الشارع المغاربي -حوار كوثر زنطور:اعتبر القاضي الاداري السابق احمد صواب ان الاحكام الأولية الصادرة عن المحكمة الإدارية اكدت عدم حياد هيئة الانتخابات واستند في ذلك الى التعليل الخاص بشرط تقديم البطاقة عدد 3 والذي قال انه يمثل درسا قانونيا ودستوريا وحقوقيا للهيئة . واشار في حواره مع “الشارع المغاربي” الى إمكانية تأجيل الانتخابات في صورة قبول الطعن المقدم من قبل رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي . من جهة أخرى توقع صواب عودة ما بين 2 و3 من المترشحين المرفوضين الى السباق الرئاسي .
ما هي ملاحظاتك حول الاحكام الأولية الصادرة عن المحكمة الإدارية بخصوص الطعون المقدمة من قبل مترشحين محتملين للرئاسية ؟
اطلعت على نسخة من الحكم الابتدائي المتعلق بالطعن المقدم من قبل عبد اللطيف المكي (قيادي سابق في حركة النهضة) لذلك ساكتفى بالتعليق على هذا الحكم الذي يمثل درسا لهيئة الانتخابات بخصوص البطاقة عدد 3.. اما بقية الطعون فسأقدم حولها ملاحظات عامة ومن المهم التنويه الى ان الرفض او القبول لا يعني شيئا وان العبرة النهائية هي ما ستقرره الجلسة العامة.
ألا يمثّل رفض الطعون من قبل الدوائر الاستئنافية مؤشرا عن مآلات الطعون في الجلسة العامة ؟
نعم بالتأكيد مؤشر لكن ليس معيارا … الجلسة العامة ستحدد بلا شك الشكليات المحددة في عملية التثبت من التزكيات استنادا الى الشكليات الجوهرية والمحددة والشكليات الثانوية او الهامشية او الأقل أهمية . والتثبت في التزكيات يتم عبر التثبت في المعطيات المضمنة التي تعكس رغبة وقصد الشخص من منح تزكية لمترشح وربما تكون 3 عناصر كافية لتحديد او الحسم في ما إن كانت التزكية صحيحة وبالتالي اعتمادها أو رفضها وبالتالي اسقاطها . وبالنسبة لي الشكليات الجوهرية لاثبات النية الواضحة للتزكية هي الاسم واللقب وعدد بطاقة التعريف والامضاء اما بقية العناصر الأخرى فهي في تقديري غير ضرورية ويمكن للهيئة او المحكمة الاجتهاد ودون ادنى مجهود عبر التثبت من بقية التفاصيل.
يعني انه قد يتم في عملية التثبت من التزكيات من قبل المحكمة الاكتفاء بالشكليات الجوهرية ؟
في القانون والقضاء هناك شكليات جوهرية قد تُسقط التزكية وشكليات أخرى يمكن تجاوزها ولا تعتبر جوهرية مثال واتحدث عن ملف عبد اللطيف المكي باعتباري اطلعت عليه… ما يثير الضحك في تزكيات دائرتي قفصة الجنوبية والعلا ..في دائرة تنقصه تزكية وفي الأخرى تنقصه 13 تزكية.. سيتم التثبت من التزكيات واحدة بواحدة …من منطلق الشكليات الجوهرية.. او التمسك بالجزئيات في عملية التثبت وعندها يصبح هناك تعسف من المحكمة الإدارية.. كل هذا في تقديري سيناقش والامر مؤجل الى حين موعد المعركة الحاسمة وهي معركة الجلسة العامة التي ستنعقد الأسبوع القادم.
لماذا تعتبرها معركة حاسمة ؟
لعدة اعتبارات: أولا المعطى الزمني والحكم النهائي في الجلسة العامة التي ستبت وتناقش الحكم الاولي والطعن سيوجه ليس للهيئة ولا للمترشح بل لحكم المطعون فيه. اذن الجلسة العامة ستقول ان الحكم الذي صدر ضد عبد اللطيف المكي او الزنايدي او عبير موسي مثلا شرعي او غير شرعي لذلك الرقابة للمعركة الثانية والحسم للمعركة الثانية ولا حاكم مراقب بعد الجلسة العامة وايضا الحكم الصادرعن دائرة تتكون من 3 قضاة يمكن ان اصنفهم بقاض متمرس وقاضيين شبان يختلف عن الحكم الصادر عن جلسة عامة… الامر يختلف تماما.. الجلسة العامة تضم 27 قاضيا لا يقل 20 منهم عن القضاة المتمرسين والمتشبثين في اغلبهم ، واتحدث هنا عن دراية ومعرفة بالاشخاص ، بدولة القانون تنضاف الى ذلك شجاعتهم وتاريخيا كبار قضاة المحكمة الإدارية لا يعرفون الخوف .. لا خافوا لا من بورقيبة لا من بن علي ولا من النهضة ولا من منظومة الباجي والخوف غير مطروح كمعطى في الجلسة العامة والـ20 قاضيا هم الرئيس الأول و7 رؤساء دوائر تعقيبية ورئيسا دوائر استشارية و10 رؤساء دوائر استئنافية واقلهم له 20 سنة تجربة في القضاء.
ماذا يعني ذلك ؟
ببساطة.. ببساطة الخوف في المحكمة الإدارية غير مطروح.. نتحدث عن المحكمة الإدارية التي تدافع عن دولة القانون وتحديدا وبالذات عن مبادئ اساسية أهمها التأويل الواسع للحقوق والحريات والتأويل الضيق لصلاحيات الإدارة والسلطة التنفيذية واذكّر هنا بالقاضي كمال قرداح الذي كتب جملة في حكم شهير له صدر منذ 40 سنة وأصبحت إلى اليوم تمثل شعار استقلالية القاضي الإداري هو الحامي الطبيعي للحقوق والحريات وكمال قرداج قاض وقع عزله من بن علي عام 1990.
هل توافق راي القاضية الادارية ايمان المزوغي في تصريحها يوم امس لإذاعة “موزاييك” الذي اكدت فيه ان عمل المحكمة يتسم بالمرونة وانها لا تستطيع الاجتهاد في النزاع الانتخابي ؟
هي قاضية شابة ونقابية وستصبح قاضية كبيرة لكن لا اتفق معها. لماذا؟ لأن النزاعات الانتخابية هي آلية لحماية الحقوق والحريات العامة على غرار حرية التعبير وحرية التنظم وحرية الترشح ومن جهتي أقول ان النزاعات الانتخابية هي أمهات الحقوق وهي مصيرية للدولة التونسية وأهم من أي نزاع اخر من قبيل نزاعات في الوظيفة العمومية او النزاع الجبائي ..أيها اهم ؟ الحقوق والحريات ام بقية النزاعات ؟ بالعكس أقول لها دور القاضي هو التأويل لمصلحة الحريات وبالمقاصد هي فلسفة وروح القضاء الإداري.. أقول لها على المحكمة الإدارية ان تكون وفية لمقاصدها أي تاويل النص بالمقاصد وليس القراءة الحرفية للقانون ومبادئها وعلوية المقاصد على الشكليات خاصة في النزاعات الانتخابية والدليل هو الحكم الصادر عن الدائرة التي يترأسها عماد الغابري.
ما هي خصوصية هذا الحكم والمعلوم انه اكد على عدم دستورية شرط البطاقة عدد 3 ؟
الحكم يتعلق بطعن عبد اللطيف المكي ويتضمن 22 صفحة وهذه فرصة للتذكير بأن هذا العمل مرهق جدا والتنبيه خاصة الى أن الارهاق يبعد القاضي عن الاستقلالية.. بالعودة الى الحكم.. هناك سببان عللت بهما الهيئة رفضها طلب الترشح : الاول التزكيات وهي من المسائل الواقعية والفردية وقد شرحناها أعلاه وثانيا البطاقة عدد 3 التي تمثل المسألة الكلية التي تجعلنا نفهم نظرة وفلسفة القاضي الإداري وفي المقابل الفلسفة القانونية للهيئة.. وفي تقديري المحكمة لقنت الهيئة درسا في القانون… يقول الحكم الصادر عن الدائرة التي يتراسها القاضي عماد الغابري ان اشتراط البطاقة عدد 3 هو امر “فاسد السند القانوني ومخالف للدستور” وهذا يعني عدم حياد الهيئة وتعسفها في تطبيق القانون ونؤكد ان عبارة فساد السند اقوى بكثير من عدم شرعية القاعدة القانونية .. لا يهم عدد التزكيات المنقوصة .. 17 أو20 أو 100 تزكية… ما يهم هو إقرار الحكم بوجود تجاوز للقانون واضح خصوصا ات الحكم تضمن عبارات قوية وحتى عنيفة ..فالتأكيد على ان شرط البطاقة عدد 3 فاسد السند القانوني تعبير له معان عديدة وكان من الممكن ان يكتفي رئيس الدائرة بالقول أنه مخالف للدستور لكنه اكد على أنه فاسد السند القانوني وفي ذلك دلالات مثلما اشرنا. كما تضمن الحكم وعلى سبيل التزيّد انه حتى في صورة قانونية اشتراط البطاقة عدد 3 فان المترشح يكون في وضعية استحالة واقعية.
لماذا اعتبرت ذلك درسا من المحكمة الى الهيئة ؟
دروس في عدة مستويات بألفاظ فيها الكثير من المعاني السياسية والقانونية .. المحكمة نفت عن الهيئة استقلاليتها وسحبت منها اية حرفية قانونية. قد تكون الهيئة جيدة جدا في المحاسبة وفي التشدد في الإجراءات وفي احتساب عدد التزكيات لكن في الأهم تبين انها غير محايدة. فقد اثبتت المحكمة الإدارية ذلك بعبارة فاسد السند القانوني ومخالف للدستور… هذا الكلام المهم يلخص العبرة السياسية والقانونية والحقوقية..
ما هي الفرضيات المطروحة من الجلسة العامة ؟
الأقرب بالنسبة لي بخبرتي وتجربتي باعتباري جلست كقاض انتخابي في 2011 و2014 ..أتوقع عودة 2 او 3 مترشحين ممن قدموا طعونا باسقاط شرط البطاقة عدد 3 وبالنظر في التزكيات من منظور الشكلية الجوهرية والشكلية غير الجوهرية والتثبت فيها واحدة بواحدة ارجح عودة اثنين او 3 مترشحين وفي اعتقادي الطعن المقدم من عبير موسي له خصوصية مقارنة ببقية الطعون.
كيف ذلك ؟
الملف مرتبط بمسألة أصلية ان تم البت فيها سيقبل طعنها و ان لم يتم البت فيها سيرفض وينتهى الامر.. هناك ما يمكن تسميته بالخطيئة الاصلية المتعلق بطلب التوكيل للحصول على نموذج التزكية فلو اقرت المحكمة ان ما ذهبت اليه الهيئة صحيح انتهى النزاع ولو تبنت مبدا النص بعموميته بما يعني أن توكيل محام كاف ويسمح باستخراج الانموذج فذلك امر اخر خاصة ان عبير موسي قامت بايداع ملف ترشحها إداريا وحسب ما توفر لي من معلومات فانها طلبت امضاء توكيل من السجن ومنعها القضاء.. يعني لا فقط توكيل المحامي كاف بعمومية النص فضلا عن ذلك فقد وضعت في وضعية الاستحالة القانونية وفي وضعية القوة القاهرة وفي وضعية الإيقاف بقوة القانون.
ماذا يعني قبول الجلسة العامة الطعن الذي قدمته عبير موسي ؟
ان تحصلت على حكم لفائدتها فهذا يعني منحها انموذج التزكية مع تمكينها من نفس الاجال لتجميع التزكيات.
أي تأجيل الانتخابات ؟
ان قُبل طعن عبير موسي سيؤجل بالضرورة الانتخابات الرئاسية. وختاما اظن ان المحكمة الإدارية عاشت خلال النزاعات الانتخابية في رئاسية 2014 بين المرزوقي والباجي فترة عصيبة لكن اظن ان ما تعيشه اليوم اصعب فترة واكبر امتحان لها فإما ان تثبت استقلاليتها وتطبق القانون والمبادئ القانونية للقضاء الإداري وروح هذا الفقه وإما بالضرورة ستكون نكسة كبرى بما يمكن ان ينال جوهريا من مشروعية القضاء الإداري ومكانته في البلاد.
–نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 20 اوت 2024