الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تؤكد العديد من المصادر الرسمية وطيف واسع من الخبراء المتابعين للشأن المالي الوطني سيما خلال الفترة القريبة الماضية، أن أوضاع المالية العمومية للبلاد تزداد سوء يوما بعد يوم في ظل الفوضى السياسية العارمة الناتجة عن عبث المنظومة السياسية لما بعد 2011 وفشلها. وتبين عدة مؤشرات أن العجز المتفاقم للميزانية قد يصبح خارج السيطرة الى جانب بروز بوادر تعثر شديد للمالية العمومية باعتبار بداية التفاوض لتأجيل سداد أقساط قروض مستحقة لفائدة جهات اجنبية والتراجع غير المسبوق لمستويات الطلب وتمويل الاقتصاد في ظل بوادر “خذلان” الهيئات المالية الدولية السلط التونسية في ما يتعلق بمزيد إقراضها.
وتوضح، في هذا الاطار، آخر البيانات الاحصائية المالية المحينة للبنك المركزي التونسي المنشورة امس الاربعاء 29 جويلية 2020 أن حاصل الحساب الجاري للخزينة يناهز 549 مليون دينار، مما يغطي 5 ايام، فحسب، من نفقات التصرف في شؤون البلاد – دون اعتبار مصاريف التجهيز و التنمية – المدرجة بميزانية العام الحالي والتي تشمل اعباء التأجير العمومي (19030 مليون دينار) ومصاريف تسيير الادارة (1683 مليون دينار) والتدخلات والتحويلات الاجتماعية والدعم (7050 مليون دينار) وخدمة الدين العمومي (11678 مليون دينار) مما يساوي اجمالا 39441 مليون دينار.
وتفيد، في ذات السياق، معطيات مؤسسة “التونسية للمقاصة“ وهي المودع المركزي للأوراق المالية والمتصرف في منظومة الدفع والتسليم في تونس والتي ينظم عملها القانون 117-1994 أن قيمة قروض المؤسسات المالية من بنوك وشركات تامين وايجار مالي وصناديق توظيف الأموال التي ضخت في خزينة الدولة تناهز في الظرف الراهن، 13 مليار دينار.
وتبين المعطيات ان مبلغ الاكتتابات أو بالأحرى الاقتراض هو في شكل رقاع خزينة قصيرة المدى (128 مليون دينار) ورقاع خزينة قابلة للتنظير لإمكانية تداولها بالبورصة (12999 مليون دينار). وتتراوح نسب فوائد الاقراض، على هذا المستوى، بين 5.5 و7.5% وتصل في بعض الوضعيات الى 8%.
وتحيل جملة هذه المؤشرات الى مفارقة منهجية يتطلب فهم أبعادها تحليلا دقيقا، اذ ان الاستنتاج الأول الذي يمكن الوصول إليه يتمثل في ان المؤسسات المالية أصبحت تخصص قسما جد مهم من تمويلاتها للدولة. ويتعلق الاستنتاج الثاني بأن ادارة الخزينة صارت تتم دون اعتبار ضرورة تكوين مدخرات قابلة للتداول على مدة لا ينبغي ان تقل عن تسعين يوما لمجابهة النفقات العامة ولا سيما الطارئة منها بأريحية.
على ضوء هذه المؤشرات يمكن القول ان التصرف في خزينة الدولة تحول مع الاسف الى تصرف يومي وحرج وهو ما يعني وجاهة ان البلاد تتجه بشكل واضح نحو تعثر تمويلي في السيولة تحديدا بشكل لم تشهد له نظير.
https://www.bct.gov.tn/bct/siteprod/arabe/indicateurs.jsp?la=AR
http://www.finances.gov.tn/sites/default/files/2019-10/R%C3%A9sultatsSeptembre2019_0.pdf
http://www.tunisieclearing.com/tc/statistiques/encours