الشارع المغاربي – النهضة‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان ‭ / !!!‬بقلم: أنس الشابي

النهضة‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان ‭ / !!!‬بقلم: أنس الشابي

قسم الأخبار

2 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: سئل‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬اللواء‭ ‬حسين‭ ‬طنطاوي‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬تسليمه‭ ‬الحكم‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬فأجاب‭ ‬قائلا‭: “‬لم‭ ‬أسلّمهم‭ ‬الحكم‭ ‬بل‭ ‬سلّمتهم‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭”. ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬خرج‭ ‬المصريون‭ ‬ينادون‭ ‬بسقوط‭ ‬حكم‭ ‬المرشد‭ ‬وأغلقوا‭ ‬قوسا‭ ‬لم‭ ‬نستطع‭ ‬نحن‭ ‬التونسيّون‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬إغلاقه‭. ‬والمتأمّل‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬بتونس‭ ‬يلحظ‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬تشكيلات‭ ‬وتنظيمات‭ ‬وأحزاب‭ ‬لا‭ ‬عدّ‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬حصر‭ ‬أقواها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬لأسباب‭ ‬شتى‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬البلاد‭ ‬لوحدها‭ ‬وإن‭ ‬استعملت‭ ‬بعض‭ ‬الكومبارس‭ ‬للتغطية‭ ‬والتمويه‭ ‬طوال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬فيها‭ ‬سوى‭ ‬الاغتيالات‭ ‬والقتل‭ ‬وارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬والهوان‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وتصنيف‭ ‬تونس‭ ‬دولة‭ ‬راعية‭ ‬للإرهاب‭ ‬ومصدّرة‭ ‬للإرهابيين،‭ ‬ممّا‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭  ‬تأثير‭ ‬الحركة‭ ‬وتآكل‭ ‬خزانها‭ ‬الانتخابي‭ ‬وانتشار‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭. ‬فهل‭ ‬انتهت‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬اليوم‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬غيّرت‭ ‬جلدها‭ ‬مثلما‭ ‬تفعل‭ ‬الزواحف؟‭.‬

في‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬عرفناها‭ ‬منذ‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وبالأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تدار‭ ‬به‭ ‬والشعارات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترفعها‭ ‬انتهت‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭. ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭:‬

1) ‬تآكل‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمتلكه‭ ‬مؤسّسها‭ ‬داخل‭ ‬حركته‭. ‬فإننا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬القيادات‭ ‬والهياكل‭ ‬جميعها‭ ‬من‭ ‬اختياره‭ ‬وأدّت‭ ‬له‭ ‬البيعة‭ ‬على‭ ‬الولاء‭ ‬والطاعة‭ ‬فإننا‭ ‬شاهدنا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تنطّعا‭ ‬واستقالات‭ ‬وحديثا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عن‭ ‬مسؤوليّة‭ ‬الغنوشي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬التنظيم‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬وهوان‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬تغييره‭ ‬قائمات‭ ‬المرشحين‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2019‭ ‬وما‭ ‬سبق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اللّغط‭ ‬حول‭ ‬تعيين‭ ‬أقاربه‭ ‬وأتباعه‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬الوزاريّة‭ ‬دون‭ ‬التفات‭ ‬إلى‭ ‬الكفاءة‭ ‬أو‭ ‬الأحقية‭ ‬الموضوعيّة‭. ‬فالغنوشي‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬التخلّص‭ ‬من‭ ‬المؤسّسين‭ ‬جميعهم‭ ‬وأصبح‭ ‬الحاكم‭ ‬بأمره‭ ‬تجرّأ‭ ‬عليه‭ ‬رجال‭ ‬الصفّ‭ ‬الثاني‭ ‬الذين‭ ‬صنعهم‭ ‬ليجد‭ ‬نفسه‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬وحيدا‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬برلمان‭ ‬مغلق‭ ‬في‭ ‬وجهه‭ ‬رغم‭ ‬دعواته‭ ‬أنصاره‭ ‬للالتحاق‭ ‬به‭.‬

2) ‬التنظيمات‭ ‬الإخوانية‭ ‬جميعها‭ ‬تنأى‭ ‬بمرشدها‭ ‬عن‭ ‬خوض‭ ‬الانتخابات‭ ‬حماية‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عرضة‭ ‬للقدح‭ ‬والمساءلة‭. ‬فهي‭ ‬بذلك‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬قدسيّة‭ ‬منصب‭ ‬يبايعه‭ ‬المنتسبون‭ ‬في‭ ‬المَنْشَط‭ ‬والمَكْرَه‭ ‬وتمكّنه‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المظلّة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التجميع‭ ‬داخل‭ ‬حركته‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭ ‬الإسلامي‭ ‬عموما‭. ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬معترضا‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬خُرقت‭ ‬لمّا‭ ‬ترأّس‭ ‬الترابي‭ ‬البرلمان‭ ‬وجوابنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تخرق‭ ‬لأنّ‭ ‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬للسودان‭ ‬أيامها‭ ‬كان‭ ‬الترابي‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬رئيسا‭ ‬صوريا‭. ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬حافظت‭ ‬عليها‭ ‬كلّ‭ ‬الحركات‭ ‬الإخوانيّة‭ ‬باستثناء‭ ‬فرعها‭ ‬الموجود‭ ‬لدينا‭ ‬إذ‭ ‬تهافت‭ ‬الغنوشي‭ ‬على‭ ‬الرئاسة‭ ‬ورضي‭ ‬بالبرلمان‭ ‬رغم‭ ‬أنّه‭ ‬كان‭ ‬يطمع‭ ‬في‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مثّل‭ ‬البداية‭ ‬الحقيقيّة‭ ‬لسقوطه‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انهيار‭ ‬حركته‭.‬

3) ‬استطاعت‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬أن‭ ‬تحوّل‭ ‬جرائمها‭ ‬إلى‭ ‬نضال‭ ‬استثمرته‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬السجن‭ ‬والمهجر‭ ‬لتكتسب‭ ‬بذلك‭ ‬تعاطف‭ ‬الداخل‭ ‬ومساندة‭ ‬الخارج‭ ‬ممّا‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬كشفت‭ ‬ضعفا‭ ‬متناهيا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬وتهافتا‭ ‬على‭ ‬المناصب‭ ‬والمنافع‭ ‬المالية‭ ‬ممّا‭ ‬دفع‭ ‬بمناصريها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬إلى‭ ‬ملازمة‭ ‬الصمت‭ ‬البليغ‭ ‬لمّا‭ ‬وقع‭ ‬تجميد‭ ‬البرلمان‭ ‬وفتح‭ ‬أبحاث‭ ‬قضائيّة‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬الوجوه‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬قيادتها‭ ‬رغم‭ ‬صدور‭ ‬بيانات‭ ‬باهتة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

قال‭ ‬ابن‭ ‬المقفع‭ ‬في‭ ‬إشراقة‭ ‬من‭ ‬إشراقاته‭: “‬المُلك‭ ‬سريع‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬أيدي‭ ‬الملوك‭ ‬وليس‭ ‬بعائد‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬انتقل‭ ‬عنه‭ ‬لأنّ‭ ‬من‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬حفظه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬إعادته‭ ‬أعجز‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬توفّرت‭ ‬لها‭ ‬فرصة‭ ‬حكم‭ ‬البلاد‭ ‬ولكنها‭ ‬أضاعتها‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬تونس‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السّهل‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭. ‬فكلّ‭ ‬الذين‭ ‬تولّوا‭ ‬أمر‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬المنصف‭ ‬باي‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬عزلوا‭ ‬جميعهم‭ ‬ولم‭ ‬يكمل‭ ‬أيّ‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬مدّته‭ ‬وخرجوا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬رغبة‭ ‬منهم‭ ‬وهو‭ ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتعلّمه‭ ‬حكام‭ ‬تونس‭ ‬حالا‭ ‬ومستقبلا‭. ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه‭ ‬هل‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬يعني‭ ‬غيابا‭ ‬للحركات‭ ‬التي‭ ‬تخلط‭ ‬الدين‭ ‬بالسياسة؟‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬الأسس‭ ‬العقديّة‭ ‬التي‭ ‬تجتمع‭ ‬حولها‭ ‬كل‭ ‬التنظيمات‭ ‬والحركات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬وتمثل‭ ‬عمودها‭ ‬الفقري‭ ‬تجد‭ ‬الحماية‭ ‬والرعاية‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬يدلّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭:‬

1)‬السعي‭ ‬لإقامة‭ ‬الخلافة‭ ‬مقصد‭ ‬أساسي‭ ‬وهدف‭ ‬استراتيجي‭ ‬لكلّ‭ ‬التيارات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬الغنوشي‭ ‬إنها‭: “‬الثمرة‭ ‬الطبيعيّة‭ ‬لعقيدة‭ ‬التوحيد‭ ‬الإسلاميّة،‭ ‬تبقى‭ (‬الخلافة‭) ‬هدفا‭ ‬لجهاد‭ ‬الأمة‭ ‬لا‭ ‬يحلّ‭ ‬ولا‭ ‬يصلح‭ ‬لها‭ ‬التنازل‭ ‬عنه‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬السعي‭ ‬إليه‭ ‬بتدرج‭ ‬عبر‭ ‬أشكال‭ ‬مرنة‭ ‬من‭ ‬التوحّد‭”(‬1‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬حاضر‭ ‬اليوم‭ ‬بقوة‭ ‬وبأكثر‭ ‬وضوح‭ ‬وإصرار‭ ‬حيث‭ ‬نشاهد‭ ‬أن‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬يرعى‭ ‬حزب‭ ‬التحرير‭ ‬ويمكّنه‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمره‭ ‬تحت‭ ‬حماية‭ ‬أمنه‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ينكّل‭ ‬بدعاة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬المدنيّة‭ ‬ويمنعهم‭ ‬من‭ ‬إظهار‭ ‬معارضتهم‭ ‬لحزب‭ ‬يستهدف‭ ‬إسقاط‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬حتى‭ ‬يقيم‭ ‬على‭ ‬أنقاضها‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة‭ ‬وبول‭ ‬البعير‭ ‬والإماء‭ ‬والجلد‭.‬

2)‬تطبيق‭ ‬الشريعة‭ ‬مطلب‭ ‬يتنادى‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬الإسلاميّين‭ ‬ويرفعونه‭ ‬شعارا‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬المناسبات‭ ‬صاغه‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬تطبيق‭ ‬ما‭ ‬سمّاه‭ ‬مقاصد‭ ‬الشريعة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬شيئا‭ ‬غير‭ ‬الشريعة‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬مقاصد‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬نصّت‭ ‬عليه‭ ‬الشريعة‭ ‬من‭ ‬رجم‭ ‬وتكفير‭ ‬وإلقاء‭ ‬من‭ ‬شاهق‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬جاء‭ ‬في‭ ‬اللائحة‭ ‬العقدية‭ ‬لحركة‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬أجازها‭ ‬لهم‭ ‬يوسف‭ ‬القرضاوي‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: “‬ومن‭ ‬المهمّ‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المقاصد‭ ‬ليست‭ ‬بمعان‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬الوحي‭ ‬حتى‭ ‬نطلب‭ ‬إدراكها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬غير‭ ‬جهة‭ ‬تلك‭ ‬النصوص‭”(‬2‭).‬

3) ‬الفهم‭ ‬الشكلي‭ ‬والتطبيق‭ ‬الحرفي‭ ‬للنصوص‭ ‬واستبعاد‭ ‬إعمال‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭. ‬جاء‭ ‬في‭ ‬اللائحة‭ ‬المذكورة‭: “‬فالنصوص‭ ‬القطعيّة‭ ‬ورودا‭ ‬ودلالة‭ ‬ينحصر‭ ‬عمل‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬فهمها‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬المعاني‭ ‬التي‭ ‬تدلّ‭ ‬عليها‭ ‬واستيعابها‭ ‬وتمثلها‭ ‬كتمثّل‭ ‬الحدود‭ ‬والكفارات‭”(‬3‭) . ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أنصبة‭ ‬الورثاء‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬آية‭ ‬المواريث‭ ‬يعتبرها‭ ‬عبدة‭ ‬النصوص‭ ‬ممّا‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬التصرّف‭ ‬فيه‭ ‬رغم‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬لقصور‭ ‬في‭ ‬الفهم‭. ‬فالله‭ ‬حدّد‭ ‬الأنصبة‭ ‬حتى‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الورثاء‭ ‬عند‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬اقتسام‭ ‬التركة‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬العائلة‭ ‬من‭ ‬التفكّك‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬التصرف‭ ‬فيها‭ ‬واقتسام‭ ‬التركة‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬الورثاء‭ ‬ويرغبون‭. ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬مانع‭ ‬شرعي‭ ‬إن‭ ‬تنازل‭ ‬البعض‭ ‬للبعض‭ ‬الآخر‭ ‬عن‭ ‬نصيبه‭ ‬أو‭ ‬تمّ‭ ‬تنفيل‭ ‬أحدهم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصيبه‭ ‬المحدّد‭ ‬شرعا‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يتمّ‭ ‬بموافقة‭ ‬بقية‭ ‬الورثاء‭. ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬يغيّبه‭ ‬كلّ‭ ‬المنتمين‭ ‬للفضاء‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معاداتهم‭ ‬للمرأة‭ ‬والالتزام‭ ‬الحرفي‭ ‬بالنصوص‭ ‬دون‭ ‬إعمال‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬تحقيقا‭ ‬للمصلحة،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لمّا‭ ‬سئل‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬متمسّكا‭ ‬بموقفه‭ ‬الرافض‭ ‬لمشروع‭ ‬قانون‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الإرث‭ ‬قال‭: “‬نعم‭ ‬وسأردّ‭ ‬عليهم‭ ‬بأمور‭ ‬علميّة‭”(‬4‭).‬

4) ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬عيّنت‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬نور‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬حسن‭ ‬الخادمي‭ ‬وزيرا‭ ‬للشؤون‭ ‬الدينيّة‭ ‬فاستحوذ‭ ‬على‭ ‬الجوامع‭ ‬والمساجد‭ ‬جميعها‭ ‬بتعيين‭ ‬المنتسبين‭ ‬لحركته‭ ‬أيّمة‭ ‬ومؤذنين‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وحاصر‭ ‬الأيمّة‭ ‬الذين‭ ‬رفضوا‭ ‬الانصياع‭ ‬لرغبات‭ ‬الوزير‭ ‬الإخواني،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬المدنيّة‭ ‬جميعها‭ ‬طالبت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بتحييد‭ ‬المساجد‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬فإن‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬وحتى‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بقي‭ ‬الحال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬بتعيين‭ ‬وزير‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الغنوشي‭ ‬مفكر‭ ‬ومجدد‭ ‬إسلامي‭ ‬ويشارك‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬رسالة‭ ‬طالب‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬شكاياته‭ ‬المتكرّرة‭ ‬بالأيمة‭ ‬المعتدلين‭ ‬وبالصحفيين‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوزير‭ ‬أبقى‭ ‬على‭ ‬خطيب‭ ‬أنصار‭ ‬الشريعة‭ ‬المدعو‭ ‬المختار‭ ‬الجبالي‭ ‬في‭ ‬الإمامة‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬المقرّبين‭ ‬إليه‭ ‬إذ‭ ‬نراه‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بأنشطة‭ ‬الوزير،‭ ‬فالحكم‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬المنابر‭ ‬لأنصار‭ ‬الشريعة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نسخة‭ ‬مشوّهة‭ ‬لحركة‭ ‬النهضة‭ ‬أشدّ‭ ‬يبسا‭ ‬منها‭ ‬وأبعد‭ ‬تطرفا‭ ‬وزيغا‭ ‬عن‭ ‬مصلحة‭ ‬الوطن‭.‬

لكلّ‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬أعلاه‭ ‬فإن‭ ‬حركة‭ ‬النهضة‭ ‬وإن‭ ‬غادر‭ ‬بعض‭ ‬قادتها‭ ‬الساحة‭ ‬السياسيّة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لفظهم‭ ‬الشعب‭ ‬فإنها‭ ‬فكرا‭ ‬وعقيدة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تمثّل‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للتنظيمات‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬التي‭ ‬يحميها‭ ‬حكم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬بؤرة‭ ‬القرضاوي‭ ‬وحزب‭ ‬التحرير‭ ‬ورابطة‭ ‬تونس‭ ‬للثقافة‭ ‬والتعدّد‭ ‬والمئات‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬أخونة‭ ‬المجتمع‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬النشاط‭ ‬الخيري‭ ‬وتعليم‭ ‬القرآن‭ ‬وكيفية‭ ‬تغسيل‭ ‬الموتى‭. ‬

‭——————–‬

الهوامش

1) “‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلاميّة‭” ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬دار‭ ‬المجتهد‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬طبعة‭ ‬تونس‭ ‬الأولى‭ ‬2011،‭ ‬ص364‭.‬

2) “‬من‭ ‬تجربة‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭” ‬راشد‭ ‬الغنوشي،‭ ‬دار‭ ‬المجتهد‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬طبعة‭ ‬تونس‭ ‬الأولى‭ ‬2011،‭ ‬ص309‭. ‬

3) ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬الحركة‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ص310‭.‬

4) ‬جريدة‭ ‬الشارع‭ ‬المغاربي‭ ‬بتاريخ‭ ‬11‭ ‬جوان‭ ‬2019‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 30 ماي 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING