الشارع المغاربي – فيلم‭ ‬"وحلة‭" ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬الموسم‭ ‬السينمائي

فيلم‭ ‬”وحلة‭” ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬الموسم‭ ‬السينمائي

قسم الأخبار

22 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي-خالد نجاج : أصبحت‭ ‬طفرة‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تسمح‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬موسم‭ ‬سينمائي،‭ ‬وقد‭ ‬افتتح‭ ‬بفيلم‭ ‬‮”‬وحلة‮”‬‭ ‬للمخرج‭ ‬نادر‭ ‬الرحموني‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬ان‭ ‬يتعزز‭ ‬بأعمال‭ ‬أخرى‭ ‬ستثري‭ ‬المشهد‭ ‬السينمائي‭ ‬الوطني‭ ‬الذي‭ ‬تخطى‭ ‬قرنا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬على‭ ‬ميلاده‭ ‬وستكون‭ ‬المائوية‭ ‬محل‭ ‬احتفاء‭ ‬واحتفال‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬المقبلة‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية‭.‬

مراجعات‭ ‬بعد‭ ‬اختبار‭ ‬أيام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية

فيلم‭ ‬”وحلة”‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬شريط‭ ‬روائي‭ ‬طويل‭ ‬لنادر‭ ‬الرحموني‭ ‬وقد‭ ‬اجتاز‭ ‬اختبار‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬لأيام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الماضية‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬تتويج‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المخرج‭ ‬قام‭ ‬بمراجعة‭ ‬الفيلم‭ ‬قبل‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬القاعات‭ ‬ودخوله‭ ‬اختبار‭ ‬الجمهور‭ ‬العريض‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ادخل‭ ‬بعض‭ ‬التعديلات‭ ‬على‭ ‬النسخة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهذا‭ ‬متداول‭ ‬ومشروع‭  ‬بل‭ ‬هو‭ ‬محبذ‭ ‬لما‭ ‬يستوعب‭ ‬المخرج‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬والمختصين‭ ‬او‭ ‬يدرك‭ ‬ان‭ ‬منجزه‭ ‬الأول‭ ‬يفتقد‭ ‬لعنصر‭ ‬او‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬المطلوب‭ ‬توفرها‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الروائي‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تسلسل‭ ‬الأحداث‭ ‬وتناسقها‭ ‬ونسقها‭. ‬

وبعد‭ ‬قرابة‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬امتحان‭ ‬ايام‭ ‬قرطاج‭ ‬السينمائية‭ ‬خرج‭ ‬فيلم‭ ‬وحلة‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قاعات‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬وفي‭ ‬الداخل‭ ‬وقد‭ ‬ضم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاسماء‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بتجارب‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬التلفزية‭ ‬تناولت‭ ‬قضايا‭ ‬وظواهر‭ ‬مجتمعية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المخدرات‭ ‬والجريمة‭ ‬والخيانة‭ ‬الزوجية‭ ‬والتفكك‭ ‬العائلي‭ ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬ريم‭ ‬الرياحي‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬اعمالها‭ ‬التلفزية‭ ‬الاخيرة‭ ‬تحصرها‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬المشاكل‭ ‬الأسرية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬اخلالات‭ ‬في‭ ‬سلوكيات‭ ‬فردية‭ ‬وجماعية‭ ‬تتمرد‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬والأخلاق‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬وباسم‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬ثنائية‭ ‬تجسد‭ ‬تناقضات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬طفت‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬وجسدتها‭ ‬بعض‭ ‬الاعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬والتلفزة‭ ‬بطرق‭ ‬شتى‭.‬

شخوص‭ ‬متناقضة‭ ‬تحت‭ ‬وقع‭ ‬الصدمات‭ ‬النفسية‭.‬

يروي‭ ‬فيلم‭ “‬وحلة”‭ ‬قصة‭ ‬عائلة‭ ‬ميسورة‭ ‬الحال‭  ‬يمارس‭ ‬فيها‭ ‬الاب‭ ‬مهذب‭ ‬الرميلي‭ ‬على‭ ‬الام‭ ‬ريم‭ ‬الرياحي‭ ‬تعسفا‭ ‬كبيرا‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬الزوجة‭ ‬الخاضعة‭ ‬لعنف‭ ‬زوجها‭ ‬وسلطته‭ ‬المطلقة‭ ‬على‭ ‬العائلة‭ ‬وتحكمه‭ ‬في‭ ‬تصرفات‭ ‬ابنيه،‭ ‬احدهما‭ ‬وهو‭ ‬محمد‭ ‬مراد‭ ‬يدرس‭ ‬الطب،‭ ‬والثاني‭ ‬فارس‭ ‬عبد‭ ‬الدائم‭ ‬تلميذ‭ ‬في‭ ‬الباكالوريا،‭ ‬وعمهما‭ ‬نادر‭ ‬الرحموني‭ ‬طبيب‭ ‬نفساني‭ ‬فقد‭ ‬زوجته‭ ‬وظل‭ ‬وفيا‭ ‬لذكراها،‭ ‬يزور‭ ‬قبرها‭ ‬باستمرار‭ ‬ويحمل‭ ‬لها‭ ‬الورود‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬عشقه‭ ‬الابدي‭ ‬لامرأة‭ ‬احتلت‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وأعلى‭ ‬منزلتها‭ ‬احتراما‭ ‬وتبجيلا‭.‬

‭ ‬وقدم‭ ‬المخرج‭ ‬شخصية‭ ‬العم‭ ‬في‭ ‬صفات‭ ‬وخصال‭ ‬مغايرة‭ ‬كليا‭ ‬لشقيقه‭ ‬الاب‭ ‬المتسلط‭ ‬الذي‭ ‬يحتقر‭ ‬المرأة‭ ‬ويفرض‭ ‬عليها‭ ‬الطاعة‭ ‬ويحدد‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬شؤون‭ ‬البيت‭ ‬دون‭ ‬سواها‭. ‬وركز‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬تسلسل‭ ‬احداثه‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬الاب‭ ‬وغياب‭ ‬الحوار‭ ‬داخل‭ ‬العائلة‭ ‬ليخلص‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬تلك‭ ‬الاجواء‭ ‬على‭ ‬سلوكيات‭ ‬الإبنين‭ ‬خارج‭ ‬البيت‭ ‬وهي‭ ‬مختلفة‭ ‬بينهما‭ ‬اختلافا‭ ‬كبيرا‭. ‬فتلميذ‭ ‬الباكالوريا‭ ‬منفتح‭ ‬على‭ ‬ملذات‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬رفقة‭ ‬اصدقائه‭ ‬حيث‭ ‬يشعر‭ ‬انه‭ ‬متحرر‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬الأب‭ ‬ورقابته،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعيش‭ ‬شقيقه‭ ‬الطالب‭ ‬منزويا‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬مهوسا‭ ‬بالدراسة‭ ‬في‭ ‬قطيعة‭ ‬تامة‭ ‬مع‭ ‬مباهج‭ ‬الحياة‭ ‬ومتعها‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يرفضها‭ ‬تماما‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تسببه‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬عاطفي‭ ‬بالخصوص‭.‬

ويلعب‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تغير‭ ‬سلوكيات‭ ‬شخصيات‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬افراد‭ ‬العائلة‭ ‬واثر‭ ‬فيها‭ ‬تاثيرا‭ ‬كبيرا‭ ‬وباشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬إلا‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬متمسكا‭ ‬بطباعه‭ ‬العنيفة‭ . ‬فالزوجة‭ ‬تمعنت‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬ألفه‭ ‬الطبيب‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬لا‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬ممارسات‭ ‬تضع‭ ‬المراة‭ ‬في‭ ‬الدرك‭ ‬الاسفل‭ ‬من‭ ‬تركيبة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتقطع‭ ‬التواصل‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬وما‭ ‬يشكله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭. ‬أما‭ ‬الطالب‭ ‬فأصبح‭ ‬اكثر‭ ‬قربا‭ ‬من‭ ‬عمه‭ ‬الطبيب‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬النصح‭ ‬كلما‭ ‬أصابته‭ ‬صدمة‭ ‬نفسية،‭ ‬وخاصة‭ ‬علاقته‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬بزميلة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬تفاجا‭ ‬بكونها‭ ‬مخطوبة‭ ‬لغيره،‭ ‬وكانت‭ ‬تعاني‭ ‬هي‭ ‬الاخرى‭ ‬من‭ ‬ازمة‭ ‬نفسية‭ ‬جعلتها‭ ‬مضطربة‭ ‬المشاعر‭ ‬والعواطف‭.‬

تمرد‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬الأب

وركز‭ ‬المخرج‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الطبيب‭ ‬ونظريات‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬التي‭ ‬خلّصت‭ ‬الطالب‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬والرهبة‭ ‬واكسبته‭ ‬القوة‭ ‬والشجاعة‭ ‬ليتمرد‭ ‬على‭ ‬والده‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬امه‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬انها‭ ‬تشبعت‭ ‬بمضمون‭ ‬كتاب‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي،‭ ‬حيث‭ ‬ظلت‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬عشرتها‭ ‬مع‭ ‬زوجها‭ ‬خاضعة‭ ‬راضية‭ ‬بما‭ ‬يمارسه‭ ‬ضدها‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬ولو‭ ‬انها‭ ‬هجرته‭ ‬بالطلاق‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬القرار‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لتتخذه‭ ‬لولا‭ ‬ثورة‭ ‬الابن‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬ابيه‭ ‬ومن‭ ‬وراءها‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الابوي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬فانطلق‭ ‬نحو‭ ‬افق‭ ‬أخرى‭ ‬واستعاد‭ ‬شغفة‭ ‬بالموسيقى‭ ‬وتغيرت‭ ‬ملامحه‭ ‬واصبح‭ ‬محبا‭ ‬للحياة‭ ‬مقبلا‭ ‬على‭ ‬مباهجها،‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬فاجا‭ ‬الجميع‭. ‬

‭ ‬أما‭ ‬الاب‭ ‬فيبدو‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬اوهام‭ ‬التجبر‭ ‬فاصابته‭ ‬علة‭ ‬نفسية‭ ‬تتطلب‭ ‬علاجا‭ ‬بالمهدئات‭ ‬العصبية‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬بالتالي‭ ‬اي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الاسرة‭ ‬وقد‭ ‬تعمد‭ ‬المخرج‭ ‬تقديم‭ ‬الاب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصورة‭ ‬الختامية‭ ‬ليجسد‭ ‬هزيمة‭ ‬التسلط‭ ‬الإجتماعي‭ ‬والأسري‭ ‬ولكنه‭ ‬يبقى‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬رمزا‭ ‬للرباط‭ ‬العائلي‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬الابنان‭ ‬تقديرا‭ ‬واحتراما‭ ‬في‭ ‬تلميح‭ ‬للتسامح‭ ‬والمصالحة‭ ‬وهما‭ ‬شرطان‭ ‬ضروريان‭ ‬لتماسك‭ ‬المجتمع‭.‬

شكّل‭ ‬فيلم‭ ‬وحلة‭ ‬إدانة‭ ‬واضحة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الأبوي‭ ‬الذي‭ ‬يمارس‭ ‬سلطانه‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬ويضبط‭ ‬لها‭ ‬حدود‭ ‬ممارساتها‭ ‬وتصرفاتها‭. ‬وكان‭ ‬عملا‭ ‬دراميا‭ ‬اعتمد‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬للظواهر‭ ‬المجتمعية‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬والتي‭ ‬انتهت‭ ‬بكسر‭ ‬حاجز‭ ‬الخوف‭. ‬ولهذا‭ ‬فهو‭ ‬يدرج‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬افلام‭ ‬الدراما‭ ‬النفسية‭ ‬او‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬بالبسيكودراما‭. ‬وقد‭ ‬نجح‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الناحية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬النماذج‭ ‬والحالات‭ ‬ولو‭ ‬انها‭ ‬ليست‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬المشاهد‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬مسلسلات‭ ‬تونسية‭ ‬تتناول‭ ‬ولو‭ ‬بطرق‭ ‬عشوائية‭ ‬أحيانا‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬المجتمعية،‭ ‬واردفت‭ ‬إليها‭ ‬المسألة‭ ‬الدينية‭ ‬لتبرير‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬والتصرفات‭ ‬التي‭ ‬تقيد‭ ‬حرية‭ ‬المجتمع‭.‬‭ ‬ولو‭ ‬ان‭ ‬الفيلم‭ ‬قد‭ ‬تجنب‭ ‬تماما‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬الناحية‭ ‬الدينية‭ ‬بوضوح‭ ‬او‭ ‬تلميحا‭ ‬وقدم‭ ‬شخوصه‭ ‬في‭ ‬معزل‭ ‬عنها‭. ‬بل‭ ‬هي‭ ‬شخصيات‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬اي‭ ‬ضغوط‭ ‬عقائدية‭.‬

التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬تحت‭ ‬مجهر‭ ‬السينما

لقد‭ ‬كان‭ ‬الفيلم‭ ‬بمثابة‭ ‬تحليل‭ ‬نفسي‭ ‬استند‭ ‬إلى‮»‬وحلة‮»‬‭ ‬أهم‭ ‬شخوصه‭ ‬في‭ ‬وضعيات‭ ‬معينة‭ ‬سببت‭ ‬لها‭ ‬أزمات‭ ‬نفسية‭ ‬وبحثت‭ ‬بإرادتها‭ ‬أو‭ ‬دونها‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬وعلاجات‭ ‬لها‭. ‬وقد‭ ‬تطلب‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬نمطا‭ ‬معينا‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬وخاصة‭ ‬الإطالة‭ ‬في‭ ‬اغلب‭ ‬الحوارات‭ ‬ولكن‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬نسق‭ ‬بطيء‭ ‬في‭ ‬تواتر‭ ‬الأحداث‭ ‬والتي‭ ‬استوجبت‭ ‬بدورها‭ ‬نشر‭ ‬ظلمة‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬المشاهد‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬للمشاهد‭ ‬بعض‭ ‬الملل‭. ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬بمستطاع‭ ‬المخرج‭ ‬أن‭ ‬يجسد‭ ‬الفكرة‭ ‬ويبلغ‭ ‬الرسالة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬اقل‭ ‬مما‭ ‬استغرقه‭ ‬الفيلم‭ ‬وبنسق‭ ‬أسرع‭ ‬،‭ ‬كالاستغناء‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المشاهد‭ ‬والحوارات‭ ‬مثل‭ ‬تكرار‭ ‬مشهد‭ ‬قفص‭ ‬الطيور‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬بيت‭ ‬الاب‭ ‬المتسلط‭ ‬ولو‭ ‬انه‭ ‬عنصر‭ ‬اعتبره‭ ‬المخرج‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬ليؤكد‭ ‬نزوع‭ ‬الاب‭ ‬نحو‭ ‬خنق‭ ‬الحرية‭ ‬بحبس‭ ‬الطيور‭ ‬وفرض‭ ‬إحكام‭ ‬غلق‭ ‬ابواب‭ ‬القفص‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تهرب‭ ‬وتتمتع‭ ‬بحريتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتستغل‭ ‬اجنحتها‭ ‬لبلوغ‭ ‬الافق‭ ‬الرحب‭. ‬ولكن‭ ‬ثورة‭ ‬الابن‭ ‬على‭ ‬الأب‭ ‬منحت‭ ‬الحرية‭ ‬للعصافير‭. ‬

هذه‭ ‬قراءات‭ ‬للفيلم‭  ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يتفق‭ ‬معها‭ ‬ومن‭ ‬يعارضها‭ ‬ولكن‭ ‬اعتقادي‭ ‬انها‭ ‬الاساس‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬شريط‭ ‬‮«‬وحلة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اشتغل‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬لظاهرة‭ ‬التسلط‭ ‬الابوي‭ ‬وتطلب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬القيام‭ ‬بأدوار‭ ‬مركبة‭ ‬لتجسيد‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬الشخصيات‭. ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الناحية‭ ‬الممثل‭ ‬محمد‭ ‬مراد‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬بشكل‭ ‬مغاير‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬أدواره‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬التلفزة‭ ‬والسينما‭ ‬كما‭ ‬تالّق‭ ‬المخرج‭ ‬نادر‭ ‬الحمروني‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الطبيب‭ ‬النفساني‭ ‬وكانت‭ ‬الممثلة‭ ‬سلمى‭ ‬المحجوبي‭ ‬مستوعبة‭ ‬أيضا‭ ‬للشخصية‭ ‬التي‭ ‬أدتها‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬أداء‭ ‬مهذب‭ ‬الرميلي‭ ‬وريم‭ ‬الرياحي‭ ‬درجة‭ ‬تميزهما‭ ‬المعروف‭ ‬تلفزيا‭ ‬وسينمائيا‭.‬

البسيكودراما‭ ‬ظاهرة‭ ‬دارجة‭ ‬في‭ ‬السينماءات‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بوفرة‭ ‬صناعتها‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬مجال‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬يضيق‭ ‬عنها‭ ‬حاليا‭ ‬لفائدة‭ ‬مواضيع‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬ارتباطا‭ ‬بواقع‭ ‬المجتمع‭ ‬وهمومه‭ ‬ولو‭ ‬أن‭ ‬فيلم‭ ‬وحلة‭ ‬ينقل‭ ‬واقعا‭ ‬ويمكن‭ ‬لكل‭ ‬مشاهد‭ ‬ان‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬صورته‭ ‬أو‭ ‬قصته‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬المخرج‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يدلو‭ ‬بدلوه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬يخطو‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬خطوات‭ ‬محتشمة‭ ‬وهو‭ ‬مجال‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬بالسينما‭ ‬وهذا‭ ‬سعي‭ ‬مشروع‭ ‬وقد‭ ‬يفتح‭ ‬امام‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬أفقا‭ ‬إبداعية‭ ‬جديدة‭ .‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬سيتعود‭ ‬عليها‭ ‬الجمهور؟‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬الذي‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لسبر‭ ‬اتجاهاته‭ ‬حتى‭ ‬تدرك‭ ‬السينما‭ ‬التونسية‭ ‬بوصلتها‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي”الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING