الشارع المغاربي – الإدارة لم تدفع مستحقاتهم والحكومة تماطلهم: مُقاولون شبان مُهدّدون بالسجن/ محمد الجلالي

الإدارة لم تدفع مستحقاتهم والحكومة تماطلهم: مُقاولون شبان مُهدّدون بالسجن/ محمد الجلالي

قسم الأخبار

27 نوفمبر، 2022

الشارع المغاربي: إثر انضمامهم الى مبادرة عمومية لبعث شركات ناشئة وغير مكلفة للمالية العمومية يواجه مئات المقاولين الشبان صعوبات جمة قد تصل إلى حد السجن. الباعثون الشبان انخرطوا منذ سنة 2016 في مناظرة وطنية وحصلوا على قروض من البنك الوطني للتضامن ثم تعاقدوا مع إدارات عمومية نظير مقابل مالي زهيد ليجدوا أنفسهم بين مشرد ومفلس ومهاجر ومسجون وملاحق في المحاكم بعد ان تملصت عديد الإدارات من خلاصهم ورفضت الحكومة اصدار امر جديد يسمح لهم باستئناف نشاطهم.

سنة 2016 فتحت وزارة التجهيز مناظرة لأصحاب الشهائد العليا لبعث 93 مقاولة صغرى مع تمكين أصحابها من قروض من البنك الوطني للتضامن وابرام اتفاقيات اطارية مع مؤسسات عمومية كالمندوبيات الجهوية للتجهيز والفلاحة والبلديات لتمكينهم من عقود لانجاز أشغال في أكثر من قطاع.

اخلالات من البداية

مقاول شاب أوضح في تصريح لـ “الشارع المغاربي” أن البرنامج ينص على بعث شركات ناشئة في كل الولايات وانها نشطت في مجال اصلاح الطرقات وجهر قنوات المياه وصيانة علامات المروروالإشراف على محطات التطهير مؤكدا ان ذلك لا يتم الا بعد ابرام عقود سنوية مباشرة بقيمة 600 ألف دينار مع المؤسسات والإدارات الجهوية.

وأبرز الشاب الذي طلب عدم ذكر اسمه ان البرنامج تضمن عدة اخلالات منذ بداية تطبيقه أولها تحديد مدة تطبيقه بثلاث سنوات مقابل تمكين المقاولين الشبان من قروض بنكية تُستخلص على امتداد 7 سنوات.

وذكر الشاب الحاصل على شهادة في الهندسة المدنية أنه أمضى سنة 2017 اتفاقا مع احدى البلديات لإصلاح الطرقات مقابل عقد سنوي لم تتجاوز قيمته 150 ألف دينار.

وتابع: “لاحظنا ان السلطة لم تعمل على التعريف بالبرنامج التحفيزي لدى المؤسسات العمومية وان ذلك تسبب في وجود صدّ كبير لديها عدا إدارات التجهيز بما أدى الى حرماننا من عقد اتفاقيات اطارية لمزاولة عملنا وخلاص ديوننا لدى بنك التضامن او دفع مستحقات صندوق الضمان الاجتماعي والقباضات المالية”.

المتحدث أكد ان السلطة فرضت على الباعثين الشبان شراء معدات غير ضرورية وان ذلك كبدهم خسائر كانوا في غنى عنها فضلا عن توريطهم في تشغيل مئات العمال قبل ان يعجزوا عن خلاصهم بحكم ضعف العائدات وتأخر الإدارات في صرف مستحقاتهم.

وأشار الى انه اضطر شخصيا منذ 4 سنوات الى تسريح العمال والتوقف عن الايفاء بالتزاماته الدورية تجاه صندوق الضمان الاجتماعي.

ولفت الى ان السلطة ابرمت سنة 2019 اتفاقات جديدة مع جيل جديد من الباعثين الشبان قصد الاستفادة من خدماتهم في قطاعات أخرى كصيانة المدارس والاشراف على تشغيل محطات التطهير مشددا على انها ورّطت بذلك جيلا اخر من المقاولين الشبان دون ان تجد حلولا جذرية لمن سبقهم.

وقال: “الغريب ان مدة الثلاث سنوات المتفق عليها مع وزارتي التشغيل والتجهيز انتهت منذ 2019 دون ان تُصدر السلطة مرسوما جديدا لتجديد الاتفاقيات مع الإدارات العمومية”. متابعا “زد على ذلك لم تلتزم هذه الإدارات بالأمر الحكومي القاضي بتمكيننا من اتفاقيات في حدود 600 ألف دينار وتملصت من دفع ما تخلد بذمتها من مستحقات مالية بعشرات الالاف من الدنانير. في الاثناء بتنا ملاحقين من إدارات بنك التضامن وصندوق الضمان الاجتماعي والقباضات المالية التي أرسلت الينا مرارا عدول تنفيذ لمطالبتنا بدفع ما علينا وتورّط بعضنا في شيكات بلا رصيد وتم الزج بأكثر من باعث في السجن فيما هاجر اخرون فرارا من احكام قضائية”.

وأضاف: “تنصل الإدارات العمومية من خلاص مستحقات المقاولين الشبان تسبب أيضا في افتكاك تجهيزات البعض وفرض عُقَل على أملاك اخرين وإصدار حكم قضائي بالسجن لمدة 45 سنة في شأن أحد الزملاء”.

وختم بالقول “يوم الأربعاء الماضي التقينا رئيس ديوان وزير التشغيل والتكوين ووعدنا بأن يُمضي الوزير نصر الدين النصيبي يوم الجمعة المنقضي على الامر الحكومي قبل اعادته الى رئاسة الحكومة لنشره بالرائد الرسمي لكن ما راعنا الا والوزير يسافر الى فرنسا”.

وكان مجلس وزاري قد صادق منذ 28 جويلية الماضي على تنقيح الأمر الحكومي المتعلق بالبرنامج التحفيزي وتمت إعادة جدولة ديون الباعثين الشبان مع بنك التضامن دون ان يتم نشر الامر بالرائد الرسمي الى يوم الناس هذا. في الاثناء بقي الاتفاق مع الإدارات العمومية معلّقا وعاد البنك لمطالبة الباعثين الشبان بدفع بقية أقساط القرض.

توقف الاشغال

ايمان الزمالي المنخرطة بدورها في البرنامج التحفيزي كانت لها تجربة مريرة مع أكثر من إدارة عمومية. كوّنت المهندسة في 2016 شركة مختصة في تجميل مداخل المدن والعناية بالمساحات الخضراء وجهر قنوات المياه وتهيئة الطرقات فاكتشفت بعد مرور 3 أشهر ان أسعار المواد الأولية شهدت ارتفاعا جنونيا وان ذلك لا يتماشى مع قيمة الصفقات المبرمة مع الإدارات الجهوية للتجهيز.

وأكدت الزمالي انها وزملاءها طالبوا وزارة التجهيز بمراجعة قيمة الصفقة وان المسؤولين رفضوا ذلك بدعوى ان مراقب المصاريف العمومية تعلّل بأنه لا يجوز قانونيا مراجعة الأسعار في الصفقات الإطارية.

الزمالي ابرزت ان قلة الإتفاقيات المبرمة مع الإدارات العمومية وارتفاع كلفة الأشغال أديا الى تكبد المقاولين الشبان خسائر مالية عمقها توقف جل المقاولات الفتية عن العمل بعد انقضاء الثلاث سنوات التي حددتها السلطة في الأمر الحكومي مستغربة من عدم حرص الحكومة على اصدار امر حكومي جديد.

وأضافت: “الغريب في الامر ان السلطة هي التي فرضت علينا قيمة الصفقة بعد استشارة مقاولات أخرى. فهل يعقل ان تعمد السلطة الى الاستئناس برأي مقاولات منافسة عوض استشارتنا قبل تحديد الأسعار؟”

وبيّنت ان عدم قدرة الباعثين على الإيفاء بالتزاماتهم المالية ساهم في إثقال كاهلهم بخطايا مالية بعشرات الآلاف من الدنانير لدى بنك التضامن والضمان الاجتماعي وإدارة الجباية ملاحظة ان الإدارات تتعامل معهم كمقاولين كبار في ظل تملص السلطة من التدخل لتمكينهم من إعفاءات وامتيازات تخول لهم شق طريقهم في مجال الأشغال العامة.

في هذا السياق تحدث أكثر من باعث شاب عن وقوف مقاولات كبرى وراء عدم اصدار امر حكومي جديد وتجديد العقود مع المقاولات الفتية مرجحين وجود ضغوطات لوبيات نافذة على الوزارات لاغلاق قوس الباعثين الشبان حتى ينعم اصحابها بالصفقات العمومية بأسعار مضاعفة.

أحد الشبان بيّن ان مسؤولا بوزارة التجهيز أكد في اجتماع ببعض المنتفعين من البرنامج التحفيزي ان مقاولين معروفين حاولوا إثناء الوزارة عن التعامل مع المقاولين الشبان.

وأضافت الزمالي: “لقد تجاهلت السلطة مطالبنا لتسوية وضعيات شركاتنا ثم طبّقتها عند بعث جيل جديد من المقاولين الشبان في 2019 وذلك بتمتيعهم بإعفاءات جبائية وبفسح المجال امامهم لمراجعة قيمة الصفقات في صورة ارتفاع أسعار المواد الأولية”.

وتساءلت: “هل يعقل ان تبادر السلطة بتعطيل هذا البرنامج الذي كانت وراء بعثه وساهمت من خلاله في خلق أجيال جديدة من المقاولين الاكفاء؟ هل يعقل ان تتخلى عنا بعدما لاحظت اننا نسدي خدمات أكثر جودة واقل كلفة من كل المقاولات الكبرى الأخرى؟ الا يعتبر هذا خطأ في التصرف وسعيا لإهدار أموال عمومية؟”.

وخلصت الى القول “هشاشة وضعيات مؤسساتنا المالية وضعف رأسمالها حرمانا حتى من المشاركة في الصفقات المخصصة للمؤسسات الصغرى بما ان احجام استثماراتنا لم تبلغ بعد 500 ألف دينار او حتى 200 ألف دينار” مشيرة الى ان مماطلة السلطة في الوقوف الى جانب المؤسسات الناشئة ساهم في وأدها بالمهد.

وينص الفصل 20 من الامر عدد 1049 الذي يتعلق بتنظيم الصفقات العمومية على أن “يخصّص المشتري العمومي سنويا نسبة في حدود 20% من القيمة التقديرية لصفقات الأشغال والتزود بمواد وخدمات والدراسات للمؤسسات الصغرى”.

في انتظار أمر حكومي

إثر سنتين من الانتظار انطلق نشاط 17 شركة ناشئة في المجال البيئي، مع التزامها بتوفير مواطن شغل وتمتيع العمال بتغطية اجتماعية وصحية. انصب دور الشركات على الاشراف على محطات تطهير تابعة للديوان الوطني للتطهير في أكثر من ولاية.

ماهر هو اسم مستعار لمقاول شاب انخرط في البرنامج التحفيزي وبعث شركة ناشئة ثم أمضى اتفاقية مع ديوان التطهير للإشراف على احدى محطاته طيلة 3 سنوات بقيمة مالية في حدود 190 ألف دينار سنويا.

ماهر أكد ان إدارة الديوان لم تدخر جهدا في الإحاطة به مثله مثل غيره من الباعثين الشبان وأنها في المقابل لم تلتزم بتعهداتها المالية تجاه شركات ناشئة توفر قرابة 900 موطن شغل مبرزا أن ذلك ناتج عن شح السيولة في المالية العمومية.

وأشار الى ان العلاقة مع الإدارة العمومية توطدت الى درجة الاستعانة بخدماتهم في كل طارئ يجدّ ووقتما يشاء المسؤولون مشددا على ان كلفة الاشغال التي تسديها شركته (كغيرها من الشركات الناشئة) اقل من كلفة خدمات المقاولات الكبرى التي دأبت الإدارة في سنوات مضت على التعويل عليها.

وأضاف: “انقضت سنوات التعاقد الثلاث دون ان يوفق أي شاب في خلاص ديونه فطالبنا وزارة التشغيل ومن ورائها الحكومة بإصدار امر آخر لتجديد الاتفاقيات مع ديوان التطهير لكن لم تتم الاستجابة لنا رغم الوعود المتكررة منذ جويلية الماضي” مع العلم ان إدارة الديوان راسلت وزارة البيئة لحثها على مواصلة التعامل معنا بالنظر لجودة خدماتنا وتفاديا لأية أعطاب مفاجئة بمحطات التطهير”.

وتابع: “المؤسف في الأمر ان التعاطي غير المفهوم مع شركاتنا يكشف ان العمل مع الدولة أضحى غير مضمون وانه قد يعود بالوبال على المقاولين الشبان الذين قد يجدون أنفسهم مسجونين أو ملاحقين قضائيا واداريا وفي أفضل الاحوال مفلسين”.

على غرار ماهر تعاقد منتصر في 2019 مع وزارة البيئة لصيانة محطتي تطهير بالجنوب لكنه فوجئ بعد مرور 5 أشهر بتأخّر صرف مستحقاته بما اجبره على التداين لخلاص أجور العمال وسداد نفقات الأشغال والإيفاء بتعهداته المالية تجاه القباضة المالية وصندوق الضمان الاجتماعي وفق تأكيده.

منتصر أكد انه مدان لبنك التضامن بـ 70 ألف دينار وأن ادارة ديوان التطهير لم تمكنه رغم ذلك من مستحقاته البالغة 90 ألف دينار مشيرا الى ان ذلك بات غير مفهوم خاصة بعد انتهاء مدة التعاقد وعدم اصدار امر حكومي جديد لاستئناف الاتفاقية مع الإدارة العمومية.

وأضاف: “في ظل الوضع المالي الصعب سلمت دفتر شيكاتي الى البنك حتى لا أتورط في جريمة شيك بلا رصيد قد تتسبب لي في ملاحقات قضائية أنا في غنى عنها”.

حلم لم ير النور

في ولاية نابل بقي تفعيل البرنامج التحفيزي رهين امضاء مراقب المصاريف العمومية بدعوى عدم توفر كراس شروط نموذجي رغم مرور سنتين على اختيار 3 إطارات من حملة الشهائد العليا حسب تأكيد المقاول الشاب رافد دبيشي.

رافد قال انه حصل بمعية زملائه على قرض من بنك التضامن في انتظار امضاء اتفاقيات مع بلديتي منزل بوزلفة والحمامات لتنفيذ أشغال في تنظيف الطرقات وجهر قنوات تصريف المياه وصيانة المناطق الخضراء لافتا الى ان مراقب المصاريف تمسك بعدم الامضاء على عكس ما حدث في اغلب البلديات الأخرى.

وأستغرب من تواصل الامر على حاله حتى بعد قدوم مراقب مصاريف جديد مؤكدا ان ذلك تسبب في عجز المقاولين الشبان عن سداد ديونهم للبنك.

وذكر انه توجه مرارا الى رئاسة الحكومة ووزارات الداخلية والتجهيز والبيئة والتشغيل وإلى ولاية نابل وبلديتي منزل بوزلفة والحمامات دون الحصول على إجابة مقنعة.

وقال ان البنك اتصل بهم مؤخرا لإعلامهم بشروعه في إحالة ملفاتهم الى القضاء للمطالبة بسداد ديونهم.

وكانت الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة قد اخذت على عاتقها إيجاد حلول جذرية لملفات أصحاب الشهائد العليا المنخرطين في اطار البرنامج التحفيزي المهددين بالسجن والمعطلين عن العمل بسبب إيقاف صرف مستحقاتهم وعدم اصدار أمر حكومي جديد يسمح لهم بالتعاقد مع الإدارات العمومية وراسلت يوم 31 أكتوبر 2022 رئاستي الجمهورية والحكومة في هذا الغرض.

وطالبت الجمعية بالتمديد في الاتفاقية المبرمة بين الباعثين الشبان ووزارتي التجهيز والتشغيل مشيرة الى ان المقاولات الصغرى المهددة بالافلاس على ملك نخبة من المهندسين الشبان والى ان أصحابها يواجهون احكاما بالسجن بسبب تراكم الديون بعد تأخر إدارات عمومية عن سداد مستحقاتهم.

وشددت على انه لا يمكن انقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة في ظل وجود تتبعات جزائية مطالبة بإيقاف التتبعات ضد الباعثين الشبان والتمديد في فترة الامهال.

عبد الرزاق حواص الناطق باسم الجمعية أوضح من جانبه في تصريح لـ “الشارع المغاربي” أن ما سمي بالبرنامج التحفيزي اتى لبعث مقاولات ناشئة تحت اشراف مهندسين واطارات من أفضل ما انجبت الجامعة التونسية وان ذلك سرعان ما تحول الى مقبرة للكفاءات وتثبيط العزائم بعد تنصل السلطة من تعهداتها وعدم ايفاء الإدارة بالتزاماتها.

وأشار الى ان تعطل عمل بعض المقاولات الناشئة المتعاقدة مع ديوان التطهير سيكلّف المالية العمومية خسائر بملايين الدنانير لافتا الى ان الديوان اضطر الى عقد صفقة مع مقاولات اجنبية لتعويض الشركات الناشئة بقيمة مالية لا تقل عن 10 ملايين دينار.

أسبوعية “الشارع المغاربي” حاولت الاتصال بوزارتي التجهيز والتشغيل والتكوين لاستفسارهما عن أسباب تعطل البرنامج التحفيزي بعد تكوين قرابة 300 مهندس وإطار وبعث مقاولات ناشئة لكنها تحصل على اية إجابة الى حدود كتابة هذا التحقيق.

بعد مرور 6 سنوات على انطلاق مسار رسمي لخلق مقاولات جديدة بكفاءات شابة وغير مكلفة للمالية العمومية تحوّل حلم مئات الشبان الى كابوس يومي بحثا عن حلول ولو وقتية لتفادي الملاحقات القضائية والبنكية والإدارية.

الا يدخل ذلك في اطار التفنن في وأد أحلام شبابنا بقرارات رسمية؟

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 نوفمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING