الشارع المغاربي – رسالة مفتوحة الى المغزاوي: لماذا لا تنسحب وتُريحنا ؟/ بقلم: خالد الكريشي

رسالة مفتوحة الى المغزاوي: لماذا لا تنسحب وتُريحنا ؟/ بقلم: خالد الكريشي

قسم الأخبار

25 أغسطس، 2024

الشارع المغاربي: قد لا تكون هذه الرسالة المفتوحة اليك في طريقها سياسيا وانتخابيا، وقد يكون السؤال سيء الطرح وأنت مُقبل على المنافسة الانتخابية بعد أقل من شهرين للدخول الى قصر قرطاج وتكون بذلك الرئيس الثامن لتونس. لكن حجم المسؤولية الوطنية والتاريخية على عاتقنا جميعا وأنت أولنا بعد تعرّضك لحملة شرسة من الجميع حتى من ذوي القربى لدفعك الى الانسحاب من السباق الرئاسي ولكل اسبابه وغاياته في ذلك، فالأسباب متعددة والنتيجة واحدة تحتم عليّ أن أكون معك واضحا وصريحا كما لم أكن صريحا معك من قبل تحت رقابة الجميع.

اسمح لي ان اناديك في الرسالة المفتوحة اليك بـ “الزو” اسمك الحركي الذي حملته في العمل السري طيلة عقود خلت منذ انخراطك في الحركة التلمذية وصولا الى ثورة 2011 مرورا بالحركة الطلابية والنقابية والسياسية وهو الاسم المحبّب الي بقدر محبتنا لهذا الوطن ارضا وشعبا وقد بلغنا من العمر عتيا ولن نعيش اكثر مما عشنا، وقد لن يبقى في العمر بقية على بعد مسافة الحلم.

 اتفقنا كثيرا واختلفنا قليلا يا “زو” منذ بداية تسعينات القرن الماضي رغم اختلاف تكويننا التعليمي فأنت ابن العلوم الصحيحة وانا ابن العلوم الانسانية. ورغم اختلاف ساحات تواجدنا قطاعيا ؛ فأنت ابن الساحة النقابية وأنا ابن الساحة الحقوقية / المحاماة وهو ما خوّل لنا الاحتكاك اكثر ببقية الأطراف السياسية والالتقاء بها في المحطات الانتخابية القطاعية مدا وجزرا ، وتشربنا من ثقافة قبول الآخر المختلف عنا والتعايش معه تحت سقف الوطن والقانون فان ما جمعنا كان اقوى، عموده الفقري ؛ الحرية أولا وآخرا .. الحرية بمضمونها السياسي والاجتماعي واننا نؤسس لجيل جديد يمتد في المستقبل يقطع مع أردان الماضي ومآسيه وان بناء دولة الوحدة لن يكون الا بنضالات الاحرار وان الانسان المستبد به اللّاحر التابع لا يملك غير مساندة جلاده.  واعترف لك بأن اختلافنا حول تقدير الموقف من 25 جويلية كاد يعصف ويحطم كل شيء لولا حكمتك المتزنة كأمين عام للتوفيق بين أغلبية مساندة بشدة وأقلية معارضة بشدة.

ربما يا “زو” من يقرأ هذه الكلمات لا يفهمها حتى من جهابذة السياسة دون ان يسقطها اليوم على الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد أقل من شهرين وأنت مترشح الى جانب مترشحين اخرين والتي لو فزت فيها وأصبحت الرئيس الثامن لتونس فستكون أول قومي في الوطن العربي يصل إلى رئاسة دولة قطرية عبر الصندوق الانتخابي ويحطم تلك الاسطوانة المشروخة التي مازال بعض الغوغاء يرددها ؛ ” ان القوميين لا يصلون الى كرسي الرئاسة الا على ظهر دبابة” رغم أننا شاركنا في كل المحطات الانتخابية السابقة سواء كانت قطاعية أو عامة وحكمنا لفترة وجيزة عبر الصندوق الانتخابي.. لكنهم يكابرون. لا يهم.

أعلم يا “زو” ان الحمل ثقيل جدا عليك وعلى كل المستويات وأنت قبلت بذلك حين سألتك ذات لقاء ثنائي على انفراد :

– ” لماذا ترغب في الترشح؟”.

اجبتني مباشرة بلا تردد:” ليس لي رغبة شخصية في الترشح بل من اجل انقاذ البلاد من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها منذ الثورة وان هذا الانقاذ لن يتم الا عبر الصندوق الانتخابي لا غير …” مع علمك المسبق بأن الترشح على المستوى الشخصي مُكلف بالنسبة لك لكنك متعود على دفع الضريبة.

وانت تعلم جيدا وان رغبتك سوف تصطدم بمطبات داخل الحزب وخارجه ، داخليا لوجود قوى الجذب الى الوراء على قلتهم لاعتبارات سياسية وشخصية / نفسية مختلفة وذلك حديث آخر نتيجة سيادة ثقافة المرجئة أو سياسة موالاة أي حاكم مهما كان لونه الايديولوجي حتى وان كان صاحب اللاءات الثلاث ؛ لا طعم ، لا لون ، لا رائحة طمعا أو خوفا أو لسوء تقدير الموقف و نتيجة لتضخم الانا والكل يؤصل ذلك نظريا مدعيا امتلاكه الحقيقة المطلقة وان رغبتك في الترشح سيكون لها ارتدادات سلبية على تماسك الحزب ، لكنك افحمتني بردك بأن مصلحة البلاد قبل مصلحة الحزب وبأن مصلحة الحزب قبل مصلحة الفرد وبأنه اذا تعارضت مصلحة عامة مع مصلحة خاصة ولم يمكن التوفيق بينهما قدمتَ العامة.

وتأكد هذا من خلال اتخاذ قرار ترشحك مؤسساتيا بالأغلبية المطلقة ليحافظ الحزب على تماسكه بل حتى الاقلية المعارضة انضمت للأغلبية حين شرعنا في جمع التزكيات الشعبية والنيابية، فلماذا لا تنسحب يا “زو” ؟ ونكمل ما تبقى لنا من العمر ونحن نتجادل ونتناقش ونتفق ونختلف ثم نتخاصم وننشق ثم ينشق الانشقاق على الانشقاق في غرفة مغلقة لا يؤنسنا غير اكواب الشاي الاحمر وعلب السجائر الرخيصة حول أيهما اولا ؛ الوحدة ؟ أم الحرية ؟ لنستيقظ في الصباح وقد سرقوا منا الوطن والمواطن… هذا ان استيقظنا أصلا ولم ندخل في الغيبة الكبرى ولم نصبح من أهل الكهف حتى يدركنا الموت !!

فأنت لست مسؤولا عن اقصاء هيئة الانتخابات بقية المترشحين المنافسين لك بتعلات مختلفة وقد كنت سباقا في المطالبة بضرورة تمكينهم من البطاقة عدد 3 وتسهيل اجراءات حصولهم على التزكيات الشعبية وفتحت لهم الباب لامكانية حصولهم على التزكيات النيابية وطالبت بضرورة توفير مناخ انتخابي سليم…ولو استنفد البعض قواهم في جمع التزكيات لمرشحيهم والتثبت من توفر شروطها القانونية عوض استهدافك شخصيا لجمعوا عشرات الالاف من التزكيات المكتملة الشروط القانونية.

ورغم ذلك انبرى بعضهم “بافلوفيا” لمطالبتك بضرورة الانسحاب من السباق الرئاسي ومقاطعة الانتخابات بمجرد اعلان هيئة الانتخابات اسماء المقبولين اوليا حتى قبل ان تبت المحكمة الادارية نهائيا في الطعون. فلا أنت هيئة الانتخابات التي حددت المترشحين المقبولين اوليا ولا أنت وزارة الداخلية التي امتنعت عن تسليم البطاقة عدد 3 لبعض المترشحين ولا أنت بعض من الادارة المنحازة للمترشح الرئيس المنتهية ولايته ولا أنت المحكمة الادارية التي تنظر في الطعون ولكنهم يكابرون ويتعاملون معك وكأنك رئيس دولة ماسكا بزمام كل الامور .

واعلم يا “زو” انك لن تنسحب لأنك مرشح كل التونسيات والتونسيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والجهوية والفكرية والاجتماعية ولا يمكن اختزال التعددية الانتخابية في كثرة عدد المترشحين المنتصرين دوما لذواتهم بل التعددية الحقيقية في تعدد المشاريع والبرامج الانتخابية المختلفة والمتناقضة والمعبرة في آن واحد عن كل فئات الشعب وعائلاته السياسية الكبرى التي ستجد نفسها حتما في إحدى البرامج الانتخابية للمترشحين الثلاث وستجد هواها ورغباتها ومطالبها وهو واقع الحال في الانتخابات الرئاسية 2024 مما يتيح للناخب الاختيار بين البرامج وليس بين الاشخاص.

لن تنسحب لأنك صاحب مشروع علمي وعملي لانقاذ تونس بعيدا عن الشعارات البراقة والخطب الرنانة ..

لن تنسحب لأنك منفتح على الجميع ولأن الاختلافات والخلافات بين ابناء الوطن الواحد لا تحل بالاقصاء والاستئصال والسجون وتوظيف اجهزة الدولة الأمنية والقضائية بل تحل بالاحتكام الى صناديق الاقتراع…

لن تنسحب لان تونس لا تحتمل مزيدا من الانغلاق والعبث خمس سنوات أخرى..

لن تنسحب لأنك ابن الشعب ومن اجل ابناء الشعب المفقّر والمهمش الراغب في العيش الرغيد مرفوع الرأس دون التذلّل لأي حاكم …

لن تنسحب لأنك صاحب مشروع ثقافي تقدمي ينتصر للثقافة والمثقفين…

لن تنسحب لأنك تحمل امال واحلام الشباب في العيش الكريم في وطن امن…

وهم يعلمون جيدا انك مرشح جدي تستمد جديتك من خلال برنامجك الانتخابي المناقض كليا لبرنامج المترشح الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد وانكما خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعياً ..خط الماضي خطه وخط المستقبل خطك لكنهم يكابرون فلا تهتم.

ولن تنسحب من المعركة الانتخابية لانك جندي مدافع عن حلم اجيال واجيال ممثلا لكل ابناء الشعب فلم تعد ممثلا لحزبك أوتيارك أوقطاعك ..وستكملها للاخر ..آخر مدى ..وهل للأحلام آخر ؟ وانت لها.

لن تنسحب لأنك الأصل والبقية صورة .

وفي اصرارك على المنافسة الانتخابية وعدم المقاطعة راحة للاحرار الباحثين عن مخرج من الأزمة الشاملة واستنفار لذوي العقول الخاملة والارادة المستكانة الباحثين عن تأبيد الأزمة وحلا لاصحاب الحلول السهلة وبقاء الوضع على ماهو عليه تأبيدا للأزمة في انتظار رضاء الحاكم عليهم مهما كان لونه الايديولوجي وسيذكرهم التاريخ انهم كانوا شركاء في هذه “الجريمة” سواء كانوا عن قصد أم لا !؟ ولم يتعظوا من أخطاء الماضي حين دعوا للمقاطعة وسيندمون مستقبلا ويقضمون اصابعهم مثلما ندموا اليوم على مقاطعتهم للمحطات الانتخابية السابقة.

وفي كل الحالات لن تموت يا زو الموتة الثامنة على جناح دجاجة “الحاكم” بل ستكون الرئيس الثامن لتونس.

+نشر باسبوعية “الشارع المغاربي ” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 20 اوت 2024


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING