الشارع المغاربي – معز زيّود : أوضاعٌ عصيبة جدّا يُكابدها، منذ أسابيع، جمع من التونسيّين والتونسيّات المقيمين في تركيا، جرّاء التزايد المفجع لعدد المصابين بفيروس كورونا. وضع يُهدّد بعضهم بالجوع والتشرّد، رغم بعض حملات التضامن والمؤازرة الإنسانيّة التي أطلقها بعض مهاجرينا هناك أفرادًا وجماعات…
ولا يخصّ الوضع الدقيق فقط المسافرين التونسيّين العالقين في مطار أسطنبول بعد إيقاف الرحلات الجويّة بين تركيا وتونس، وإنّما يمسّ أيضا عددًا كبيرًا من مواطنينا المقيمين في تركيا بسبب فقدان وظائفهم وأعمالهم جرّاء الأزمة الخانقة لهذا الوباء القاتل، وأدّت إلى عجز الكثيرين منهم لا فقط عن خلاص إيجار بيوتهم وإنّما عن مجرّد اقتناء ما يسدّ الرمق ويقي شرّ الجوع.
تلك صورة مأسويّة نقلتها، لـ”الشارع المغاربي”، الصحفيّة التونسيّة المقيمة بتركيا مروى بن ضو، لترسم ملامح مشهد في غاية القتامة يُخيّم حاليًّا على العديد من التونسيّين الموجودين في تركيا.
الزميلة الصحفيّة تواصلت مع بعض هؤلاء التونسيّين، وعاينت مباشرة الوضعيّة البائسة لبعض الحالات خلال مشاركتها في حملات تطوّعيّة لإغاثة المهاجرين التونسيّين الأكثر حاجة للمساعدة. تقول “إنّ الوضع مروّع، حتّى أنّ البعض لا يجد ثمن اقتناء الخبز” في ظلّ حالة الهلع السائدة من الإصابة بفيروس قاتل في الغربة وبعيدًا عن الأهل والوطن.
ومن المفارقات أنّه رغم التزايد الهائل في عدد المصابين بفيروس كورونا وعدد الموتى بسببه في تركيا، فإنّ السلطات التركيّة لم تعلن بعد حظر التجوّل أو الحجر الصحّي العام، ممّا أتاح لجانب كبير من القطاع الخاص مواصلة نشاطه بشكل طبيعي. وهو ما تفسّره مروى بن ضو بأنّ “تركيا ترفض الخضوع للأمر الواقع خشية التراجع اقتصاديًّا ولو خطوة واحدة إلى الوراء، ولاسيما بعد أن عاينت مدى الدمار الذي خلّفه هذا الوباء على قوى اقتصاديّة كبرى في العالم”.
وللإشارة فإنّ تركيا تُصنّف حاليًّا في الرتبة العاشرة عالميًّا على مستوى عدد المصابين بفيروس “كوفيد19”. فقد سجّلت إلى حدّ الآن أكثر من 18 ألف مصاب، والأخطر أنّ هذا العدد بات يتطوّر بنسق متسارع ورهيب، إذ يفوق معدل الإصابات الجديدة يوميّا 2000 مصاب. وهو ما خلّف إلى حدّ يوم الأربعاء 1 أفريل 356 حالة وفاة، مع عشرات الموتى الجدد يوميًّا.
وكانت إسطنبول قد شهدت عددًا من حملات التضامن الطوعيّة لإغاثة التونسيّين ذوي الحاجة، سواء العالقين منهم بسبب تعليق الرحلات الجوّية أو المقيمين ممّن فقدوا وظائفهم. وقد سعت القنصلية العامّة للجمهوريّة التونسية باسطنبول إلى تنسيق تلك جهود جمع المساعدات سواء عبر الأفراد أو الجمعيّات.
يُذكر أنّ مواطنا تونسيّا يُدعى “ضياء الحقّ بوذينة” كان قد أعلن عن توفير وجبات الأكل للتونسيّين ذوي الحاجة بأحد فنادق إسطنبول للتونسيّين، بداية من يوم غد الجمعة 3 أفريل 2020، مؤكّدا أنّه لا ينتمي إلى أيّة جمعيّة أو جهة رسميّة كانت. كما حرص عدد ممّن يبذلون جهود مضنية لإغاثة التونسيّين على عدم ذكر أسمائهم. ومن جهتها ذكرت القنصليّة التونسيّة، في بلاغ نشرته على صفحتها الرسميّة، أنّ مواطنا تونسيّا لم تكشف اسمه قد تطوّع بتوفير سكن مؤقت لعدد من المواطنين للتونسيّين العالقین باسطنبول.
صحيفة “الشارع المغاربي” رصدت من جهتها نداءات استغاثة عديدة أطلقها تونسيّون وتونسيّات ممّن اضطرّوا اضطرارًا لطلب المساعدة العاجلة، سواء على الصفحة الرسميّة لـ”القنصلية العامّة للجمهوريّة التونسيّة بإسطنبول” أو على صفحة “جمعيّة الأخوّة التونسيّة التركيّة” أو عدد من الصفحات الأخرى الخاصّة بالتونسيّين المقيمين في تركيا.
ومع أنّ القنصليّة التونسيّة بإسطنبول قد كرّرت دعواتها لتعزيز المدّ التضامني بين التونسيّين في تركيا، ووضعت على ذمّة الجالية التونسيّة عنوان بريدها الإلكتروني وأرقامًا هاتفيّة للاتصال بمصالحها خلال هذه الأزمة، فإنّ عددًا من التونسيّين لم يجدوا للأسف آذانا صاغية ولم يحظوا بالإجابة أو الردّ على اتصالاتهم المتكرّرة، حسب تأكيداتهم في تدوينات تُشكّل نداءات استغاثة موجعة. والحال أنّهم يعيشون أوضاعًا حرجةً بسبب نفاد أموالهم وتعطّل أحوالهم وخضوعهم للتهديدات بالطرد الوشيك من قبل أصحاب الفنادق أو بيوت الإيجار التركيّة…
حملات تضامن نبيلة أطلقها إذن عدد من التونسيّين والتونسيّات في تركيا للحدّ من معاناة مواطنيهم الذين تعثّرت في وجوههم سبل الحياة منذ ما يزيد عن أسبوعين. جهود تجسّد هذا الانتماء العميق للوطن التونسي العزيز، لكنّها باتت غير كافية البتّة وتستوجب تحرّكًا عاجلا من السلطات التونسيّة، ولاسيما وزارة الخارجيّة وتمثيليّتها في تركيا، من أجل إيجاد حلّ عاجل لإجلاء العالقين والإحاطة بمن استوطنهم هول الوجع، أكثر من هلع الإصابة بفيروس كورونا، بعد أن أمسى جمعٌ منهم عرضةً للتشرّد المحزن وفريسةً للجوع الكافر…