الشارع المغاربي: بنهاية شهر ماي، تمرّ سنتان كاملتان على تولّي المكتب الجامعي الحالي المسؤولية على رأس الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ. وبمرور نصف المدّة الانتخابيّة، صار من الواجب التوقّف لتقييم المنجز والبحث عمّا يحول دون تحقيق المأمول، من مكتب جامعي علّق عليه عدد كبير من ممارسي نشاط الغوص والسباحة بالزعانف آمالهم وطموحاتهم في رؤية نهضة حقيقيّة لهذه الأنشطة.
وباعتبارها جامعة رياضية متعدّدة الاختصاصات، تسيّر مرفقا عموميا حسب منطوق الفصل التاسع من قانون الهياكل الرياضيّة، فانّ الخوض في هذا المنجز، لا يدخل في خانة المحرّمات، بل يتجاوز الحقّ، ليصبح واجبا على كلّ غيور على أحد الاختصاصات الثلاثة التي تشرف عليها: الغوص، السباحة بالزعانف والإنقاذ البحري.
كما لا يجب لهذا التقييم، أن يُقرأ بسلبيّة من قبل المعنيّين به، وانّما هو يأتي كمساندة نقديّة، في اطار دعم حقيقي وصادق لعمل المكتب الجامعي الذي في نجاحه، نجاح للاختصاصات الرياضيّة الثلاثة.
في الجلسة العامّة التقييمية
وللملاحظ لأشغال الجلسة العامة التقييمية الأولى والوحيدة خلال سنتين، المنعقدة خلال شهر جانفي المنقضي، أن يظنّ تواجد التفاف للهياكل المنخرطة حول المكتب الجامعي الحالي برئاسة الأستاذ الحبيب الشريف.
ولعلّ اجماع الحضور ايضا والمصادقة،دون حضور أمين المال، على التقريرين الأدبي والمالي، للفترة الممتدة من 01 جوان 2022 الى 31 ديسمبر 2023 ،ودون تسجيل أيّ نقاش، قد يعكس أيضا نجاحا نسبيا مستحقّا وتوافقا لا نزاع فيه حول حصيلة لا يمكن الاّ أن تكون إيجابية، مقارنة باثني عشر سنة عجافا سبقتها.
أمّا من ناحية المحتوى، ودون الخوض فيه، فقد اعتبر المتابعون أنّ محتوى التقرير الأدبي لا يرتقي الى حقيقة الإنجاز، اذ طغى عليه الطابع الإداري السردي، وصل الى السريالية بتعداد عدد المراسلات الواردة والصادرة على مكتب الضبط . كما افتقد التقرير الى كلّ ما من شأنه أن يمثّل خوضا في مخرجات الأعمال والمشاريع المنجزة وانعكاساتها على واقع الاختصاصات. وهو في حدّ ذاته يدلّ، امّا عن قصور في صياغة التقارير الأدبية للهياكل الرياضية، أو عن غياب عمل مبني على أهداف مرحلية وبعيدة المدى.ولعلّ اجتماع الفرضيّتين يترجّح أكثر، خاصّة انّه لم يتم التطرّق الى الأهداف المرسومة خلال الفترة القادمة، مع تنزيلاتها من الناحية الماليّة وانعكاساتها على الميزانية وتطوّرها.
انّ كلّ تقييم، نابع عن بحث حقيقي على المصلحة الفضلى للجامعة – وهو ما غاب خلال الجلسة العامّة – لا يجب أن يسقط صاحبه في منطق الرضا الأعمى عن النفس. بل يجب على أيّ كان، أن يتعامل مع كلّ محطة تقييمية، بحدّ أدنى من الموضوعيّة التي تأخذ بعين الاعتبار لا النجاحات النابعة عن شرعية الطموح ورغبة التغيير، عن انعدام المنجز الماضوي والحطّ من سقف الانتظارات فحسب وانّما يأخذ أيضا بعين الاعتبار ما أفرزت سيرورة التعاطي مع اكراهات واقع يختلط فيه الموروث بالمستحدث.
في إدارة الخلافات
ورغم هفواته المشروعة، وهو يخطو خطواته الأولى، الى جانب منظومة إدارية نهلت من افرازات العهدة التي سبقتها، فلا شكّ أن المكتب الجامعي الحالي استطاع أنّ يجسّد القطيعة مع أسلوب التسيير الذي حكم الجامعة مدّة عشريّة كاملة اتّسمت للأسف بغياب كلّ مقوّمات التصرّف السليم والحوكمة الرشيدة.
وإذ أنّه لا مجال للشكّ في أن اختلاف وجهات النظر ظاهرة إيجابية داخل المجموعة، باعتباره يخلق ديناميكية مرجوّة، وهو مظهر من مظاهر التشكيلات الديمقراطية وأن استباق الأزمة ومعالجة الأسباب الحقيقية والعميقة التي تنشب على اثرها الخلافات، بأسلوب يستجيب لمقوّمات الحوكمة الرشيدة والتصرّف الناجع، صارا ضروريان اليوم بعيدا عن السلبيّة والذاتيّة في التقييم والتعاطي، فقد اتضح فقدان هذه القناعة داخل الأطر الجامعية خلال النصف الأوّل من العهدة ولعلّها تتجلّى خلال ما تبقّى من الفترة الانتخابية.
كما أنّه، وأمام المشاكل التسييرية اليومية والظرفية، والخلافات الداخلية العاديّة التي تطرأ بين الحين والآخر، بين أطراف داخلية – داخلية أو داخلية – خارجية، فانّ رئيس الجامعة حاول إدارتها بأسلوب أبوي أخلاقي يطغى عليه البعد الطوباوي ويفتقد للبعد العقلاني، ونجح في ذلك أحيانا دون أخرى، وذلك دون التعاطي العميق مع أسباب الخلافات ومعالجاتها بصيغة نهائية يجعل حلّ الخلاف لبنة من لبنات البناء والتطوير، عكس اخماده وتأجيله دون القضاء عليه.
في روافد الجامعة الثلاثة
دون اعتبار هفوة تصميم اجازات متطابقة لنظيراتها الفرنسية، وابرام اتفاقية مع مزوّد خدمات غير معتمد رسميّا، وهي أخطاء تُغتفر نسبيّا، فانّ ما لوحظ فعليّا، على مستوى نشاط الغوص، هو غياب تامّ لكلّ نشاط على مستوى الغوص الرياضي من ناحية المسابقات والمنافسات الرياضية وتكوين الحكّام، وتشكيل فريق وطني يشارك في المحافل الدولية، والاقتصار فقط على تكوين المدرّبين في الغوص الترفيهي واسناد الشهائد الدوليّة وفتح ورشة أحادية الجانب لتنقيح معايير التكوين، وهو ما حصر دور الجامعة في هيكل اسناد لشركات الترفيه السياحي ونوادي الغوص الترفيهي، دون أن تقدّم رؤية لتطوير هذا النشاط، كمّا ونوعا، وفق رؤية استراتيجية، ومخطّط رباعي يتنزّل في شكل مشاريع سنوية أو موسمية.
بل ونلاحظ تقهقرا، يكاد يكون غيابا، للجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ في منظومة صياغة القرار المتعلّق بنشاط الغوص. اذ أنّه تبعت ما نتج عن الفترة السابقة من تهميش وتغييب، سلبيّة المكتب الحالي، في التعاطي مع هذا الملفّ الحارق والحسّاس، والذي يتطلّب كفايات استباقية، والأخذ بزمام المبادرة، لا في اقتراح النصوص والتنقيحات فحسب وانما باثارة ديناميكيّة التغيير أيضا.
كما لاحظنا غيابا تامّا لبرنامج إعادة احياء نشاط الإنقاذ البحري، في بعديه التكويني والرياضي، وهو الذي يمثّل أحد الروافد الثلاثة للجامعة، وذلك مقارنة بتطوّر هذا النشاط بالدول المجاورة.
أمّا السباحة بالزعانف، فهي الشجرة التي تحجب الغابة. اذ رغم الإمكانات الضعيفة، والغياب الكافي للدعم، الداخلي والخارجي، فقد استطاع الفريق الوطني للسباحة بالزعانف كسب الميداليات ثمرة تضحيات سباحين أبطال وبطلات من أمثال يوسف النفاتي وأمين العلوي وسارة بن أحمد وميساء بن سلامة وغيرهم، وتحت اشراف المدرّب سيف الدين بالي والمدير الفني عبد المجيد مبروك.
التحدّي القادم
عموما، انّ غياب الرؤية والمخطط الاستراتيجي المدعّم بمؤشرات النجاعة وآليات قياسها، والعمل دون رسم سياسات واضحة تنسجم مع واقع الاختصاصات وتطوّرها إقليميا وعالميا، ودون منظومة حسن تصرّف كلّ هذه العوامل جعلت المكتب الجامعي الحالي يشتغل دون أهداف، وان وجدت، فهي خفيّة بلا مدى. وهو ما يضع هذا المكتب الجامعي خارج سياق قواعد مقوّمات الحوكمة الرشيدة والتصرف السليم في الهياكل الرياضية. هذا ما يجعل أيضا من النصف المتبقّي للعهدة، تحدّيا حقيقيا امام المكتب الجامعي لتفنيد كلّ الادعاءات بالعجز عن تغيير الواقع وتطويره نحو الأفضل، وليحقّق حصيلة ايجابيّة خلال السنتين القادمتين، تجعل الأستاذ الحبيب الشريف، حاملا لمشروعية يتطلّع من خلالها لفترة ثانية على رأس الجامعة التونسية لأنشطة الغوص والإنقاذ.
مهدي الطباخ (مدرّب دولي ومختصّ في شؤون الغوص)