الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: من المنتظر ان ترفع الحكومة من جديد في أسعار المحروقات غرة افريل القادم للمرة الثالثة في اقل من شهرين بعد ان قررت في 28 فيفري الفارط رفع اسعار المحروقات بحجة التقليص من عجز ميزانيتها. ومن المنتظر ان ترتفع نسبة الزيادة في أسعار المحروقات مع نهاية العام الى 30 بالمائة وسط عدم توفر أية إرادة الحكومة للتقشف في استهلاك محروقات أسطول السيارات الإدارية وهياكلها التي تعد بالآلاف عكس ما اقرت الحكومة المغربية يوم اول أمس الأربعاء 23 مارس الجاري في منشور وزاري.
وتسعى تونس، التي تعاني من أزمة مالية خانقة في ظل غياب استراتيجية او خطط للتخفيف ولو نسبيا من حدتها، للتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات لا تلقى قبولاً شعبياً. ويؤكد منذ مدة المسؤولون الحكوميون، ان الارتفاع الحاد لأسعار النفط العالمية بسبب الأزمة في أوكرانيا سيؤثر بشكل قوي على توازنات المالية العمومية بالبلاد ولكنه لم يتم اتخاذ أية تدابير خاصة وتقشفية لمواجهة ذلك.
وتعتزم الحكومة، التي تقول انها تدعم أسعار الوقود وهو ما تنفيه مؤشرات صادرة عنها، إطلاق حزمة لما تصفه بالإصلاحات الاقتصادية بهدف الوصول إلى برنامج إنقاذ مالي خارجي لمساعدتها على تجنب أزمة حادة تلوح في الأفق في المالية العمومية. وأقرت الحكومة سعراً للنفط يبلغ في المتوسط 75 دولاراً للبرميل في ميزانية العام الحالي، بينما تجاوز سعر خام برنت حاجز 117 دولارا للبرميل اليوم الجمعة 25 مارس 2022 في ظل الحرب الدائرة بأوكرانيا ومخاوف الأسواق من تضرر الإمدادات العالمية بسبب العقوبات الصارمة على روسيا والتي قد تشمل صادرات النفط.
وتسعى الحكومة وفق الخطة الاقتصادية 2022 – 2026 الى إلغاء دعم الطاقة تدريجياً عبر الزيادة في أسعار المحروقات والكهرباء والغاز، للمستهلكين والصناعيين، وذلك من خلال التعديل الآلي لأسعار المنتوجات البترولية القائمة وكذلك إحداث لجنة لضبط أسعار الكهرباء والغاز آليا. وتتوقع الحكومة توفير أكثر من مليار دينار خلال العام الحالي من خلال هذه الآلية، كما تخطط لتوفير 204 ملايين دينار عبر الزيادة في تعريفة الكهرباء ذي الجهد العالي والمتوسط المزود للمصانع والشركات، بالإضافة إلى 212 مليون دينار من تعديل تعريفة الكهرباء للاستهلاك المنزلي، وفق الخطة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، أبرز اليوم الجمعة المرصد التونسي للاقتصاد ان اسعار النفط شهدت ارتفاعا غير مسبوق منذ 24 فيفري الفارط تاريخ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. وتنعكس هذه التقلبات العالمية على نسب التضخم في بلدان المغرب العربي خاصةً في ظل العجز الطاقي وسياسات رفع الدعم عن المحروقات المعتمدة من قبل هذه البلدان منذ 2013.
وفي تونس، شهدت المؤشرات العامة لقطاع الطاقة تحسنا سنة 2022 مقارنة بسنة 2020 إذ تراجع العجز الطاقي بنسبة 11 بالمائة وارتفعت نسبة الاستقلالية الطاقية بنحو 21 بالمائة. لكن تبقى تونس في حاجة إلى توريد 48 بالمائة من حاجاتها من مصادر الطاقة الأولية لتلبية حاجات الاقتصاد المحلي، وهو ما يُعرض المالية العمومية إلى مخاطر تقلبات الأسعار العالمية خاصةً اذا تذكّرنا أن فرضية سعر برميل النفط المعتمدة في ميزانية 2022 بعيدة كل البعد عن واقع الأسعار بعد بداية الحرب.
أما المغرب فهو في حالة تعويل شبه تام، حسب المرصد، على توريد مصادر الطاقة بنسبة 90 بالمائة من بينها 80 بالمائة ذات مصادر أحفورية مما يجعله في حالة هشاشة أكبر في هذه الظروف العالمية. وسيؤثر ارتفاع أسعار المحروقات عالميا على المستوى العام للأسعار وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطنين في البلدين وقد بدأ يتسبب في حالة احتقان شعبي، إذ أعلنت نقابة شاحنات نقل البضائع في المغرب عن إضراب بـ 5 أيام احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات وعلى تدني هامش ربحهم.
كما تسبب لجوء الحكومة التونسية للترفيع في اسعار بيع الوقود بشكل متواتر للغاية في ردود فعل من طرف بعض الأطراف السياسية وفي حالة من التوجس من المستقبل إذ سبق وتنزلت قرارات الحكومات برفع الدعم في إطار ما يعرف بـ “الإجراءات السابقة للبرامج” منها على سبيل المثال سن اليات التعديل الآلي الشهري لسعر المحروقات الذي تم تمريره كـ “إجراء سابق” لبرنامج “أداة التمويل السريع” وهو القرض الذي تسلمته تونس من صندوق النقد الدولي. من الممكن إذن القول أن اجراءات الترفيع الأخيرة هي اجراءات سابقة تتنزل في إطار بداية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لسد عجز الميزانية.
اقترنت سياسات رفع الدعم عن المحروقات على مدى العشرية الأخيرة بتوصيات صندوق النقد الدولي التي تلازم برامج الاقتراض والتي قام البلدان بتبنيها بإيقاع متفاوت. وبدأ المغرب العمل على تقليص دعم المحروقات منذ 2013 في إطار سياسة متكاملة لرفع الدعم، تهدف إلى التخفيض في نسبته من الناتج الداخلي الخام من 6 بالمائة في 2012 إلى 3 بالمائة في اواخر 2015، وتوجيهه وحصره في المواد الأساسية من سكر وعجائن وغاز التدفئة.
أما في تونس فقد تم طرح مسألة رفع الدعم عن المحروقات منذ 2012 حسب معطيات المرصد التونسي للاقتصاد من طرف الصندوق في إطار المشاورات الدورية وواصلت الحكومات المتعاقبة رفع سعر الوقود إلى أن أدت هذه السياسة إلى حالة من الاحتقان الاجتماعي في 2019 إذ عبّرت كل من منظمات الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في أفريل 2019 عن غضبها واستنكارها هذه السياسات. في نفس السنة تم إيقاف برنامج “التسهيل الائتماني الممدد” وهو قرض للتسهيل الممدد” المسدى لتونس في 2016 من طرف الصندوق.
ولكن ذلك لم يمنع الحكومات اللاحقة من مأسسة هذه الزيادات إذ أقر وزير الطاقة والمناجم في حكومة إلياس فخفاخ، المنجى مرزوق، الية التعديل الآلي الشهري لأسعار المحروقات على أساس السعر العالمي للبنزين المكرر. وتوقف العمل بهذه الألية منذ 2021 مع حكومة المشيشي لتقوم حكومة بودن بإعادة تفعيله في بداية 2022 حيث تم الترفيع في سعر المحروقات مرتين منذ بداية السنة.
على وقع الاحتجاجات، أعلن المغرب توجهه إلى إعادة اعتماد دعم سعر الوقود سعياً منه إلى تخفيف أثر التقلبات العالمية على الاقتصاد الوطني فيما وصف بانقلاب تام في التوجه بخصوص مسألة الدعم. في ظل هذه الظروف العالمية تساءل المرصد حول إمكانية ان تتخذ تونس نفس الاتجاه الذي يتخذه المغرب مشيرا في المقابل الى أن اقتراب موعد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يمكن ان يمنعها من المضي في مثل هذه المبادرات.