الشارع المغاربي – معز زيّود : وفاة إنسان واحد بأيّ طريقة كانت قد تُشكّل مأساةً حقيقيّة لأسرته وأصحابه وبلده، لكنّ الحياة تستمرّ رغم كلّ المحن ولا تتوقّف لحظة واحدة بل ولا تُعطَّلُ حياة الآخرين بسبب رحيل كائن من يكون. يبدو أنّ للسلطات الأمنية الليبية بالمعبر الحدودي ذهيبة/وازن رأيًا مغايرًا تمامًا. فقد قرّرت غلق المعبر الحدودي لثلاثة أيام، بداية من اليوم، حدادًا على وفاة أحد عناصرها في حادث انقلاب سيّارته على الخط الحدودي الفاصل بين تونس وليبيا.
قد تكون لقوّات “سرايا الحدود بنالوت” الليبيّة المبرّرات النفسيّة لاتخاذ هذا القرار، باعتبار أنّ انقلاب سيارة زميلهم ووفاته قد جدّ أثناء مطاردة سيارات مُهرّبين أفلتوا منهم داخل التراب الليبي إلى غاية وقوع الكارثة عند رسم الحدّ بين البلدين. وفي المقابل يتّضح أنّه لا وجود لدواع سياسيّة أو إداريّة من شأنها أن تُبرّر اتّخاذ مثل هذه القرارات المتواترة بين الحين والحين.
والمؤسف أنّ الإعلان عن قرار غلق الحدود حدادًا على وفاة عنصر عسكري وغضبًا من تجاسر عتاة المهرّبين إنّما يعكس أيضا فداحة لامركزيّة صنع القرار الأمني الذي تشكو منه مؤسّسات الدولة في البلد الجار. فإغلاق الحدود يُعدّ بمثابة إعلان حصار شامل على مواطني البلدين. ومن ثمّة يُفترض أن تكون الجهة المؤهّلة لاتّخاذه، حتّى إن كان لفترة مؤقّتة، هي أعلى هرم السلطة في الدولة بالتشاور مع الأجهزة العسكرية والأمنيّة ذات الصلة. فليس سرّا سرّا أنّ إغلاق الحدود قد تترتّب عليه تداعيات اجتماعيّة وصحيّة واقتصاديّة مباشرة بالنسبة إلى أبناء البلدين.
أمّا بالنسبة إلى واقعة الحال، فيبدو أنّه لا حكومة الوفاق الوطني في ليبيا ولا إحدى الحكومتين الموازيتين لها قد أعطت تعليماتها بإغلاق الحدود، بل المعلن أنّه مجرّد قرار محليّ اتُّخذته “سرايا الحدود بنالوت” للأسباب المذكورة وما يقف وراءها من خلفيّات…
ومع ذلك فإنّ هذه الحادثة يُفترض أن تدفع البلدين إلى الاتفاق بشكل نهائي على تحديد آليات واضحة للنظر بشكل مشترك في المسائل الحدوديّة. وهذا يعني أيضا ضرورة إيجاد حلول، على المدى المنظور، لمعضلة التهريب التي لا يُفرّق ممتهنوها بين تهريب البضائع والأسلحة والبشر… فالبوّابة التي ينبغي أن تُغلق قبل غيرها هي بوّابة التهريب لأنّ أضراره الجسيمة في المال والأرواح بالنسبة إلى كلا البلدين لا تُقدّر بثمن، وإن كان البديل غائبا إلى حدّ اليوم وإلى أجل غير معلوم…