الشارع المغاربي-حاوره: محمد الجلالي : اعتبر احمد صواب القاضي الإداري السابق والمحامي والناشط بالمجتمع المدني ان تقسيم تونس الى خمسة أقاليم مشروع شخصي للرئيس قيس سعيّد وانه لن يعمّر بعده مشدّدا على ان الهدف النهائي منه إرساء النظام القاعدي وتثبيته.
وقال صواب في حوار ادلى به لأسبوعية ”الشارع المغاربي” ان لا أحد يعلم شيئا عن اختصاصات الأقاليم ولا عن الإمكانات البشرية واللوجستية ولا عن المقرات التي ستحتضنها مقترحا توفير حافلة وعربة مجرورة لكل إقليم حتى يتم كل ستة أشهر تأمين نقل الاعوان والمكاتب المخصصة لهم والوثائق التي على ذمتهم من ولاية الى أخرى.
صواب أشار أيضا الى أن الرئيس سعيد خالف الدستور بسنّ الأمرين المتعلقين بالتدقيق الشامل في الانتدابات وبضبط نظام اسناد الخطط الوظيفية معتبرا انهما يحرمان الموظف العمومي من الضمانات الأساسية في الدفاع عن مساره المهني وفي الترقية والخطة الوظيفية متهما سعيّد بالسعي لتدجين الموظفين وضمان تبعيتهم السياسية بعد تدجين السلطة القضائية.
كيف قرأتم الأمر الرئاسي الأخير المتعلّق بتقسيم تونس الى 5 أقاليم؟
مفهوم الأقاليم ليس بالأمر المستحدث في بلادنا فقد تمت الاستعانة به في قوانين المخططات الوطنية خاصة في الاستثمار والتمويل والحوافز الجبائية… قوانين التخطيط التنموي كانت تشتغل وفق تقسيم قائم على 6 أقاليم وهو أمر منطقي… كما سبق لعبد الرزاق الزواري وزير الاقتصاد الاسبق ان تطرق لمسألة الأقاليم في كتاب ابيض كان قد نشره بعد الثورة… عمل ثان تم إنجازه بعد الثورة حول الأقاليم هو الدراسة التي انتجها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية.. وقد أكد مديره العام الأسبق طارق الكحلاوي ان من خلفه على رأس المؤسسة حذف الدراسة من الموقع الرسمي. كما تضمنت مجلة الجماعات المحلية جزءا كاملا عن الأقاليم.. كل هذا تم التنكر له طبق الثقافة السياسية التونسية.. للأسف كما قلت هناك خاصية تونسية مفادها ان كل من يصعد للسلطة يهدم ما بُني قبله ومثالنا في ذلك على سبيل الذكر لا الحصر ما اتاه البرلمان الجديد بمسح كل ما قام به المجلس الذي سبقه… والامر نفسه بالنسبة لقيس سعيّد الذي محا كل ما كُتب سابقا عن الأقاليم.. بحكم معرفتي الدقيقة بالإدارة اجزم بأن تقسيم البلاد الى أقاليم لا يمكن ان يكون الا اطارا إداريا أو إطارا للتنمية والاستثمار وهذا موجود في تقاليد إدارتنا… الهدف الختامي من وراء تقسيم سعيّد تونس الى أقاليم هو هدف سياسي لهيكلة البناء القاعدي وتثبيته وإرسائه.
كيف سيتم تثبيت النظام القاعدي؟
لا يمكن التغافل عن أن بناء هذا النظام ينطلق من العمادات ثم يمر بالمحلي فالجهوي والإقليمي وصولا الى الغرفة التشريعية الثانية الموازية للبرلمان وهي مجلس الجهات والاقاليم… وهذا يعني ان تثبيت النظام القاعدي هو الهدف الختامي والاستراتيجي غير المعلن عنه في التقسيم القائم على الأقاليم… هي مرحلة ضرورية في البناء القاعدي وفي غيابها لا يمكن إرساء الغرفة التشريعية الثانية.. يذكر ان هناء بن عبدة أستاذة القانون العام كانت قد قالت في محاضرة سابقة لها ان الأستاذ قيس سعيد كان يؤكد في الدروس التي يقدمها لطلبته ان الغرض من وجود غرفة ثانية اضعاف السلطة التشريعية ومساعدة السلطة التنفيذية على التحكّم في السلطة التشريعية وانا اشاطرها الرأي.. الرئيس الأسبق بن علي بدوره أرسى غرفة تشريعية ثانية عبر تنقيح دستور 2002. وكان الأستاذ عياض ابن عاشور قد أكد آنذاك على أعمدة جريدة «الطريق الجديد» ان التنقيح يرمي الى تأبيد رئاسة بن علي وانه ارسى الغرفة الثانية وهي مجلس المستشارين لتزيين هذا التأبيد وانه لا جدوى ولا معنى لغرفة ثانية في تونس لانه عادة ما تتم الاستعانة بها في دول معينة لاسباب تاريخية او دينية او عرقية كأن تكون مساحة البلد شاسعة مثلما هو الشأن بالنسبة للبرازيل وكندا والولايات المتحدة والهند وروسيا وأستراليا أو في دول مستقلة حديثا كألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية او لأسباب عرقية على غرار العراق ونيجيريا او لسبب ديني مثلما هو الشأن بالنسبة للهند.. كل هذه الأسباب قد تبرّر وجود غرفة تشريعية ثانية بينما تتميّز تونس بتجانس ديني وتاريخي ولا تملك رقعة جغرافية شاسعة وليست دولة حديثة الاستقلال بل بها شعب متجانس منذ الحقبة القرطاجية.. لا جدوى إذن من وجود غرفة تشريعية ثانية مثلما صدح بذلك الأستاذ ابن عاشور زمن حكم بن علي حين فضّل البعض الاختباء ولجأ البعض الاخر للدفاع عن حكمه وتبييضه.. اعود وأكرر سعيّد استغل مسألة الأقاليم لارساء نظامه القاعدي مع العلم انه لا يملك سوى بضعة أفكار وهي المدينة الصحيّة والصلح الجزائي ومؤسسة فداء والشركات الاهلية وخاصة البناء القاعدي.. عدا هذه الأفكار الخمس المتناثرة لا يملك سعيد أية فكرة أخرى…
هل من تحفّظات أخرى على الأمر المتعلق بالأقاليم؟
من التحفظات الأخرى على الأمر ان لا أحد يعلم شيئا عن اختصاصات هذه الأقاليم ولا عن الإمكانات البشرية واللوجستية ولا عن المقرات التي ستحتضنها.. يفترض ان يتم توفير ما لا يقل عن 5 أو 6 أعوان على ذمة كل مجلس محلي مع تمكينه من مقر.. حتى المترشحين للانتخابات الجهوية الذين سينطلقون في تجميع التزكيات لا يعلمون شيئا عما ينتظرهم في الفترة القادمة.. اقترح على سبيل النكتة السياسية ان يتم توفير حافلة وعربة مجرورة لكل إقليم حتى يتم كل ستة أشهر تأمين نقل الاعوان والمكاتب المخصصة لهم والوثائق التي على ذمتهم من ولاية الى أخرى.. باختصار علينا بعث إدارات إقليمية متنقلة.. وفي رأيي هذا المشروع شخصي ولن يعمّر بعد قيس سعيد.
ألا يشفع تجذّر مشروع الإقاليم في الإدارة للرئيس سعيد اعتماده في مشروع سياسي بحت؟
سعيد انطلق من فلسفة أخرى قائمة على انطلاق المشاريع من العمادة مرورا بالمعتمدية فالولاية ثم الإقليم وصولا الى البرلمان.. هذا يعتبر عبثا لا غير سيقضي على الاجسام الوسيطة كالاحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات. واكبر دليل على ذلك ما أقدمت عليه حركة الشعب التي تعتبر اكبر حزب مساند للرئيس بتحرير المبادرة بالنسبة لمن يرغبون في الترشح للانتخابات القادمة من قياداتها ومنخرطيها مشددة على انهم لن يترشحوا بصفتهم الحزبية وعلى انها لن تدعم من يترشحون من قياداتها..الا يعتبر ذلك قتلا للأجسام الوسيطة؟ مشروع الأقاليم باختصار هو بناء عشوائي سيكون مآله السقوط مع نهاية حقبة سعيّد بما انه شهد نقصا في التصور والبناء وغابت عنه التشاركية..
وهل من ملاحظات بخصوص الأمر المتعلق بضبط نظام إسناد الخطط الوظيفية بالإدارة المركزية؟
هناك اشكال اول يخص اقتصار التنقيح على الخطط الوظيفية بالادارات المركزية مما يعني ان موظفي القطاع العام والمنشآت العمومية مثل الخطوط التونسية أو شركة فسفاط قفصة أو شركة نقل تونس او شركة السكك الحديدية ليسوا معنيين به. وهذا يطرح إشكالا حول استثناء هذه الإدارات بالذات.. الاشكال الثاني يتعلق بإلغاء الفصل 9 من أمر سنة 2006 دون تعويضه بأحكام أخرى مما يعني انه تم حذف الضمانات الأساسية التي كان يتضمنها الفصل 9 . الضمانة الأولى تتمثل في اقتران الغاء الخطة الوظيفية بأمر صادر عن رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة وفي غيابها يمكن لأي وزير ان يعفي أي مدير عام أو مدير أو كل من يتمتع بخطة وظيفية. الضمانة الثانية تتمثل في ضرورة ارتباط حذف الخطة الوظيفية بتقرير كتابي معلل ممضى من الوزير بما يسمح للموظف المعني وللقاضي الإداري بمراقبته ولضمان جدية الاجراء. اما الضمانة الثالثة فتتمثل في أحقية الموظف في الاطلاع على تقرير الوزير ليتمكن من الدفاع عن حقه والتظلم امام الإدارة وحتى اثبات عدم صحة المعطيات التي انبنى عليها قرار الاعفاء وبالتالي التراجع عن القرار.. ثم ان حقوق الدفاع هي مبدأ قانوني عام يتمتع به أي انسان بما في ذلك الموظف العمومي.. وفي غياب احكام أخرى تعوّض الفصل الملغى نسفٌ لكل الضمانات التي تحمي اصحاب الخطط الوظيفية وهم بضعة آلاف من الموظفين أي قرابة 3 أو 4 بالمائة ولكنهم يُعتبرون القيادات العليا فيها.. وإذا كانت بقية الموظفين هم عامة الجنود فإن القيادات العليا هم الضباط الذين يقودونهم.. وفي ظل قيادات عليا بلا ضمانات سيكون لديك جيش غير متماسك.. الإشكالية الثالثة والأخيرة في هذا الامر الرئاسي ان الغاء الخطة الوظيفية يعيد الموظف الى النقطة الصفر من مساره المهني أي تحطيم مستقبله المهني في ظل مستوى تأجير عمومي ضعيف جدا مع العلم ان الإدارة العمومية أضحت تشهد هجرة افضل اطاراتها بشكل جماعي إلى القطاع الخاص باعتبار ان الموظفين العموميين هو المعذبون في الأرض.. ملاحظة أخرى لا مناص من الاتيان عليها هي انه تم سن الامر 106 الذي نص على توفير الضمانات الثلاث للموظفين في وقت الاستبداد أي زمن حكم بن علي مما يعني انه كانت للموظف العمومي ضمانات مهنية خلال حكم بن علي أكثر مما له اليوم خلال حكم قيس سعيّد لذلك سيقول بعض الموظفين السامين ان فترة بن علي احسن من فترة سعيّد.
بحكم عملك لسنوات طويلة كقاض اداري كيف تقرأ الأمر المتعلق بالتدقيق الشامل في الانتدابات والادماج بالوظيفة العمومية؟
هذا الأمر عرّفه رئيس الجمهورية سياسيا بتطهير الإدارة وقد جاء مطلقا في عباراته.. وإذا جاءت العبارات مطلقة وعامة حسب تنصيص مجلة الالتزامات والعقود جرت على اطلاقها مما يعني ان الانتدابات التي يتطرق اليها امر قيس سعيد لا تخص فقط المنتدبين وفق مناظرات وطنية بل تشمل أيضا صنفين اخرين هما الاعوان الوقتيين والاعوان المتعاقدين المنتدبين خارج مناظرة وطنية مع العلم ان التدقيق سيشمل الانتدابات في المؤسستين العسكرية والأمنية والديوانة والسجون والقضاة.
وما تعليقك على تركيبة لجنة القيادة العليا التي ستكون على رأس هياكل التدقيق الشامل؟
هذه اللجنة المركبة من 8 أعضاء ستعمل لمدة 3 أشهر و10 أيام قبل الخروج بتقارير نهائية. والسؤال المطروح هو هل سيتفرّغ أعضاء لجنة القيادة العليا ام لا خاصة بالنسبة للقضاة الثلاثة المُعيّنين بأمر؟ وهل سيتم الاستئناس برأي المجلس الأعلى للقضاء عند تعيينهم؟ خاصة انه سبق للمجلس الأعلى للقضاء المُحل ان تمسّك بضرورة استشارته عند تكوين لجنة الصلح الجزائي وهذا مضبوط بقانون… وبعد مرور 10 أيام تكون لجان التدقيق قد شُكّلت للانطلاق في عمليات التدقيق التي يفترض ان تستهدف الهياكل وزارة وزارة. واعتقد ان عملها سيمس قرابة 150 الف موظف عمومي بين من تم ادماجهم ومن انتُدبوا من عمال الحضائر ومن أصحاب العفو التشريعي العام والمفروزين امنيا والانتدابات السنوية التقليدية في صفوف الجيش وقوات الامن الداخلي والديوانة والمدرسة الوطنية للإدارة..عموما لا نعلم ان كان عمل لجان التدقيق الفرعية سيتركز على الانطلاق من الاشعارات الموجودة في تقارير التفقد وتقارير محكمة المحاسبات ام أنه سيتم التثبت من المسار المهني لكل الموظفين المشمولين بالامر الرئاسي؟ اذا تم الاشتغال على الاشعارات قد تكون مدة شهرين كافية شريطة الانكباب على العمل ليلا نهارا وعلى مدار الأسبوع واذا انصبّ العمل على مراجعة كل الانتدابات بطريقة مركزة وعادلة سيكون ذلك اجراء مستحيلا باعتبار ان هذا التدقيق سيحكم بالإعدام ان جاز التعبير على عديد الموظفين. هنا لا بد من التذكير بعلاقة قيس سعيد بالآجال القانونية التي لا يتم احترامها على غرار تجربة لجنة الصلح الجزائي التي حصر عملها في ستة أشهر فقط ثم طلب منهم عدم انتظار نتائج الاختبارات… بحكم معرفتي بالإدارة استطيع القول ان انجاز تدقيق عادل ومستفيض ومنصف وقانوني سيدخل عمل اللجان في باب الآجال المستحيلة.
الا يُعتبر تحول الإدارة الى خصم وحَكَم في نفس الوقت عند عملية التدقيق عائقا آخر لعمل اللجان؟
وهو كذلك… خاصة إذا اخذ أعضاء اللجان العامل الانساني والاجتماعي بعين الاعتبار. كما لا يجب التغافل عن التقرير الختامي الذي يتوجب على لجنة القيادة اعداده في ظرف 30 يوما وهي مدة غير كافية بالنظر لثقل التقارير التأليفية. ثم من سيراقب المراقبين؟ ومن سيتكفل بمراجعة أعمال مئات المدققين؟ مسألة أخرى تتعلق بتثبت لجان التدقيق في مدى تلاؤم عمليات الإنتدابات والإدماج مع التشريعات الجاري بها العمل ومع التلاؤم تحضر السلطة التقديرية.. واذا كان احترام الشروط والنصوص الترتيبية والتشريعية سلطة مقيدة فإن التثبت من ملاءمتها مع التشريعات يفتح المجال للتلاعب او التعسف حسب مشيئة المراقب.. أرجو في هذا الاطار الا يُفتح الباب لارتكاب تجاوزات في هذا الاتجاه أو ذاك.. تبقى مسألة سحب قرارات الانتداب والادماج في صورة ثبوت عدم قانونية الانتداب او الادماج في حاجة الى التوضيح والتدقيق.. من سيُصدر قرار السحب إذن؟ من هي الهياكل التي أشار اليها الامر؟ هل هي لجنة القيادة العليا ام رئاسة الحكومة أم الوزير أم رئيس مدير عام المؤسسة المعنية أم من؟
الا ترى ان الامر الرئاسي لم يوضّح كفاية مسألة تتبع الموظفين الذين خالفوا قانون الوظيفة العمومية؟
اعتقد ان هناك اشكالا يتعلق بالتبعات المالية لمن تم انتدابه اعتمادا على شهادة مدلّسة. كيف سيتم التعامل معه قانونا؟ وكيف سيتم تتبع من خرقوا الإجراءات جزائيا ؟ مع العلم انه يتم تكييف خرق الإجراءات قانونيا بجنحة وفي اقصى الحالات بجناية والجنحة تسقط بعد مرور 3 سنوات على ارتكابها فيما تسقط الجناية بعد مرور عشر سنوات بمقتضى الفصل 5 من مجلة الإجراءات الجزائية. كما ان مجال تطبيق القانون في الزمن وتحديده من 14 جانفي 2011 الى 25 جويلية 2021 يعني عكسيا ان الانتدابات التي حصلت في الفترات الأخرى ونعني بها خلال حقبة بن علي وحقبة ما بعد 25 جويلية 2021 أي العشرية الوردية ليست فاسدة ولم تتخللها تجاوزات وهذا مستحيل الا اذا كنا في الجنة وما ابعدنا عن ذلك.
هل من ملاحظات أخرى بخصوص الأوامر الرئاسية الأخيرة؟
هنا لا مفر من التساؤل عن مدى دستورية الأمر المتعلق بالتدقيق الشامل في عمليات الانتداب والادماج. فالفصل 75 من الدستور تطرّق إلى القوانين التي ترجع للسلطة التشريعية وحدّد ماهية القوانين الأساسية والعادية… في هذا السياق نص على ضرورة سن البرلمان القوانين التي تحدد الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين وليس السلطة الترتيبية العامة سواء كان رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة.. وتتمثل الضمانات الأساسية للموظف في المناظرة والانتداب والترقية والاحالة على التقاعد لكن الأمرين نسفا هذه الضمانات… ثم إن قانون الوظيفة العمومية نص على ان انهاء الانتماء الى الوظيفة يتم في 5 حالات فقط هي فقدان الجنسية التونسية او الحقوق المدنية والاستقالة والاعفاء عند اثبات عدم الكفاءة او عدم نجاح التربص والعزل والتقاعد.. هذه الضمانات الخمسة نظمها إما قانون الوظيفة العمومية او قانون التقاعد او القانون الجزائي او مجلة الجنسية فأضاف الامر الرئاسي حالة سادسة مخالفة للدستور هي سحب الانتداب أو الادماج.. إشكال آخر يتعلق بوجوبية استشارة المحكمة الإدارية.. وجرت العادة في عمل المحكمة الإدارية انها لا تقبل ابداء رأيها في أي مشروع قانون الا اذا كان مشروع الامر منتهي الصيغ والشكليات مما يعني انه يمر وجوبا بالمحكمة قبل ارساله من قصر قرطاج الى المطبعة الرسمية لنشره حتى لا يتم ارسال مشروع أولى من القانون الى المحكمة قبل عرضه على مجلس الوزارء وبذلك يتم حرمان المحكمة من ابداء رأيها في فصول او أجزاء تمت اضافتها خلال اجتماع مجلس الوزراء وحتى لا يتم إحالة مشروع القانون بصفة مبكرة الى المحكمة.. وفي إجابة عما سبق لرئيس الجمهورية قوله ان الإجراءات جُعلت للمحاكمة العادلة لا للإفلات من العقاب اود التوضيح ان الشكل والاجال والاستشارات الوجوبية اهم أحيانا في دولة القانون من النص القانوني في حد ذاته والدليل على ذلك ان مجلة الإجراءات الجزائية تتضمن 377 فصلا بينما تتضمن المجلة الجزائية 320 فصلا.. اجمالا ينسف الامران المتعلقان بالتدقيق في الانتدابات وباسناد الخطط الوظيفية مبدأ الأمان القانوني خصوصا بالنسبة لمسألة آجال السحب وسقوط الدعوى وحق الموظف في الدفاع والترقية والخطة الوظيفية بسبب غياب التشاركية في سن القوانين.. ثم ان هذين المشروعين يهدّدان مبدأ حياد الموظف العمومي أي ان سعيّد يسعى الى تدجين الموظف العمومي وضمان تبعيته السياسية عوض تبعيته للدولة على ما قام به مع السلطة القضائية… الإدارة تخدم المصلحة العامة وتنفّذ القانون لا رغبات السلطة السياسية مثلما سبق للرئيس سعيد ان عبّر عنه بقوله ان الإدارة تخدم السلطة السياسية.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 26 سبتمبر 2023