الشارع المغاربي-كريمة السعدواي: سلط التقرير الأخير للبنك الدولي حول “التنمية في العالم 2022” الضوء على أربعة مخاطر اقتصادية ملحة ناشئة عن جائحة كورونا والخطوات الملموسة التي يمكن لواضعي السياسات اتخاذها لمعالجتها ومساندة الجهود الرامية إلى تحقيق تعافٍ قوي ومنصف وهي تزايد القروض البنكية المشكوك في استخلاصها وتأخر تسوية القروض الحرجة وتشديد شروط الحصول على القروض علاوة على ارتفاع مستويات الديون السيادية.
وذكر البنك الدولي في تقريره بانه لا توجد سابقة تاريخية لحجم تأجيل سداد الديون وما حدث من إجراءات تدخلية في القطاع المالي نفذتها البلدان للتخفيف من الضغط الاقتصادي المباشر الذي تعرض له القطاع العائلي وقطاع الشركات أثناء تفشي جائحة كورونا. وقد حققت هذه الإجراءات التدخلية هدفها المرجو على المدى القصير؛ فلم يشهد القطاع العائلي وقطاع الشركات أعداداً كبيرة من التخلف عن السداد، وحتى نهاية عام 2021، لم تشهد البنوك زيادات هائلة في القروض غير العاملة أي المشكوك في استخلاصها.
وعلى الرغم من ذلك، ثمة توافق في الآراء على أن حجم القروض المتعثرة سيزداد مع إنهاء الحكومات العمل بإجراءاتها التدخلية ويتمثل الخطر الناتج عن هذا الأمر في أن هيئات الرقابة المصرفية وواضعي السياسات سيواجهون تحدياً في تفسير أوجه الغموض الذي يكتنف الميزانيات العمومية الذي قد يخفي مدى المشكلات المتزايدة في سداد الديون.
وأبرزت المؤسسة المالية الدولية ان نقص الشفافية بشأن حجم القروض المتعثرة قد يؤخر صياغة استجابة شاملة على صعيد السياسات للتصدي لهذه المشكلات.
وتُظهر التجارب السابقة وفق البنك الدولي أن إشكاليات جودة الأصول لا تُحل من تلقاء نفسها من دون استجابة سريعة وشاملة على صعيد السياسات. وفي حالة تجاهل القروض غير المربحة، فإنها تتجه إلى الزيادة، مما يؤدي إلى إلحاق خسائر متزايدة بالنظام المالي. وإذا تحولت القروض الحرجة إلى أزمة في الجهاز المصرفي، فإن الخسائر في الناتج عادة ما تكون متواصلة بشدة، ولا سيما في البلدان التي لا تمتلك البنوك فيها سوى قدرة محدودة على تحمل الزيادات في المخصصات والخسائر المرتبطة بحجم القروض المتعثرة الآخذ في التزايد.
يذكر ان مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي، كان قد ترأس الاجتماع الدوري مع المديرين العامين للبنوك يوم الجمعة 4 فيفري 2022 حيث تم تقديم مشروع المنشور الخاص بالحد وتسوية الديون المتعثرة والذي يهدف من جهة إلى خفض مستوى الديون المصنفة إلى مستوى معقول اقتصاديًا خلال فترة 5 سنوات ومن جهة أخرى إلى تشجيع البنوك على إدارة مستحقاتها بشكل استباقي طوال دورة حياتها، من البداية إلى الحل.
وتحقيقا لهذه الغاية يرى المحافظ أن هذا الإصلاح ذو أهمية متعددة الأبعاد من حيث إنه سيساهم في زيادة الكفاءة الاقتصادية والتقيد بمعايير الاحتراز المالي وتعزيز مرونة القطاع المصرفي. وشدد العباسي، على دعوة البنوك إلى فهم تطبيق هذا الإصلاح عن قناعة وفعالية، ولعب دورها التحفيزي الكامل في نقل الأهداف المذكورة أعلاه إلى القطاع الحقيقي.
واوضح التقرير السنوي للرقابة البنكية الأخير للبنك المركزي التونسي انخفاض النتيجة الصافية للقطاع البنكي، خلال سنة 2020، بنسبة 37.9 بالمائة مقابل زيادة بنسبة 13.5 بالمائة خلال سنة 2019 لتبلغ 815 مليون دينار. وأوضح التقرير أن هذا الانخفاض ناجم عن تداعيات الظرف الصحي الذي عرفته البلاد وفرض تنفيذ إجراءات أدت بالخصوص الى انخفاض نسبة الفائدة المديرية وارتفاع مخصصات المدخرات ونتيجة تصحيح قيم المستحقات وعناصر خارج الموازنة والخصوم بقيمة 507 مليون دينار أي بنسبة 62.6 بالمائة.
كما أظهر ذات التقرير أن 15 بنكا حقق نتائج ايجابية سنة 2020، بأرباح متراكمة قدرت بقيمة 1069 مليون دينار، فيما حقق 16 بنكا أرباحا متراكمة بقيمة 1478 مليون دينار خلال سنة 2019، مشيرا إلى أن 8 بنوك شهدت خسائر بقيمة 245 مليون دينار سنة 2020 مقابل تسجيل 7 بنوك لخسائر في حدود 165 مليون دينار سنة 2019. وبين أن البنك المركزي التونسي قد صرح للبنوك والمؤسسات المالية بتوزيع أرباح بعنوان السنتين الماليتين 2019 و2020 بعد تعليق توزيعها بعنوان السنة المالية 2019.
في جانب اخر ووفقًا لآخر تقرير سنوي أصدره مؤخرا البنك المركزي التونسي حول الرقابة البنكية، في عام 2020، فقد تأثرت نوعية محفظة الديون جزئيًا فقط بتداعيات الأزمة الصحية بفضل تدابير الدعم التي تم اتخاذها لفائدة الفاعلين الاقتصاديين من طرف مؤسسة الاصدار وذلك تبعا بالأساس لتأجيل أقساط قروض المهنيين وغير المهنيين.
ومع ذلك، فقد سجل التقرير نسبة من الديون المصنفة بلغت 13.6 بالمائة في عام 2020، وهو مستوى مماثل الى حد ما لذلك الذي جرى تسجيله بعنوان عام 2019، فيما يتعلق بعمليات التخلي عن الديون وشطبها بمبلغ 491 مليون دينار. ولم تتغير هيكلة الديون المصنفة أو المشكوك في تحصيلها حسب الفئة مقارنة بالسنوات السابقة لغالبية الفئة 4 (فئة الديون المشكوك فيها) والتي تمثل 86.4 بالمائة من الديون المصنفة.
ومن هذه الزاوية، يتبين أنه على الرغم من تحسن معايير التخلف عن السداد، تظل أهمية حصة القروض المتعثرة تحديا كبيرا للبنوك التونسية. وعلى الرغم من انخفاضها خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن حصة القروض المتعثرة في إجمالي القروض لا تزال مرتفعة (حوالي 12 بالمائة) مما يتطلب استراتيجية وطنية لحل مشكل المخزون القديم والمهم من القروض المتعثرة.