الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: نشر المعهد الوطني للإحصاء نهاية الاسبوع المنقضي المسح الوطني الذي انجزه بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حول “نظرة السكان في تونس إلى الأمن والحريات والحوكمة المحلية وتم اجراء المسح بين أكتوبر وديسمبر 2021 بهدف تجميع مؤشرات حول عدة ميادين منها المشاركة السياسية والحريات العامة ومختلف المسائل المتصلة بالفساد والرشوة ومقومات الحوكمة الرشيدة بمختلف عناصرها.
وشمل المسح عينة من الاسر تعد 10155 أسرة تمثل 0.3 % من مجموع الأسر المقيمة بتونس وذلك بالاعتماد على قاعدة سحب العينات المحينة الخاصة بالتعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 .
وكشفت نتائج المسح في محور دراسة ظاهرة الرشوة ان الاعتقاد لا زال راسخا لدى السكان بتفشي ظاهرة الفساد والرشوة على المستوى في جل القطاعات، وان حوالي 61.2 بالمائة اقروا بوجود الظاهرة في الكثير من القطاعات بالمنطقة التي يقطنونها وانها ترتفع إلى 64.3 % بين الشبان البالغين من العمر بين 18 و29 سنة.
ووفقا لمسح الوطني للإحصاء، يرى 56.5 بالمائة من المستوجبين أن ظاهرة الفساد والرشوة متفشية بقطاع الأمن وان هذه النسبة سجلت اارتفاعا مقارنة بمسح 2017 وان قطاع الصحة سجل 51.4 بالمائة، يليه قطاع الخدمات الاجتماعية الأساسية بنسبة 39 بالمائة والديوانة بنسبة 36 بالمائة. والجدير بالملاحظة أن نسب الإقرار بوجود ظاهرة الفساد والرشوة ترتفع بالنسبة للفئة العمرية 18-29 سنة وذلك في مختلف القطاعات.
كما تبين المعطيات ان 78.6 في المئة من السكان البالغين من العمر 18 سنة فما فوق قاموا خلال الـ12 شهرا قبل المسح بالاتصال بموظف عمومي على الأقل في قطاع من القطاعات السالف ذكرها أي ما يقارب 243 الف شخص دفعوا رشوة أو قدموا هدية إلى موظف عمومي من أجل خدمة مرة واحدة على الأقل خلال 12 شهرا.
اما عن قيمة الرشوة أو الهدية فإن 49.3 بالمائة ممن دفعوا رشوة أو هدية إلى موظف عمومي لم تتجاوز قيمة المدفوع 20 دينارا في حين 61.4 بالمائة أن قيمتها تتراوح بني 20 و50 دينارا.
يذكر ان دراسة تحليلية حول الفساد الصغير في تونس انجزتها الجمعية التونسية للمراقبين العموميين ونشرت نتائجها اواخر فيفري الفارط، اظهرت أن 19 بالمائة من التونسيين ( 1.5 مليون تونسي) دفعوا رشوة سنة 2020 مبرزة ان قيمة الاجمالية للرشاوى التي دفعت في مختلف القطاعات بلغت 570 مليون دينار مسجلة ارتفاعا بنسبة 21 بالمائة مقارنة بما تم تسجيله في دراسة انجزت سنة 2014، كما اظهرت الدراسة ان مهن القطاع الخاص المعنية اكثر بالفساد الصغير هي اصحاب المؤسسات بنحو 40 بالمائة والفلاحين بنسبة 41 بالمائة وانه في 49 بالمائة من عمليات الرشوة كانت المبادرة فيها للعون العمومي.
ورغم الوعود المتواصلة لرئيس الجمهورية باجتثاث الفساد ومجابهة ظواهر الرشوة ونهب المال العام وسن قانون الصلح الجزائي، فان عشرات الالاف من ملفات الرشوة والفساد بأنواعه سيما تلك التي أحالتها هيئة مكافحة الفساد والمنظمات غير الحكومية الى سلط الاشراف، لا تزال تراوح مكانها دون اعتبار التقارير الرقابية لمحكمة المحاسبات. في المقابل تعمل هيئات الرقابة بشكل منعزل وتضرب أغلب توصياتها عرض الحائط، وهو ما جعل منظمة الشفافية الدولية ترجع ترتيب تونس المحرج في مؤشر مدركات الفساد والمصنفة في المرتبة 69 عالميا إلى سياسة الإفلات من العقاب وغياب الإرادة السياسية للإصلاح الحقيقي وانتقائية فتح ملفات الفساد.