الشارع المغاربي: لا بد من القول بأن جهدا ضخما بذل من حركة النهضة التي سعت بكل حزم وجدية ونزلت بكل ثقلها السياسي والبرلماني للدفع نحو اجراء الانتخابات البلدية. ولقد آمنت بمسار الحكم المحلي وقدمت العديد من التنازلات السياسية من أجل الوصول ليوم الاقتراع . في المقابل سعت العديد من الأطراف الأخرى وسط التلويح بالعديد من المخاوف لتأجيلها وإلغائها. في النهاية أقيمت الانتخابات. وكان للنهضة ما أرادت وحصل ما كان الكثير يخشون: فوز واضح لحركة النهضة ولا مجال للتقليل من شأنه والعمل على تقزيمه.وشكلت الانتخابات البلدية كما كان متوقعا محطة سياسية هامة لرصد الحضور السياسي والمجتمعي لمختلف التشكيلات السياسية في البلاد في ظلّ مزاج عام سلبيّ، بسبب الصعوبات المختلفة، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، التي تمرّ بها تونس.
نحن اليوم أمام معطى جديد يتمثل في وجود مجالس بلدية منتخبة و تعد إنجازا مهمّا لتونس وعنوانا من عناوين نجاح الانتقال الديمقراطي باعتبار أن انتخاب المجالس البلدية يأتي في إطار تفعيل الباب السابع من الدستور. كما نسجل عدم بروز قوى سياسية جديدة على الساحة مهما كانت قراءاتنا السياسية للأرقام ومحافظة المشهد الحزبي على ملامحه العامة، كاشفا الفجوة بين حزبي النهضة والنداء المتقدّمين بفارق شاسع عن بقية الأحزاب. وكان التصويت لهما تصويتا مجدّدا للتوازن الحزبي ولسياسة التوافق التي يفرضها النظام الانتخابي نفسه. وأكّدت النتائج بعد مرحلة الترشّحات، أن الظواهر الإعلامية والصوتية لبعض الأحزاب والكيانات السياسية تفوق حجمها الشعبي والانتخابي بكثير وأن هناك حاجة أكيدة إلى مراجعة الخريطة الحزبية التي لم تعد تتّسع لهذا العدد المعلن على الأوراق فقط، ولهذه المشاركة التي لا تعكس منافسة جدية.
المفاجأة الأهمّ تمثلت في عدد القائمات المستقلة المشاركة وفي حصول بعضها على نتائج باهرة في بعض الدوائر البلدية، بما يبعث برسائل هامة للمشهد الوطني عموما، وبما يعزّز الأمل وربما يشجّع على مشاركة أرفع في الاستحقاقات التشريعية والرئاسية القادمة وإعادة الأمل للمواطن والعمل على تغيير وضعه نحو الأحسن كدعامات حقيقية ، لهذه الانتخابات رغم عيوبها. ولكن القائمات المستقلة في حد ذاتها لا تمثل كيانا سياسيا متناسقا ومنسجما وبالتالي لا يمكن الحديث عن قوة سياسية جديدة ولكنها في جزء واسع منها تمثل رفضا للعروض السياسية الموجودة وبحثا حقيقيا عن بديل أو بدائل أخرى تستجيب لتوجهاتها ومطالبها.
تقدّمت حركة النهضة وأحرزت فوزا مستحقّا في الاستحقاق البلدي الأخير، فوز يتعرض لأنواع من العبث من قبل جزء من النخب التي تعيش حالة من التيه الحقيقي وتطمح لطمس هذا النجاح والعمل حتى على سرقته تحت عناوين مختلفة. وكان لراشد الغنوشي دور مميز في الاستحقاق الانتخابي بل يذهب بعض المراقبين إلى القول بأنه ساهم بشكل كبير في انتصار حركة النهضة ليس فقط بفتح الباب للمستقلين لتكوين القائمات وحتى ترؤس العديد منها وترشيح وجوه نسائية بارزة لبلديات هامة وتطوير وتجسيد مفهوم” النهضة الجديدة ” عبر مُخرجات المؤتمر العاشر (2016) في التخصّص والانفتاح وندوة الإطارات (2017) التي أكدت الخيار وخلاصاتها التي أكدت أنّ الانتخابات المحلية خطوة حاسمة في ترسيخ المواطنة والديمقراطية، بل كان للغنوشي دور مهم وإلى حد ما حاسم عند النزول بكل ثقله في الحملة الانتخابية للرفع من جاهزية حركته ودفع العديد من الشبهات واستدعاء كل مقومات النجاح والفوز مثلما تم في صفاقس على سبيل الذكر.
وفي كل الأحوال فقد أصبح لحركة النهضة اكثر من 2135 مستشار بلدي في مختلف المسؤوليات بالمجالس البلدية يمثلون رصيدا سياسيا حقيقيا للمستقبل.