الشارع المغاربي – الغنوشي رئيس البرلمان.. ورئيس الحكومة بالوكالة / بقلم كوثر زنطور

الغنوشي رئيس البرلمان.. ورئيس الحكومة بالوكالة / بقلم كوثر زنطور

قسم الأخبار

23 نوفمبر، 2019

الشارع المغاربي :-بقلم كوثر زنطور  انطلقت يوم امس الاثنين مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي ، وعكس مشاورات حكومات  ما بعد انتخابات 2014 ، التي كان قصر الرئاسة المتحكم الرئيسي فيها، ثم تحولت سلطة القرار للقصبة في التحوير الوزاري المعلن عنه بتاريخ 5 نوفمبر 2018 ، سيكون مجلس نواب الشعب المركز الفعلي لمشاورات تشكيل الحكومة وسيكون رئيسه راشد الغنوشي مهندس التحالفات ومُوزع “الحقائب”   ..

تميزت ردود أفعال كل المعنيين بالمشاركة في الحكم ، وأساسا تحيا تونس وائتلاف الكرامة وقلب تونس وحركة الشعب والاصلاح الوطني والتيار الديمقراطي ، بدبلوماسية نسبية في التعاطي مع رئيس الحكومة المُكلف ، ولم يصدر عن أي حزب منها رفض قاطع للتعاطي مع الجملي ، باستثناء التشكيك في استقلاليته السياسية والتلميح لكونه “نهضوي مستتر” ، مع هذه الدبلوماسية التكتيكية الهادفة لتحييد رجل القصبة القادم ، يتمسك “الجميع” بشروطه لقبول المشاركة في الحكم بما يجعل التوصل لـ”كلمة سواء” بين هذه الاحزاب صعبا جدا .

الكواليس

بعد محاولة البحث عن أعذار لتبرير تحالفها مع حركة قلب تونس في انتخابات رئاسة البرلمان وحصرها في توازي المسارين البرلماني والحكومي ، عادت حركة النهضة للمناورة في علاقة بمشاورات تشكيل الحكومة ، بين تأكيد رئيسها راشد الغنوشي ان قلب تونس ليس معنيا بها ، وتشديد قياداتها على ان رئيس الحكومة المكلف هو من سيُقرر تشريك هذا الحزب من عدمه ، وان له ” صلاحيات الفرز بين الاحزاب” وفق ما يراه صالحا .

ملف “قلب تونس” بات من اكثر الملفات المعقدة بالنسبة للحركة ، حسابيا يبدو المرور عبره  أمرا حتميا لضمان المصادقة على الحكومة بأغلبية مريحة ، ومقارنة بكل الاحزاب الاخرى ، قلب تونس هو الحزب الوحيد الذي لم يضع شروطا تعجيزية للدخول للحكومة ، بل ويعرض خدماته على الحركة مستعملا نفس  “حجج” حزب تحيا تونس بتغيير بسيط بين استعمال تعلة الاستقرار الحكومي للارتماء في احضان النهضة وضمان بقاء يوسف الشاهد في القصبة” ليصبح مع قلب تونس تغليب المصلحة الوطنية والبحث عن الاستقرار السياسي .

ورغم استعداد حزب القروي ، فان للنهضة اشكالا داخليا وخارجيا لن يجعل من التحالف الحكومي مع هذا الحزب مسألة هينة . داخليا هناك رفض واسع للتحالف مع قلب تونس وكان قد تعهد في حملته الانتخابيةبعدم التحالف معه ناعتا اياه بحزب “الفساد” ، وعلى المستوى الخارجي يشترط ائتلاف الكرامة والتيار الديمقراطي عدم تشريك قلب تونس لقبول المشاركة في الحكومة القادمة ، وهذا يعني في صورة تشريك هذا الحزب على حساب الحزبين الاخرين طي ما كان يسمى بـ”حكومة الثورة” ، التي كان تشكيلها من ضمن تعهدات النهضة الانتخابية.

