الشارع المغاربي – النهضة تستعدّ لعقد مؤتمر لا فائدة منه ولا مستقبل بعده/ أنس الشابي

النهضة تستعدّ لعقد مؤتمر لا فائدة منه ولا مستقبل بعده/ أنس الشابي

قسم الأخبار

20 أغسطس، 2023

الشارع المغاربي: نشرت جريدة “الشارع المغاربي” يوم 4 أوت الجاري جزءا من حديث أدلى به منذر الونيسي رئيس حركة النهضة بالنيابة جاء فيه أنه تم اتخاذ قرار بعقد المؤتمر الحادي عشر  للحركة في قادم الأيام، مشيرا في ذات الوقت إلى أنّ كلّ القيادات في السجن وخارجه ملتزمة بذلك، وهو ما يثير العديد من التساؤلات حول جدية هذا القول وإمكانيّة تجسيمه خصوصا بعد الهزّات التي عرفتها الحركة منذ أن انتصب الغنوشي رئيسا لمجلس النواب وما تلاه إلى أن وصلنا إلى يوم 25 جويلية 2021 الذي يعتبر تاريخا انتهت فيه الحركة شعبيّا بخروج المظاهرات العفويّة المطالبة بإبعادها عن الحكم ورسميّا بالتضييق عليها من خلال استبعاد أهمّ رموزها من الشأن العام وفتح قضايا في حقّهم.

أيام كانت الحركة في السريّة كانت مثلما يقال في المثل العامي “سابل عليها ربي سترو” ولكنّها ما إن خرجت إلى العلن واحتكّت بالناس وبالإدارة وبالأحزاب بعيدا عن المظلوميّة حتى افتضح أمرها وبانت على حقيقتها نسقا دينيّا لا علاقة له بالتنظيمات الحزبية التي يفعل فيها الزمن فعله فتتطوّر برامجها حسب الظروف والمعطيات وتتغيّر قياداتها حسب موازين القوى داخلها وحتى خارجها. كلّ ذلك يتمّ في شكل مؤتمرات وهي الاجتماعات الحزبيّة التي تحاسَب فيها القيادة سياسيّا وماليّا ليتمّ التجديد لها أو الاستغناء عنها. ذكر الونيسي أنهم يعتزمون عقد المؤتمر 11، بما يعني أن الحركة عقدت 10 “مؤتمرات” سابقة وفي ذلك مغالطة كبرى لأن الحركة عقدت وهي في السرية 8 “مؤتمرات” إن صحّت تسميتها بذلك لأنّ هذا النوع من الاجتماعات التي نظمتها تمّت في أضيق الحدود من مختلف النواحي. لذا لم تكن بمن حضر فيها معبّرة عن حقيقة التوازنات داخلها. كما أن الهاجس الأمني وحمايتها مقدّم على غيرها من المسائل وهو ما يفسّر في جانب منه بقاء الغنوشي على رأسها حوالي نصف قرن أي منذ تأسيسها إلى اليوم بصورة متواصلة إلا في فترات قليلة ولِمُدد محدودة دون اعتراض يذكر. بعد أحداث 2011 وما نتج عن ذلك من فوضى عمّت البلاد عقدت الحركة أوّل “مؤتمر” علني وهو التاسع سنة 2012 وكانت في غير صدام مع السلطة، فلم تظهر فيها خلافات. ذلك أن الجميع كان منشغلا أيامها بالتعويضات وبتوزيع المناصب والحصول على المنافع. أمّا المؤتمر العلني الثاني وهو العاشر ترتيبا لسنة 2016 فقد برزت على سطحه خلافات تمحورت جميعها حول تحميل الغنوشي مسؤولية الفشل في الحكم ومسؤوليته كاملة عن التحالفات التي عقدها ممّا أدّى إلى تراجع شعبية الحركة وانخفاض نسب المصوّتين لها في الانتخابات المتوالية الى جانب نقد حادّ لمسلك رئيسها في التعيينات بالمناصب العليا في الدولة التي آثر بها أفرادا من عائلته ومن المقرّبين منه وهو ما أدّى إلى ابتكار فرية الفصل بين الدعوي والسياسي في محاولة للالتفاف على الخلافات المستجدّة وإيهام الخصوم بأن الحركة تتونست وتمدّنت. إلا أن الغنوشي و”المؤتمرين” أبقوا  في ذات الوقت على وثيقة “الرؤية الفكريّة والمنهج الأصولي لحركة النهضة التونسيّة” التي تعتبر القاعدة المذهبيّة التي على أساسها يتمّ الانتماء والانخراط والبيعة لأمير الحركة والتي تنصّ على أن اكتساب صفة “نهضوي” لا تتمّ إلا بعد إشهار الإيمان بالملائكة والرسل واليوم الآخر وعذاب القبر ومنكر ونكير وحوريات الجنة وأن الوحي يسبق العقل فهما وتعاملا وأن يحفظ المترشح عن ظهر قلب حزبين من القرآن وألا يدخن وغير ذلك، وهو ما يؤدّي حتما إلى الانتقال بالحركة من دائرة الفعل الإنساني الذي يقبل الخطأ والصواب إلى دائرة العقيدة والإيمان الشخصي ويحوّل العمل السياسي من عمل جماعي إلى عمل فردي مبناه الاعتقاد ومن عمل إنساني يقبل الأخذ والردّ والتطوّر إلى إيمان ثابت لا يتغيّر  وهو ما يظهر بجلاء لدى من يُسمَّون بالجهاديّين الانتحاريّين في ما يرتكبون من جرائم يذهب في ظنّهم أنهم مأمورون بها وأن إيمانهم لا يكتمل إلا بها.

 إن بنية الحركة والنصوص التي تقوم عليها عقيدتها لا تجعل من المؤتمرات حدثا يُؤبَه له فكلّ التيارات التي تخلط الدين بالسياسة توهم بأنها تعقد “مؤتمرات” لتمام الزينة ولم يحدث أن شاهدنا تغييرا لدى أي واحد منها. وحتى بالنسبة لِما سمّي انشقاقات فإن صانعيها سرعان ما يعودون إلى أصولهم ولعلّ إغلاق البرلمان في 25 جويلية كشف أنّ كل الذين ادّعوا خلافا مع الحركة منذ بروز ما يسمى اليسار الإسلامي في ثمانينات القرن الماضي إنّما كانوا يتحرّكون في المساحة المسموح بها ليناصروا الحركة ورئيسها المطرود من البرلمان.

في “المؤتمر العاشر” تمّ الإعلان أن “المؤتمر القادم” سينعقد سنة 2021 . كما طالب عدد من قياديي الحركة بألا يترشح الغنوشي مجدّدا. غير أنّه لم تتمّ الاستعدادات للموعد المحدّد الأمر الذي أشّر على أن “المؤتمر” لن ينعقد وهو ما أجّج الخلافات فصدرت العرائض والاستقالات، ولكن ما إن أغلق البرلمان يوم 25 جويلية 2021 حتى عاد من سمّوا أنفسهم بالغاضبين إلى حظيرة الحركة دفاعا عنها وعن رئيسها. هذه العودة الاحتفاليّة أوهمت منذر الونيسي بأن لمّ شمل ما انفرط عقده ممكن في هذه الظروف من خلال “مؤتمر” لحركة بعض قياداتها في السجن وغاب عنه أنّ:

1) المظلومية التي كانت تقتات منها الحركة انتهت ولم تعد موجودة فارتفع عنها بذلك الغطاء الشعبي الذي كان يسندها وإن بأشكال متفاوتة.

2) الحركة حكمت البلاد طوال عشرية كاملة حصيلتها غلاء في الأسعار وانهيار للقيم وتدمير للمؤسّسات وتصدير للإرهاب وانخراط لتنفيذ أجندات دوليّة معادية لمصلحة البلاد وإفساد للعلاقات التاريخيّة مع عدد من الدول.

3) اللّهث من أجل الخلاص الفردي والإثراء الشخصي وهو ما ظهر في التهافت على الحصول على المنافع المادية بحيث يمكن وصف عشريّة حكم النهضة بأنّها عشريّة النهب المنفلت من أيّ عقال ممّا أدى إلى إفلاس الدولة وانهيار موازينها الاقتصادية وهو ما يعيشه الشعب يوميا من غلاء في الأسعار وفقدان للضرورات الحياتيّة.

4) لم تعد لدى الشعب ثقة في زعيم هذه الحركة لأنّه لم يثبت على أيّ موقف اتّخذه. وقد عاين الشعب ذلك في تصريحاته وتحالفاته ليصبح مضرب الأمثال في ازدواجيّة الخطاب. فالباجي أصبح حليفا بعد أن وصفه بأنه أخطر من السلفيّة وكذا الحال مع القروي ولعلّ أوضح الأمثلة على ما ذكرنا تعيين آخر أمين عام للتجمّع مستشارا لديه. ولأنّ أساس السياسة الثقة بين من يتصدّر القيادة والعموم فإن فقدانها مؤذن بالزوال والامّحاء من الذاكرة.

جملة ما ذكرنا أعلاه من أسباب تعود إلى بنية الحركة ذاتها وإلى حصيلة عشريّة من حكمها تؤدّي بنا إلى استنتاج واحد مفاده أن هذه الحركة انتهت ولن تقوم لها قائمة بالصورة التي عرفناها بها لا بالمؤتمر ولا بغيره. فبعد استلام الإخوان المسلمين في مصر الحكم قال البعض لوزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي انذاك لقد سلّمت مصر للإخوان المسلمين فابتسم وقال لهم: “لقد سلّمتهم إلى الشعب المصري” وبعد سنة واحدة سقط حكم المرشد وخرجوا من حكم مصر إلى الأبد.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 15 اوت 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING