الشارع المغاربي : في مثل هذه الظرفية الدقيقة المتزامنة مع التحضير للانتخابات الرئاسية و التشريعية انغماس الأحزاب السياسية الحاكمة و القوى المعارضة في بناء التحالفات الداخلية والخارجية الكفيلة بضمان فوزها بالسلطة او الاستمرار فيها، علينا ان نستحضر حجم المخاطر المحدقة اليوم بتونس وبانتقالها الديمقراطي نتيجة المناورات السرية والعلنية لأطراف اجنبية دأبت على التدخل في شؤوننا الداخلية و تحولت الى شبه فاعل سياسي داخلي خاصة في المراحل المفصلية من تاريخنا و ذلك سعيا منها للتأثير في المشهد السياسي التونسي وإعادة تشكيله بما يخدم مصالحها مثلما حصل بعد سقوط النظام السابق. والملاحظ ان الاختراقات الخارجية للمشهد السياسي التونسي تعتمد على سهولة استدراج الطبقة السياسية والثغرات الموجودة في القوانين التونسية ومنها خاصة قانون الجمعيات الذي يسمح بحصولها على تمويلات خارجية كثيرا ما يقع تحويل وجهتها لخدمة المصالح والمخططات الاجنبية ولا يستبعد ان يساهم ذلك في مزيد تلويث الحياة السياسية والتأثير على نتائج الانتخابات القادمة مثلما حصل ابان انتخابات 2014
يجدر التذكير في هذا السياق بسرعة التحرك الغربي الفرنسي بعد الثورة بمعية قوى المال والاعمال المحلية المرتبطة مصلحيا بالغرب لضمان عدم تراجع تونس عن الخيارات الاقتصادية القائمة على حرية التجارة مع أوروبا والعمل على مزيد تكريسها والتوسع فيها من خلال اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، وقد كان لذلك عواقب وخيمة تجسدت في الانهيار الاقتصادي الحالي وفي المأزق السياسي الذي كاد يعصف بالانتقال الديمقراطي.
وفي افق الانطلاق القريب للحملة الانتخابية للرئاسيات يمكن للقوى ومنظمات المجتمع المدني المنخرطة منذ سنوات في الصراع مع القوى المهيمنة حول القضايا المصيرية المتعلقة بمستقبل تونس، ان تقوم بدور فاعل لتجنب تكرار نفس السيناريو ولمواجهة ضغوط الأطراف الخارجية وعملائها المحليين المتعودين منذ عقود على فرض شروطهم واملاءاتهم على تونس. فعلى الصعيد الداخلي يمكن المساهمة في الحوار الوطني المرتقب حول حصيلة أداء الحكومات المتعاقبة وسبل بلورة خيارات ومقاربات جديدة كفيلة بمساعدة الحكومة القادمة على اخراج تونس من أزمتها واستعادة عافيتها وإعادة التوازن لعلاقاتنا الخارجية. اما على الصعيد الخارجي فعلينا ان نسعى الى تدويل تحركاتنا ونضالاتنا ضد كافة اشكال الهيمنة المسلطة على تونس منذ عقود لإقحامها في منظومة اقتصاد السوق المختلة وحملها على تبني سياسات واتفاقيات مضرة بمصالحها وتتعارض مع أولوياتها ومشروعها المجتمعي المضمن بدستور الجمهورية الثانية.
وفي هذا الصدد يمكن للقوى الوطنية ان تبادر بتحرك جماعي باتجاه مجموعة السبع في افق انعقاد قمتها القادمة برئاسة فرنسا أواخر شهراوت الجاري، ويمكن ان تتجسد هذه المبادرة في صيغة لائحة جماعية تدعو أعضاء هذه المجموعة لتنفيذ التزاماتها غير المنجزة إزاء تونس وتحميل فرسا وحلفائها مسؤولياتها ازاء الحصيلة الكارثية للسياسات التي فرضوها على تونس بعد الثورة. كما يجوز ان نتقدم بورقة عمل تتضمن مقترحات حول السياسات البديلة التي يمكن ان تؤسس لعلاقات مستقبلية متكافئة ومفيدة للجانبين.
واجمالا علينا ان ندرك ان التصدي لمخاطر العولمة لا يمكن ان يقتصر على الإطار الوطني الضيق بل لا بد من تطويره وتنويع أساليب عمله على المستوى الدولي اخذا بعين الاعتبار التحولات الجغراسياسية التي يمكن توظيفها لصالحنا سيما في ظل عودة الحراك الديمقراطي ليكتسح مجددا الساحة السياسية العربية في المغرب والمشرق. ولعل الغاية القصوى المنشودة من هذه التحركات هي اقناع القوى المهيمنة بضرورة تغيير أساليب تعاطيها مع الاستثناء التونسي والمراهنة على التطلعات الديمقراطية في تونس والضفة الجنوبية كسبيل للحفاظ على مصالحها وتحقيق الامن والرخاء الجماعي لكافة بلدان المنطقة.
صدر في العدد الأخير من أسبوعية “الشارع المغاربي”.