سياسيا ، تبحث النهضة عن تحميل التيار الديمقراطي رأسا مسؤولية التحالف مع قلب تونس ، الذي تقدمه كخيار فُرض عليها بسبب ” شروط التيار التعجيزية” والتي تضم بخلاف الفيتو على قلب تونس ، منحها وزارات العدل والداخلية والاصلاح الاداري ، مع صلاحيات واسعة واتفاق كتابي على عدم تعطيل اصلاحاته في الحقائب الثلاث المذكورة ، ويقول مصدر من التيار ان النهضة وافقت على منحهحقيبتي العدل والاصلاح الاداري وانها اقترحت ابقاء الداخلية على ذمة ” مستقل ” مثلها مثل وزارة الدفاع ، وهو ما يشير اليه تصريح الغنوشي يوم امس الذي اكد فيه انه مع تحييد وزارات السيادة .

ورغم حماسة شق من النهضة للتحالف مع التيار ، والمرور بالتالي لتشكيل ما يسمى بـ”الحكومة الثورية” فان جلهم لا يخفون أيضا توجسا من شروط هذا الحزب خاصة المتعلقة بوزارتي العدل والداخلية ، اللتين تمثلان قلب الحكم ، وبات للحركة ثقل فيهما منذ 2011  حتى اليوم، ولا تعتزم التخلي عنهما ، او تقديمهما هدية لـ”حليف شرس” قد يوظفهما في ما بعد ضد الحركة وقيادات منها ، والواضح استنادا الى التصريحات الرسمية والى ما يتناقل في الكواليس ان ” الثقة” مفقودة بين الطرفين .

فالنهضة تبحث عن ” شريك مطيع” لا يملي شروطه ولا يتطلع لمجاراتها في نسق الحكم ،  مقابل تيار منقسم بين اقلية تبحث عن موقع قدم في الحكم وترى انها ستحاسب على مردودية وزرائها وتدعو للتنازل للوصول الى نقطة التقاء مع النهضة ، واغلبية تعتبر ان الحزب لا يزال في مرحلة بناء وان التموقع في معارضة مسؤولة و” التمسك بالمبدئية” والتمايز عن بقية الاحزاب من نفس عائلتها خاصة منها الائتلاف والنهضة ، سيمكنه من التحول الى لاعب أساسي في المشهد وصاحب الاغلبية في الانتخابات القادمة.

هذا الانقسام يشمل كل الاحزاب بلا استثناء ، النهضة منقسمة بين شق حول ” الرئيس ” مستعد لكل المناورات لمسك الحكم بقبضة من حديد ، ويبحث عن تحالفات مع ” الاطراف الاضعف” ، وشق معارض متمسك بتعهدات الحملة ، ويدفع نحو تشكيل حكومة ثورية تقلص من نفوذ الغنوشي وجماعته ، وهذا الانقسام يضرب ايضا حزب تحيا تونس الذي يرى جزء منه ان الصموديمر عبر البقاء في السلطة ،مقابل اصوات تدعو لرص الصفوف والتموقع في المعارضة ومحاولة استقطاب النواب الغاضبين من احزابهم ( قلب تونس والاصلاح الوطني ) .

ولا يختلف الامر في حركة الشعب ، الحزب الذي يختفي وراء التيار الديمقراطي ودخلت قيادات منه في “مشاورات” جانبية مع النهضة ، ويعلم انه لن يكون طرفا في الحكم الا بدعم من التيار الذي يتجه نحو تشكيل كتلة موحدة معه ، والحركة تعلم ان موقفها من الجهاز السري وتحميلها المسؤولية السياسية لاغتيالات لن يجعلها شريكا مرحبا به ، ان لم يكن للنهضة ككل ، فبالنسبة للشق المهيمن فيها ، اضافة الى محاولتها توظيف علاقتها في اتحاد الشغل لفرض اختيار الحبيب كشو او المنجي مرزوق كمرشحين لرئاسة الحكومة.

اما كتلة الاصلاح الوطني ، فهي ” مضمونة” بالنظر الى كم التناقضات التي تشقها ، هي كتلة تقنية مثلما يقول رئيسها حسونة الناصفي ، وان لم تقبل المشاركة في الحكومة ، فان ثلثها على الاقل سيصوت لفائدتها في جلسة منح الثقة ، ونذكّر في هذا السياق بأن ثلثها صوت لفائدة راشد لغنوشي في انتخابات رئاسة البرلمان ، وهو حال كتلة ائتلاف الكرامة ، التي تحاول تسويق ” التمرد” على النهضة في خيارات استراتيجية بالنسبة لها على غرار التحالف مع قلب تونس ، وستصوت للحكومة سواء شاركت فيها ام لا ، او سيصوت جزء منها لفائدتها .

وعكس كل الكتل الاخرى ، ستكون كتلة ائتلاف الكرامة في عزلة برلمانية وسياسية ، ولن تجد لها موقعا ان اختارت معارضة الحركة ، او عدم التصويت لحكومتها ، والاغلب ان هذه الكتلة ستكون داعمة للحكومة دون المشاركة او ترشيح مقربين منها لحقائب وزارية ، ولا احد من نوابها مستعد للتفريط في موقعه البرلماني وما يمنحه من حصانة .

المشاورات في البرلمان

لا تبدو لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي قدرة على مسايرة ” شروط الاحزاب” المعنية بمشاورات تشكيل الحكومة ، فبخلاف انعدام تجربته السياسية وعدم معرفته بمغاورها ، لا احد من الفاعلين اليوم يراه الماسك الحقيقي بملف المشاورات او المحدد الفعلي في تشكيل الاغلبية الحاكمة وفي رسم تحالفاتها السياسية ، الامر سيكون في يد النهضة وتحديدا رئيسها الذي سيقود المشاورات من مكتبه الجديد في مجلس نواب الشعب.

التجارب السابقة بينت ان كل رؤساء  الحكومات ، لا سلطة قرار لهم في تحديد التحالفات ، حتى في حكومة المهدي جمعة الذي فرضت فيها اسماء بعينها ، وحافظ خلالها بضغط من النهضة على وزير الداخلية وقتها لطفي بن جدو ، وتكرر الامر مع الحبيب الصيد الذي اكتفى باختيار عدد من مستشاريه ثم يوسف الشاهد في حكومته الاولى ، وكان “صاحب القرار” وقتها الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية والرئيس الشرفي لنداء تونس .

المرحلة القادمة ستكون مرحلة “حكم الغنوشي وجماعته” ، وستكون لها اليد العليا في كل ما يتعلق بتحالفات تشكيل الحكومة ، وبتركيبتها ، وسيتحول الثقل السياسي الذي كان حتى 2017 في رئاسة الجمهورية ثم تحول للقصبة ، الى البرلمان الذي سيتحول الى مركز الحكم ، وسيكون الغنوشي  رئيسا للبرلمان وللحكومة بالوكالة مرفوقا بعضده الاهم ، نور الدين البحيري ، وسيبحث في الاثناء رئيس الجمهورية قيس سعيد عن مبادرات للظهور لن تجعله مسيطرا على القرار السياسي الا ان فشل مسار تشكيل الحكومة الحالية وهي فرضية صعبة ، والمرور الى ” الشخصية الاقدر” .

التحالفات القادمة كانت تطبخ منذ الاتفاق بين النهضة وقلب تونس على انتخاب الغنوشي رئيسا للبرلمان ، كل الاحتمالات واردة بما فيها تصويت جزء من نواب قلب تونس لفائدة الحكومة دون المشاركة فيها ، او ترشيح مستقلين ، او قبول شروط التيار ، ولن يكون حزب القروي عنصرا معطلا للمصادقة على الحكومة لا هو ولا ائتلاف الكرامة …

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING