الشارع المغاربي – إما معطيات مغلوطة وإما عدم إدراك/ بقلم: جنات بن عبد الله

إما معطيات مغلوطة وإما عدم إدراك/ بقلم: جنات بن عبد الله

قسم الأخبار

12 مارس، 2021

الشارع المغاربي: أثار تقييم وكالة الترقيم الدولية» موديز» بتاريخ 23 مارس 2021، وبيان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المتعلق بمشاورات المادة الرابعة لسنة 2021 مع تونس والصادر بتاريخ 26 فيفري 2021 صدمة لدى الخبراء والمختصين الاقتصاديين والماليين في تونس رغم عدم تفاجئهم بهذه النتائج حيث أن كل المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المسجلة في سنة 2020 من جهة، وتعاطي حكومة المشيشي مع التطورات من خلال قانون المالية لسنة 2021 من جهة ثانية، كانت تؤكد استمرار تدهور كل هذه المؤشرات.

خطورة هذه التقييمات تكمن في علاقتها بمستقبل استقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد والذي بلغ مستويات غير مسبوقة من التدهور ترجمها تفاقم البطالة وتفاقم الفقر وارتفاع عدد المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا والتي لم تجد لدى الحكومة المساعدة اللازمة على غرار ما تمتعت به نظيراتها في بقية بلدان العالم.

هذا الواقع ترجمه أيضا تفاقم عجز الميزان التجاري الذي بلغ في سنة 2020 مستوى 23.7 مليار دينار، وارتفاع عجز ميزانية الدولة الذي بلغ 13.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي محين لسنة 2020 دون اعتبار الهبات والمصادرة، والدين العمومي الذي بلغ 90 بالمائة محين لسنة 2020 ونسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي التي بلغت 8.8 بالمائة سلبي.

ورغم خطورة هذه المعطيات والبيانات الصادرة عن جهات دولية فقد تعاطت الحكومة من خلال وزير المالية والاقتصاد ودعم الاستثمار في تصريح له بتاريخ 1 مارس الجاري بكل أريحية حيث اعتبر أن الوضع صعب وسيصبح خطيرا الا أن تونس لن تصل الى الإفلاس حسب رأيه.

في المقابل اعتبر مدير عام التمويل والدفعات الخارجية بالبنك المركزي والمشرف على إدارة العلاقة بين تونس ومختلف وكالات الترقيم الدولي في تصريح له بتاريخ 24 فيفري 2021 أن وكالة «موديز» رسمت عن تونس سبورة كحلة.

ولعل الأخطر في تصريح المسؤول بالبنك المركزي قوله أن الوكالة كانت تترقب تطورا إيجابيا للمؤشرات المالية والاقتصادية وما سماها المسؤول التونسي بالإنجازات الاقتصادية التونسية مع بداية سنة 2021 وأن الوكالة لم تنتظر أن تسجل ميزانية الدولة عجزا ب 11.5 بالمائة بل بلوغ 6 أو 7 بالمائة بالنظر لما قدمته السلطات التونسية من معطيات وتوقعات للوكالة في شهر سبتمبر 2020.

لا وجود لتفسير لما جاء على لسان المسؤول بالبنك المركزي من استغراب وتساؤل بخصوص بيان وكالة «موديز» الذي جاء بناء على معطيات قدمتها لها السلط التونسية والذي جعلها تقدر عجز ميزانية الدولة في حدود 11.5 بالمائة في سنة 2020 لتعلن توقعها بتراجع هذا العجز الى مستوى 6 و7 بالمائة وهو توقع بعيد عن الواقع بل ان الفارق بين 11.5 بالمائة و6 بالمائة غريب وغريب جدا. فارق ينمّ إما عن عدم دقة المعطيات التي وفرتها السلط التونسية أو عن عدم ادراك الجهات الدولية بحجم هشاشة الاقتصاد التونسي، ليقفز العجز الى 13.4 بالمائة محينة ومعلنة رسميا.

كما أننا لا نفهم المعايير ولا الأسس التي استند اليها بيان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الذي توقع تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نسبة نمو ب 3.8 بالمائة إيجابية في سنة 2021 في الوقت الذي كشفت فيه السنوات الماضية بعد الثورة أن معدل النمو خلال الفترة الماضية، وبعيدا عن جائحة كورونا، لم تتجاوز 1.6 بالمائة لنتساءل عن طبيعة الوصفة السحرية للصندوق والتي تبنتها حكومة المشيشي والتي ستقفز بنسبة النمو من 8.8 سلبي في سنة 2020 الى 3.8 بالمائة إيجابي في سنة 2021 ليتعمق الاستغراب بالقدرة على تحقيق هذه القفزة مع تمسك الحكومة بعدم المطالبة بإعادة جدولة الديون الخارجية بما يعني التزام حكومة المشيشي باحترام آجال تسديد الديون المبرمجة خلال السداسي الأول من هذه السنة في ظل عدم توفر الاعتمادات اللازمة لتغطية نفقات الميزانية من الموارد الذاتية للدولة واعتمادها على القروض الخارجية.

تحليل وزير المالية للواقع المالي والاقتصادي للبلاد تبنى مسار صندوق النقد الدولي حيث وصف هذا الواقع «بالصعب وسيصبح خطيرا» في حين أننا في حالة افلاس مع تأجيل الإعلان استنادا للمعايير التي استندت اليها وكالة «موديز» المتعلقة بالاحتياطي من العملة الصعبة والتي أجلت بمقتضاها اسقاط تصنيف تونس الى رتبة «س» التي تعكس عجز الدولة عن تسديد ديونها الخارجية لتكتفي بالإعلان عن آفاق مستقبلية سلبية.

ما أثار قلق عدد من الخبراء والمختصين الاقتصاديين التونسيين هذا التواطؤ المكشوف بين السلط التونسية من حكومة وبنك مركزي من جهة، والأطراف الدولية من جهة ثانية، بخصوص حقيقة الاحتياطي من العملة الصعبة الذي يغطي 156 يوم توريد والذي أجل سقوط الجدارة الائتمانية لتونس في رتبة «س» في الوقت الذي جاء هذا الاحتياطي من القروض الخارجية وليس من مواردنا الذاتية من تصدير ومداخيل السياحة بما يضع نقاط استفهام كثيرة حول صمت الجهات التونسية والدولية في ذات الوقت بخصوص طريقة احتساب عجز الميزان التجاري المعتمدة في تونس والتي ترتقي الى مستوى التدليس بعد إقرار صندوق النقد الدولي في سنة 2008 للنسخة السادسة لميزان المدفوعات والتي انطلق في اعتمادها الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2010.

هذه الطريقة تفصل بين المبادلات التجارية للشركات الخاضعة لنظام التصدير الكلي وغير المقيمة والتي هي غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها، والمبادلات التجارية للشركات الخاضعة للنظام العام للتصدير والمقيمة والمطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها بما جعل عجز الميزان التجاري يصل الى 23.7 مليار دينار عكس ما يتم الإعلان عنه وهو في حدود 12.7 مليار دينار في سنة 2020.

ما يثير القلق أو بالأحرى التخوف ووزير المالية يستعد الى التحول في شهر أفريل المقبل الى واشنطن لعرض برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي ستتبناه الحكومة مقابل الحصول على قرض، وفي ظل تضارب المعطيات وحالة الارتياح المشبوهة التي عبر عنها وزير المالية والحال أن البلاد في وضعية افلاس غير معلن، مضمون هذا البرنامج الذي سيقر تنازلات كبيرة للدولة لفائدة القطاع الخاص والشركات العالمية تحت غطاء إعادة هيكلة المؤسسات العمومية ورفع احتكار الدولة في عديد الأنشطة بناء على توصية المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في بيانه الأخير.

الأكيد أن المحاور الأساسية للبرنامج ستكون على حساب المقدرة الشرائية للمواطن والاستثمار الوطني والقطاعات المنتجة وخلق مواطن الشغل.

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 9 مارس 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING