الشارع المغاربي – الروائي والشاعر الفلسطيني ابراهيم نصر الله لـ"الشارع المغاربي": الكيان الصهيوني هُزم وهذه الهزيمة ستغيره إلى أن يزول

الروائي والشاعر الفلسطيني ابراهيم نصر الله لـ”الشارع المغاربي”: الكيان الصهيوني هُزم وهذه الهزيمة ستغيره إلى أن يزول

قسم الأخبار

17 نوفمبر، 2023

الشارع المغاربي-حاورته عواطف البلدي: شاعر وسارد روائيّ يكتب بالدم قبل الحبر ويستشرف الأحداث قبل وقوعها بعقود (ثلاثة كتب حول غزة كُتِب أوّلها منذ أربعين عاما، واثنان قبل عشرين عاما).. على كتاباته اجماع من قبل الكتاب والنقّاد والقرّاء في آن وهو أمر نادر  في عالم الكتابة والثقافة. يشكّل في ما أنجز حالة استثنائية حظيت بالكثير من الجوائز والاهتمام سواء كان ذلك في دراسات النقاد العرب والأجانب أو الكتب التي صدرت عن تجربته، أو الأطروحات الأكاديمية، أو الترجمات. هو الفلسطيني ابراهيم نصر الله الكاتب الذي يبحث في شعره وأدبه عن مساحات أوسع عن “حريات خارج المعلّبّات في عالم بات أضيق كثيرا” .  

“الشارع المغاربي” تواصلت مع الروائي والشاعر الفلسطيني ابراهيم نصر الله للحديث حول “طوفان الاقصى” وحول روايته الاخيرة ودور المثقف العربي تجاه القضية الفلسطينية.

 إبراهيم نصر الله فلسطيني متعدد المواهب يكتب بريشة فيها الصخب والهدوء والجنون… من يقرأ سرده أو شعره يكتشف شيئا ما يشبه السحر أو هو ربما هو الدهشة، شيئا يجعلك تغوص في عالمك قبل عوالم الكاتب…في أي أرض نبتت لغتك الموغلة في البساطة والعمق تلك التي شكّلتَ منها نصوصك السردية والشعرية؟

أظن أن من أكثر الأمور تعقيدًا هو كيف تتشكل لغات الكُتّاب، فتختلف هذه عن هذه، حتى لو كانت مصادر ثقافتهم متقاربة أومتقاطعة. ربما يعود الأمر لاختلاف إدراكهم وحساسياتهم، سواء تعلّق الأمر باللغة نفسها وجمالياتها، أو بحساسياتهم وتجاربهم وتكوينهم النفسي أيضا، فكلنا نملك حروف اللغة نفسها ولم يمنح أيّ منا حروفا أكثر.

بالنسبة إلي، أيضا، أظن أن الأمر مركّب، وإن كنت أعيد الأمر بصورة من الصور إلى تعدد الروافد التي تصب في تجربتي اللغوية، فهناك لغة الشعر بما تحتاج هذه اللغة من رهافة وقدرة على الإيحاء، وهناك السّرد بما يقدم من قدرة على تنوّع الأحداث والحالات وتعدد أنماط البشر، وهناك العلاقة بالسينما والكتابة عنها وما تقدم الصورة، وهناك الصورة الفوتوغرافية وقد أقمت أربعة معارض، وكذلك الفن التشكيلي، ولا أنسى العمل الطويل في الصحافة، كل ذلك في ظني يشكل اللغة التي يكتب بها المرء، سواء بوعيه أو لا وعيه، حين تغدو هذه الروافد جزءا أصيلا من تكوينه الداخلي.

كل هذا محاولة لتفسير شيء أظنّ أنّ من الصعب تفسيره، لكنها محاولة لا بدّ منها أمام هذا السؤال الصعب.

في “طفولتي حتى الآن” بنيت روايتك على أعمدة راسخة في سيرة متشظية للفلسطيني إبراهيم نصر الله ولكل فلسطيني… لقد كنت على خلاف الذين جعلوا من معاناة الفلسطيني مادة خاما لأعمالهم السردية، فقد جذّرت هذه المعاناة في بعد إنساني. أعتقد أن هذه القدرة على الانعتاق من المحلي والذاتي هو سبب أصالة كونك الروائي. واسمح لي وأنا إحدى قارئاتك أن افترض أنك تكتب وفي ذهنك مخاطبة الآخر المختلف عنك ثقافة وتصوّرا… هل هي عبقرية إبراهيم نصر الله وأصالته في الحكي أم هي خطة تقوم على الكتابة بطريقة تعجب الآخر….؟

 الحقيقة لا أستطيع تخيّل أحد أكتب إليه حين أكتب، فهذا الآخر متعدد المستويات ومتعدد الذائقة، والأفكار، لكنني أكتب من حصيلتي التي تحدّثت عنها في الإجابة السابقة، وحصيلتي الإنسانية من التجارب والقراءات والمشاهدات، ومن حسّي كقارئ بشأن الكتابة الجميلة، وغير الجميلة، واللغة الغنية وسعيي لتقديم شيء على المستوى الفني يمكن أن يكون جديدا وجزءا من تاريخ الكتابة التي تتغيّر حساسياتها كل عقدين أو ثلاثة عقود.

يرنو المرء إلى، ويحلم وهو يعمل بنصوص لا تطويها تحولات الذائقة، وانقلابات النظريات النقدية على مستوى الصراع والتقاطع.

لقد تحدثتِ عن روايتي الأخيرة “طفولتي حتى الآن” التي تستند إلى السيرة الذاتية، بقدر ما هي سيرة عامة لكل شخصياتها، وبالتساوي مع الذات الكاتبة. لقد كتبتها رواية لأنني كنت أريد أن أذوِّب الأنا، وأكبح هيمنتها في كتابة السِّير الذاتية، وأن يكون للبشر الذين عايشتهم وعايشوني المساحة التي يستحقونها من أوّل الرواية إلى آخرها. كما أنني كنت أتمنى دائما أن أكتب رواية حب فلسطينية عابرة للحروب التي عاشها الفلسطيني، وبعد أن أنهيت الرواية اكتشفت أنني كتبتها. لقد غدت “طفولتي حتى الآن” رواية حبّ، بقدر ما هي رواية شخصيات، ورواية كاتبها، ورواية شعب في اللجوء على مدى ستين عاما.

هكذا تكتب بكلك لهذا الكلّ الذي يقرؤك، أما الآخر، أو القارئ الآخر فمسألة لا أستطيع أن أعرف كنهها، هل هو أستاذ جامعي، أو أستاذة جامعية، هل هو الناقد/ناقدة، طالب الجامعة/ طالبة، من تقرأ أو يقرأ كثيرا من الروايات ويدرك ما يقرأ، أو شخص يقرأ رواية كل عام؟

في اعتقادي مهما سعى كاتب ما لاختيار قرّائه لن ينجح، لأن القرّاء هم في النهاية من يختارون نصّه، أو يعرضون عنه.

في مشروعك الروائي الملهاة الفلسطينية الذي امتد على 14 رواية، سبرت أغوار قضية قتَلها الرواة العرب بإسفافهم الإيديولوجي. كيف استطعت أن توثق لسيرة شعب تتعرض منذ عقود للطمس دون التخلي عن شروط الفن… لن أجاملك هناك تقنيات يجيدها إبراهيم نصر الله وبإمكان أي مطلع على المتن الروائي العربي أن يدرك هذه البصمة الخاصة. أعتقد أن هناك في أعمالك ما هو أبعد من التجريب وأعمق من تمثل نموذجي لفنّيات الرواية….هل لك أن تبوح لنا بسر هذه البصمة التي انتزعت اعتراف النقاد العرب والغرب بموهبتك الفذة ؟

– في أول حوار صحفي أجري معي وكنت في الخامسة والعشرين من عمري، ولم أنشر سوى ديواني الشعري الأول، قلت في ذلك الحوار جملة لم أزل متمسكا بها حتى اليوم، وهي “القضايا الكبرى بحاجة لمستويات فنية عالية للتعبير عنها”، وأعني بالقضايا الكبرى هنا قضية فلسطين وكل قضية وجودية أيضا أرّقت البشر، وهذا ما دفعني كثيرًا للعمل لكي أكون صادقا مع نفسي ومع كتابتي وأمينًا في ما يتعلق بما أكتبه أو أقوله.

فأن تكتب عن فلسطين أو أية قضية كبيرة فأنت مطالب بأن تقدم أعمالا تسعى أن تكون مختلفة، وتسعى فيها للذهاب إلى مناطق جديدة في هذه القضايا وفي داخلك أيضا، وفي النوع الذي تكتبه، شعرا أو رواية أو قصة، فبغير هذا لن يمتلك كتابُك مقومات الحياة واحتمالية الاستمرار. هناك مئات الروايات والأعمال التي كتبت عن فلسطين وعشرات الآلاف من الروايات التي كتبت عن قضايا كبيرة، وما هو مطلوب من كل روائي، أو شاعر هو أن يكون نصّه الذي يكتبه ليس معبرا عن قضيته فحسب، بل أن يعتبره أصحاب القضايا المختلفة معبِّرا عن قضاياهم، سواء تعلق الأمر بفكرة العدالة، أو الحرية، أو الاحتلال، أو الحياة، أو الموت، أو الحرب، أو الحبّ. ولا يمكن أن يحدث هذا إن لم يكن هناك النموذج الإنساني والحالة الإنسانية، والبشر في تعدّد همومهم، انتصاراتهم وهزائمهم وأحلامهم. وذلك كله بحاجة دائما إلى أن تجتهد في الوصول إلى اقتراحات فنية مختلفة قادرة على احتضان كل حالة بما تحتاجه هذه الحالة.

هذا الأمر أرقني في الشعر وأرقني في مشروع الملهاة الفلسطينية والمشروع الموازي له، وأعني “الشرفات” الذي يضم عشر روايات تتحرك في مدى زمني واسع، مساحته بالنسبة إلي الإنسان منذ أول يوم لوجوده على الأرض إلى المستقبل البعيد.

الآن علي أن أكون صريحة معك… أعرف جيدا أن للمبدع الحقيقي قلب يتحمل النقد. حين ندير أعناقنا نحو شعرك نلاحظ أنك تحفر في أرض بعقلية صاحب الحديقة وليس بعقلية المزارع، أي أنك تكتب الشعر لتغيير المناخات لا غير. ما رأيك؟

أنتِ أدرى. حين تكون قد بدأتَ نشر شِعرك منذ نصف قرن، يكون قد شهد تحولات كثيرة واجتهادات كثيرة، ويكون هناك مساحات مختلفة وتنوّع على مستوى الشكل، والأسئلة الإنسانية والوجودية، فمن القصائد التي احتفت بالأشياء والتفاصيل في “الخيول على مشارف المدينة” و”أناشيد الصباح” إلى “لو أنني كنت مايسترو” والديوان الأخير “الحبّ شرير” الذي يستعير البناء الأوبرالي ليكتب قصة حب بين ذئب وذئبة هي في الحقيقة تأمل للحياة منذ بدئها حتى عصر الفضاء، مرورا بالقصائد الملحمية والأعمال الشعرية السِّيريّة، وتلك التي تأملت العالم فلسفيا في رباعية “عواصف القلب”.هي رحلة واسعة، حظيت بالكثير من الاهتمام الذي آمل أن أكون أستحقه سواء كان ذلك في دراسات النقاد العرب والأجانب أو الكتب التي صدرت عن هذه التجربة، أو الأطروحات الأكاديمية، أو الترجمات.

حقيقة لا أريد أكثر من هذا، لأنه كثير حقًّا، أمّا مسألة المزارع وصاحب الحديقة فلا يعاني منها أحيانا الكتّاب وحدهم، فالتجربة علمتنا أن هذا الأمر مثلما ينطبق على الكاتب ينطبق على الناقد والقارئ أيضًا، وكناشطة في مجال الصحافة الثقافية لا بدّ تلمسين هذا باستمرار.

لا يمكن أن أجري حوارا مع مبدع يكتب بالدم لا بالحبر ولا أشير إلى الجحيم الذي نصبه الكيان الصهيوني في غزة…هل تعتقد أن المقاومة اتخذت مسارا آخر ينبئ بانفتاح أفق جديد في القضية الفلسطينية؟

– هذا النهج اختطته المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقها، وعبر مسارها كانت هناك تجليات كبرى، وما يحدث اليوم هو حصيلتها حتى الآن. ما حدث هذه المّرة ليس علامة في تاريخ هذه المقاومة وشعبها فحسب، بل هو علامة في تاريخ الشعوب العربية كلها، وعلامة في تاريخ هذا الكيان الصهيوني الذي أدرك أنه قابل للهزيمة، وأن ألف مقاتل يستطيعون أن يدمروا كل أشكال الجدران التي كان يظن أنها تضمن له الأمان، لقد هُزم، وهذه الهزيمة ستغيره إلى  أن يزول، وقد انتصر المقاتل الفلسطيني وهذا إنجاز آمل أن يغير العالم العربي كله.

أين تضع نفسك في تاريخ الرواية الفلسطينية؟

– لا يستطيع أي كاتب أن يضع نفسه في تاريخ الرواية الفلسطينية أو العربية، أو أي رواية في العالم، أنت عليك أن تعطي بكل طاقتك، وبكل قلبك، وإذا تحقق لك مكان في الأدب، فهذا يعني أن سنوات العمر التي كرستها للأدب لم تذهب سدى.

كيف يمكن توثيق ما يجري روائيا، وهل تفكر في ذلك؟

– لا أظن أنني وثّقتُ من قبل، بل كتبتُ، لأن التوثيق مسألة سهلة يمكن أن يقوم بها أي موظف أرشيف مجتهد، لكن الكتابة مسألة مختلفة، لأن الرواية في العالم اليوم، في اعتقادي، هي “شمس المعارف” كلها، وهي أعقد أنواع الفنون وأكثرها تركيبية..

الآن لا أستطيع أن أقول ما الذي سأكتب غدا، ولكن حين أسمع الأثر الذي تتركه اليوم ثلاثة كتب لي عن غزة كُتِب أوّلها منذ أربعين عاما، واثنين قبل عشرين عاما، أشعر أن هذه الكتب كتبت الآن.

دائما أقول إن أبرز تحدّ للكاتب هو ألّا يكون لاحقًا، بل سابقًا، فثمة فرق بين كتب تؤرخ الماضي أو الحاضر وتكتبهما، وبين كتب استشرفت.

هل خذل المثقف العربي القضية الفلسطينية ؟

– لا أظن ذلك، فالكتابة العربية كانت دائما حليفا قويا لفلسطين وشعبها وقضيتها، هناك أسماء قليلة جدا تتساقط، أو تساقطت، وهذا جزء من مسار كل كتابة. حتى الكتابة الفلسطينية شهدت من تساقطوا وهم أبناؤها، لكن المشهد الواسع هو مشهد مضيء في فلسطين والعالم العربي، ربما لأن الكتابة أصلا جزء من تاريخ البشر وأحلامهم وآلامهم، والبشر كانوا دائما مع فلسطين وقضيتها.

– وماذا عن خذلان الحكام العرب؟

– الحكام العرب خذلوا شعوبهم أوّلا، ولا يمكن لمن يخذل شعبه أن يكون مع أية قضية عادلة، ما دام الظلم أساس حُكمه.

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 نوفمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING