الشارع المغاربي – حول‭ ‬ميزانية ‭ :‬2024السمّ في الدسم...(جزء1)/ بقلم: جيلاني الهمامي

حول‭ ‬ميزانية ‭ :‬2024السمّ في الدسم…(جزء1)/ بقلم: جيلاني الهمامي

قسم الأخبار

13 سبتمبر، 2023

الشارع المغاربي: يجري‭ ‬الآن‭ ‬إعداد‭ ‬ميزانية‭ ‬العام‭ ‬القادم‭ ‬2024 ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬ضبطها‭ ‬تماما‭ ‬ككل‭ ‬عام‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأساسية‭ ‬وأهمّها‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬بـ‭ ‬2‭.‬1 ‬%ومعدل‭ ‬سعر‭ ‬لبرميل‭ ‬النفط‭ ‬بـ‭ ‬71‭ ‬دولارا‭ ‬واستقرار‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬الحالي‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تم‭ ‬تقدير‭ ‬ميزانية‭ ‬العام‭ ‬القادم‭ ‬بحوالي‭ ‬72‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬زيادة‭ ‬بحوالي‭ % ‬4،5 ‬مقارنة‭ ‬بميزانية‭ .‬2023 ‬

توقعات‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬تقدير‭ ‬أو‭ ‬مغالطات‭ ‬متعمدة‭ ‬

منذ‭ ‬البداية‭ ‬وقبل‭ ‬تناول‭ ‬أهداف‭ ‬الميزانية‭ ‬وأهم‭ ‬توجهاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬يجدر‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬تصور‭ ‬ميزانية‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬وجاهتها‭ ‬وواقعيتها‭. ‬وأول‭ ‬المؤشرات‭ ‬المعتمدة‭ ‬وهو‭ ‬مؤشر‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬بـ‭ ‬2‭.‬1‭ ‬ %تم‭ ‬النفخ‭ ‬فيه‭ ‬ربّما‭ ‬لأسباب‭ ‬دعائية‭ ‬لأنّ‭ ‬كل‭ ‬التقديرات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬أوساط‭ ‬اقتصادية‭ ‬محلية‭ ‬ودولية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬1،4‭ ‬ %(وكالة‭ ‬الترقيم‭ ‬الدولية‭ ‬فيتش‭ ‬رايتينغ‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬شهر‭ ‬جوان‭ ‬الماضي‭ ( ‬و1،9‭ ‬ % (تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الإفريقي‭ ‬للتنمية‭ ‬أواخر‭ ‬جويلية‭ ‬الماضي‭ .( ‬وكانت‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للخزينة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬قد‭ ‬أشارت‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬خاص‭ ‬بالمؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ (‬brèves économiques de Tunisie et de Libye‭) ‬في‭ ‬نشرتها‭ ‬عدد‭ ‬33‭ ‬ليوم‭ ‬14‭ ‬أوت‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تراجعت‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثية‭ ‬الثانية‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬بـ‭ ‬1،3 %‬بسبب‭ ‬تراجع‭ ‬قطاعات‭ ‬الفلاحة‭ ‬والبناء‭ ‬والصناعة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إنتاج‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭. ‬وللإشارة‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬الثلاثية‭ ‬الثانية‭ ‬للسنة‭ ‬الجارية‭ ‬15،6‭ ‬ % أما‭ ‬وكالة‭ ‬فيتش‭ ‬رايتينغ‭ ‬فقد‭ ‬أرجعت‭ ‬تراجع‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬الى‭ % ‬1،4‭ ‬لارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭ (% ‬11‭ ) ‬واستمرار‭ ‬حالة‭ ‬الغموض‭ ‬بخصوص‭ ‬مآل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المستوجبة‭ ‬والظروف‭ ‬المناخية‭ ‬غير‭ ‬الملائمة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضبابية‭ ‬السياسية‭ ‬والمخاوف‭ ‬المتصلة‭ ‬بمستقبل‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ (‬1‭).‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬معدل‭ ‬سعر‭ ‬البترول‭)‬المقدر‭ ‬بـ‭ ‬71‭ ‬دولارا) ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬اتجاه‭ ‬تطور‭ ‬أوضاع‭ ‬سوق‭ ‬الطاقة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬البلدان‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ )‬أوبيب‭( + ‬شهر‭ ‬أفريل‭ ‬الماضي‭ ‬التخفيض‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭. ‬وكانت‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬قد‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬الشهري‭ ‬عن‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬دول‭ “‬اوبيب‭”‬،‭ ‬أن‭ “‬تخفيضات‭ ‬العرض‭ ‬المفاجئة‭ ‬من‭ “‬أوبيب‭ +” ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬أفريل‭ ‬تهدد‭ ‬بتفاقم‭ ‬العجز‭ ‬المتوقع‭ ‬في‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ينجم‭ ‬عنه‭ “‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يتزايد‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الاقتصادي‭” ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬عالية‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرى‭ ‬الخبير‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬رئيس‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬فتيح‭ ‬بيرول‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬صرح‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أفريل‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬سعر‭ ‬برميل‭ ‬البترول‭ ‬قد‭ ‬يتجاوز‭ ‬عتبة‭ ‬المائة‭ ‬دولار‭. ‬

وبخصوص‭ ‬المؤشر‭ ‬الثالث‭ ‬أي‭ ‬استقرار‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬فيبقى‭ ‬رهين‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتقلبات‭ ‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬حكومة‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬شيئا‭ ‬للتحكم‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬لدرء‭ ‬مخاطره‭ ‬والمرتبطة‭ ‬أيضا‭ ‬بأداء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬التضخم‭ ‬وحالة‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬على‭ ‬العملة‭ ‬المحلية،‭ ‬الدينار‭ ‬التونسي‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يجدر‭ ‬التنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬التوقعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لعديد‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬والدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بان‭ ‬سنتيْ‭ ‬24‭ ‬و25‭ ‬المقبلتين‭ ‬ستشهدان‭ ‬تراجعا‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬لدى‭ ‬الاقتصادات‭ ‬القوية‭ (‬أمريكا‭ ‬وأوروبا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاقتصادين‭ ‬الألماني‭ ‬والياباني‭) ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الـ‭% ‬1‭ ‬ وأن‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الصاعدة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬اقتصاد‭ ‬الصين‭ ‬سيتراجع‭ ‬بمعدل‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬أو‭ % ‬4‭ ‬.وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬توقعت‭ ‬التقارير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أيضا‭ ‬تصاعد‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭. ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬ان‭ ‬تلجأ‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬نقدية‭ ‬معروفة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬الفائدة‭. ‬هذا‭ ‬المناخ‭ ‬المتقلب‭ ‬يتضمن‭ ‬تهديدات‭ ‬حقيقية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬وللموازنات‭ ‬المالية‭ ‬عامة‭ ‬وميزان‭ ‬الدفوعات‭ ‬خاصة‭ (‬نتيجة‭ ‬ارتفاع‭ ‬كلفة‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬والواردات‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية‭ ‬والمصنعة‭) ‬واحتمالات‭ ‬نضوب‭ ‬العملة‭ ‬الاجنبية‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬التونسي‭ ‬مقابل‭ ‬العملات‭ ‬العالمية‭ ‬الكبيرة‭. ‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬وضع‭ ‬سيناريو‭ ‬الميزانية‭ ‬القادمة‭ ‬تفتقد‭ ‬الدقة‭ ‬والمصداقية‭. ‬وكما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬ميزانيات‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬فهي‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬متطابقة‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الطوارئ‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حدا‭ ‬بكل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬والتي‭ ‬اتبعت‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬غير‭ ‬الدقيق‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬التضليلي،‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬ميزانيات‭ ‬تكميلية‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الميزانية‭ ‬الاصلية‭. ‬

اللغة‭ ‬الخشبية‭ ‬لتمرير‭ ‬الخيارات‭ ‬ القديمة‭ ‬المفلسة‭ ‬

معلوم‭ ‬أن‭ ‬الميزانية‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬أسمته‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬منشورها‭ ‬ عدد‭ ‬11‭ ‬لسنة‭) ‬ 2023‭ ‬افريل 2023‭ ‬) “‬خطة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والمتوسط‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬من‭ ‬ضبط‭ ‬سياسات‭ ‬لمعالجة‭ ‬الانكماش‭ ‬الاقتصادي‭ ‬واستعادة‭ ‬الدينامية‭ ‬المرجوة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬الكبرى‭ ‬للاقتصاد‭ ‬وللمالية‭ ‬العمومية‭ (‬2‭). ‬ويلاحظ‭ ‬المتمعن‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يشير‭ ‬إليها‭ ‬منشور‭ ‬الحكومة‭ ‬تكرّر‭ ‬نفس‭ ‬الخطاب‭ ‬الخشبي‭ ‬الذي‭ ‬تعمد‭ ‬إليه‭ ‬المصالح‭ ‬الفنية‭ ‬لوزارة‭ ‬المالية‭ ‬باستعمال‭ ‬نفس‭ ‬الصيغ‭ ‬والجمل‭ ‬بل‭ ‬ونسْخ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجمل‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬الميزانية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬سنوات‭.‬‭ ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬ذلك‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬المالية‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الحالي‭ ‬لما‭ ‬صرح‭ ‬لموقع‭ “‬الصباح‭ ‬نيوز‭” ‬قائلا‭: ” ‬تأكد‭ ‬لدى‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬أن‭ ‬فرضيات‭ ‬ميزانية‭ ‬2024‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬الفرضيات‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬عليها‭ ‬ميزانية‭ ‬2023‭ ‬”وليعذرني‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬إثقال‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬باستشهادات‭ ‬مطولة‭ ‬مما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬منشور‭ ‬الحكومة‭ )‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المخطط‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬الذي‭ ‬تعتمده‭ ‬حكومات‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الآن) .‬

جاء‭ ‬في‭ ‬منشور‭ ‬الحكومة‭ ‬المذكور‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

‭” ‬وتتمثل‭ ‬أولويات‭ ‬وأهداف‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭: ‬

• تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬شامل‭ ‬ومستدام‭ ‬يضمن‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ويحقق‭ ‬المساواة‭ ‬للجميع‭ ‬نساء‭ ‬ورجالا‭ ‬ومراعي‭ ‬للتغييرات‭ ‬المناخية‭. ‬

• تحسين‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ ‬وإعادة‭ ‬الثقة‭ ‬مع‭ ‬شركاء‭ ‬تونس‭ ‬بما‭ ‬يوفر‭ ‬أرضية‭ ‬ملائمة‭ ‬لاستقطاب‭ ‬المستثمرين‭ ‬الأجانب‭.‬

• تسريع‭ ‬نسق‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الملائمة‭ ‬بهدف‭ ‬ضمان‭ ‬نسق‭ ‬نمو‭ ‬إيجابي‭ ‬ودائم‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬توازنات‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬ونسبة‭ ‬المديونية‭. ‬

• إرساء‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الجبائية‭ ‬الضرورية‭ ‬لإضفاء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النّجاعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬وتكريس‭ ‬مبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬الجبائية‭. ‬

• مساندة‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الهشة‭ ‬واستكمال‭ ‬إصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توجيهه‭ ‬نحو‭ ‬مستحقيه‭ ‬الفعليين‭. ‬تحسين‭ ‬حوكمة‭ ‬إدارة‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭. ‬

• مواصلة‭ ‬استحثاث‭ ‬المجهودات‭ ‬لتبنّى‭ ‬منوال‭ ‬تنمية‭ ‬يعتمد‭ ‬الاتجاه‭ ‬التدريجي‭ ‬نحو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬بتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقات‭ ‬البديلة‭ ‬والنظيفة‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬والهيدروجين‭ ‬الأخضر‭. ‬

•‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬مجابهة‭ ‬مختلف‭ ‬الأزمات‭ ‬للتقليص‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬وآثارها‭ ‬السلبية‭ ‬ضمانا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬

•‭ ‬بلورة‭ ‬إجراءات‭ ‬عملية‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬تطوير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأزرق‭ ‬باعتباره‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي‭ ‬وخدمات‭ ‬النظم‭ ‬البيئية،‭ ‬ومكافحة‭ ‬التلوث‭ ‬البحري‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعه،‭ ‬بهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬والمناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الثروة‭ ‬وإحداث‭ ‬فرص‭ ‬الشغل‭ ‬وضمان‭ ‬ديمومة‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭.”‬

