلّط على المدربين الشبان الذين هم مطالبون بالنتائج قبل التكوين وهذا خطأ كبير… ما فائدة النتيجة لطفل في الـ 13 أو 14 من عمره؟ ثمّ عقلية اللاعب التونسي الذي يرفض التضحية والصبر… يمكن القول إن اللاعب التونسي مدلّل وهذا الدلال تسبّب في اندثار عديد المواهب التونسية التي كانت قادرة على التألّق والنجاح في أوروبا يتطلّب أن تكون مقاتلا وصاحب نفس طويل.
في تونس نغالط أنفسنا جميعا ونتفاخر بأنّ اللامع التونسي منضبط وذكيّ تكتيكيا ولكن هذا ليس كافيا… كرة القدم تعطي فقط لمن يعطيها بسخاء… هنا في النمسا يسألونني دائما كيف لمدرّب ناجح أن يأتي من بلد ليس فيه مواهب كبيرة وكنت دائما أردّد بأن تونس فيها العديد من المواهب والكفاءات ولنا ثقافة كروية كبيرة ومن أحسن المنتخبات في منطقتنا.
الأكيد أنك تتابع كرة القدم التونسية وخاصة المنتخب الوطني فما هو رأيك في الناخب الوطني المنذر كبيّر؟
أولا بالنسبة لي أنا مع منح الثقة للمدرّب التونسي مهما كان اسمه… والمدرّب التونسي هو الوحيد القادر على فهم طبيعة اللاعب التونسي وتوظيفه كأحسن ما يكون… صحيح نجحنا مع كاسبرجاك وروجي لومار ولكن الأفضلية دائما هي للمدرّب التونسي. بالنسبة لكبيّر أرجو له التوفيق والنجاح لأنّ في نجاحه نجاحا للمدرّب التونسي حيث ما كان… مهما يكن الاسم سواء المنذر كبيّر أو محمد الساحلي أو غيرهما المهمّ هو نجاح المنتخب وتطوّر الكرة التونسية وأعتقد أن كبيّر قادر على تقديم نتائج ممتازة على رأس المنتخب لأنّه يملك الخبرة اللازمة للتعامل مع اللاعب التونسي ومع المواهب الموجودة على ذمّته.
نجاحك كمدرّب تونسي خارج حدود أرض الوطن لم يلفت نظر الجامعة التونسية لكرة القدم إليك بمعنى هل حصل تواصل بينك وبين الجامعة؟
لا الجامعة لم تتصل بي ولا يوجد تواصل بيننا مطلقا… لم يتصّل بي أيّ شخص محسوب على جامعة الكرة وحقيقة لا أعرف السبب وراء ذلك لاني كنت قادرا على تقديم المساعدة… 3 سنوات للخلف كنت مع المنتخب النمساوي للأواسط كأوّل عربي وافريقي يشرف على تدريب منتخب نمساوي بالنظر الى العقلية الصعبة الموجودة هنا ولكن الحمد لله المستحيل ليس تونسيا.
هل تحلم يوما بتدريب المنتخب التونسي الأوّل؟
أيّ شخص يحلم بتدريب منتخب بلده وبالنسبة لي تدريب المنتخب هو تكليف وليس تشريفا والهدف هو توظيف كل طاقاتك وامكاناتك لخدمة بلادك ولكن كما قلت أرجو من كلّ قلبي التوفيق والنجاح للمنذر كبيّر.
على ذكر الحديث عن المواهب هل صحيح أنّك كنت وراء اكتشاف مهاجم بوروسيا دورتموند هالاند الذي يعتبر أقوى مهاجم في العالم حاليا؟
كنت أشرف على تدريب المنتخب النمساوي للأواسط وقد خضنا مباراة وديّة مع النرويج أقلّ من 17 وقد كنّا متقدمين في النتيجة بهدف لصفر وقبل نصف ساعة من نهاية المباراة دخل هالاند ارض المباراة وقلب كل الموازين وكان لاعبا لا يوصف… عدّل النتيجة وأحكم الخناق علينا. بعد نهاية المواجهة سألت مدرّب النرويج لم أشركه كاحتياطي فأكّد لي أنّ فريقه اشترط ذلك. بعدها نصحت مسؤولا بفريق راد بول سالزبورغ بانتدابه وهو ما تمّ فعلا وبقيّة الحكاية تعرفونها. لقد واجهته في ما بعد وانتصر علينا راد بول بخماسية سجّل منها هالاند ثلاثية وقدّم تمريرتان حاسمتان وبعد المباراة جاء لتحيّتي فمازحته بأنّي لم أكن لأنصح به لو كنت أعلم أننا سنتواجه في يوم من الأيام.
البعض يعتبرك مدرّب تكوين شبّان بالأساس؟
ممكن لانّ بداياتي كانت مع الشبان ولكن نجاحي تواصل مع الفريق الاوّل… ثمّ هنا لا تعطى المناصب لسواد العيون… عندما تمّ التعاقد معي في راد بول كان هناك مشروع رياضي كبير بدأ عندما نصح فرانس بيكنباور رئيس سالزبورغ للفورمولا 1 بشراء فريق كرة قدم للتعريف بنفسه أكثر… ومن هناك تمّ الاستنجاد بأهمّ الكفاءات الموجودة بالنمسا من بينهم «العبد لله» يعني أنه لا شيء يأتي بالصدفة.
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ 7 جويلية 2020