الشارع المغاربي- العربي الوسلاتي: التاريخ 13 جوان 2020.. المكان الجامعة التونسية لكرة القدم.. الزمان الساعة الثانية بعد الزوال.. والعنوان هو نهاية الآجال القانونية للترشحّ لرئاسة النادي الافريقي… قبل ذلك التاريخ كان سقف الأمنيات بالنسبة لجماهير الافريقي عاليا جدّا… وكان الجميع يمنّي النفس بالقطع مع خيبات الماضي ومع نكسات الجلسات وما أكثرها سيّما أنّ كلّ التخمينات والتسريبات حول مضمار السباق الانتخابي كانت تشي بترشّح قائمات بالجملة تستجيب للمواصفات وللتطمينات وخاصة لمتطلبات المرحلة…
وبين خطوات الكبار المتثاقلة والمتمايلة وبين تواتر الأخبار على الجهة المقابلة حيث يرابط «الصغار» ممّن يحلمون بكرسي ثابت تحت الضوء تراقصت أحلام الجماهير وتباينت على ايقاع التغيير… لكن حصل ما لم يكن بالحسبان وأسدل ستار الآجال الموعودة على حقيقة صادمة بترشّح قائمة واحدة وحيدة ويتيمة… قبل يوم أمس كثر القيل والقال… وخاض الجمع المتاخم والمرابط بالحديقة وما جاورها في كثير من الأقوال وفي بعض الأفعال… وتحدّث الجاهل قبل العاقل عن مستقبل النادي الافريقي وما ينتظره من تحديّات… بعض يغنّي على نغم رجل الأعمال المجهول خالد عقيد وعلى ثروته الطائلة… وبعض آخر يتباهى بقائمة «الكبار الذهبية» وبما تحمل من معان ومكتسبات العائلة… وآخرون اقتحموا بوّابة الغيب وخاضوا في لعبة العتمة والكواليس التي قد تصعد بنائب الرئيس… أو ربّما بالرئيس نفسه… لكن كالعادة انفضّ الجمع على عنوان العادة… قائمة واحدة ينقصها العقل والشهادة…
الانسحاب من السباق…
أكثر العناوين التي شدّت الانتباه خلال الفترة الأخيرة وتحديدا منذ اعلان الجامعة التونسية لكرة عن الاشراف على أشغال الجلسة الانتخابية للنادي الافريقي هي بلا أدنى شكّ المتعلّقة بالحزام المالي وبهيئة «الكبار» التي وقع الاعلان عنها وسط الأسبوع الماضي والمتكوّنة من أسماء وازنة سياسيا ورياضيا وحتى ماليا… مشاورات تشكيل الهيئة المزعومة قادها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد بمعيّة وزير المالية الأسبق الفاضل عبد الكافي وضمّت قامات رياضية كبيرة ومديدة على غرار فريد عباس وحمودة بن عمار وسعيد ناجي وكمال ايدير وماهر السنوسي وبدرجة أقلّ مروان حمودية ومهدي الغربي… وقد علّق الجميع آمالا كبيرا على هذه القائمة لانقاذ النادي الافريقي من أزمته الراهنة خاصة أنّ توقيت الاعلان عن ترشّح هذه الهيئة الثقيلة كمّا وكيفا تزامن مع تسريب خبر اعتزام دخول رجل الأعمال التونسي المهاجر خالد عبيد السباق الانتخابي وتعهّده بتوفير مبلغ 30 مليون دينار وإعادة النادي الى مستوى صفر ديون قبل تاريخ 4 أكتوبر القادم…
خيار اضافي رفّع من المعنويات وأعاد الفريق الى مربّع الطمأنينة بما أنّ هامش الاختيار أصبح مريحا وجمهور الافريقي سيختار رئيسه القادم من بين 3 أو 4 قائمات أو ربّما أكثر مع تواصل الحديث عن ترشّح محمد علي البوغديري ومع احتمال ترشّح اسم من الهيئة الحالية لخوض السباق الانتخابي … ولكن جرت رياح الانتخابات عكس ما تشتهي سفن الجماهير فانسحب الجميع ولم يبق سوى البوغديري وحده في سباق مجهول العواقب.
الدوافع والأسباب…
مصادر موثوق بها تحدّثت لـ«الشارع المغاربي» وأزاحت الستار والغموض عن بعض الكواليس التي رافقت انسحاب هيئة «الكبار» وتراجع رجل الاعمال خالد عقيد عن الترشّح رغم أنّ اسهمه صعدت بشكل لافت في الساعات الأخيرة. بالنسبة للهيئة الحديدية مثلما وصفها البعض لم يكتب لها ان ترى النور لأنّها لم تستطع أن تحقّق الشرط الذي تأسّست لأجله وهو توفير مبلغ 10 ملايين دينار كحدّ أدنى لدخول السباق… كلّ الأسماء مجتمعة لم تقدر سوى على تجميع 3 مليارات كان فيها النصيب الأوفر للفاضل عبد الكافي الذي نجح في تحصيل المبلغ بفضل شبكة علاقاته الواسعة… وبالنسبة للحزام المالي الذي تحدّث عنه البعض لم يكن موجودا سوى في مخيلتهم لأنّ بن عمّار وسعيد ناجي وفريد عباس لم يقدموا دعما ماليا يذكر وبالتالي حكم على الهيئة بالفشل قبل أن تبدأ وهذا ما دفع كمال ايدير ومهدي الغربي الى رفض الترشح لرئاسة الجمعية لأنّهما كانا يتوقّعان ما ينتظرهما في آخر النفق. بالنسبة لخالد عبيد فقد تمسّك بتغيير القانون الاساسي المنظّم للجمعيات قبل ضخّ أمواله في كاسة الجمعية… وتعلّل عبيد في رفضه الذي فاجأ بعض المطبّلين له بأنه ليس غبيّا حتى يلقي بأمواله في الطريق… اضافة الى أنه كان يمنّي النفس بأن يكون موضوع ترشّحه لرئاسة الافريقي حدثا وطنيا يستحق لفتة من وزارة الرياضة ومن رئاسة الحكومة… مع ذلك وعد عبيد بأن يكون داعما رئيسيا لقائمة محمد علي البوغديري وبالتالي قد يكون هو الرئيس والحاكم الفعلي في الافريقي في صورة نجاح قائمة البوغديري في الانتخابات وهذه التخمينات ستنتظر بعض الوقت للتأكّد من صحّتها.
كلّ يغني على ليلاه…
الوضعية الصعبة التي عاشها النادي الافريقي ولا يزال كانت تفترض الكثير من المجازفة والمخاطرة لأنّ الدعاء وحده لا يكفي للنجاة من الغرق ومن لا يعاند الأمواج لا يستحق الحياة… وهذا ما لم يفهمه كبار النادي الافريقي الذين تسبّبوا بأنانيتهم وبخوفهم المفرط من المجهول في مزيد تعقيد الأمور… ودون الخوض في تركيبة قائمة «الكبار» وما كان يتهدّدها من تشويش متعمّد بسبب وجود أسماء غير متجانسة وغير متناغمة ساهمت عديد العوامل والدوافع الشخصية في تغيير كل الموازين والمعطيات وجعلت القائمة تموت في المهد قبل الولادة… الأمر يتعلّق بحسابات شخصية ضيّقة وبمصالح حزبية طغت على كلّ المشاورات التي انطلقت فور الاعلان عن تشكيل القائمة… الحديث يهمّ على وجه الخصوص الاسم الابرز في جولة المحادثات ونعني الفاضل عبد الكافي الذي رفض المجازفة بمستقبله السياسي حيث اعتبر ان فشله على رأس النادي الافريقي قد يعيده الى مربّع الصفر وينهي حياته السياسية وهي في مقتبل العمر… تماما مثلما هو الحال بالنسبة لكمال ايدير الذي قال ان الظرف الحالي لا يشجّع على النجاح وأنه غير مستعد للمغامرة باسمه وبسمعته وبنجاحاته السابقة دون توفير ضمانات مادية كافية لتحمّل المسؤولية… ايدير خسر الانتخابات البلدية وهو غير مستعد ليخسر ما بقي من اسمه ومن السمعة التي حققها عندما كان رئيسا ناجحا للإفريقي ذات يوم… وقد أسرّ لبعض مقرّبيه بأنه بصدد بناء مسيرة سياسية شاقة تستحق الكثير من الثبات وبأنه غير مستعد لخسارة ما بنى بسبب وعود لا تسمن ولا تغني من جوع. في المقابل استغل البوغديري هذه المخاوف ليخرج سالما غانما من بين الانقاض وليكون هو العنوان الرئيسي في الفترة القادمة على غرار ما قام به عبد السلام اليونسي ذات يوم… والبوغديري لا يلام على صنيعه فهو محبّ غيور للافريقي وجازف اليوم بدافع هذا الحبّ فهو «داخل في الربح وخارج من الخسارة» وهذا تكتيك الوافدين حديثا على عالم التسيير الرياضي حيث تغري الكراسي أصحابها أكثر من التفكير في الديون والمشاكل والأزمات وفي ردّ فعل الجمهور الذي قد لا يكون مسرورا جدّا بقائمة أهمّ اسم فيها مازال «نكرة» في دفاتر الرؤساء.
«شيوخ الفتنة»…
بعيدا عن الخوض في الجوانب القانونية وما قد تحمل الايام القادمة من مفاجآت وتقلبات لفائدة محمد علي البوغديري فإنّ وصول قائمة واحدة الى سباق الجلسة الانتخابية للنادي الافريقي يرأسها مسيّر شاب يحمل في طياته جملة من الرسائل الصادمة أهمّها بكلّ تأكيد هو نهاية أسطوانة كبار النادي التي طبقت على أنفاس الجمعية منذ سنوات طويلة… بالأمس تأكّدت تلك الحقيقة التي يتجاهلها البعض لتنتهي الى الابد «فزّاعة» كبار الجمعية الذين يشكّلون أساس ثباتها واستقرارها…» شيوخ الفتنة» الذين يفتون بالفشل قبل وقوعه ويرجمون الحقّ بالباطل لن يكون لهم مكان مستقبلا في الجمعية لأنهم تخلّوا عنها عندما كانت في أمس الحاجة اليهم… هربوا وولّوا الدبر لأنهم خافوا على مصالحهم الشخصية وعلى مسيرتهم السياسية غير عابئين بما خلّفوا من دمار داخل أسوار الجمعية… عندما كان سليم الرياحي رئيسا للنادي الافريقي لم يترك «شيوخ الفتنة» بصغيرهم قبل كبيرهم الفريق دون الزجّ به في لعبة الحلال والحرام… أفتوا في كلّ شيء… في الصفقات واللطخات وفي المال الفاسد وفي التبييض وفي التسييس… تحدثوا عن النسب وعن أبناء النادي الحلال وعن غرباء الدار الى أنّ فرّ الرياحي خارج الديار… ثمّ تواروا كعادتهم عن الأنظار وتركوا مكّة لشعبها العظيم ولهيئة تسييرية امتهنت التقييم و»التفليم»… وبوصول عبد السلام اليونسي الى كرسي الرئاسة عادوا للنفخ في رماد الفتنة ففتحوا ملفّات قديمة وكادوا المكائد ونصبوا المشانق حتى نادى الجميع بشرعية الجلسة الانتخابية وعندما آن أوانها هجروا مكّة كالعادة وتركوا البوّابة مفتوحة لأيّ عابر سبيل جديد… ثمّ سيعودون مباشرة بعد انتهاء مراسم تنصيب الرئيس الجديد لممارسة طقوس التنظير والتنبير أملا في العثور على كرسي شاغر في أعقاب التغيير… وسيبقى الحال في الافريقي كما هو عليه الآن رهين أطروحات النقد… النقد الذي يُنقذ من الديون… والنقد الذي يتلاعب بالعقول وتتوارثه أجيال وأجيال… مشكل النادي الافريقي على مرّ السنين لم يكن غياب المال بل كان في انحراف أبنائه وفي نفاق وشقاق كباره… مشكلة الافريقي كانت ولازالت عقلية الغنيمة التي تسكن مسؤوليه وثقافة «البلدية» التي عشّشت في فكر مؤسسيه… المشكل في النادي الافريقي هو تناحر وتقاتل أولاده الحلال لأجل الكراسي والمناصب ويكفي إلقاء نظرة على الجرائد والإذاعات والتلفزات وسماع ما يصدر من تصريحات لفهم ما الذي أوصل الافريقي الى هذه النهايات.
صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ 14 جويلية 2020