إن‭ ‬مقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬للواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬بالأزمة‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالبلاد‭ ‬يلاحظ‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬زيف‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ “‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬شامل‭ ‬ومستدام‭” ‬و‭”‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭” ‬و‭”‬المساواة‭ ‬للجميع‭”. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الخطاب‭ ‬الخشبي‭ ‬الذي‭ ‬تردد‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬التونسيين‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال‭ ‬بل‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬فقد‭ ‬معناه‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أمام‭ ‬صعوبات‭ ‬العيش‭ ‬وتعقيدات‭ ‬الواقع‭ ‬يتحول‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬كذب‭ ‬ما‭ ‬عاد‭ ‬يصدقه‭ ‬أحد‭. ‬

الأهداف‭ ‬الحقيقية‭: ‬ سمّ‭ ‬في‭ ‬الدسم‭ ‬

بالاطلاع‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬الوثائق‭ ‬المتوفرة‭ ‬للعموم‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬القارئ‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬التوجهات‭ ‬الأساسية‭ ‬لميزانية‭ ‬السنة‭ ‬القادمة‭. ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ميزانية‭ ‬جبائية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬امام‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬يئست‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي(‭ ‬1،9‭ ‬مليار‭ ‬دولار) ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سدّ‭ ‬أمامها‭ ‬أبواب‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬أو‭ ‬يكاد،‭ ‬إلّا‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬الداخلي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬المداخيل‭ ‬الجبائية‭ (‬المداخيل‭ ‬الجبائية‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬بصفة‭ ‬حصرية‭ ‬تقريبا‭ ‬لأن‭ ‬هامش‭ ‬المداخيل‭ ‬غير‭ ‬الجبائية‭ ‬ضيق‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭) ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬ينتظر‭ ‬تكثيف‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجبائية‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬والشركات‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المواطنين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الإنتاج‭ ‬والخدمات‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تحتل‭ ‬موقعا‭ ‬متقدما‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬قائمة‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬جبائي‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ )‬أكثر‭ ‬من‭ ‬33‭   ‬ %).

الملمح‭ ‬الأساسي‭ ‬الثاني‭ ‬لميزانية‭ ‬2024‭ ‬هو‭ ‬المضي‭ ‬خطوات‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ “‬الإصلاحات‭” ‬التي‭ ‬أوصى‭ ‬بها‭ ‬صندوق‭ ‬النّقد‭ ‬الدولي‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬مطلبا‭ ‬عاما‭ ‬لدى‭ ‬كلّ‭ “‬شركاء‭” ‬تونس‭ ‬الاقتصاديّين‭ ‬والتّجاريّين‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬ذوي‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬بالصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬وثيقة‭ ‬المخطّط‭ ‬التّنموي‭ ‬2023‭ ‬–‭ ‬2025‭ ‬في‭ ‬باب‭ “‬أولويّات‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭: ‬التّسريع‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬مكوّنات‭ ‬البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للإصلاحات‭” (‬3‭). ‬لذلك‭ ‬أكّد‭ ‬منشور‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬المذكور‭)‬منشور‭ ‬13‭ ‬أفريل‭ ‬الماضي‭ ‬المتعلّق‭ ‬بإعداد‭ ‬مشروع‭ ‬ميزانية‭ (‬2024 ‬على‭ ‬أهمّية‭ “‬مواصلة‭ ‬إصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬الجبائية‭ ‬ومنظومة‭ ‬الدعم‭ ‬والوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬وتحديث‭ ‬القطاع‭ ‬العمومي‭” ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬فإن‭ ‬لميزانية‭ ‬الجديدة‭ ‬سترتكز‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

• الترفيع‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المداخيل‭ ‬الجبائية‭. ‬وعلينا‭ ‬ان‭ ‬ننتظر‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لمعرفة‭ ‬طبيعة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجبائية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ستتخذها‭ ‬الحكومة‭ “‬لتحسين‭ ‬المداخيل‭”.‬

• الضغط‭ ‬على‭ ‬المصاريف‭ ‬الإجبارية‭) ‬منها‭ ‬الأجور‭ ‬أساسا‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المصاريف‭ ‬بعنوان‭ ‬تسديد‭ ‬الديون‭ ‬وخدمات‭ ‬الدين‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬قدرة‭ ‬للحكومة‭ ‬على‭ ‬التصرف‭ ‬فيها‭ ‬بأي‭ ‬وجه‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬تقريبا‭( ‬ومصاريف‭ ‬التصرف‭ ‬الأخرى‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬ستتقدم‭ ‬الحكومة‭ ‬خطوات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬التقليص‭ ‬من‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬عبر‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬يجد‭ ‬القارئ‭ ‬ضمن‭ ‬الهوامش‭ ‬أسفله‭ ‬مقتطفا‭ ‬من‭ ‬توصيات‭ ‬منشور‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬المذكور‭ ‬سلفا‭ (‬4‭). ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬أيضا‭ ‬سترتكز‭ ‬الميزانية‭ ‬على‭ ‬التقليص‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬اعتمادات‭ ‬الدعم‭ ‬ومن‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬المدعمة‭)‬الحبوب‭ ‬ومشتقاتها‭ ‬والمحروقات‭ ‬الخ‭…( ‬ارتفاعا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬القادمة‭. ‬

• قطع‭ ‬خطوات‭ ‬ملموسة‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬فيما‭ ‬يسمّى‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬وتحت‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬سيقع‭ ‬التفويت‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬ستعتبرها‭ ‬الحكومة‭ “‬غير‭ ‬استراتيجية‭”. ‬وسيكون‭ ‬التفويت‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬ذات‭ ‬المردودية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬لأنها‭ ‬ستدر‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬مداخيل‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أشد‭ ‬الحاجة‭ ‬اليها‭.  ‬

•‭ ‬رصد‭ ‬اعتمادات‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬بال‭ ‬للاستثمار‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬السنوات‭ ‬الفائتة‭ ‬منذ‭ ‬حكومات‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬ضحت‭ ‬بالاستثمار‭ ‬لفائدة‭ ‬ميزانية‭ ‬التصرف‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬تعطل‭ ‬عملية‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬ونمو‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭. ‬

استنساخ‭ ‬الماضي وإعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الفشل‭ ‬

يرتكز‭ ‬مشروع‭ ‬الميزانية‭ ‬تماما‭ ‬كالمشاريع‭ ‬الذي‭ ‬سبقته‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والأهداف‭ ‬التي‭ ‬نجدها‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ميزان‭ ‬اقتصادي‭ ‬عند‭ ‬عرض‭ ‬الميزانية‭ ‬على‭ ‬النقاش‭ ‬والمصادقة‭. ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ (‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬الانتقال‭ ‬منذ‭ ‬مدة‭ ‬إلى‭ ‬نمط‭ “‬الميزانية‭ ‬حسب‭ ‬الأهداف‭” ‬وتم‭ ‬تنقيح‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬للميزانية‭ (‬loi organique du budget‭) ‬يتمثّل‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬الميزانية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مؤشرات‭ ‬تقليدية‭ (‬سعر‭ ‬الصرف‭ ‬وسعر‭ ‬برميل‭ ‬البترول‭ ‬ونسبة‭ ‬النمو‭ ‬الخ‭…) ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الفرضيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬الأخرى‭ )‬نسبة‭ ‬التضخم،‭ ‬خدمات‭ ‬الدين،‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬إجمالي‭ ‬تكوين‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الثابت‭ ‬formation brute du capital fixe‭ ‬عبر‭ ‬نسب‭ ‬نمو‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬لقطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأساسية)‭ . ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬أيضا‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬مداخيل‭ ‬الجباية‭ )‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة)وتعديلها‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬لسد‭ ‬الفجوات‭ ‬التي‭ ‬تتراكم‭ ‬بين‭ ‬إجمالي‭ ‬المداخيل‭ ‬وإجمالي‭ ‬المصاريف‭ ‬والانسياق‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬التداين‭ ‬ونزيف‭ ‬خدماته‭ )‬يتم‭ ‬تسديد‭ ‬الديون‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة) ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المبادئ‭ ‬أيضا‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬قطاعات‭ ‬هشة‭ ‬خاضعة‭ ‬للمتغيرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬ولتقلبات‭ ‬الأسواق‭ ‬الخارجية‭ ‬مثل‭ ‬السياحة‭ ‬وإلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬قطاع‭ ‬الفلاحة‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬انحصرت‭ ‬دائما‭ ‬الأهداف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التركيبة‭ ‬الهشة‭ ‬لاقتصادنا‭ )‬اقتصاد‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭( ‬في‭ ‬ادخال‭ ‬تحسينات‭ ‬طفيفة‭ ‬في‭ ‬مردودية‭ ‬قطاعات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأساسية‭. ‬ونجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ميزان‭ ‬اقتصادي‭: ‬تطوير‭ ‬هيكلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ودعم‭ ‬طاقته‭ ‬التشغيلية،‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والإدماج‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الجهوي‭ ‬الخ‭… ‬وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الامر‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬أهداف‭ ‬الحكومة‭)‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭ ( ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬من‭ ‬التوازنات‭ ‬المالية‭ ‬أي‭ ‬بلوغ‭ ‬المبالغ‭ ‬المالية‭ ‬المبرمج‭ ‬تحقيقها‭ ‬كمداخيل‭ ‬للميزانية‭ ‬وعدم‭ ‬تجاوز‭ ‬سقف‭ ‬المصاريف‭ ‬المبرمجة‭ ‬للتحكم‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬الميزانية‭ ‬والتحكم‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬العجز‭ ‬الأخرى‭ )‬في‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬أساسا‭ ( ‬ونسب‭ ‬التضخم‭ ‬والمؤشرات‭ ‬الاجتماعية‭ )‬البطالة‭ ‬والدخل‭ ‬الفردي‭ ‬وإدماج‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬الخ)‭… . ‬

لقد‭ ‬أدّت‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬الترقيعية‭ ‬إلى‭ ‬تراكم‭ ‬الانخرام‭ ‬في‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬وتفكك‭ ‬النسيج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتراجع‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬لعموم‭ ‬قطاعات‭ ‬الإنتاج‭ ‬أي‭ ‬تراجع‭ ‬نسبة‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬البلاد‭ ‬مضطرة‭ ‬تقريبا‭ ‬إلى‭ ‬توريد‭ ‬أغلب‭ ‬احتياجاتها‭ (‬حبوب‭ ‬وبعض‭ ‬الخضروات‭ ‬والغلال‭ ‬والأدوية‭ ‬والمحروقات‭ ‬والأقمشة‭ ‬والمواد‭ ‬المصنعة‭ ‬ونصف‭ ‬المصنعة‭ ‬الخ‭…) ‬واصبحت‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬تداينا‭ ‬للخارج‭ ‬وبات‭ ‬اقتصادها‭ ‬رهين‭ ‬المناخ‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬وتقلباته‭. ‬

إن‭ “‬الخطة‭ ‬التنموية‭” ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتباعها‭ ‬منذ‭ ‬السبعينات‭ (‬مع‭ ‬كل‭ ‬التعديلات‭ ‬الجزئية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭) ‬أثبتت‭ ‬عجزها‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وأدت‭ ‬الى‭ ‬حالة‭ ‬شبه‭ ‬الإفلاس‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬البلاد‭ ‬اليوم‭. ‬ويمثل‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الاختيارات‭ ‬والسياسات‭ ‬إصرارا‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الفشل‭ ‬وتكبيد‭ ‬البلاد‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬

إنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المأمول‭ ‬مطلقا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬أداة‭ ‬لنجاة‭ ‬تونس‭ ‬مما‭ ‬يتهددها‭ ‬من‭ ‬انهيارات‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬لمعالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬حدود‭. ‬إن‭ ‬بلادنا‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬الإفلاس‭ ‬التام‭. ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقذها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المآل‭ ‬المؤلم‭ ‬غير‭ ‬اعتماد‭ ‬خطة‭ ‬أخرى‭ ‬مغايرة‭ ‬جذريّا‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬مقدمات‭ ‬أو‭ ‬شروطا‭ ‬سياسية‭ ‬ضرورية‭ ‬عنوانها‭ ‬الكبير‭ ‬الإطاحة‭ ‬بمنظومة‭ ‬الحكم‭ ‬الرجعية‭ ‬بقيادة‭ ‬الشعبوي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬وتصفية‭ ‬تركته‭ ‬كليا‭ ‬ليتمّ‭ ‬على‭ ‬أنقاضها‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬جديدة‭ ‬تمثل‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬الكادحة،‭ ‬عمالا‭ ‬وفلاحين‭ ‬فقراء‭ ‬وصغارا‭ ‬وموظفين‭ ‬وأصحاب‭ ‬حرف‭ ‬ومؤسسات‭ ‬صغيرة‭ ‬ومهمشين،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬طموحاتهم‭ ‬وتخضع‭ ‬لرقابتهم‭ ‬عبر‭ ‬مؤسسات‭ ‬حكم‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬ديمقراطي‭ ‬جديد‭ ‬يجسم‭ ‬سيادة‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬مقدراته‭ ‬وخيراته‭ ‬وقراراته‭ ‬وسياسات‭ ‬بلاده‭.‬‭ ‬

الهوامش‭ ‬

‭( ‬1‭ ) ‬–‭ ‬أنظر‭ ‬التقرير‭ ‬على‭ ‬الرابط‭ ‬التالي‭ ‬Tunisia‭ (‬fitchratings.com‭)‬

‭( ‬2‭ ) ‬–‭ ‬منشور‭ ‬عدد‭ ‬11‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬مؤرخ‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬افريل‭ ‬2023‭ ‬حول‭ ‬إعداد‭ ‬مشروع‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬لسنة‭ ‬2024

-(3) ‬Présentation PowerPoint‭ (‬mdici.gov.tn‭)‬

‭( ‬4‭ )- ‬ ‬مقتطف‭ ‬من‭ ‬منشور‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬بخصوص‭ ‬الإجراءات‭ ‬المزمع‭ ‬اتخاذها‭ “‬بهدف‭ ‬مواصلة‭ ‬تطبيق‭ ‬برنامج‭ ‬إصلاح‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬ولمزيد‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭”  ‬

•‭ ‬ترشيد‭ ‬برامج‭ ‬الزيادات‭ ‬في‭ ‬الأجور‭.‬

•‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الانتدابات‭ ‬وحصرها‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬ذات‭ ‬الأولوية‭ ‬والانتدابات‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬لبعض‭ ‬القطاعات‭ ‬خاصة‭ ‬ذات‭ ‬الصبغة‭ ‬الفنية‭ ‬والتقنية‭.‬

•‭ ‬مواصلة‭ ‬التخفيض‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬خرّيجي‭ ‬مدارس‭ ‬التكوين‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوزارات‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬والداخلية‭ ‬والعدل‭.‬

•‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬اتفاق‭ ‬15‭ ‬سبتمبر‭/ ‬أيلول‭ ‬2022‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭.‬

•‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬أحكام‭ ‬الفصل‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2023‭ ‬المتعلق‭ ‬بترشيد‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الإحالة‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭.‬

•‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬نسب‭ ‬الترقيات‭ ‬السنوية‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬20‭ ‬% باستثناء‭ ‬الأسلاك‭ ‬التي‭ ‬تضبط‭ ‬نسب‭ ‬ترقيتها‭ ‬في‭ ‬نصوصها‭ ‬الخاصة‭.‬

•‭ ‬عدم‭ ‬تعويض‭ ‬الشغورات‭ ‬المسجلة‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تغطية‭ ‬الحاجيات‭ ‬المتأكدة‭ ‬منها‭ ‬بإعادة‭ ‬توظيف‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬المتوفرة‭.‬

•‭ ‬مزيد‭ ‬ترشيد‭ ‬منح‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إسناد‭ ‬استراحة‭ ‬تعويضية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬القيام‭ ‬فعليًا‭ ‬بساعات‭ ‬إضافية‭.‬

كما‭ ‬أوصت‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬معدّي‭ ‬مشروع‭ ‬ميزانية‭ ‬2024،‭ ‬بـ‭:‬

•‭ ‬مواصلة‭ ‬العمل‭ ‬بالبرنامج‭ ‬الخصوصي‭ ‬للإحالة‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬قبل‭ ‬بلوغ‭ ‬السن‭ ‬القانونية

•‭ ‬عدم‭ ‬تعويض‭ ‬الشغورات‭ ‬المسجلة‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬توظيف‭ ‬الموارد‭ ‬المتوفرة‭ ‬

•‭ ‬مزيد‭ ‬ترشيد‭ ‬منح‭ ‬الساعات‭ ‬الإضافية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إسناد‭ ‬راحة‭ ‬تعويضية

•‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأمر‭ ‬المتعلق‭ ‬بالانتقال‭ ‬الوظيفي‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬الانتفاع‭ ‬بعطلة‭ ‬مشروع‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 12 سبتمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING