الشارع المغاربي: ” ان الصامتين اليوم عن الاستبداد الاقليمي هم المستبدون غدا في دولة الوحدة”- عصمت سيف الدولة.
مساء يوم الاحد الماضي وأثناء مناقشة القرار الاولي والمبدئي للمجلس الوطني الاستثنائي الأخير لحركة الشعب على موجات أحدى الاذاعات المحلية والقاضي بترشيح أحد مناضليها للانتخابات الرئاسية القادمة اثنى أحد الاعلاميين معجبا ثم متعجبا كيف استطاعت الاقلية داخل حركة الشعب التعبير عن موقفها السلبي من اجراءات 25 جويلية دون ان تتم مساءلتها واحالتها على لجنة النظام الداخلي ..
نفس التمشي كان معتمدا في المجلس الوطني للحركة المنعقد في جويلية 2022 بقابس الذي اتخذ بالاغلبية قراره بالمصادقة على دستور 2022 والتصويت له بنعم في حين عبرت الاقلية عن رأيها الرافض للدستور المذكور باعتباره دستورا استبداديا واسلامويا يكرس الدولة الدينية دون ان تتم مساءلتها واحالتها على لجنة النظام الداخلي..بل قامت هذه الاقلية بحملة انتخابية في جهاتها للتصويت بنعم على دستور 2022 انسجاما وتطبيقا لما أقرت هياكل الحركة . وتواصل تفعيل هذا الشرط الديمقراطي الداخلي في كل القرارات التي اتخذتها الحركة في علاقة بالانتخابات التشريعية والانتخابات المحلية كالانتخابات الرئاسية القادمة ..وعنوان ذلك ؛ تفعيل الشرط الديمقراطي الداخلي ومعناه ان تتخذ القرارات بالتوافق بعد نقاشات داخلية معمقة وان تعذر ذلك فبالتصويت ( اغلبية وأقلية) وذلك نتيجة طبيعية لاختلاف المقاربات حول ملفات سياسية حينية متحركة في وضع سياسي غير ثابت مفتوح على كل الاحتمالات اشبه بالسير على رمال متحركة وكأن اعضاء هياكل الحزب يمتطون صهوة جواد جامح لا يعلمون أين يقودهم!
بفضل صلابة مناضلي الحزب وتغليبهم المصلحة العامة التي تقدم دوما في صورة تناقضها مع المصلحة الخاصة ٫وباعمال الشرط الديمقراطي تم ترويض الجواد الجامح وتحولت الرمال تحت اقدامهم الى أرض صلبة كالاسفلت ولسان حال كل واحد منهم يردد ما قاله الامام الشافعي :” رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب “.
وسيكون من الصعوبة بمكان تفسير ما لا يفسر٫ وما لا يدرك كله لا يترك كله فالامر لا يعدو ان يكون الا ايمانا بمأسسة العمل السياسي واخراجه من دائرة رد الفعل البافلوفي الى الفعل ٫ و الديمقراطية ليست مجرد شعار يرفع خلال المحطات الانتخابية بل هي تربية وثقافة واسلوب تكتسب لبنة بعد لبنة عبر الاشتباك مع الواقع والاحتكاك بالمختلف عنك وتعلم كيف تقبله هذا الآخر المختلف عنك وتقبل رأيه المضاد لك سواء كان موقع رأيه اغلبيا أو أقليا والعمل على تغييره باختلاف الموقع …فقد تكون اليوم أقليا في موقفك من مسألة ما ثم تتحول غدا الى صاحب اغلبية حول نفس المسألة..عليك فقط بالصدق والصبر التكتيكي والنقاش والحوار داخل الاطر لا خارجها واترك الأمر حتى يقع ولا تستعجل القرار قبل اوانه حتى لا تعاقب بحرمانه.واياك ثم اياك ان تدعي انك وحدك تملك الحقيقة المطلقة.
سيكون هذا الطرح صعب الفهم والهضم لا محالة لمن تربى على ثقافة الجماعة والولاء لأميرها وثقافة النقل لا العقل لدى القطيع ممن أدى يمين الولاء والبراء .
وانطلاقا من أن هياكل حزب حركة الشعب هي من ترسم مقاربة الحزب السياسية وتموقعه داخل الساحة وتحدد تحالفاته وموقفه من الانتخابات الرئاسية القادمة ومن هو مرشحها دون حاجة لأي توجيه أو نصيحة من أحد ٫ حتى لو أدلى بتوكيل ممضى شخصيا من جمال عبد الناصر كان قرار المجلس الوطني لحركة الشعب ( أعلى سلطة بين مؤتمرين) المنعقد يوم الاحد 5 ماي 2024 القاضي بترشيح أحد مناضليه للانتخابات الرئاسية القادمة المزمع اجراؤها خريف هذه السنة ومطالبا الهيئة المستقلة للانتخابات بضرورة ضمان انتخابات نزيهة وحياد الادارة وذلك بضبط شروط الترشح لها وتاريخها واصدار الروزنامة الانتخابية وتم اتخاذ القرار باغلبية الحاضرين مع تسجيل اقلية معارضة ومحتفظة باصواتها بعد نقاشات داخلية دامت لساعات كامل يوم الاحد .
لقد حاولت في مقالي السابق ” قيس سعيد في الحكم ؛ هل أصبح الرجل ناصريا ؟ ” المنشور بصحيفة “الشارع المغاربي” يوم 30 افريل 2024 تأصيل اجراءات 25 جويلية وما تبعها ناصريا مع العلم انه لا يمكن ان تسبح في نفس النهر مرتين وان التاريخ لا يعيد نفسه شروطا ونتائج وان المهم هو الالتقاء حول البرنامج قبل الأشخاص وليس المهم من يحكم بل كيف يحكم وعلى قاعدة أي برنامج سيحكم وضرورة ان يكون البرنامج افقيا تشاركيا لا احاديا عموديا من طرف واحد على قاعدة التابع والمتبوع وضرورة ان يشمل البرنامج كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنها حركة شعب ممتد من الماضي الى المستقبل و لا يتوقف عن المطالبة بتوفير حاجاته لكي يعيش بكرامة في وطن آمن , شعب تعب من انتظار دولة الشعب التي تحفظ فيها كرامته وعزته وقوته.
وهذا ما تمسكت به حركة الشعب أثناء مشاركتها في حوارات تكوين حكومة الحبيب الجملي وكان غياب البرنامج سببا في انسحابها منها ثم اسقاطها في ما بعد في البرلمان رغم سياسة الترغيب المعتمدة من الحبيب الجملي بعرضه عدد اكبر من الحقائب الوزارية ٫ مثلما كان توفر البرنامج في حكومة الياس الفخفاخ في ما سمي بـ” وثيقة التعاقد ” سببا في انضمام حركة الشعب لحكومة الفخفاخ مكتفية بحقيبتين وزاريتين فقط (وزارة التجارة ووزارة التكوين المهني والتشغيل ).
وضع المجلس الوطني لحركة الشعب قبل اصدار قراره بترشيح أحد مناضليه للانتخابات الرئاسية القادمة كل ما سبق من شروط أمامه مشرحا اياها تشريحا دقيقا متوصلا في الختام بعد الحسم في مبدأ المشاركة وعدم المقاطعة وبعد استعراضه كافة المترشحين المعلنين والمفترضين بأن المترشح الوحيد الذي يحوز على برنامج شامل سياسي ٫ اقتصادي واجتماعي ولو في خطوطه العريضة ” البرنامج الشعبي الوطني السيادي ” يستجيب ويلبي مبادىء ” الناصرية الجديدة ” يتجاوز نقائص التجربة الناصرية الأم خاصة في ما يتعلق بالمسألة الديمقراطية هو مرشح من مناضلي الحركة .
لذلك كان قرار المجلس الوطني لحركة الشعب بترشيح أحد مناضليه للانتخابات الرئاسية القادمة مشروطا بضرورة:
– تنقية المناخ السياسي الذي يزداد انغلاقا يوما بعد يوم وتحول الفضاء الافتراضي الى ساحة وغى و” حرب اهلية افتراضية ” بين اطراف العملية الانتخابية وازدادت خطورة بعد ازمة المهاجرين الافارقة مما يستوجب اليوم وليس غدا وقف التراشق والشحن الاعلامي الافتراضي المتبادل.
– توضيح الرؤية المستقبلية عبر اصدار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لروزنامة الانتخابات وتحديد التاريخ الرسمي والنهائي لتنظيمها.
– التعجيل باصدار القرار الترتيبي عن هيئة الانتخابات يتضمن إضافة شرطين جديدين فقط لا ثالث ولا رابع لهما جاء بهما دستور 2022 هما شرطا السن والجنسية حتى تكون انتخابات تعددية تتكافىء فيها الفرص بين جميع المترشحين.
– ضمان شفافية الانتخابات وحياد الادارة ( عدم إضافة شروط انتخابية جديدة اقصائية٫ تنظيم المجال الاعلامي زمن الانتخابات ٫ مراقبة المال الانتخابي٫ تركيز المحكمة الدستورية للبت في النزاعات الانتخابية وللنظر في مدى دستورية العملية الانتخابية نصوصا ومؤسسات واجراءات…).
ذلك لأن حركة الشعب حزب سياسي مدني يسعى الى الوصول الى السلطة عبر الانتخابات لتطبيق برنامجه وليس جمعية خيرية تعطي ثم تعطي كل شيء لكل طالب بلا حساب ولا مقابل ..ولان العملية السياسية / الانتخابية غير مستقرة بل في تغير مستمر طبقا لجدلية التأثر والتأثير ٫ فان مرشح حركة الشعب وبرنامجه يتأثر ببقية المترشحين المعلنين والمفترضين وببرامجهم وحتما سيؤثر فيهم..ولذلك تقاطعت حركة الشعب مع رئيس الجمهورية لحظة 25 جويلية وقد تتقاطع معه لحظة خريف 2024 ان لم يكن على قاعدة البرنامج المشترك في الدور الأول فربما في الدور الثاني..وقتها لن يكون حبا من طرف واحد ٫ وما احوجنا اليوم وغدا للحب.