الشارع المغاربي – لماذا‭ ‬سُمي‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصادق‭ ‬بسيّس بـ "الشيخ الفلسطيني"؟ بقلم: أنس الشابي

لماذا‭ ‬سُمي‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصادق‭ ‬بسيّس بـ “الشيخ الفلسطيني”؟ بقلم: أنس الشابي

قسم الأخبار

28 أكتوبر، 2023

الشارع المغاربي: لم‭ ‬تكن‭ ‬المظاهرات‭ ‬وأشكال‭ ‬المساندة‭ ‬التي‭ ‬يعبّر‭ ‬عنها‭ ‬التونسيّون‭ ‬لإخوانهم‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬إلا‭ ‬رجع‭ ‬الصّدى‭ ‬لعلاقات‭ ‬تاريخيّة‭ ‬نسجتها‭ ‬المحن‭ ‬والأيّام‭ ‬بين‭ ‬الشعبين،‭ ‬فتونس‭ ‬التي‭ ‬احتضنت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬أيام‭ ‬الشدّة‭ ‬والعسرة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬تونس‭ ‬التي‭ ‬أنجبت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬الشّيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬باسم‭ “‬الشّيخ‭ ‬الفلسطيني‭”‬،‭ ‬فهو‭ ‬شيخ‭ ‬لأنّه‭ ‬تخرّج‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬الزيتونة‭ ‬حيث‭ ‬درس‭ ‬ودرّس‭ ‬وفلسطيني‭ ‬لأنّ‭ ‬فلسطين‭ ‬مثّلت‭ ‬القضيّة‭ ‬الأمّ‭ ‬التي‭ ‬ناضل‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنشأ‭ ‬إسرائيل‭ ‬ذاتها،‭ ‬وبقي‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وافته‭ ‬المنيّة‭ ‬فجأة‭ ‬يوم‭ ‬12‭ ‬أكتوبر‭ ‬1978،‭ ‬ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالملاحظة‭ ‬أنّ‭ ‬نشاطه‭ ‬الميداني‭ ‬لمناصرة‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الفكريّة‭ ‬والثقافيّة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬فالرجل‭ ‬متعدّد‭ ‬الاهتمامات‭ ‬إذ‭ ‬بجانب‭ ‬مقالاته‭ ‬السياسيّة‭ ‬ساهم‭ ‬بالكتابة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى‭ ‬كالنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والتراجم‭ ‬والدراسات‭ ‬الحضاريّة‭ ‬كما‭ ‬أثرى‭ ‬المكتبة‭ ‬التونسيّة‭ ‬بكتابين‭ ‬على‭ ‬غاية‭ ‬قصوى‭ ‬من‭ ‬الأهميّة‭ ‬الأوّل‭ ‬منهما‭ ‬ترجمته‭ ‬للشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عثمان‭ ‬السنوسي‭ ‬والثاني‭ ‬تحقيقه‭ ‬للنازلة‭ ‬التونسيّة‭ ‬حيث‭ ‬وثّق‭ ‬السنوسي‭ ‬لأوّل‭ ‬تحرّك‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬التونسيّون‭ ‬بعد‭ ‬الحماية‭ ‬سنة‭ ‬1885‭ ‬ضدّ‭ ‬تعسّف‭ ‬البلديّة‭ ‬وخروج‭ ‬مظاهرة‭ ‬للتنديد‭ ‬بذلك‭ ‬اتّجهت‭ ‬إلى‭ ‬المرسى‭ ‬لتقديم‭ ‬مطالبها‭ ‬إلى‭ ‬الباي‭.‬

هو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬1914‭ ‬وهو‭ ‬سليل‭ ‬عائلة‭ ‬ماجدة‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬خيار،‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬الزّيتونة‭ ‬حيث‭ ‬قضّى‭ ‬حياته‭ ‬كاملة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقاعد‭ ‬وهو‭ ‬يدرّس‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الشريعة‭ ‬وأصول‭ ‬الدين،‭ ‬ونحن‭ ‬هناك‭ ‬كنّا‭ ‬نشاهده‭ ‬يسير‭ ‬بتؤدة‭ ‬لإصابة‭ ‬قديمة‭ ‬في‭ ‬رجله‭ ‬متوجّها‭ ‬إلى‭ ‬قاعة‭ ‬المحاضرات،‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬ندري‭ ‬أنّ‭ ‬الرجل‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتقل‭ ‬الشيخ‭ ‬إلى‭ ‬عفو‭ ‬ربّه‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اتّسعت‭ ‬المعارف‭ ‬واغتنت‭ ‬التجربة‭ ‬عرفنا‭ ‬الدّور‭ ‬الهام‭ ‬الذي‭ ‬أدّاه‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بمظلمة‭ ‬العصر‭ ‬وفي‭ ‬ربط‭ ‬الصّلة‭ ‬بين‭ ‬النخبتين‭ ‬التونسيّة‭ ‬والفلسطينيّة‭ ‬عبر‭ ‬المراسلات‭ ‬والإعانات‭ ‬ونشر‭ ‬الأخبار‭. ‬

بعد‭ ‬إعلان‭ ‬ثورة‭ ‬1936‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬تأسّست‭ ‬في‭ ‬تونس‭ “‬جمعيّة‭ ‬إغاثة‭ ‬منكوبي‭ ‬فلسطين‭” ‬التي‭ ‬ترأّسها‭ ‬الحكيم‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬ميلاد‭ ‬صحبة‭ ‬أمين‭ ‬مالها‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬وقد‭ ‬عملت‭ ‬الجمعيّة‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬التبرّعات‭ ‬الماليّة‭ ‬وإرسالها‭ ‬إلى‭ ‬الحاج‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬المفتي‭ ‬العام‭ ‬للقدس‭ ‬وأحد‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيّات‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬التي‭ ‬سيربط‭ ‬معها‭ ‬الشيخ‭ ‬علاقات‭ ‬وطيدة‭ ‬في‭ ‬قادم‭ ‬الأيّام،‭ ‬يتحدّث‭ ‬الشيخ‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬فيقول‭ ‬بأنّهم‭: ‬‭”‬يقومون‭ ‬بواجب‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والإضراب‭ ‬والإغاثة‭ ‬الماديّة‭… ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬قُمنا‭ ‬بها‭ ‬لفلسطين‭ ‬كانت‭ ‬مظهرا‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭  ‬شعور‭ ‬تونس‭ ‬بواجبها‭ ‬نحو‭ ‬إخوانها‭… ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬سمعت‭ ‬من‭ ‬الزعيم‭ ‬الخطيب‭ ‬الشيخ‭ ‬الثعالبي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يقول‭: ‬إنّ‭ ‬تونس‭ ‬كانت‭ ‬تعدّ‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬ثالثة‭ ‬في‭ ‬إعانة‭ ‬فلسطين‭ ‬يعني‭ ‬بعد‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬ولمّا‭ ‬هاجر‭ ‬الزعيم‭ ‬الكبير‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنه‭ ‬وفضح‭ ‬السياسة‭ ‬الاستعماريّة،‭ ‬اعتزّ‭ ‬بتلك‭ ‬السمعة‭ ‬الطيّبة‭ ‬التي‭ ‬تنعم‭ ‬بها‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬النيل‭ ‬وبَرَدَى‭ ‬والفرات‭”(‬1‭).‬

بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اضطربت‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وانتشر‭ ‬الإرهاب‭ ‬الصهيوني‭ ‬أُعيد‭ ‬تأسيس‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيّة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ “‬لجنة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬العربيّة‭” ‬برئاسة‭ ‬الشيخ‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬وتدلّ‭ ‬التسمية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬المهمّة‭ ‬اتّسعت‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬مجرّد‭ ‬الإغاثة‭ ‬وجمع‭ ‬التبرّعات‭ ‬بل‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬أخرى‭ ‬أبرزها‭ ‬الدعاية‭ ‬والمحاضرات‭ ‬والنشر،‭ ‬وقد‭ ‬أدّى‭ ‬الشّيخ‭ ‬دورا‭ ‬أساسيّا‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بالقضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬عبر‭ ‬مقالاته‭ ‬ودراساته‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الجرائد‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬أنظار‭ ‬الإقامة‭ ‬العامّة‭ ‬الفرنسيّة‭ ‬التي‭ ‬استدعته،‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كتبت‭ ‬جريدة‭ ‬النهضة‭ ‬بتاريخ‭ ‬18‭ ‬ماي‭ ‬1948‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: “‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬كاهية‭  ‬الديوان‭ ‬المدني‭ ‬المقيم‭ ‬العام‭ ‬زار‭ ‬أمس‭ ‬السفارة‭ ‬العامة‭ ‬الشّيخ‭ ‬محمد‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬وقد‭ ‬استغرقت‭ ‬المقابلة‭ ‬وقتا‭ ‬طويلا‭ ‬وكانت‭ ‬مجالا‭ ‬للخوض‭ ‬في‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬وصداها‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وتأييد‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬لإخوانه‭ ‬تأييدا‭ ‬قويّا‭ ‬عظيما‭ ‬حتى‭ ‬نحرّر‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬نازيّة‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬الخاسرة،‭ ‬وقد‭ ‬بسط‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬أمام‭ ‬كاهية‭ ‬المدير‭ ‬النشاط‭ ‬الصهيوني‭ ‬بتونس‭ ‬وطالب‭ ‬بتعطيل‭ ‬صحف‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬ومنع‭ ‬هجرة‭ ‬اليهود‭ ‬التونسيّين‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬ومصادرة‭ ‬المال‭ ‬المجموع‭ ‬من‭ ‬يهود‭ ‬تونس‭ ‬ومنع‭ ‬ذلك‭… ‬وأكّد‭ ‬للكاهية‭ ‬أنّ‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬سيتمادى‭ ‬على‭ ‬إعانة‭ ‬فلسطين‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وبذلك‭ ‬يشارك‭ ‬إخوانه‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬العربيّة‭ ‬في‭ ‬الجهاد‭ ‬ضدّ‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬جامعته‭ ‬الإسلاميّة‭ ‬ووحدته‭ ‬العربيّة‭”(‬2‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬الكثيف‭ ‬والمتّقد‭ ‬حماسا‭ ‬أوغر‭ ‬صدور‭ ‬الصهاينة‭ ‬والاستعماريّين‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬فتقدّموا‭ ‬بقضيّة‭ ‬ضدّه‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الجناحيّة‭ ‬الفرنسيّة‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬عليه‭ ‬بغرامة‭ ‬ماليّة،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬المحاكمة‭ ‬فرصة‭ ‬لتعبئة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي‭ ‬ضدّ‭ ‬الصهيونيّة‭ ‬انتصارا‭ ‬للفلسطينيّين‭ ‬حيث‭ ‬نُشرت‭ ‬المقالات‭ ‬وصدرت‭ ‬البرقيّات‭ ‬لتأييد‭ ‬الشيخ‭ ‬والإشادة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬العواصم‭ ‬العربيّة‭ ‬كالجزائر‭ ‬ودمشق‭ ‬وغيرهما،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬القضيّة‭ ‬التي‭ ‬نذر‭ ‬لها‭ ‬الشيخ‭ ‬حياته‭ ‬ولكنّه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬منغرسا‭ ‬في‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬إذ‭ ‬سُجن‭ ‬إثر‭ ‬مشاركته‭ ‬في‭ ‬مظاهرة‭ ‬9‭ ‬أفريل‭. ‬

بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬1976‭ ‬كتب‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الصباح‭ ‬بتاريخ‭ ‬27‭ ‬جوان‭ ‬1976‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬عدّه‭ ‬وصيّة‭ ‬منه‭ ‬للحكّام‭ ‬العرب‭: “‬وكم‭ ‬أحبّ‭ ‬لحكومات‭ ‬الشرق،‭ ‬اعتبارا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النكبة‭ ‬الوجيعة‭ ‬التي‭ ‬أُصبنا‭ ‬بها،‭ ‬أن‭ ‬تعوِّد‭ ‬الجماهير‭ ‬استخدام‭ ‬العقل،‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬إلا‭ ‬العقل‭ ‬قائدا،‭ ‬وكم‭ ‬أحبّ‭ ‬لوسائل‭ ‬إعلامها‭ ‬من‭ ‬إذاعة‭ ‬وتلفزة‭ ‬وسينما‭ ‬وصحافة‭ ‬أن‭ ‬تُكاشف‭ ‬الجماهير‭ ‬بحقائق‭ ‬الأشياء‭ ‬بالمقدار‭ ‬المعقول‭ ‬المفصّل‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬الإمكانيّات،‭ ‬والمقدّر‭ ‬لقوى‭ ‬العدوّ‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬أو‭ ‬تضليل‭ ‬أو‭ ‬تغيير،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تمسّ‭ ‬من‭ ‬أوتار‭ ‬العاطفة‭ ‬إلا‭ ‬الوتر‭ ‬المهذّب‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬العاطفة‭ ‬لازمة‭ ‬إنسانيّة‭ ‬ضروريّة‭ ‬وما‭ ‬دامت‭ ‬تثار‭ ‬بِرُشد‭ ‬ورويّة‭”(‬3‭)‬،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الوصيّة‭ ‬لم‭ ‬يُعمل‭ ‬بها‭ ‬وأصبحت‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬اليوم‭ ‬الوسيلة‭ ‬الفُضلى‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬الحكّام‭ ‬الذين‭ ‬يتعمّدون‭ ‬إثارة‭ ‬الجماهير‭ ‬بدفعها‭ ‬إلى‭ ‬الرّكض‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬واستغلال‭ ‬عواطفها‭ ‬النبيلة‭ ‬تجاه‭ ‬قضيّة‭ ‬عادلة‭ ‬للتستّر‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬صنيعهم‭ ‬الذي‭ ‬أدّى‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬الهوان‭ ‬وبهم‭ ‬إلى‭ ‬السّير‭ ‬في‭ ‬ركاب‭ ‬الأعداء،‭ ‬في‭ ‬تأبينه‭ ‬لصديقيه‭ ‬الفلسطينيّين‭ ‬الشيخ‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬ومحمد‭ ‬علي‭ ‬الطاهر‭ ‬صاحب‭ ‬جريدة‭ ‬الشورى‭ ‬قال‭ ‬الشيخ‭ ‬بسيّس‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الصباح‭ ‬بتاريخ‭ ‬6‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬1964‭: “‬إنّ‭ ‬القضيّة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬لم‭ ‬يضرّها‭ ‬بشيء‭ ‬مثلما‭ ‬ضرّها‭ ‬اتخاذها‭ ‬منبرا‭ ‬للدعاية‭ ‬السياسيّة،‭ ‬وميدانا‭ ‬للمساومات‭ ‬وتكييف‭ ‬المواقف‭ ‬نحوها‭ ‬من‭ ‬إملاء‭ ‬المصالح‭ ‬لا‭ ‬المبادئ‭”(‬4‭)‬،‭ ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬المناضل‭ ‬محمد‭ ‬الصّادق‭ ‬بسيّس‭ ‬الشيخ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأجزل‭ ‬ثوابه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬ناصر‭ ‬قضايا‭ ‬الحقّ‭ ‬والعدل‭.   ‬

‭————–‬

الهوامش

1)”‬محمد‭ ‬الصادق‭ ‬بسيّس،‭ ‬حياته‭ ‬وآثاره‭” ‬أبو‭ ‬زيان‭ ‬السّعدي،‭ ‬سلسلة‭ ‬ذاكرة‭ ‬وإبداع‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬رقم13،‭ ‬تونس‭ ‬2002،‭ ‬ص48‭.‬

2) ‬م‭ ‬ن،‭ ‬ص52‭.‬

3)‬م‭ ‬ن،‭ ‬ص‭ ‬55‭ ‬و156‭.‬

4) ‬م‭ ‬ن،‭ ‬ص‭ ‬215‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 اكتوبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING