الشارع المغاربي – قانون المالية الجديد يؤسّس لدكتاتورية جبائية

قانون المالية الجديد يؤسّس لدكتاتورية جبائية

قسم الأخبار

27 ديسمبر، 2022

الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: مثلما كان متوقعا، صدر قانون المالية 2023 مجسما لغياب اي تصور لتعبئة موارد الدولة خارج الجباية والاقتراض الخارجي والداخلي مما سيفاقم بالتأكيد ازمات القطاعات الاقتصادية وينهك ما تبقى من منظومة الاستثمار.

وعلى عكس ما تروج له السلطة، يؤسس قانون المالية للعام القادم لمنظومة جبائية تشذ بالكامل عن مبادئ العدل والانصاف وتبسيط هذا المجال الحيوي فضلا عن مزيد تغييب حقوق المطالبين بالضريبة عند النزاع مع الادارة ليتم بذلك التأسيس لدكتاتورية جبائية.

الدكتاتورية الجبائية

قدرت، وفق قانون المالية الصادر مؤخرا، ميزانية الدولة لسنة 2023 في حدود 70 مليار دينار مسجلة بذلك زيادة بـ  14.5بالمائة مقارنة بالنتائج المحينة لكامل سنة 2022 مما يجعل منها ميزانية توسعية بامتياز لا تسمح بخلق الثروة بقدر ما ترمي الى سد ثغرة نفقات التسيير المتزايدة وسط قيامها على فرضيتين اساسيتين هما تحقيق نسبة نمو ضعيفة لا تتجاوز 1.8 بالمائة وزيادة ضخمة في المداخيل الجبائية بـ12.5  بالمائة لتناهز41 مليار دينار. ورغم وطأة العبء الجبائي المنتظر بلوغه نحو 25 بالمائة من الناتج المحلي، فقد قدر عجز الميزانية بنحو 9 مليارات دينار في ظل توقعات بتعبئة قروض بقيمة 24 مليار دينار ثلثاها قروض خارجية لم يتم الافصاح عن مصادرها او شروطها الفنية او اصنافها.

ويرجع ارتفاع المداخيل الجبائية الى الزيادة الكبيرة المرتقبة في الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات بـ8.5 و8.7 بالمائة على التوالي والمعلوم الموظف على الاستهلاك والأداء على القيمة المضافة والمعاليم الديوانية تباعا بـ16.5 و12.5 و11 بالمائة.

ولم تستثن الزيادة في الاداءات والضرائب اي نشاط اقتصادي، اذ اقر قانون المالية ترفيعا شاملا في الاداء على القيمة للمضافة ومعلوم الاستهلاك والطابع الجبائي شمل بالأساس قطاع الخدمات وذلك بالتوازي مع احداث ضريبة على العقارات وعلى احالة الاسهم مع زيادة معلوم تسجيل الفواتير والتواكيل القانونية.

كما تعلقت الزيادات بتجديد تصاريح الإقامة للأجانب بناء على وضعهم الضريبي واقرار تسبقة على تصنيع المشروبات والترفيع في غرامات المعاملات النقدية وزيادة الحد الأدنى للضريبة الخاصة بالنظام التقديري وتشديد العقوبات على التأخر في تقديم التصاريح الجبائية.

ومن المنتظر ان تؤثر هذه الزيادات، بشكل خاص، على قطاعات الاستهلاك سيما السياحة والمطاعم والمقاهي والمؤسسات الصغرى والمتوسطة وتجارة التفصيل والنقل والبعث العقاري والبناء والاشغال العامة وغيرها من القطاعات الحساسة في النسيج الاقتصادي بما يزيد من تضخم الاسعار علما انه من المنتظر، وفق بيانات الميزان الاقتصادي 2023 التخفيض في حجم التدخلات الاجتماعية التي تشمل اعانات العائلات المعوزة (-8 بالمائة( ودعم المواد الاساسية والمحروقات بـ26.4  بالمائة مع التكتم على المنتجات المشمولة برفع الدعم وكيفية التقليص في حجم التحويلات المالية للأسر الفقيرة.

تأجيل التعثر

رغم ما تضمنت ميزانية العام القادم من شطط جبائي وبناءها الى حد بعيد على الاقتراض، فإن هيكلتها لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها طيلة حقبة ما بعد 2011 والتي تسببت في توجه البلاد بخطى ثابتة نحو التعثر المالي الشديد وتفاقم حاجات تمويل نفقات لا تساهم، بشكل مباشر او غير مباشر، في التنمية وتحريك دورة الانتاج.

ومن المنتظر، حسب معطيات الميزان الاقتصادي 2023،ان يصل قائم الدين العمومي الى 125.6 مليار دينار وهو ما يعادل 77.4 من الناتج المحلي ونحو 91 بالمائة من الدخل الوطني الصافي، في حين تبين التقديرات انه من المرتقب ان تزداد نفقات تسديد خدمة الدين العمومي بنسبة 44.4 بالمائة لتبلغ 20.7 مليار دينار باعتبار ارتفاع نفقات الأصل والفائدة تباعا بـ 54.4 و23 بالمائة.

وبالتالي تفوق نسبة خدمة الدين عشرين مرة معدل النمو لكامل سنة 2023 بينما يساوي قائم الدين العمومي 180 بالمائة قيمة ميزانية الدولة برمتها. وبذلك فاذا افترضنا جدلا تعبئة كافة مداخيل الجباية وحصول السلطة على كل القروض التي تعمل على توفيرها، فانه من غير الممكن حسابيا ايفاء الدولة بديونها وسد الثغرة التمويلية المتراكمة منذ 2021 والمقدرة بـ27 مليار دينار.

لم تأخذ معطيات ميزانية 2023 بعين الاعتبار في مختلف محاورها ما يتعرض له احتياطي النقد الأجنبي من استنزاف وسط الأزمة المالية التي تواجهها الدولة وامكانية تخلفها عن سداد ديونها مستقبلا في سياق ما يشهد رصيد القطاع الخارجي من عجز بسبب تراجع عائدات ميادين التصدير والسياحة والاستثمار والتي لم يتخذ في شأنها اي قرار لإنعاشها، بل على العكس من ذلك فان التسبقات على الاداء على القيمة المضافة والزيادة في الضريبة على الشركات غير المقيمة هي اجراءات ستعمق حتما ازماتها. وتجدر الاشارة الى ان تونس مطالبة خلال عام 2023 بتسديد ديون خارجية ضخمة بما يشكل ثلث احتياطي النقد الأجنبي. كما انه من المرجّح أن تتصاعد الضغوط على رصيد النقد لدى البنك المركزي، بصفة خاصة، مع بداية الربع الأول من العام المقبل، وحلول آجال دفع الديون الخارجية في ظل عجز جار للميزانية يقدر بحوالي 12 مليار دينار واستمرار تعثر خطط الاقتراض الخارجي مما سيدفع السلطات إلى استعمال رصيد العملة لتجنّب سيناريوهات التخلف عن سداد الديون الخارجية، وهو ما قد يهبط بالاحتياطي النقدي وفقا لتقديرات عدة تقارير دولية إلى مستوى يتراوح بين 40 و50 يوماً من الواردات قبل نهاية النصف الأول من السنة القادمة.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 27 ديسمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING