الشارع المغاربي: لا فائدة في الانكار والهروب إلى الأمام وطمس حقائق ناصعة البياض… بعث الشعب التونسي يوم السبت 17 ديسمبر، بأغلبية لم يكن يتوقعها أي محلّل أو حتى كاهن، برسالة مضمونة الوصول إلى الأستاذ قيس سعيد حاملة “لاءات” قاطعة وفاصلة ونهائية : لا لدستوره ولا لقانونه الانتخابي ولا لبرلمانه ولا لتسييره الرديء لشؤون الدولة ولا لضنك العيش المنغمس فيه التونسيون أفرادا وعائلات وطبقات ولا لمغالطاته المتتالية والمقرفة أحيانا وآخرها عنتريته الثورية ضدّ صندوق النقد الدولي والحال أنه لم ينفك طيلة شهور يبشّرنا بقرب تسريح القرض المنتظر.
8,8 أو 11 ٪ من الناخبين التونسيين فقط أمّوا صناديق الاقتراع، لعلّ أغلبهم هزّتهم مناصرة شخصية للمترشحين لأسباب شتّى منها ربما المادية أكثر من مبايعة جديدة للأستاذ قيس سعيد، رقم يعدّ قياسيا على مرّ التاريخ السياسي البشري منذ بدايته إلى اليوم ويستبطن دعوة شعبية لا لبس فيها ولا غبار عليها : إمّا الاستقالة أو تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.
شخصيا لا أعتقد أن ترتضي همّة الأستاذ قيس سعيد وكرامته كإنسان حكم تونس باستشارة شعبية شارك فيها تونسي على اثني عشر وبدستور لم يصادق عليه سوى 27 ٪ من الناخبين التونسيين وببرلمان لم يشارك في بعثه سوى 800 ألف من جملة أكثر من 9 ملايين ناخب تونسي، علاوة على تضمنه من بين نوابه المرتقبين مَن بشّر التونسيين بالجنة ومن طمأنهم مستقبلا على نزول الأمطار في مواسم الزراعة.
إذا استقرأنا سجلات التواريخ السياسية العالمية لن نعثر أبدا على رئيس، لا سيما في نظام رئاسي، سُمح له أن يحكم بمثل هذه النسب التي تنسف وتعصف بمبدإ وجوهر الشرعية، اللهم إلا إذا أقدم الأستاذ قيس سعيد على التمرّد على كل المفاهيم المؤسسة لحكمٍ، شرعيتُه شعبية ومبادؤه أخلاقية وفلسفته مستوحاة من دين الأغلبية على معنى صريح الآية ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58].” ولنا في التاريخ الحديث والقريب منّا مثل الجنرال ديغول الذي اقتدى على ما يبدو قيس سعيد بخطاه والذي لم يرض لنفسه أن يحكم فرنسا بنسبة 48 ٪ فقط من الناخبين.
الحلّ الوحيد لقيس سعيد للبقاء على رأس الدولة إذا أراد أن يحظى بصبر التونسيين وباحترام نظرائه الدوليين ممن يتعامل معهم عن قرب هو أن يعلن في أقرب الآجال عن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها. فإما أن يجدّد له التونسيون شرعية البقاء أو أن يرحل…
دون هذا الحلّ الوحيد حسب رأيي تدخل بلادنا بعد الانهيار الحالي مرحلة الجنون لا قدّر الله.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 ديسمبر 2022