الشارع المغاربي: الدّين العمومي التونسي بجزئيه الخارجي والدّاخلي أصبح غير مستدام. هذه تقديرات صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأخرى. هذه تقديرات العديد من الدول التي تتعامل مع تونس على المستوى الثنائي على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان ودول أخرى.
الدّين غير المستدام هو الدّين الذي أصبح مشطا إذ أنه يفوق قدرة الدولة على مواصلة تسديده بصفة طبيعية ودون تعثر.
يكفي التذكير بأن الدين العمومي التونسي كان في مستوى 25 مليار دينار أو 40 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي (PIB) سنة 2010. الدين العمومي التونسي تفاقم بنسق جنوني منذ 2011 الى الآن ليفوق مستوى 130 مليار دينار أو 110 ٪ من الناتج الداخلي الاجمالي الآن.
الرقم الحقيقي للدين العمومي التونسي هو الرقم المعلن من قبل السلط التونسية وهو 117 مليار دينار والذي يجب أن نضيف إليه ديون الدولة نحو المؤسسات العمومية التونسية وديون الدولة نحو القطاع الخاص التونسي (مزودي الدولة) وديون المؤسسات العمومية التونسية المضمونة من طرف الدولة التونسية.
الدين العمومي التونسي أصبح غير مستدام. من يقول ذلك؟ العديد من الأطراف نذكر منها :
– المديرة العامة لصندوق النقد الدولي التي تعتبر أن الدّين العمومي التونسي أصبح غير مستدام وقد صرحت من أيام قليلة إلى وكالة بلومبرغ Bloomberg أنها ستتحادث مع الوفد التونسي الذي انتقل الى واشنطن من 18 الى 24 أفريل 2022 وأنها ستضغط في اتجاه إقناع السلط التونسية بضرورة إعادة هيكلة أو إعادة جدولة الدّين العمومي التونسي (نادي باريس) كشرط للقبول بتقديم تسهيلات مالية جديدة لتونس مقابل برنامج اصلاحات.
– الأسواق المالية الدولية التي أصبحت تعتبر أن مخاطر الدين التونسي مرتفعة جدا. موقف الأسواق المالية الدولية من الدين التونسي ينعكس على مستوى تسعيرة الدين التونسي في هذه الاسواق.
الدين التونسي أصبح يتداول في السوق المالية الثانوية بتخفيض يصل إلى 20 ٪ من قيمته الإسمية. هذا يعني أن الورقة المالية التي تمثل الدّين التونسي والتي قيمتها الإسمية (الأصلية) 100 دولار مثلا أصبحت تباع بـ 80 دولار فقط. هذا الوضع الخطير له نتائج عديدة نذكر منها :
أن تونس أصبحت عاجزة تماما عن الاقتراض من الأسواق المالية الدولية.
أن من يقتني رقاع الدّين التونسي هي ما يسمى بصناديق الاستثمار الكواسر Fonds rambours والمعروف أن هذه الصناديق الاستثمارية تتعامل بعنف وبأشكال عديدة من الابتزاز مع الدول المعنية.
يجدر التذكير أيضا أن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي تضع تونس في نفس الخانة التي تضع فيها دولة سريلانكا Srilanka التي أعلنت منذ أيام قليلة تعليق تسديد دينها الخارجي نظرا لعجزها عن ذلك التسديد.
مقابل هذا السلط التونسية ترفض مبدأ إعادة جدولة الدّين كجزء من اتفاق مع صندوق النقد الدولي والحصول على قرض جديد. ما الذي يبرر مثل هذا الموقف من طرف السلط التونسية؟ لا ندري.
وهنا لا بد من الاشارة إلى أن هناك تعتيم تام من طرف السلطة التونسية حول ما يجري من محادثات واتصالات ومواقف لعديد الجهات.
لماذا هذا التعتيم التام؟ الذي يجري الآن حول الأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس وحول مصير الدين التونسي والمالية التونسية يهم كل التونسيين دافعي الضرائب ويهم مستقبل بلادهم ومستقبل أبنائهم. لماذا كل هذه «الحڤرة» للمواطن التونسي.
الواضح أن تونس فشلت فشلا ذريعا في إدارة الشأن العام والشأن الاقتصادي والمالي والاجتماعي بالخصوص منذ 2011.
كل الحكومات التي حكمت تونس من 2011 إلى الآن إضافة إلى البنك المركزي التونسي، كلهم فشلوا في الحفاظ على المركز المالي لتونس وعلى مصالحها الاقتصادية والمالية. فشلوا ولكنهم يتعنت مريب يواصلون توخّي سياسة الانكار الكامل Le déni total وتقديم الحجج الواهية والتبريرات التافهة.
نعم فشل البنك المركزي الذي يعتبر أن دوره يقتصر على مقاومة التضخم المالي ناسيا أو متناسيا أن السياسة النقدية يجب أن تكون أولا وبالذات في خدمة الاقتصاد وإلا فلا خير فيها. ففشل الاقتصاد وفشلت محاولات السيطرة على التضخم المالي.
نعم فشلت الحكومات في سياساتها الاقتصادية والمالية. وفي الحقيقة لم يكن لها سياسات في الأصل وأدير الشأن العام بجهل كامل لأبسط قواعد إدارة الشأن العام وأدير الشأن العام بتجاهل كامل وإهمال كامل لمصالح تونس ومصالح المواطن التونسي.
النتيجة : تونس مكبلة بالديون وتتعرض الى ضغوطات كبيرة من طرف صندوق النقد الدولي وبقية الدائنين لإقناعها بعدم إستدامة ديونها وبضرورة الدّخول في دوامة إعادة جدولة الدين. هذه الدوامة مضنية ومهينة وفيها مسّ من السيادة الوطنية التونسية التي أصبحت اليوم في الميزان.
ولكن حتى في الأزمات هناك فرص لابدّ من فهمها وعدم التفريط فيها. وحتى الأزمات يجب حسن إدارتها.
إذا كنا مقتنعين فعلا بأن الدين العمومي التونسي أصبح غير مستدام وأن لا مفر من تعثر الدولة التونسية في تسديد أقساط الدين المستحقة قريبا كما تعتبر ذلك وكالات التصنيف الائتمانية الدولية Moody›s et Fitch Ratings وبعض الصحف الدولية المختصة فلماذا ترفض السلط التونسية الدخول في مفاوضات إعادة جدولة الدين الآن وقبل التعثر الفعلي. هناك فوارق كبيرة بين دولة تتفاوض قبل أن تتعثر فعلا ودولة أخرى تتفاوض بعد أن تعثرت فعلا وتخلفت عن تسديد قسط أو أقساط من دينها الخارجي.
سياسة التعتيم لا تليق ببلد يدّعي أنه ديمقراطية ناشئة.
سياسة التعتيم والمغالطة والإنكار هي التي حرمت تونس من العمل على إيجاد الحلول وأوصلتها إلى التفريط في مصالحها وتأزم أوضاعها.
من حق التونسيين أن يعلموا ويفهموا محتوى وثيقة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة إلى صندوق النقد الدولي. من حق التونسيين أن يعلموا ماذا يحصل بين الحكومة واتحاد الشغل.
فشلتم في إدارة الشأن العام، فهل ستفشلون في إدارة أزمة الدّين العمومي؟.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 أفريل 2022