الشارع المغاربي-حاورته عواطف البلدي: يلقّبونه بـ”شيخ المالوف” وبالوريث الشرعي وحافظ المالوف والطبوع والموشحات .. هو الموسيقار والملحن والمطرب زياد غرسة المختص في الغناء التونسي.. تتلمذ على يد والده، الموسيقار الراحل الطاهر غرسة، تلميذ الموسيقار خميس الترنان … سنة 2006 تقلّد غرسة الإبن ادارة الفرقة الرشيدية خلفا للراحل عبد الحميد بن علجية. ثم غادرها ليتفرغ لمشاريعه الفنية منها “نادي الطاهر غرسة للمالوف” و”بيت المالوف” بمدينة الثقافة، “المشروع الذي ولد ميتا” .
“الشارع المغاربي” التقى الفنان والنقابي للحديث عن مسيرته وعن الرشيدية وعن “المالوف وبيته” وعن وقع الجائحة على فنه ومهنته التي يقتات منها وفق قوله.
تجمع العديد من الالقاب من “حافظ التراث” الى “وريث شرعي” الى “شيخ المالوف”… ما مدى حجم المسؤولية الملقاة على عاتق زياد غرسة اليوم؟ وفيمَ وظفت هذه الالقاب؟
أراها أمرا طبيعيا بحكم نشأتي في هذا المجال .. فأنا الى اليوم اشتغل وأبحث وأقوم بتهذيب النّوِبْ وأدقق في الاشياء التي ليست متداولة… وأحاول قدر المستطاع بامكاناتي المتوسطة ان أوثّق هذا الفن لأن المالوف مجال شاسع وبحر لا ينضب.. إلى جانب انّ “كل غرامي ومهجتي تتجه نحو الطبوع والموشحات والعزف التونسي .. وهو من بين عناصر حياتي الطبيعية كالأكل والشرب”.
هل وظفت هذه المسؤوليات والألقاب في تدريس وتشجيع الشباب العائد بقوة الى مجال المالوف؟
طبعا فقد كونت جيلا عن قرب وعن بعد أيضا فهناك من أحبّ فني ولم يكن لديه اية علاقة بالمالوف .. كثيرون اغرموا بي كفنان واكتشفوا انهم مولعون بهذا الفن في ما بعد…
لو تذكر لنا بعض الأسماء ممن تتلمذوا على يديك؟
أفضّل عدم التسمية، لأن من بينهم الغث والسمين. وهناك اقبال كبير على تعلّم الطبوع التونسية والعزف على العود التونسي وعلى الغناء بجزئياته خاصة التي كانت غائبة.. ففي السابق كانوا يحفظون مقاطع معيّنة.. لكننا ساهمنا اليوم في تدريس وابلاغ جملا موسيقية معينة… هؤلاء يقدّمون إضافات في هذا المجال وربي يوفق الجميع..
خميس الترنان وعبد الحميد بن علجية ومحمد التريكي والطاهر غرسة وعبد الكريم صحابو اكتشفوا أغلب رموز الغناء التونسي .. بينما اكتشف زياد الشاب نذير البواب فقط.. تجربة يتيمة وانطفأت في ما بعد… هل هو تقصير منك او من الشبان؟
بالعكس عندما كنت بالرشيدية اكتشفت سارة النويوي وسفيان الزايدي ومحمد علي شبيل ومحرزية الطويل والقائمة طويلة.
كيف تقيّم تجارب هؤلاء اليوم؟
عندما كنت في مؤسسة الرشيدية كوّنت وقدّمت أصواتا لكن اليوم ليست لدي مؤسسة .. وقمت بتشريكهم في جل حفلاتي بمهرجان قرطاج.. ولكن نحن في دولة لا تشجّع مبدعيها هي لم تشجعني انا فما بالك بتشجيع هؤلاء؟.. هم يشتغلون بامكاناتهم الخاصة مثلي… أعيش بحفلاتي الخاصة ومن العوّادات لا بتشجيع من الدولة.. انا متاع عوّادات..؟ مكاني الحقيقي تقديم الدروس والبحث والتوثيق.. لكن هذا هو قدري “نخدم في العوّادة باش نوكّل صغاري”…
لماذا لم تقم بتدريس الطبوع التونسية مثلما فعل عبد الكريم صحابو مثلا..؟
فتحت معهدا خاصا للموسيقى ولكنه لم يدم طويلا… لأنه لم يعد بالإمكان الاشتغال فقط على الموسيقى التونسية التي اتخذت منحى تجاريا ..أصبحت مطالبا بانتداب أساتذة لتعليم العزف على الة القيثارة.. وبالنسبة لسي عبد الكريم صحابو هذاكا سيدي واستاذي وأنا مدين له في تكويني الموسيقي.. كنت ولا أزال متأثرا به كفنان وكملحن وكشخصية متفرّدة وأحييه من هذا المنبر… وهو يعرف الخفايا وكنا قد تحدثنا مطولا وكان متحمسا لمشروعي لانه يعلم جيدا ما يدور بالمشهد الموسيقي… وعندما تم ترشيحي لادارة الرشيدية تشجعت على غلق المعهد لانه اخذ مني وقتا مضاعفا..
قرار تعيينك على رأس الرشيدية كان محل انتقادات من قبل بعض زملائك الفنانين على غرار امينة الصرارفي… التي ترى نفسها قادرة أيضا على إدارة الرشيدية ؟
يمكن لأمينة ان تكون مديرة الرشيدية أو في الهيئة المديرة لم لا؟ ربما لديها أفكار كادارية لكن لا علاقة لها بالإدارة الفنية وليست مختصة وهي بعيدة تماما عن الأمور الفنية وعن المالوف…
مَن مِن الوجوه الفنية اليوم قادر على إدارة الرشيدية وإعادة بريقها ومجدها…؟
إنشدْ أمينة الصرارفي هي الوحيدة القادرة على انقاذ الموسيقى التونسية.. لديها موروث ضخم حفظته عن والدها ومالوفجية كبيرة وعازفة ممتازة جدا وقائدة فرقة كبيرة ..
هذا في اطار الهزل ام الجد؟
هي بيديها المفاتح الكل…
ماذا بقي من الرشيدية اليوم؟
صراحة لست متابعا لنشاط الرشيدية ولا اعلم تحديدا الى اين وصلت اليوم؟ اعرف انهم ينظمون حفلات ويشتغلون و”لاباس عليهم”… لم يتغيّر شيء…
وماذا بقي من المالوف التونسي؟
آش قعد؟… بقي لنا الشباب المولع بالمالوف الذي يحتاج الى التأطير والتشجيع.. شخصيا أساهم في ترسيخ طابع المالوف لدى الجمهور كلما تنقلت بربوع تونس وخارجها.. ومن يقول زياد غرسة يقول: مالوف واغنية تونسية وهذا أمر مهم ومحمود .. على الأقل حاولت واحاول الوصول الى أعلى الدرجات التي يطمح إليها أي فنان . وصعدت بفضل المالوف وبالرشيدية على ركح قرطاج.. ولم ادّخر جهدا في التعريف بهذا الفن .. أنا سليل مدرسة بأكملها من احمد الوافي إلى خميس الترنان والطاهر غرسة عرفي وبابا وسيدي وعبد الحميد بن علجية ومحمد التريكي وصالح المهدي وكل ما قدّمت ليس مجهودي بمفردي… لأن كل هذه الاسماء سخّرت نفسها لخدمة الفن التونسي… و”كلمة مالوفجي ماهيش ساهلة”… الكل يغنّي الفن التونسي ولكن الاختصاص بدأ يتضاءل لأن فناني اليوم غير قادرين على حفظ مقطوعات كثيرة من المالوف …
من هم “المالوفجية” الصحاح في تونس وفي المغرب العربي؟
لدينا في الجزائر مثلا في قسنطينة الشيخ الراحل الطاهر الفرقاني وابنه سليم الفرقاني الذي يعتبر اليوم ذاكرة حية وهناك أسماء كثيرة هم الآن بصدد توثيق مخزون المالوف الجزائري بالتعاون مع وزارتهم الثقافية….. كذلك في ليبيا يوجد عدد هامّ من الحفّاظة مثل سيدي أحمد دعّوب وفي المغرب يعتبر المالوف فنّ مقدس وواجهة رسمية اذ يولونه اهتماما خاصا .. لاحظي الجلسات التي ينظمونها ونوعية اللباس التي ورثوها عن الاندلس الى اليوم.
وفي تونس؟
المالوف في تونس لم يخلق بعد.. هو ليس أغنية “شوشانة” وليس “ناعورة الطبوع” او “النوبات” الموجودة والمسجّلة وانما هو “بطايحية” وعلم ومنطق وبحث و”تحفيف” و”تهذيب”… هو بحر كبير .
سُئِلْتَ في برنامج تلفزي عن “عدد المالوفجية المتمكنين من قواعد هذا الفن” فأجبت بـ”واحد فقط” وكنت تقصد نفسك طبعا… هل يعني هذا انه لا يوجد مع زياد غرسة اليوم مالوفجي صحيح؟
لا لم أقل يوجد شخص وشخص لا.. هناك درجات في المالوف وثمة من يكون بالدرجة الاولى ومن يكون بالدرجة الوسطى وهناك من وصل الى الدرجة العليا في المالوف..
ماذا عن أمينة الصرارفي ؟ وأية درجة بلغت؟
ما تجبدليش الاسماء..
في حوار أجراه “الشارع المغاربي” مع أمينة الصرارفي قالت “زياد غرسة فنان متميز لكنه يقدم نفس الرصيد الغنائي في كل حفلة”… ما ردّك؟
استغرب قول أمينة إن زياد يعيد نفس الـ répertoire .. وسأجيبها اجابة بسيطة ولن ادخل معها في تفاصيل: أنا من الفنانين القلائل الذين يحيون شهريا حفلا بالمسرح البلدي منذ سنوات .. شاهدي ذلك بنفسك على يوتيوب وستلاحظين الفرق من حفل لآخر وتنوّع الرصيد .. إذن لا اعتقد أنني اغني نفس الرصيد منذ 2006 الى اليوم.. أو أنني اكرر ما حفظت.. قد يحدث ذلك عندما أحيي حفلاتي الخاصة لجمهور “يحب يتفرهد” أو لتشريكه في الغناء “باش نعمل معاه كيف” .. لكن عندما أحيي حفلا للجمهور العريض لا أكرر نفسي… أدعو أمينة بما أنها دكتورة ومتعلّمة لمتابعة حفلاتي على يوتيوب وستكتشف ان كلامها ليس صحيحا.. ثانيا لو زارتني بمكتبي لأطلعتها على ما هو موجود ولَلَاحظت الكم الهائل من العمل والتحضيرات… أنا لا أغنّي “تحت الياسمينة في الليل” حتى يصفّق الجمهور وأعود الى بيتي…. ثالثا هل واكبت أمينة الصرارفي كل حفلاتي؟ وهل تعرف ما قدّمت تحديدا؟
على ذكر العمل و”تهذيب” و”تحفيف” النّوِبْ يقال إن “آل غرسة يمتلكون تسجيلات نادرة وpartitions des فوندو وأنهم يحتكرونها لأنفسهم فقط ولا يمكّنون المالوفجيّة منها”… ما ردّك؟
سمعت هذا الكلام من قبل وهو افتراء وصنعة الّي ما عندو صنعة… اسألي اي فنان قصدني او اشتغل معي أو حتى الاشخاص الذين درّستهم عّما إن كنت احتكر أيّة معلومة … لهؤلاء اقول حسبي الله ونعم الوكيل… صحيح انه لديّ أرشيف ضخم وكنت قد تقدّمت بمشروع للاشتغال عليه ولكن كل المحاولات والنداءات بضرورة التوثيق باءت بالفشل .. ومع ذلك انا بصدد التوثيق داخل استوديو صغير خاص بي.. ثم كيف احتكرت هذا الارشيف لنفسي وأين اشتغلت به؟.. ياخي انا عندي حانوت بيسيكلاتات؟… محتكر ماذا؟ فقط أريد أن أخرجه للجمهور في حلّة جميلة ولكن هذا يتطلب عملا ضخما ومصاريف وتسجيلات وقد قدّمت منها موشّحات بالرشيدية لم تقدّم من قبل..
لكن يقال إن لآل غرسة موشّحات أخرى لم تخرج للعلن إلى اليوم؟
نعم هناك الكثير ولكن هذا يتجاوزني لأن هذا الإرث مشروع وطني ولا اقدر على الاشتغال عليه بمفردي.
وماذا عن مشروع “بيت المالوف” الذي ولد ميتا ولماذا تم تغييبك عنه؟
أنتِ شخّصتِ الحالة بدقّة .. نعم للأسف مشروع “بيت المالوف” ولد ميتا .. رغم أن نواياي كانت طيبة عندما تقدّمت به وكان هذا في إطار المصلحة العامة فقط والا لمَ أضيّع وقتي الذي لا املك منه الكثير في هذا المشروع؟.. كل ما في الأمر أنني تقدمت الى وزير الثقافة الاسبق محمد زين العابدين بمشروع “بيت المالوف” بهدف التوثيق مثلما هو موجود في “بيت العود” المصري ولتنظيم ورشات وتكوين نواة من العازفين لا يتجاوز عددهم 8 عازفين أمكّنهم من المادة الموسيقية بهدف توثيقها وتسجيلها بعد التمارين… ولكن بقي المشروع مجرد شعارات من قبيل “هايل” في غياب تام للتطبيق…
عندما اقترب موعد تدشين البيت اتصل بي محمد زين العابدين لإعلامي بأنني من سيحيي حفل الإعلان عن المشروع.. وافقت واشتغلنا آنذاك على كل التفاصيل قرابة شهر ونصف… وقدمنا نوبة “الذيل” لإعطاء البيت طابعا خاصا… بيت المالوف ليس مجرد حفل لأنني أنا أقدم حفلاتي بطريقة الية ولا انتظر فتح “البيت” حتى أغنّي فيه … “البيت متاعي بطبيعتو”.. قدمنا الحفل الاول ثم لا حياة لمن تنادي.. ولم نلتقِ حتى لتقييمه أو لمواصلة تنفيذ المشروع وبرامجه…
لماذا توقف نشاطه إذن؟
كانت مجرد وعود لا أريد أن أقول إنها وعود زائفة..
أو ربّما لأن صاحب البيت (زياد غرسة) لم يكن حريصا مثلما حرص صاحب مشروع “بيت الرواية” المدير السابق كمال الرياحي على بيته منذ البداية..؟ هل هو الكسل؟
ما خلّاونيش نحط العرُص متاع البيت…
سمعنا العكس.. يقال أن المشروع لم يتقدّم قيد أنملة لأنك تريد الانفراد بالزعامة وبالقرارات.. ما تعليقك؟
يمكنك الاتصال بمدير إدارة المهرجانات والتظاهرات يوسف الاشخم وهو سيوضح لك أكثر… فهمت في ما بعد انني غير مرغوب فيّ… ولكن ثمة من اتصل بي بعد مدّة من وزارة الثقافة بصفتي زياد غرسة الفنان وليس بصفتي صاحب مشروع بيت المالوف وطلب مني إحياء حفل بمناسبة انعقاد قمة الرؤساء العرب في تونس التي اشرف عليها انذاك الرئيس الاسبق الراحل الباجي قائد السبسي رحمه الله… ولكنني فوجئت فيما بعد بدعوتي للغناء باسم بيت المالوف وليس بصفتي كفنّان… وطُلِب مني تعزيز فرقتي بقرابة 80 عازفا.. ماذا أفعل بهم؟.. عمري ما غنيت بـ 80 عازف… وبرايف وتحسينات وتعب.. اشتغلنا على “نوبة الاعراق” بألحان جديدة… ومن يومها لم يتصل بي احد.. لو كانت نواياهم طيبة لوفّروا لي مكتب ومعدّات لوجستية وفنية .. “لا برايف لا وين نقعد ولا وين نكتب”… كنت اشتغل في منزلي وآخذ العمل معي الى بيت المالوف بمدينة الثقافة… الى ان غادر يوسف الاشخم إدارة مسرح الاوبرا وعيّنوا مديرة ثانية لا علاقة لها بالموسيقى.. وما راعني الا انهم كوّنوا لجنة في ما بينهم وعلى رأسهم المدير الجديد لدار الاوبرا سفيان الفقيه المدير الأسبق للنجمة الزهراء علما انه لم يدعوني للغناء مطلقا بالنجمة الزهراء.. أذكر أنه زارني مرة بمكتبي وتحدثنا مطولا عن بيت المالوف وأبدى تحمّسه ولكن لم يحرّك ساكنا بعد ذلك..
عند تعيين شيراز العتيري وزيرة للثقافة اتصل بي احد المقربين لإعلامي بفتح الوزارة باب الترشح لادارة بيت المالوف وفق شروط على المقاس منها شرط حصول المدير على شهادة الماجستير في الموسيقى وقرروا بمفردهم كأنني ميتا ولست موجودا. وقد عيّنوا مكرم الانصاري الذي عمل معي سابقا كعازف على الة الكمنجة دون ادنى احترام أو حتى طلب استشارة… هذا سطو على مشروعي وعلى فكرتي.. وعندما طلبت تبريرا أخبرتني العتيري بأن الانصاري سيكون فقط مديرا إداريا وبأن بيت المالوف مشروعي الشخصي وبأنهم في حاجة الى افكاري وخدماتي.. ولكن سرعان ما اتضح ان كل ما قيل لي كذب وبهتان…
هل وظفت هذه الأفكار على الأقل بنادي الطاهر غرسة للمالوف؟
لا يمكنني الاشتغال على هذا المشروع بالنادي لأنه مشروع دولة … كنت افكر في مقاضاتهم بسبب الاعتداء على معنوياتي لأن مثل هؤلاء يحطّمون الابداع والمبدعين.. مستوى متدني… لا يشرفني حتى الحديث معهم … واعتبر هذا méchanceté gratuite..
تعاملت مع الهادي حبّوبة في إعادة أغنية “روّح من السوق عمار” وهي من الحان والدك.. كيف ترى مسيرة الرجل؟
حبوبة كان صديق العائلة وصديق والدي.. عندما كنت صغيرا كان يزورنا في منزلنا وهو الوحيد الذي زار منزلنا لأن والدي كان محافظا جدا.. وباستثناء حبوبة وعدد قليل من الفنانين لم يلحّن والدي لاحد .. فقد لحّن لحبوبة ولنفسه ولي انا طبعا ولحسيبة رشدي والسيدة عائشة ويوسف التميمي ولدرصاف الحمداني فقط.. ان لم تخني الذاكرة .. لي أيضا الحان لوالدي لم تسجّل الى اليوم… الهادي حبوبة فنان متكامل وظاهرة فنية لا تنفد ومدرسة قائمة الذات… أطال الله عمرة ولكنه سيدخل التاريخ حتما.. بالنسبة لي هو في مرتبة صليحة..
مَن غيره من الفنانين الشعبيين الذين لفتوا انتباهك؟
لدينا أصوات “اللهم صلي على النبي” … نفس الشيء في الوتري.. يعجبني وليد التونسي وسمير لوصيف .. لهما طابعا خاصا.
وفي فن الراب؟
ليست لي دراية كبرى بهذا الفن ولكن يعجبني بلطي لديه انتاجا محترما وهو يسير في طريق ناجح وكذلك صديقي أكرم ماغ…
هل تفكّر في دويتو مع احداهما؟
لم لا؟ اذا توفرت الأرضية سأقبل مؤكد ولكن اذا كانت هذه الإضافة ستشوه العمل لا اعتقد ذلك… المسألة كلها تكمن في الموسيقى اذا كانت متقنة و”راكزة” واذا كان ثمة توافق في النص وفي التوزيع الموسيقي.. لم لا؟ .. انا مع التجارب ولست منغلقا .. وقد سبق أن ادخلنا آلة المزود على الفن الوتري…
لست منغلقا، ولكنك لم تسر نحو العالمية مثلما فعل بعض مالوفجية الجزائر .. هل هو رفض منك ام عدم قدرة على خوض هذه التجربة؟
يمكن الاشتغال اليوم على العالمية عبر الديجيتال وعن طريق اليوتيوب …ثم ان العالمية علاقات وبيزنس كامل وهناك فنانين يقتاتون من فنانين اخرين ليحظون بنسب مشاهدة عالية ويدفعون أموالا طائلة وهناك شركات تشتغل بجدّ لإيصال أصواتهم … بصراحة انا لست في تلك المرحلة ولا يمكنني دفع المال لفنان عالمي التوسّل له للغناء معه لمجرد ان ملايين الأشخاص يتابعونه .. لا امكاناتي ولا كرامتي يسمحان بذلك… ما نجمش وما نحبش وكان جات بطبيعتها لم لا؟ وقد غنيت مع اغلب فناني المغرب العربي وغنيت في اغلب بلدان العالم وليس للعرب فقط بل حتى للأجانب…
هل تلقيت دعوات للغناء في إسرائيل؟
نعم تلقيت العديد من الدعوات منذ سنة 2000 وكنت في كل مرة أرفض… انا لست ضد اليهود هم اخواتنا وعاشوا بيننا في تونس ولدي أصدقاء من بينهم احيي حفلاتهم وافراحهم في فرنسا وفي تونس.. على راسي وعيني. لكن لن اغني في إسرائيل مهما كانت الاغراءات… علما اني انا وصوفية صادق اول من غنّيا بفلسطين ضمن فرقة الرشيدية سنة 1995 وغنّينا مجانا في القدس وفي غزة ونابلس..
ما رأيك في المشاريع الشبابية على غرار فلاقة و24 عطر والزيارة وغيرها من العروض؟
مشاريع ممتازة .. نصر الدين الشبلي (صاحب عرض فلاقة) يقوم بمجهود جبار على مستوى الإيقاع ومحمد علي كمون (صاحب عرض 24 عطر) قدم عملا مميزا .. كذلك عرض “الزيارة” لسامي اللجمي عمل متميّز وهي من أجمل الاعمال المتقنة التي قُدّمت في العشرين سنة الأخيرة على الركح لدينا مشاريع “تْنَوِّرْ” وأيضا الأخوين محمد وبشير الغربي إضافة إلى العمل الضخم الذي تقدمه الفرقة الوطنية بقيادة محمد الأسود.. أشجع تجاربهم جميعا لأنها جادة وتضفي التنوع والثراء وقد فرضت نفسها…
كفنان ونقابي كيف واجهت جائحة كورونا وهل ساهمت في مساندة الفنانين المتضررين من الوباء؟
أولا انا في الهيئة الشرفية بالنقابة ولست عضوا بالمكتب التنفيذي.. ولكن النقابة قامت بخطوات مهمة وتوجهت مباشرة للرؤساء الثلاثة لطلب المساعدة ودعم الفنانين المتضررين ولاقتراح حلول جذرية.. وقد تلقينا وعودا كثيرة ولكن التطبيق لم يفعّل بعد… وربما هناك تفاصيل جديدة تجاوزتني..
زياد غرسة تضرر من الجائحة؟
طبعا.. انا اشتغل في العوادة وهي مورد رزقي وليس لدي مورد رزق آخر أعيش منه… لم افكر في احداث موارد رزق أخرى.. عشت فنانا بعملي وبتفكيري.. لماذا يتعاملون مع الفنان بهذه الطريقة؟ مجرد تفرهيد واحياء حفلاتهم وافراحهم …. لماذا يغيب الفنان عن الدورة الاقتصادية؟… شريحة بأكملها مقصية والدولة لم توفر أدنى مساعدة.. بمَ نفعتني ألقابهم وانا يعلم الله بحالي.. هذا سلطان وذاك شيخ والأخر وجه البلاد .. اش عملنا بيها.. الكلام ساهل والالقاب اسهل والتطبيق صعب..
انت من بين الفنانين الذين لا نسمع ولا نرى لهم مواقف سياسية تهم الشأن العام.. هل هو موقف؟
ما يحدث امرا طبيعيا في ظل هذه الفوضى .. كان لدينا أمل كبير بما يسمى ثورة وكرامة وعدالة لكن اليوم كل شيء اصبح واضحا لا كرامة ولا عدالة أمام ارتفاع الأسعار وتطييح القدر .. هذه هي النتائج التي نعيشها لأننا بلغنا مرحلة لم تعشها البلاد حتى في عهد الدكتاتورية.. نعيش سقوطا على جميع المستويات واعتقد أن الحل في تغيير النظام السياسي في تونس لان الرئاسات الثلاث لم تعط أكلها .. ضيعنا برشا فرص وبرشا وقت.. وثمة تململ واضح في صفوف المواطنين… الناس فدّت..
في لقائكم النقابي بقيس سعيد في شهر مارس تحدث معك أنت تحديدا عن الموسيقى وعن حبّه لمقام “السيكا” ونحن نعلم أن “السيكا” هو مقام العشاق .. كفنان كيف تقرأ الذوق الموسيقي لسعيّد؟
مقام السيكا هو من اجمل المقامات وعندما جلست مع الرئيس اكتشفت ان لديه دراية واسعة بالموسيقى وبالفنانين بتونس وببلدان المشرق.. تفاجأت بفهمه وبادراكه ..
تقصد فهمه الفنّي.. ماذا عن فهمه السياسي؟
هو فاهم… لكن يجب تجسيد هذا الفهم على أرض الواقع للإصلاح… خطابات سعيّد تحمل نية الإصلاح لكن التنفيذ يحمل نقاط استفهام كثيرة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ 13 جويلية 2021