الشارع المغاربي – في ذكراه الـ63 : ما لا يُعرف عن الخلاف البورقيبي/اليوسفي قبل وبعد مؤتمر صفاقس.. بقلم :لطفي الشايبي

في ذكراه الـ63 : ما لا يُعرف عن الخلاف البورقيبي/اليوسفي قبل وبعد مؤتمر صفاقس.. بقلم :لطفي الشايبي

17 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي : لازالت فعاليات المؤتمر الخامس للحزب الحر الدستوري (صفاقس، 15 – 19 نوفمبر 1955 ) وما أحدثته من حسم حزبي لصالح الزعامة البورقيبية على حساب غريمتها اليوسفية تثير اهتمام الباحثين في حقل التاريخ السياسي التونسي المعاصر.

ولئن ركّزت تحاليل الباحثين على نتائجها في مسار حركة التحرير الوطنية وما أفضت إليه من حلقات تفاوض عسيرة مع السلطة الاستعمارية الفرنسية أدت إلى الظفر بالاستقلال المرحلي (استكمال السيادة من مارس 1956 إلى ماي 1964 ) المكرّس لبوتوكول الاستقلال التام الممضى يوم 20 مارس 1956 (، فإن جانبا هاما من سيرة الزعيمين، الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف واستراتيجية كفاحهما لحظة بداية الصراع وتطوراته بقي مغمورا وغير معروف، ومن ذلك عودة الزعيم صالح بن يوسف إلى الجنوب التونسي بعد مغادرته له في فيفري 1956 لاجئا إلى المملكة الليبية، ومكوثه قرابة الأسبوع ببني خداش تحديدا في بداية شهر نوفمبر 1956 ومقابلته للوزيرين، الباهي الأدغم والطيب المهيري، في حكومة الحبيب بورقيبة (أفريل 1956 – جويلية 1957 ( 1) ) .

أما الجانب المغمور لسيرة الشخصيتين الوطنيتين المتنافستين قبل انعقاد المؤتمر، فيكمن أوّلا مع بداية انخراط المحامي صالح بن يوسف الفعلي في النشاط الحزبي «الذي رجع إلى تونس في آخر صيف 1934 وحضر أثناء السنة بعد مؤتمر قصر هلال بعض الاجتماعات وأخذ الكلمة وأعجب به سي الحبيب (بورقيبة)، وهو من عائلة وطنية، والجرابة (أي أهل جربة) كانوا كلّهم في الحزب القديم، فكان مجيء صالح سببا في جرّ القسم الأكبر منهم إلى الحزب
(الجديد 2)» .

وقد سبق للطالب صالح بن يوسف أن أصدر مقالتين في مجلة « المغرب Maghreb « الباريسية التي يديرها حفيد كارل ماركس، المحامي الاشتراكي المناهض للاستعمار، «روبار جان لونقي Robert Jean Longuet » والتي كان من ضمن هيئة تحريرها، المحامي الراديكالي الماصوني المناهض للاستعمار، «قسطون برجري Gaston »Bergery ، كان لهما صدى في الأوساط الاستعمارية( 3).

ويشير المناضل يوسف الرويسي الذي واكب مسيرة الزعيمين بورقيبة وبن يوسف عن قرب بصفته عضو المجلس الملي للحزب الحر الدستوري
الجديد (مارس 1934 – 1938 ) أن بداية التنافس بل الاختلاف بينهما حصل في أشغال المجلس الملي للحزب المنعقد يوم 14 مار 1938 حين تقرر البت في الشغور الحاصل في رئاسة الحزب إثر استقالة د. محمود الماطري (جانفي 1938 ) وترشح كل من بن يوسف والهادي نويرة لسدّه ولم يتحصلا على أغلبية الأصوات بينما أراد الزعيم بورقيبة الجمع بين الكتابة العامة والرئاسة. ولم يفلح نجاح المناضل الطاهر صفر الذي تحصل على أغلبية الأصوات في حل المشكل حيث اختلف مع الزعيم بورقيبة واستقال وبقيت المسألة عالقة للبت في مؤتمر الحزب القادم الذي لم ينعقد بسبب أحداث 9 أفريل 1938 وما ترتّب عنها من قرار الأمر العلي في حلّ الحزب(يوم 13 أفريل 1938  ) (4).

ويُعدّ ذلك من العوامل المفسرة لظهور التنافس من جديد بين الزعيمين إثر جلاء قوات المحور واندحارها في الإيالة التونسية (ماي 1943 )  وهجرة
الزعيم بورقيبة إلى الشرق (مارس 1945)  لتدويل القضية التونسية عن طريق جامعة الدول العربية إلى حين رجوعه يوم 8 سبتمبر 1949 . إذ تمكن
الزعيم صالح بن يوسف في الأثناء مع مرافقيه في الديوان السياسي من إعادة بناء هياكل الحزب المنحل والسيطرة على جهازه الحديث (مؤتمر دار سليم 15 أكتوبر 1948 ) بعد مبادرته الناجعة في تطبيق برنامج الحزب الحر الدستوري المعلن عنه يوم 1 جوان 1934 في جريدة «العمل » : برنامجنا
وأسلوبنا في الكفاح والمتمثل في السهر على تكوين المنظمات القومية ( تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 والاتحاد التونسي للصناعة
والتجارة سنة 1948 والاتحاد العام للفلاحة التونسية سنة 1950 ).

وبقدر ما أصبح الزعيم صالح بن يوسف المحاور الجدير للباي المُنصّب، محمد الأمين إثر الإطاحة بمنصف باي ( 13 ماي 1943 ) ووفاته في المنفى (1 سبتمبر 1948 )، كان الزعيم بورقيبة قد ظفر بورقة المحاور الجدير لدى القوة الأمريكية الصاعدة بفضل العلاقات التي نسجها مع القنصل الأمريكي الديموقراطي بتونس، « هوكر دوليتل Hooker » Doolittle .

واشتد التنافس بين الزعيمين في فترة المقاومة ( 1952 – 1954 ) للفوز بورقة المحاور الجدير الحاسمة لدى السلطة الاستعمارية (زيارة كل من النائبين الاشتراكيين المناهضين للاستعمار، « روبار فرديي » و « آلان سافاري » تباعا سنة 1952 و 1953 لسجين جالطة من جهة وخطاب الزعيم صالح بن يوسف المُدٙوِّي في أشغال مؤتمر الأممية الاشتراكية بستوكهولم (جويلية 1953 ) بصفة ملاحظ من جهة أخرى والذي أعلن فيه عن عزم الحزب الدستوري الانخراط في الاشتراكية حالما تتحصل تونس على استقلالها.

وكأن المشهد السياسي الذي رافق رجوع كل من الزعيمين بورقيبة -مظفرا يوم غرة جوان 1955 والمتزامن مع إبرام الاتفاقيات التونسية (الفرنسية ) 3 جوان 1955 ( – وبن يوسف ) (13 سبتمبر 1955 ) – العازم على حسم الخلاف بينه وغريمه في مؤتمر ينعقد في مدينة تونس- يوحي بنزاع بين المؤسس للحزب سنة 1934 وبين الذي أعاد بناء هياكله سنة 1948 .

وهنا نلمس الخيط الناظم الذي يفسر عودة الزعيم صالح بن يوسف مطمئنا بأن أنصاره ستكون لهم الغلبة في مؤتمر يعقد تحت رعاية جامعة تونس والأحواز التي يرأسها المناضل علي الزليطني. لكن الزعيم بورقيبة بفضل المساندة والدعم التي قدمه المناضل النقابي الوطني، الحبيب عاشور رفقة أحمد بن صالح،
الكاتب العام للاتحاد العام التونسي للشغل لتأمين أشغال المؤتمر في صفاقس قلب ميزان القوى ( 6).

حيث يذكر المناضل النقابي، محمد كريم تفاصيل الصفقة التي حصلت بين الزعيم بورقيبة والقيادة النقابية : الدعم مقابل المصادقة على برنامج الاتحاد
الاجتماعي الاقتصادي الذي تم تمريره في لائحة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لمؤتمر الحزب بصفاقس (نوفمبر 1955):

Pendant l’été 1955, la capitale se trouva majoritairement acquise à Salah Ben Youssef. La Fédération de Tunis s’était rangée derrière lui. Les Cheikhs de la Zitouna lui apportèrent leur soutien. Bourguiba, minoritaire, n’avait le moral au beau fixe. Habib Achour, de passage à Tunis, me demanda de l’accompagner pour une visite à Bourguiba…Bourguiba fait part à Achour de son désir de résoudre le problème Ben Youssef par la tenue d’un congrès pour les départager. Ce désir était plutôt difficile à réaliser, compte tenu de l’hostilité que lui manifestait la Fédération Destourienne de Tunis. C’est alors que, s’engageant à en assurer la réussite, Habib Achour lui proposa d’organiser le congrès à Sfax… ».
وهي الشهادة المؤكدة في مذكرات الحبيب عاشور بأكثر تفاصيل عن حالة الإعياء واليأس والإحباط التي وجد فيها الزعيم بورقيبة حين زيارته صحبة محمد كريم ( 6).
أجل انتصرت المقاربة المرحلية البورقيبية في مؤتمر صفاقس ولم يلب الزعيم بن يوسف دعوة الحضور التي وجهت إليه ليس خوفا عن حياته لأنه كان في صفه حينذاك القائد الطاهر الأسود وكتيبة هامة من المقاومين وفي حوزته العتاد والسلاح وهو من شأنه أن يوفر له الحماية اللازمة ولكن تذرع بصعوبة الاتصال بالشعب التي انسلخت عن الديوان السياسي طالبا مهلة بأسبوع حتى يواجه الظرف الجديد المنجر عن تحالف الاتحاد مع الزعامة البورقيبية الحداثية ضد الزعامة اليوسفية المحافظة.

واحتد النزاع الدموي بين أنصار الزعيمين ولم تتدخل المندوبية السامية الفرنسية بصفة مباشرة في النزاع إلا عشية القبض على « عصابة الشملي » اليوسفية والتي فتحت في شأنها تحقيقا تواصل من 16 ديسمبر 1955 إلى 3 فيفري 1956 حيث حاول المندوب السامي «روجي سيدو » إقناع الزعيم بورقيبة وبعض أعضاده بضرورة Roger Seydoux إلقاء القبض على الزعيم صالح بن يوسف ومحاكمته في تونس، في حين كان الزعيم بورقيبة يرى من الأفضل «تسهيل ترحيل الزعيم صالح بن يوسف في أقرب الآجال إلى طرابلس (8)» .

وغادر الزعيم صالح بن يوسف التراب التونسي بدفع من الديوان السياسي حتى لا يقع اعتقاله ومحاكمته والتي خطط لها المندوب السامي لفرنسا
وضبط تاريخها لفجر يوم 28 جانفي 1956 وبقي متخفيا في الجنوب التونسي إلى حد الليلة الفاصلة بين 3 و 4 فيفري 1956 حيث عبر الحدود التونسية الليبية. ثم رجع الزعيم صالح بن يوسف إلى الجنوب التونسي في نوفمبر 1956 حيث أقام مدة أسبوع في بني خداش خشية أن يقع القبض عليه من قبل
المخابرات الإنجليزية في التراب الليبي تزامنا مع الاعتداء الثلاثي الانجليزي الفرنسي الإسرائيلي على قنال السويس (أكتوبر – نوفمبر 1956) ( 9).
———————–
الهوامش
( 1 ملحوظة استخباراتية من قنصلية فرنسا بتونس حول زيارة صالح بن يوسف إلى تونس بتاريخ 14 نوفمبر 1956 في أرشيف المصلحة التاريخية لجيش البر (تونس) Service Historique de l’Armée de Terre ، صندوق 2 H 374 ، ملف عدد 1، نشاط الحركة اليوسفية والتنافس بين بن يوسف وبورقيبة 1954
.-1957
( 2) كتابات ومذكرات المناضل يوسف الرويسي السياسية. إعداد وجمع وتقديم د. عبد الجليل التميمي. زغوان، متبعم، 1995 ، ص.. 87
(3) –Maghreb, n°11, mai-juin 1933. L’insuccès de la naturalisation française en Tunisie, Salah Ben Youssef. – Maghreb, n° 20, mars 1934. L’Afrique Française et le Néo-Destour, Salah Ben Youssef.
( 4) كتابات ومذكرات المناضل يوسف الرويسي …، مصدر سابق، ص. 106 و 107 .
( 5) – إدريس (الرشيد): في طريق الجمهورية. مذكرات. بيروت، دار الغرب الإسلامي، 2001 ، ص. 421 و 437 . – بوعلي (البشير): ذكريات مناضل وطني. تونس، بدون تاريخ، ص. 211 .
(Kraiem (Mohamed) : Feuillets d’une vie. Du (6) Mouvement Syndical au Gouvernement. Tunis, L’Or du Temps, 2013, pp. 147 – 148.
(7) Achour (Habib) : Ma vie politique et syndicale. Enthousiasme et déceptions 1944 – 1981. Tunis, Alif, 1989, page 51.
( 8) راجع النص الكامل لمحاضر جلسات المندوب السامي مع الزعيم بورقيبة وأعضاده في خصوص «المشكل اليوسفي » الوارد في التقرير المتعلق بحيثيات مغادرة صالح بن يوسف خلسة التراب التونسي نحو ليبيا، الموجه من روجي سيدو إلى بتاريخ 30 أفريل 1956 إلى كاتب الدولة للشؤون الخارجية المكلف بالشؤون المغربية والتونسي، الاشتراكي المناهض للاستعمار، آلان سافاري في مؤلفنا : الحركة الوطنية التونسية والمسألة العمالية النقابية معا لافتكاك الاستقلال.
المجلد الثاني 1952 – 1956 . تونس، مركز النشر الجامعي، 2016 ، ص. 380 – 396 و 410 – 425 .

( 9) ملحوظة استخباراتية من قنصلية فرنسا…، مصدر سابق.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING