الشارع المغاربي – معز زيّود : شهد اجتماع مكتب مجلس نوّاب الشعب، المنعقد اليوم الخميس 8 مارس 2018، تجاذبات حول مسألة طلب “هيئة الحقيقة والكرامة” تمديد عملها بسنة إضافيّة، انتهى بالتصويت لصالح إحالة الطلب المذكور إلى الجلسة العامّة للبرلمان.
وكان عضو مكتب المجلس النائب محمد بن صوف قد كشف، اليوم لـ”الشارع المغاربي”، أنّ أغلبية أعضاء المكتب صوّتوا لصالح تمرير طلب التمديد إلى الجلسة العامّة للبرلمان، ما عدا نوّاب حركة النهضة الذين صوّت بعضهم ضدّ الإحالة واحتفظ بعضهم الآخر بأصواتهم وانسحب اثنين منهم من جلسة المكتب للتشاور.
كما أوضح بن صوف أنّ قرار هيئة الحقيقة والكرامة ورد على مجلس نواب الشعب في شكل “إعلام” بالتمديد، في حين من المفروض أن ينظر المجلس في مطلب التمديد، قائلا “لسنا مكتب ضبط”. ووصف قرار هيئة الحقيقة والكرامة بـ”الباطل” نظرا إلى عدم اكتمال نصاب مجلس الهيئة من جهة ولكون البرلمان هو أعلى سلطة بالبلاد من جهة أخرى، باعتباره سلطة رقابيّة على الهيئة ومن مشمولاته تسخير ميزانية لها.
يوضّح ذلك أنّ الأرضيّة لم تكن مفروشة بالورود كما بدا لحركة النهضة وهيئة سهام بن سدرين التي سعت إلى فرض سياسة الأمر الواقع من خلال تأويلها الأحادي للفصل الـ18 من قانون العدالة الانتقاليّة. فالظرف السياسي القائم في البلاد حاليا قبيل الموعد القريب للانتخابات البلدية جعل حركة نداء تونس تُحاول التخلّص من عبء تحالفها مع حركة النهضة المساندة بشكل مطلق لهيئة الحقيقة والكرامة، بصرف النظر عن تجاوزاتها المتمثلة خصوصا في الامتناع عن الالتزام بالأحكام القضائيّة وقرارات المحكمة الإداريّة ضدّها، مقابل اتخاذ الهيئة قراراتها من دون أن يتوفّر لها النصاب القانوني، بعد طرد عدد من أعضاء المجلس واستقالة آخرين.
ووفق ما أكّده سابقا عدد من القضاة وخبراء القانون فإنّ عدم الامتثال للقرارات القضائية، وفق القانون المتعلّق بمكافحة الفساد، يعتبر شكلا من أشكال الفساد. وهو ما يطرح فعلا إشكاليّة كيفية تبرير التمديد في عمل هيئة لا تحترم علوية القانون.
ومبدئيا يبدو أنّ عددا من الكتل البرلمانية على غرار “كتلة نداء تونس” و”كتلة آفاق تونس” و”كتلة الحرة” لحركة مشروع تونس وكذلك “كتلة الجبهة الشعبيّة” قد تصوّت في الجلسة العامّة ضدّ التمديد لهيئة بن سدرين.
ومن ثمّة من الصعب على حركة النهضة وحلفائها أن ينجحوا في جمع الأغلبية المطلقة من الأصوات البالغة 109 صوتا، إلاّ في حال انقلبت حركة نداء تونس على هذا التوجّه في نطاق “طبخة سريّة” مع حليفها “السابق”.
والجدير بالذكر أنّ الأحزاب التي ستتّجه على الأرجح آليا إلى الموافقة على التمديد لهيئة بن سدرين وتمكينها من أيّة ميزانية جديدة تطلبها، فهي: أوّلا: وبلا أدنى نقاش حركة النهضة لأنّها تدرك أنّها هي الأكثر استفادة من هذه الهيئة، لاسيما بالنظر إلى إغراق الهيئة بأنصارها. وثانيا: كوكبة الأحزاب التي خرجت من لواء حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، وهي أساسا حزب حراك تونس الإرادة وحزب التيّار الديمقراطي. فالحزبان المذكوران وإن لم يستفدا بشكل مباشر من الهيئة على خلاف حركة النهضة، فإنّهما ينظران إلى بن سدرين بكونها تقف إلى صفّهما في مواجهة حزب نداء تونس والسلطة الحاكمة وأساسا رئاسة الجمهورية وحكومة يوسف الشاهد.
وطبعا فإنّ هذه الأحزاب الثلاثة لن تنظر إطلاقا إلى نزيف المليارات من أموال المجموعة الوطنية الذي يتطلّبه التمديد لهيئة بن سدرين، ولن تُعيرا اهتماما لامتناع بن سدرين عن الامتثال للأحكام القضائيّة أو لغياب النصاب الذي ينزع الشرعية عن قرارات الهيئة. كما أنّ قد لا تكترث بمدى الإحراج الذي تُشكّله المقارنة بين هيئة بن سدرين والهيئة المماثلة في جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الميز العنصري، والتي لم تتجاوز مدّة عملها عاما ونصف العام، رغم أنّ الانتهاكات التي خلّفها نظام “الأبارتيد” لا يُمكن مقارنتها كمّا وكيفا بما ارتُكب في تونس من انتهاكات خلال الفترة الممتدة بين استقلال البلاد والثورة.
وفي نهاية المطاف، فإنّ السؤال المطروح هو: هل يخرج نداء تونس من جبّة حركة النهضة برفض التمديد لهيئة بن سدرين، أم أنّ بعض الحسابات ستجعله يقبل بصفقة التمديد المطروحة ويخسر الاختبار مجدّدا قبيل استحقاق الانتخابات البلدية؟!
أنظر مقال جريدة “الشارع المغاربي” حول هذا الموضوع بعنوان: التمديد لهيئتها قد يُكلّف الدولة قرابة 20 مليارا: بن سدرين فوق البرلمان!