الشارع المغاربي – خدوش في الذاكرة... ذكريات عن لقائي بالمفكر التونسي العفيف الاخضر..بقلم/ فوزي عمار

خدوش في الذاكرة… ذكريات عن لقائي بالمفكر التونسي العفيف الاخضر..بقلم/ فوزي عمار

قسم الأخبار

15 مارس، 2022

الشارع المغاربي: كانت بدايات المفكر التونسي العفيف الاخضر زيتوني التكوين والتعليم وماركسي الهوى بل والعقيدة ثم ليبيراليا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ..

عمل محاميا بعد ان تخرج من مدرسة الحقوق ترجم البيان الشيوعي مما جعله رمزا لدى الشباب الماركسين العرب في سبعينيات القرن الماضي.

التقيته صيف 2002 بباريس التي زرتها قادما من لندن ( حيث كنت ادرس) عبر Eurotunnel وهو القطار الرابط بين فرنسا وبريطانيا تحت بحر المانش. وبدعوة من صديق رجل أعمال تونسي أصر على لقاء المفكر التونسي (الذي لم أكن اسمع باسمه من قبل) وكان هو احد مريديه ومن يقدم له مساعدات مالية تعينه على العيش الكريم نظرا لظروفه المادية الصعبة كما شرح لي.

كنت احمل معي كتاب كعادتي في كل سفرة وهذه المرة كان للمفكر الليبي الصادق إلنيهوم بعنوان : محنة ثقافة مزورة.

بعد أن سلمت عليه فاجاءني بسؤال : من أين تعرف النيهوم؟ قلت انا ليبي وأعتز بالنيهوم ككاتب ليبي و كمفكر عربي سبق زمنه بكثير .. فقال : حسنا لا يبدوا شكلك من أتباع الغنوشي.! ضحكنا نحن الثلاثة..

وبدأ الحديث عن النيهوم وكيف أنه نسف القديم ولم يطرح مشروعا جديدا. ويبدو ان حديثي معه قد ذكره بالنيهوم لأنه كتب عنه في المقالة التالية لهذا اللقاء في موقع ايلاف اللندني والعرب اللندنية.

سألته :لماذا أنت في فرنسا ؟ فأجاب : أنا سافرت كثيرا وكلما أسافر الى بلد تقوم به الحروب فقلت لعل مجيء لأوروبا يكون فيه نفع لنا… !!!

تحدث عن صداقته مع الدكتور الليبي محمد عبد المطلب الهوني وتأسيس مشروع العقلانيين العرب …

كان العفيف مبالغا في عداءه للدين ويخلط بين الإسلام كدين من جهة وبين سلوك المسلمين والخطاب الديني من جهة أخرى.

كان عصبيا في حديثه .. أذكر انه عندما اعترضت على بعض التشبيه للصحابة قال لي : انت لا تستمع مثل القذافي !!! و اكمل .. لن نستطيع ان نبدع ما لم نتخلص من التابو والمحرم.. انها قيود ….

انا عندي ضعف عمرك في التعليم والبحث وتعرفت علي جيفارا وعشت مع رموز الثورة الفلسطينية فى بيروت مثل ابو جهاد واختلفت مع بورقيبة وتركت له تونس . غادرت الى الجزائر كنت من المقربين من الرئيس الجزائري بن بلة واستقريت في باريس .

كنت استمع إليه بشغف فاستدرك انفعاله وحاول إصلاحه فقال ..ولكني احترم فيك ذكائك و مرونتك. بدأ يتحدث عن العلم وأنه المخرج لنا مما نحن فيه. فالعلم وليس الدين هو ما يفسر كل شيء !!

قلت : صحيح العلم يفسر الظواهر ويشرح السبب والعلة مثل ان الماء يغلي في درجة 100 درجة مئوية .. ولكن العلم لا يشرح حاجة المعلول للعلة ! . فما حاجة الماء للغلبان ؟. لم يجب عن تساؤلي ولكن لم يقتنع ايضا به من خلال سيمولوجيا ولغة الجسد.

استمر الحديث معه قرابة ساعة ونصف قبل أن أودعه. رجعت إلى لندن وكنت على تواصل معه بالهاتف في مرتين او ثلات في حديث مطول وشيق .. فهو لا يعرف الايميل” و لا يستخدمه رغم أنه مفكر كبيرا ولكن التقنية قد سبقته.

أصاب المرض العفيف وتمكن منه فاختفي عن الأنظار على الجميع تقريبا.. الا من بعض المقالات التي كان يستعين باحدهم ليكتبها له بعد اصابته بالسرطان و لم يعد قادرا ان يحرك يده … هذا ما أكده لي صديقه رجل الأعمال التونسي الذي عرفني به .. لنسمع لاحقا في شهر يوليو 2013 انه مات منتحرا …!!!

لقد تمكن منه تيار القلق الوجودي وسيطر عليه وعى عجزه وجرفه الإلحاد وقاده التيه الى هذه النهاية المأسوية. بعد أن أيد أفكار المستشرقين عن تخلف العرب والمسلمين وكتاباتهم العنصرية عن الاسلام وعن رسول الله (صلى الله عليه و سلم.)

كانت رؤية عفيف الاخضر تتجلي في جملته الشهيرة التي يرددها كثيرا : ( أن نكبة العالم العربي الثانية هي الإسلام السياسي بعد النكبة الأولى وهي القوميين والماركسيين العرب ) .

اذكر انه كتب يوما يقول : لقد دمرت الثورات الكاذبة حياتنا وهو ما كان قد حذر منه بعد أن تخلى عن دعمه لحركات التحرر الوطني التي اكتشف فسادها.

هذا كان رأي المفكر العفيف الأخضر عن الثورات التي عاصرها يا ترى ماذا سيقول من عاصر ثورات ما سمي بالربيع العربي .. او هكذا ما أطلق عليها ؟


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING