الشارع المغاربي – هل‭ ‬أسقط‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬جدار‭ ‬الخوف‭ ‬والإذعان‭ ‬لدكتاتورية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي؟ /بقلم: جمال الدين العويديدي

هل‭ ‬أسقط‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬جدار‭ ‬الخوف‭ ‬والإذعان‭ ‬لدكتاتورية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي؟ /بقلم: جمال الدين العويديدي

قسم الأخبار

12 أكتوبر، 2023

الشارع المغاربي: منذ‭ ‬سقوط‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬التسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬هيمنة‭ ‬مطلقة‭ ‬يمارسها‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بقوة‭ ‬السلاح‭ ‬والنار‭ ‬وبقوة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمال‭ ‬عبر‭ ‬أذرعتها‭ ‬المالية‭ ‬والسياسية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭. ‬وقد‭ ‬تجسم‭ ‬هذا‭ ‬الاستبداد‭ ‬سياسيا‭ ‬عبر‭ ‬شن‭ ‬حروب،‭ ‬غالبها‭ ‬بدون‭ ‬تفويض‭ ‬دولي،‭ ‬مُدمرة‭ ‬وظالمة‭ ‬طالت‭ ‬المدنيين‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للبلدان‭ ‬المستهدفة‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وليبيا‭ ‬وصربيا‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬الاستبداد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬الشراكات‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬بعد‭ ‬فرض‭ ‬وصفة‭ ‬أحادية‭ ‬يتم‭ ‬تمريرها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬مزيف‭ “‬برنامج‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الهيكلية‭” ‬عبر‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭. ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬أنه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬استدراج‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬مفتعلة‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬منذ‭ ‬أواسط‭ ‬الثمانينات‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬سعيا‭ ‬لتفكيك‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتدمير‭ ‬إنجازات‭ ‬حكومات‭ ‬الاستقلال‭.   ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬يجب‭ ‬تحليل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجيو‭-‬استراتيجية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬والتي‭ ‬اتخذت‭ ‬منعرجا‭ ‬جديّا‭ ‬وعمليّا‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬واندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأطلسية‭ -‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬حيث‭ ‬انخرطت‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬عسكريا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدّة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬وازنة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وإيران‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬ضاقت‭ ‬ذرعا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الغطرسة‭ ‬الغربية‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وعسكريا‭. ‬

لذلك‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ظهور‭ ‬مجموعة‭ “‬البريكس‭” ‬بوصفها‭ ‬مخرجا‭ ‬لوجود‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬مؤخرا‭ ‬بداية‭ ‬توسّع‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬بلدان‭ ‬محسوبة‭ ‬سابقا‭ ‬على‭ ‬المُعسكر‭ ‬الغربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬مثل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والامارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬سعيا‭ ‬منها‭ ‬للتنصل‭ ‬من‭ ‬الغطرسة‭ ‬والابتزاز‭ ‬المسلط‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬المنطقتين‭ ‬الأوروبية‭ ‬والآسيوية‭. ‬

لقد‭ ‬تجلت‭ ‬هذه‭ ‬الغطرسة‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬استعمارية‭ ‬جديدة‭ ‬تبدو‭ ‬ناعمة‭ ‬ولكنها‭ ‬أشد‭ ‬فتكا‭ ‬بالأوطان‭ ‬المستهدفة‭. ‬انطلق‭ ‬التخطيط‭ ‬لها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمنطقتنا‭ ‬الإفريقية‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬سنة‭ ‬1945‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬سعيا‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬مستعمراتها‭ ‬حديثة‭ ‬الاستقلال‭. ‬حيث‭ ‬تعتبر‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬أن‭ ‬العمق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬بما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬متعددة‭ ‬وهامة‭ ‬وأسواق‭ ‬لمنتوجاتها،‭ ‬يمثل‭ ‬بعدا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬لمستقبلها‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭ ‬العظميتين‭ ‬الأمريكية‭ ‬والسوفياتية‭. ‬

على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬بينت‭ ‬الأبحاث‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السياسية‭ ‬والتاريخية‭ ‬التي‭ ‬عرضنا‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬أسبوعية‭ ‬الشارع‭ ‬المغاربي‭ ‬عدد‭ ‬372‭ ‬بتاريخ‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أكاديمي‭ ‬للمؤرخين‭ ‬السويديين‭ “‬بيو‭ ‬هانسن‭” ‬و‭”‬ستيفن‭ ‬جونسن‭” ‬تحت‭ ‬عنوان‭ “‬أوروبا‭-‬إفريقيا‭: ‬حول‭ ‬الأصول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬قيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬اعتمد‭ ‬ضرورة‭ ‬استرجاع‭ ‬المستعمرات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬لأعضائه‭ ‬مثلما‭ ‬تم‭ ‬تثبيته‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬معاهدة‭ ‬روما‭ ‬لسنة‭ ‬1957‭.‬

كيف‭ ‬دمر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬واستدرج‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬مديونية‭ ‬مفتعلة‭ ‬

من‭ ‬المهم‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬التونسية‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬المخطط‭ ‬الأوروبي‭-‬الفرنسي‭ ‬لإعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مستعمراتها‭. ‬وللتغطية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬تم‭ ‬استنباط‭ ‬برنامج‭ ‬مشاريع‭ ‬شراكات‭ ‬واهية‭ ‬وغير‭ ‬متكافئة‭ ‬تم‭ ‬تدوينها‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬معاهدة‭ ‬روما‭ ‬بتاريخ‭ ‬25‭ ‬مارس‭ ‬1957‭. ‬حيث‭ ‬سارعت‭ ‬فرنسا‭ ‬بإدماج‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬المجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الست‭ ‬الأولى‭ ‬والتنصيص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬قيام‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬بلدان‭ ‬منطقة‭ ‬الفرنك‭ ‬الفرنسي‭ ‬التي‭ ‬تضمّ‭ ‬أساسا‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغرب‭ ‬ووسط‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭). ‬

لذلك‭ ‬سارعت‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بنشر‭ ‬عدة‭ ‬قوانين‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭. ‬من‭ ‬بينها‭ ‬القانون‭ ‬عدد‭ ‬90‭ ‬لسنة‭ ‬1958‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬سبتمبر‭ ‬1958‭ ‬المتعلق‭ ‬بإنشاء‭ ‬وتنظيم‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭. ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬القانون‭ ‬الخاص‭ ‬بسن‭ ‬الدينار‭ ‬التونسي‭ ‬لتعويض‭ ‬الفرنك‭ ‬الفرنسي‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬غرة‭ ‬نوفمبر‭ ‬1958‭ ‬طبقا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬109‭-‬58‭ ‬الصادر‭ ‬في18‭ ‬أكتوبر1958‭ . ‬واختُتمت‭ ‬بنشر‭ ‬قانون‭ ‬بتاريخ‭ ‬30‭ ‬ديسمبر‭ ‬1958‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدينار‭ ‬التونسي‭ ‬فك‭ ‬الترابط‭ ‬مع‭ ‬الفرنك‭ ‬الفرنسي‭ ‬وهي‭ ‬خطوة‭ ‬واضحة‭ ‬لسحب‭ ‬البساط‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬خططت‭ ‬له‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬معاهدة‭ ‬روما‭.      ‬

ولكن‭ ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الاحتياطات‭ ‬التي‭ ‬اتُّخذت‭ ‬تحت‭ ‬زخم‭ ‬نشوة‭ ‬الاستقلال‭ ‬والحرية،‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬الطرف‭ ‬الأوروبي‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬فرنسا‭ ‬باستدراج‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬إلى‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجديد‭ ‬منذ‭ ‬أواسط‭ ‬الستينات‭ ‬والتي‭ ‬تُوّجت‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬اتفاق‭ ‬شراكة‭ ‬مع‭ ‬المجموعة‭ ‬الأوروبية‭ ‬سنة‭ ‬1969‭. ‬وقد‭ ‬تزامن‭ ‬هذا‭ ‬التوقيع‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لتجربة‭ ‬الآفاق‭ ‬العشرية‭ ‬وعزل‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬صالح‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬الهامة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1961‭ ‬والتي‭ ‬أسست‭ ‬لمشروع‭ ‬تنموي‭ ‬وطني‭ ‬هام‭. ‬

‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التقديم‭ ‬التحليلي‭ ‬لمجريات‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬وطننا‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬والذي‭ ‬يبين‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ترضخ‭ ‬إلى‭ ‬استعمار‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يتطلب‭ ‬تقييم‭ ‬وطني‭ ‬موضوعي‭ ‬ويستوجب‭ ‬خطة‭ ‬إنقاذ‭ ‬للبلاد‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬الخطير‭ ‬يتكفل‭ ‬به‭ ‬المسؤولون‭ ‬عبر‭ ‬دعوة‭ ‬لوحدة‭ ‬وطنية‭ ‬تجمع‭ ‬كافة‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭.  ‬

بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬ماهية‭ ‬هذا‭ ‬الاستعمار‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬تعامل‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الأجنبي‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬عبر‭ ‬تكريس‭ ‬منوال‭ ‬اقتصادي‭ ‬يعتمد‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬سياسة‭ “‬انفتاح‭” ‬عبر‭ ‬تدفق‭ ‬التوريد‭ ‬وخيار‭ ‬استقطاب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الخارجية‭ (‬فرنسية‭ ‬وإيطالية‭ ‬وألمانية‭) ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المناولة‭ ‬بأجور‭ ‬متدنية‭ ‬وبإعفاءات‭ ‬جبائية‭ ‬تامة‭ ‬وقيمة‭ ‬مضافة‭ ‬ضعيفة‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إقناع‭ ‬الحكومات‭ ‬المتداولة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬منذ‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭ ‬بالتعويل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬بصفته‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬البلاد‭ ‬والحال‭ ‬أنه‭ ‬قطاع‭ ‬تكميلي‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بهشاشته‭ ‬التي‭ ‬تتأثر‭ ‬بمفعول‭ ‬العمليات‭ ‬الأمنية‭ ‬والصحية‭ ‬وغيرها‭. ‬

وقد‭ ‬تعمقت‭ ‬أضرار‭ ‬هذا‭ ‬المنوال‭ ‬المنحاز‭ ‬للخارج‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬بتدخلات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬والذي‭ ‬استمر‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬قمة‭ “‬دوفيل‭” ‬التي‭ ‬أحبطت‭ ‬مفعول‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭. ‬كما‭ ‬تعزز‭ ‬الأثر‭ ‬السلبي‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬البلاد‭ ‬فيما‭ ‬سمي‭ ‬بالعولمة‭ ‬التي‭ ‬تجسمت‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬العالمية‭ ‬للتجارة‭ ‬والتوقيع‭ ‬بطريقة‭ ‬جبرية‭ ‬وليست‭ ‬اختيارية‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬شراكة‭ ‬غير‭ ‬متكافئ‭ ‬تم‭ ‬فرضه‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مدعوم‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬من‭ ‬مجموعات‭ ‬انتهازية‭.   .       ‬

كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لهذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬كرّست‭ ‬البطالة‭ ‬والتفقير‭ ‬وتعطل‭ ‬النمو‭ ‬وارتفاع‭ ‬المديونية‭ ‬وانهيار‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬وتدمير‭ ‬إنجازات‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬عمومية‭ ‬ومرافق‭ ‬عمومية،‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬النتائج‭ ‬كارثية‭ ‬جدا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجلى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬المتواترة‭ ‬منذ‭ ‬26‭ ‬جانفي‭ ‬1978‭ ‬وفي‭ ‬جانفي‭ ‬1984‭ ‬وفي‭ ‬الحوض‭ ‬المنجمي‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬ثورة‭ ‬17‭ ‬أكتوبر‭ ‬2010‭-‬14‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭.  ‬

حكومات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬أذعنت‭ ‬لدكتاتورية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بكل‭ ‬انتهازية‭ ‬وتجاهلت‭ ‬مطالب‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬الشغل‭ ‬والحرية‭ ‬وفي‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره

يمكن‭ ‬القول‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬أفظع‭ ‬ما‭ ‬أفضت‭ ‬إليه‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭ ‬هو‭ ‬التنكر‭ ‬التام‭ ‬لاستحقاقات‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أهم‭ ‬الأحزاب‭ ‬والشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭. ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬مشروعا‭ ‬وطنيا‭ ‬لإنقاذ‭ ‬البلاد‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬رؤيا‭ ‬جيو‭-‬استراتيجية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استثنينا‭ ‬بداية‭ ‬تبعية‭ ‬اللوبيات‭ ‬التي‭ ‬ترعرعت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬والمعروفة‭ ‬بالتحامها‭ ‬مع‭ ‬التواجد‭ ‬الأوروبي‭-‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محاور‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬وتغلغلها‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬التونسية‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬التعيينات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬بتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬وقد‭ ‬ضغطت‭ ‬بكل‭ ‬قواها‭ ‬لتأبيد‭ ‬المنظومة‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬التسعينات‭ ‬والتي‭ ‬اعتمدت‭ ‬تسريع‭ ‬تمكين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأوروبية‭ ‬وخاصة‭ ‬منها‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مفاصل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬البنكية‭ ‬منها‭ ‬والصناعية‭ ‬والخدماتية‭ ‬والتجارية‭ ‬وغيرها‭.    ‬

أما‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬أغلبية‭ ‬هامة‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬فقد‭ ‬ركنت‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬تامة‭ ‬مع‭ ‬الطرف‭ ‬الأوروبي‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬التنسيق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمكين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الشرقية‭ ‬المساندة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مفاصل‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬تجلت‭ ‬عبر‭ ‬التفويت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬المهمة‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬القطري‭ ‬مثل‭ ‬بنك‭ ‬الزيتونة‭ ‬وفروعه‭ ‬في‭ ‬التأمين‭ ‬وأسهم‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬التونسي‭ ‬القطري‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬فرع‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬الوطني‭ ‬القطري‭. ‬

في‭ ‬غمار‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬العبثية‭ ‬والانتهازية‭ ‬تحرك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬سعيا‭ ‬لتطبيق‭ ‬مخطط‭ ‬قمة‭ “‬دوفيل‭” ‬التي‭ ‬التأمت‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬أطلقت‭ ‬العنان‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬لإحكام‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬منذ‭ ‬2013‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬ذبك‭ ‬عبر‭ ‬فرض‭ ‬برامج‭ ‬تقشف‭ ‬أنهكت‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬وعطلت‭ ‬نسب‭ ‬النمو‭ ‬وعمقت‭ ‬البطالة‭ ‬والمديونية‭ ‬التي‭ ‬ارتفعت‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬منذ‭ ‬2018‭. ‬كما‭ ‬انهارت‭ ‬قيمة‭ ‬الدينار‭ ‬من‭ ‬1‭,‬9‭ ‬دينار‭ ‬لليورو‭ ‬الواحد‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬3‭,‬4‭ ‬دينار‭ ‬لليورو‭ ‬منذ‭ ‬2018‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬مما‭ ‬عمق‭ ‬المديونية‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬قرابة‭ %‬65‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬المديونية‭ ‬العمومية‭ ‬حاليا‭. ‬كما‭ ‬عمقت‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬المقيم‭ ‬والمعتمد‭ ‬دوليا‭ ‬إلى‭ ‬أرقام‭ ‬قياسية‭ ‬بلغت‭ ‬38‭,‬7‭ ‬مليار‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الوتيرة‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬أي‭ ‬بمعدل‭ ‬3‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬شهريا‭. ‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬تناسي‭ ‬استحقاقات‭ ‬غالبية‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬وخاصة‭ ‬منه‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬الهجرة‭ ‬السرية‭ ‬وهجرة‭ ‬الادمغة‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬انفصام‭ ‬كامل‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة‭ ‬والشعب‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬هذا‭ ‬الانفصام‭ ‬عبر‭ ‬تراجع‭ ‬نسب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والتشريعية‭ ‬لسنة‭ ‬2014‭.  ‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬فسح‭ ‬المجال‭ ‬للمرشح‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬بصفته‭ ‬مرشح‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬لسنة‭ ‬2019‭ ‬حيث‭ ‬فاز‭ ‬بأغلبية‭ ‬مريحة‭ ‬لعبت‭ ‬فيها‭ ‬فئة‭ ‬لشباب‭ ‬دور‭ ‬محوري‭.  ‬

في‭ ‬الأثناء‭ ‬تسارعت‭ ‬المتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأطلسية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬حدد‭ ‬لها‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي‭ ‬بمعية‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬هدفا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬يتعلق‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬لهيمنة‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬الغربي‭-‬الأمريكي‭ ‬وبعث‭ ‬وضع‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭. ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬طوق‭ ‬الشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬لوضع‭ ‬حدا‭ ‬للاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مالي‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬والنيجر‭ ‬والغابون‭ ‬والقائمة‭ ‬مرشحة‭ ‬للارتفاع‭. ‬

فهل‭ ‬ستنخرط‭ ‬تونس‭ ‬شعبا‭ ‬وسلطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬التحررية‭ ‬بصفتها‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬البلدان‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الجديد‭ ‬الفرنسية‭-‬الأوروبية‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬السبعينات‭ ‬إلى‭ ‬اليو؟‭   ‬

هل‭ ‬أسقط‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬جدار‭ ‬الخوف‭ ‬والإذعان‭ ‬لدكتاتورية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي؟

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مؤخرا‭ ‬وبصفة‭ ‬تصاعدية،‭ ‬خطوة‭ ‬نحو‭ ‬لجم‭ ‬التطاول‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬وعلى‭ ‬شعبها‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود؟

‭ ‬عدة‭ ‬مؤشرات‭ ‬تدفع‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬الافتراض‭ ‬الهام‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬مهمة‭ ‬إذا‭ ‬تجسم‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬سيادية‭ ‬جريئة‭ ‬لتخليص‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬تربع‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬منذ‭ ‬خمسين‭ ‬سنة‭. ‬وقد‭ ‬بينت‭ ‬مواقف‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مدى‭ ‬أهمية‭ ‬رفع‭ ‬التحدي‭ ‬ومدى‭ ‬تراجع‭ ‬لهجة‭ ‬التهديد‭ ‬الأوروبي‭ ‬التي‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭.‬

لقد‭ ‬بينت‭ ‬الزيارات‭ ‬المتتالية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬زيارة‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬حيث‭ ‬رفع‭ ‬أمام‭ ‬مسؤوليه‭ ‬قانون‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬لسنة‭ ‬1958‭ ‬والذي‭ ‬اعتبره‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬القانون‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬سحب‭ ‬إمكانية‭ ‬تمويل‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬مباشرة‭ ‬وبدون‭ ‬فوائد‭ ‬ولم‭ ‬بتلق‭ ‬أي‭ ‬رد‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المسؤولين‭. ‬كما‭ ‬تساءل‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬استقلالية‭ ‬مؤسسة‭ ‬سيادية‭ ‬وطنية‭ ‬تم‭ ‬بعثها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الاستقلال‭ ‬لتقوم‭ ‬بفك‭ ‬الارتباط‭ ‬النقدي‭ ‬والمالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬الذي‭ ‬جثم‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1881‭ ‬لنهب‭ ‬ثرواتها‭. ‬وقد‭ ‬طُرد‭ ‬منها‭ ‬سنة‭ ‬1956‭.‬‭ ‬غير‭ ‬انه‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬استدراج‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬عبر‭ ‬شراكات‭ ‬مزيفة‭ ‬ولوبيات‭ ‬محلية‭ ‬انتهازية‭ ‬أوصلتنا‭ ‬إلى‭ ‬مديونية‭ ‬مفتعلة‭ ‬دمرت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬المنتج‭ ‬وعطلت‭ ‬المسيرة‭ ‬التنموية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭. ‬

كما‭ ‬شملت‭ ‬زيارة‭ ‬البنك‭ ‬الفلاحي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تأسيسه‭ ‬سنة‭ ‬1959‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬بعث‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬ليكون‭ ‬سندا‭ ‬للتنمية‭ ‬الفلاحية‭ ‬والصناعية‭ ‬والخدماتية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للبنك‭ ‬وبنك‭ ‬التنمية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬التونسي‭. ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬أن‭ ‬المؤسستين‭ ‬كانتا‭ ‬مستهدفتين‭ ‬مع‭ ‬بنك‭ ‬الإسكان‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬خصخصة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬عملية‭ ‬اغتصاب‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬أي‭ ‬مباشرة‭ ‬إثر‭ ‬تدخل‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬بدفع‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رسائل‭ ‬النوايا‭ ‬المملات‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬المذعنة‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إرسالها‭ ‬إلى‭ ‬المديرة‭ ‬العامة‭ ‬للصندوق‭ ‬بتوقيع‭ ‬من‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬ووزيرا‭ ‬المالية‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬وسنة‭ ‬2016‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حكومة‭ ‬مهدي‭ ‬جمعة‭ ‬سنة‭ ‬2014‭. ‬حيث‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬ما‭ ‬سُمّي‭ “‬باللجنة‭ ‬التوجيهية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬للسنوات‭ ‬2015‭ -‬2020‭” ‬التي‭ ‬تكونت‭ ‬داخل‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬برئاسة‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬السابق‭ ‬بلجنة‭ ‬تعد‭ ‬16‭ ‬عضوا‭ ‬رسميا‭ ‬شملت‭ ‬السفير‭ ‬الفرنسي‭ ‬آنذاك‭ “‬فرانسوا‭ ‬قويات‭” ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬للخزينة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وممثل‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وجمعيات‭ ‬ضغط‭ ‬فرنسية‭ ‬ممولة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والمالية‭ ‬التونسي‭ ‬آنذاك‭ ‬وممثل‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬الأعراف‭. ‬بمعنى‭ ‬سفير‭ ‬أجنبي‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬تخطط‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬وفي‭ ‬مؤسسة‭ ‬سيادية‭…     ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الخروقات‭ ‬الخطيرة‭ ‬والموثقة‭ ‬تدل‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬الاستهتار‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬صارخ‭ ‬للسيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬وبتواطئ‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية‭ ‬التشريعية‭ ‬والرئاسية‭ ‬آنذاك‭.   ‬

لكل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬نرجو‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬المحوري‭ ‬هدفا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬طبقا‭ ‬للمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬وحق‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬ملف‭ ‬الشراكة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬سنة‭ ‬1995‭ ‬لكشف‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬المسيرة‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وحق‭ ‬المطالبة‭ ‬بتعويضات‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأضرار‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مباشرة‭. ‬

كما‭ ‬نطالب‭ ‬بكل‭ ‬إلحاح‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬مصلحة‭ ‬البلاد‭ ‬العليا‭ ‬بضرورة‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬سريعة‭ ‬لإلغاء‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬عدد‭ ‬35‭ ‬لسنة‭ ‬2016‭ ‬مما‭ ‬سيمكن‭ ‬من‭ ‬تخفيف‭ ‬ثقل‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬ملياري‭ ‬دينار‭ ‬سنويا‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬البنوك‭ ‬التجارية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬عدة‭ ‬بنوك‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬البنوك‭ ‬الفرنسية‭ ‬ويتم‭ ‬تحويل‭ ‬أرباحها‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬بالعملة‭ ‬الأجنبية‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬العناية‭ ‬برد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لقيمة‭ ‬الدينار‭ ‬بصفته‭ ‬العنصر‭ ‬المحوري‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬العجز‭ ‬التجاري‭ ‬ومن‭ ‬قيمة‭ ‬المديونية‭ ‬الخارجية‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 10 اكتوبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING