الشارع المغاربي – في البروباغندا السوداء / بقلم ابراهيم بوغانمي

في البروباغندا السوداء / بقلم ابراهيم بوغانمي

7 نوفمبر، 2018

الشارع المغاربي : لا ننكر أن تعفن الأجواء السياسية والجيو استراتيجية وتضارب المصالح بين القوى الإقليمية انحرف بالخطاب الإعلامي في المنطقة إلى بروباغندا. ولكن أن يطغى خطاب البروباغندا بمظهره السخيف على المشهد السياسي في تونس فذلك أمر لم نتوقعه بل نستهجنه.

فالوضع في بلادنا –على تعقيده- لم يصل إلى حد التعفن الذي يضطرّ السياسيين إلى الاستعانة بالأذرع المشبوهة لنشر خطاب أحادي يطبّل لإنجازات وهمية لا مبرر لها إلا التشبث “المرضي” بالسلطة والاستخفاف بالشعب وإرادته التي أوصلت هؤلاء السياسيين إلى مواقعهم تلك. والخطير أن البروباغندا التي تمارسها الحكومة بالأساس وبعض السياسيين الآخرين تستخدم أساليب غاية في الخطورة لم ينتبه لها “غوبلز” نفسه زمن النازية, ولا “جورجكريل” زمن الحرب العالمية الأولى, خاصة مع الانفجار التكنولوجي وتشابك الوسائط الإعلامية ووتعقّد المحامل الافتراضية.
فالتونسيون اليوم أمام تحد ثقيل في مشهد باتت الغلبة فيه لما يُطلق عليه “بروباغاندا سوداء” مقابل انحسار واضح للإعلام التنويري الواعي حيث يتهافت الخاص منه على تجميع المال بطرق لا تأخذ بعين الاعتبار نزاهة الرسالة الإعلامية بينما دخل الإعلامي العمومي في حالة ما يشبه الغيبوبة بعد أن تداخلت أمامه المسالك التي لم يعد يميز أيا منها ستخلصه من إرث الإعلام الحكومي. ولأن الطبيعة تأبى الفراغ عملت الحكومة على تعويض الإعلام بالبروباغندا التي لا تمرر إلا الخطاب الحكومي الخشبي والمضلل وإلا فما معنى أن تفشل تونس في اقتراض مليار دولار عندما خرجت إلى السوق المالية الدولية لتغطية نفقات ميزانية 2018 ولا نجد لهذا الخبر أثرا في وسائل الإعلام التونسي إلا استثناءات قليلة جدا.

وإسهاما منها في قلب الحقائق أصدرت وزارة المالية وقتها بيانا نشرته جل وسائل اعلام كما أملته عليها مفردات فريق الاتصال بالوزارة التي صاغت
البيان مُدّعية أن “تونس نجحت في الخروج إلى السوق المالية الدولية واقتراض 500 مليون دينار”. الأرقام المغلوطة شملت أيضا نسبة النمو التي أعلنها البنك المركزي على أنها 2.8 بالمائة والحال أنها 0.6 بالمائة فقط. وآخر المغالطات التي لم تتورع البروباغندا السياسية في استبلاه التونسيين عن طريق انتقاء التقارير الاقتصادية التي تخص تونس وتتعامل بمكيالين مع تقريرن صادرين عن جهتين مختلفتين. “دوينغ بيزنس” احتفت به حكومتنا أيما احتفاء وهلل
له إعلام البروباغندا تهليلا صاخبا الأمر الذي جعل وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري يغرّد وحيدا في نشرة أخبار الثامنة على القناة الوطنية كمن يلقي خطبة عصماء في مريديه.
التقرير تدحضه مؤشرات تقرير “ارنست اند يونغ” الذي تغافل عنه “الإعلام. والذي تحدث عن تخلّف تونس عن كوكبة البلدان ال 15 الأولى الأكثر استقطابا لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في 2017 . وحتى وإن كان تقرير “دوينغ بيزنس” صحيحا مائة بالمائة فالعيب ليس في التقرير في حد ذاته وإنما في طريقة التناول والمعالجة الحكومية والإعلامية.
إن ما نخشاه اليوم هو أن يتقهقر الأداء الإعلامي إلى درجة التحول إلى بوق دعاية وتطبيل لإنجازات حكومية زائفة فنصبح بعد أن تخلصنا من وكالة اتصال خارجي واحدة زمن بن علي, لنجد أنفسنا أمام وكالات اتصال متعددة ومتناثرة هنا تنتصب في عقر دار دكاكين البروباغندا الإعلامية وهو أمر يهدد ديمقراطيتنا
الناشئة التي يمثل الإعلام المستقل والنزيه أحد أسسها. ولم يعد خافيا اليوم أن “إعلام البروباغندا” آخذ في التمدد على حساب الإعلام النزيه الأمر الذي ينذر بمزيد من الانهيار الأخلاقي فضلا عن الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING