الشارع المغاربي – على هامش قضية اسناد جوازات سفر تونسية ليوسف مصطفى ندا وعلي غالب همت: الزعيم بورقيبة وحركة الإخوان المسلمين بمصر وتونس / بقلم أنس الشابي

على هامش قضية اسناد جوازات سفر تونسية ليوسف مصطفى ندا وعلي غالب همت: الزعيم بورقيبة وحركة الإخوان المسلمين بمصر وتونس / بقلم أنس الشابي

قسم الأخبار

15 يناير، 2022

الشارع المغاربي: كشف وزير الداخلية خلال ندوته الصحفية ليوم الاثنين 3 جانفي 2022 التي تحدث فيها عن إسناد جوازات سفر تونسية لإرهابيين سنة 2013 خطورة ما تمّ ارتكابه على الأمن الوطني غير أن أتباع حركة النهضة في إطار تبرير هذه الجريمة والإيحاء بأن لذلك سوابق توهّموا أنها قد تخفّف من شناعة الجرم اتجهوا إلى إثارة اللغط حول إسناد الزعيم بورقيبة الجنسية التونسية ليوسف ندا وإلى وجود علاقة ما بينه وبين حركة الإخوان المسلمين المصرية والتونسية وذلك من خلال إشاعة جملة من الترهات والأكاذيب التي أصبحت من كثرة رواجها بين الناس دون تثبّت شبيهة بالحقائق وما هي كذلك وهي التالية:

1) القول بأن بورقيبة أسند الجنسية التونسية للإخوان المسلمين نكاية في عبد الناصر ومن تمام النكاية تنظيمه أربعينية وإعلانه الحداد في تونس لمّا أعدم سيّد قطب.

2) الإدعاء بأن الحزب الاشتراكي الدستوري مكّن فرعهم التونسي من تسهيلات عديدة من بينها طبع مجلتهم في مطبعته.

3) إشاعة القول بأن النظام استخدمهم لمقاومة اليسار.

جوابا على ذلك أقول:

1) يجب أن نضع في الاعتبار أن سنة 1960 وما تلاها هي غير سنة 2013. فيوسف ندا الذي هو اليوم خزينة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ومفوّضه والمصنّف دوليا كأحد مموّلي الإرهاب ليس هو يوسف ندا الذي أعطاه بورقيبة الجنسية التونسية بتوصية من أحد أصدقائه فأيامها كان مستور الحال. وعُرف بورقيبة بأنه يحفظ الفضل لأصحابه حيث أكرم كلّ الذين أعانوه وساعدوه أيام الكفاح والقائمة طويلة تندّ عن الحصر من بينهم محمد علي الطاهر الصحفي الفلسطيني وفاضل الجمالي رئيس وزراء العراق وتحسين العسكري الوزير العراقي وأحمد حسن الباقوري ومحمد صلاح الدين وزير خارجية مصر وهوكر دوليتل القنصل الأمريكي في تونس الذي عرّف دولته بأهمية بورقيبة في الحركة الوطنية وهو ما حفظه له الزعيم. وحتى من امتنع عبد الناصر عن أن يدفن في وطنه كمحمود أبو الفتح صاحب جريدة “المصري” الوفدية فقد جلب الزعيم جثمانه من سويسرا وأقام له جنازة رسمية وتقبّل العزاء فيه لأن الرجل فتح الأبواب أمام الزعيم ومكنه من التعرف على الشخصيات المصرية وغيرها أيام كان نكرة لا يعرفه أحد. فبورقيبة لم يسند الجنسية التونسية لآخرين ولم يطلق أسماءهم على أنهج العاصمة وشوارعها الا لشيء هو لأنهم قدموا خدمة للوطن تونس إذ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل، وهو أمر يختلف تماما عن الذين أسندت لهم الجنسية سنة 2013 لأسباب إيديولوجية مذهبية خدمة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

2) لم يكن إسناد بورقيبة الجنسية التونسية لبعض الإخوان المسلمين نكاية في عبد الناصر بل كان تصرّفا محدودا اقتصر على بعض الأسماء ولم يكن عملا مخطّطا له للإساءة للنظام الجديد في مصر. فالسياسة الخارجية للزعيم قامت على أساس عدم التدخل في شؤون الآخرين ولم يثبت أن تونس شاركت في مؤامرة أو إساءة لدولة أخرى ولو كانت لها معها خلافات. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لو كان الأمر مثلما ذكر لصنع بورقيبة ما صنعت السعودية التي استقبلت الإخوان المسلمين دون فرز فحمَتهم ومكنتهم من أسباب العيش والاستقرار فيها. وعَرف بورقيبة حركة الإخوان المسلمين أثناء إقامته في مصر في ما بين سنتي 1945 و1949 وهي فترة ارتكب فيها تنظيمهم السري من الجرائم ما يشيب له الأقرع وكان الزعيم شاهدا على ذلك لأنه سكن فترة بمقرّ الإخوان المسلمين في الحلمية وحضر بعض دروس حسن البنا(1) ممّا مكنه من معرفة أدق بهذه النِّحلة وهو ما يفسر في ما بعد إصراره على استئصالهم إذ ذكر في أحد تصريحاته في آخر عمره المبارك أن آخر مهمتين ينوي القيام بهما هما “القضاء على الإخوانجية والأكواخ”. أما مسألة موقفه من إعدام سيد قطب فلم تتجاوز حدود السماح بنشر المقالات الصحفية استجابة لرغبة توفيق الشاوي الإخواني وصديق الزعيم الذي جاء إلى تونس في محاولة منه لحثِّه على التدخل في الموضوع ولكن أمله في ذلك خاب وقال: “ولمّا عرضت عليه (يقصد بورقيبة) القضية وجد أنها فرصة للتشهير بعبد الناصر والانتقام منه وأصدر أوامره للصحافة والحزب والبرلمان وكلّ من في تونس للدفاع عن سيد قطب وكان هذا الدفاع يأخذ في كثير من الأحيان صورة النقد والهجوم على الدكتاتورية والاستبداد الناصري”.(2) بحيث تحوّل الدفاع عن سيد قطب إلى هجوم على النظام الناصري وقد شارك في هذه الحملة الحبيب بولعراس والبشير العريبي وغيرهما والذي نخلص إليه أن المسألة لم تتجاوز حدود المقالات الصحفية وبعض الأغاني أذكر منها واحدة للفكاهي رضا الحجام عن البقشيش. أمّا ما ذهب إليه البعض من أن الزعيم أعلن الحداد ونظم أربعينية لسيد قطب فكذب مصمّت وافتراء وقح لا سند لهما وهما شبيهان بفريتهم التي تقول إن بورقيبة كان على علاقة بسيد قطب وبحسن البنا ويستشهدون بصورة أخذت يوم 14 ماي 1947 لمّا زار البنا مكتب المغرب العربي في القاهرة لشكر حزب الشعب الجزائري على دعوته له بمناسبة إحياء ذكرى مجزرة 8 ماي 1945 التي حضرها خلق كثير من مختلف الاتجاهات السياسية وتداول على الخطابة فيها ممثلو حركات التحرّر كالشاذلي المكي والحبيب بورقيبة وغيرهم من الوجهاء كأحمد أمين وعبد الوهاب عزام ورفاييل بطي وأحمد نجيب برادة وزين الدين حسن الأندونيسي وسيد قطب بحيث لا يمكن أن تكون هذه المصادفة مخططا لها أو دليلا يُحتجُّ به على وجود علاقة بين الزعيم والبنا أو الزعيم وسيد قطب الذي كان أيامها ناقدا أدبيا ولم ينخرط في حركة الإخوان المسلمين(3). وممّا يؤكد أنه لم تكن للزعيم أية علاقة بتنظيم الإخوان المسلمين ما ورد في مذكرات القيادي الإخواني الكبير وأحد مؤسّسي الحركة وتنظيمها السري اذ يقول: “أما شمال إفريقيا وهو المغرب العربي وإن كانت الظروف السياسية لم تتح لمقابلات بين المجاهدين فيه وبين الإخوان فإن الإخوان كانوا حريصين على مراسلة هؤلاء المجاهدين للتعرف على حقائق عندهم فكانت هناك مراسلات بيننا وبين عبد الحميد ابن باديس في الجزائر….. وكانت هناك مراسلات بيننا وبين المجاهدين في مراكش مثل علال الفاسي وحزبه..”(4) وطوال مذكراته ذات الثلاثة أجزاء و1700 صفحة لم يتعرض لتونس أو لرموزها الأمر الذي يعني أنه لو كانت هناك أدنى صلة بين الزعيم والإخوان لما سكت عنها محمود عبد الحليم وهو الذي نشر كتابه في ثمانينات القرن الماضي أيام كان الزعيم رئيسا وأيام تفطنت الدولة لخطورة الفرع التونسي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

3) أما القول بأن من مظاهر إعانة الحزب الاشتراكي الدستوري الإخوان أنه كان يطبع مجلة “المعرفة” في مطبعته فقول فاسد هو الآخر اذ أنه صدر من مجلة “المعرفة” في ما بين سنتي 1972 و1979 بالضبط 45 عددا طبعت في مطابع مختلفة هي مطابع فانزي ودار الصباح وشركة الاستخراج الصناعي والصور الميكانيكية ومطبعة الطباعة الحديثة ولم يطبع من المجلة في “الساجاب” التابعة للحزب سوى العددين الأخيرين ليتم إيقافها. وفي نفس السنة 1979 اتفقت الحركة مع عبد المجيد عطية صاحب مجلة “المجتمع” على تمكينها من رخصتها لتصدرها دون أن تعلن عن ذلك مع توخي الحذر حتى لا تنكشف الجهة التي تقف وراء إعادتها إلى الصدور حيث لا نجد في ما نشر من أعدادها سوى بعض النصوص ذات النفس الإسلامي مع غياب كلي للأسماء التي عرفت بكتاباتها في مجلة “المعرفة”. وقد صدرت من “المجتمع” ستة أعداد طبعت في “الساجاب” لتُمنع بعد التفطن إليها. فلو صحّ قول من قال إن طبع الأعداد المذكورة من مجلتي الحركة يؤشر على وجود تسهيلات لها من الحزب الحاكم من حقنا أن نتساءل عندها عن طبيعة العلاقة بين الحزب والدولة. فما معنى أن تمنع الدولة ويلتف حزب الدولة على هذا القرار؟ ثم ما الذي يدفع الحزب الحاكم إلى إعانة تنظيم أشاد بثورة الملالي في نفس الوقت الذي بدأت الأجهزة الأمنية والسياسية السيادية في الريبة من هذا التنظيم وفي التضييق عليه وشن حملة لمحاصرته؟، لمّا شعر الاتجاه الإسلامي بأن السلطة تفطنت لِما يُخفي سارع إلى التعاقد مع “الساجاب” في تلك الفترة بالذات ليصدر آخر عددين من “المعرفة” في سبتمبر ونوفمبر 1979 وتعاقد في نفس الوقت مع نفس المطبعة لطبع مجلة “المجتمع” التي صدر عددها الأوّل في 10 أوت 1979 الأمر الذي يعني أن الحركة أصدرت عنوانين مختلفين في نفس المطبعة حتى تنأى بوسائل إعلامها عن الرقابة طالما أنها تطبع في مطبعة الحزب الحاكم كما تضع المطبعة في موقع الاتهام معها إن تطوّرت الأمور إلى غير صالحها. هكذا نلحظ أن التثبت في التواريخ يؤدي إلى قناعة بأن مساعدة الحزب الحركة قول فاسد لا يثبت أمام الوقائع.

4) الكذبة الرابعة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم هي القول بأن الحزب استخدم الحركة الإسلامية لمقاومة اليسار. وفي تقديري أن هذا القول فاسد هو الآخر ففي منتصف سبعينات القرن الماضي كان اليسار حاضرا بقوة في الجامعة بقيادات تاريخية استطاعت أن تعطي للحياة في الجامعة بعدا نضاليا ظهر في المظاهرات ضد أمريكا ومساندة قوى التحرّر في العالم وغير ذلك. في تلك الفترة بالذات لم يكن هناك طالب إخواني واحد في الجامعة ولكن كانت الجماعة تشتغل في المدارس الثانوية حيث انتشرت المساجد في المعاهد وابتدأت دار “الراية” في طبع المنشورات الإخوانية البخسة الثمن التي تروّج لمعاداة “ثالوث الفساد” مثلما تسمّيهم ماركس وفرويد وداروين وهي البضاعة الوحيدة التي يمتلكها الإخوان منذ خمسينات القرن الماضي بحيث تربت أجيالهم في تلك الفترة وما بعدها على أن الأعداء هم اليساريون بمختلف مدارسهم والغرب الكافر الملحد ولم تخرج الجماعة لدينا عن هذا الخط . فلا يكاد عدد من مجلة “المعرفة” يخلو من مقال أو أكثر يؤكد هذا المعنى. ومنذ أن عاد الغنوشي من الخارج وباشر مهنة التدريس لاحظ أن أغلب طلبة الجامعة الذين يمثلون قوّة داخلها منتسب إلى اليسار بمختلف مدارسه، وكان من رأيه أن تغيير موازين القوى داخل الجامعة يستلزم أولا وقبل كل شيء امتلاك الساحة التلمذيّة خصوصا في المدارس الثانوية من خلال الدروس داخل المعاهد وفي كل الفضاءات المتاحة. هذا الشباب التلمذي الذي تربّى على أيدي الحركة منذ سبعينات القرن الماضي انتقل في ما بعد إلى الجامعة محمّلا بالمفاهيم والرؤى التي تشرّبها وهو ما يفسر العداء الذي واجه به الإسلاميون قوى اليسار في الجامعة . هذا المخطط تحدث عنه احميدة النيفر في مقال نشره في جريدة “الرأي” سنة 1984 تحت عنوان: “من يملك الجامعة يملك المجتمع”. فالقول بأن السلطة استعملت الإخوان لمقاومة اليسار قول فاسد من نواح متعددة أوّلها أنه لم يكن للحركات الإسلامية عدوّ تبرّر به وجودها سوى اليسار لأنها لم تكن تحمل أيامها عداوة معلنة تجاه الحكم وثانيا لم يكن اليسار يمثل خطورة على السلطة حتى تحتاج إلى اختلاق فريق لمقاومته. ذلك أن المسألة تمت بكامل السلاسة حيث انتقل التلاميذ من المدارس الثانوية إلى الجامعة محملين بالرؤى الإخوانية فامتلكوا الساحة وضعف اليسار هناك. ويحلو للبعض أن يثبت هذا القول الفاسد بالإحالة إلى مصر أيام السادات لمّا أخرج الإخوان المسلمين من السجون لمقاومة خصومه الناصريين في الاتحاد الاشتراكي لكن شتان بين المثالين. ففي مصر كان هناك صراع على السلطة فاستخدمهم السادات لصالحه ليغتالوه في ما بعد في أمجد أيامه وهو ما سيحدث ما يشبهه لدينا في عهد مزالي لمّا حاول استمالة الحركة الإسلامية إلى صفه في حرب الخلافة المستعرة بين الماسكين بالسلطة.

كراهية الإخوان المسلمين للزعيم بورقيبة متأصلة فهي جزء من بنيتهم العقدية ولا تغرّكم ذرابة اللسان في حقه أو امتداحه من طرفهم. فليس ذلك منهم إلا حيلة يوهمون بها ضعاف العقول بأنهم تغيّروا والحال أنهم باقون على ما هم عليه. ولِمن أراد التثبت العودة إلى كتاب إمامهم القرضاوي عن التطرف العلماني في تونس الذي لم يترك فيه نقيصة أو سُبّة إلا وصف بها دولة الاستقلال وزعيمها. وبورقيبة هو الزعيم العربي الوحيد الذي تمكن من إضعافهم وحرمانهم من مصادر القوة ممثلة في التعليم والأوقاف. فتوحيد التعليم وإنشاء المدرسة العصرية أنشآ جيلا هو الذي يقف اليوم في وجه تتار العصر وهُمَّجه. وإلغاء الأوقاف مكن الدولة من وضع يدها على المؤسّسات الدينية جميعها ولكن الأخطاء التي وقعت في عهد خلفه في إطار سياسة سحب البساط من إنشاء لجامعة زيتونية ووزارة للشؤون الدينية مكنتهم من مصادر يواجهون بها اليوم قوى المجتمع المدني.

————– الهوامش

1) بقايا ذكريات” أحمد حسن الباقوري، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة 1988، ص56.

2) “مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي (1945/1995)” لتوفيق محمد الشاوي، دار الشروق القاهرة 1998، ص403.

3) “ذكريات عن مكتب المغرب العربي في القاهرة” رشيد إدريس، الدار العربية للكتاب تونس1981، ص120 و121 و122.

4) “الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ” لمحمود عبد الحليم، دار الدعوة للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 1979،ج1 ص144.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 11 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING