الشارع المغاربي: شكلت «خرجة» رئيس الجمهورية التي اصبحت معتادة الى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة نهاية الاسبوع المنقضي فرصة للرد على مسألتين كانتا محل نقاش واسع في الساحة السياسية .الاولى تتمحور حول تصريحات مستشاره وليد الحجام حول امكانية تعليق العمل بالدستور وتغيير النظام السياسي والمسألة الثانية تتعلق بالتشكيل الحكومي الذي طال انتظاره مع اقتراب انقضاء الشهر الثاني منذ ما بات يسمى بإعلان 25 جويلية 2021.
بات جليا من خلال كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد الاخيرة من امام وزارة الداخلية ان حالة تردد سادت القصر الرئاسي وقد تكون تعززت مع المواقف في الداخل والخارج وما اتسمت به من حدة ومن رفض لأي توجه احادي مناف للصيغ التشاركية لاسيما في ملفات مصيرية ومحددة على غرار تعليق العمل بالدستور واعادة البناء الديمقراطي.
فالرئيس الذي قال صراحة انه لا يزال يبحث ويدرس «الترشيحات» للمناصب الحكومية حتى لا يسقط مثلما حصل في السابق في سوء الاختيار، اكد من حيث لا يعلم انه بلا خارطة طريق وان مشروع التخلص من «المنظومة» كان الحل بالنسبة اليه دون ادراك ربما أن هدما دون بناء يعني خرابا مع مرور الوقت.
هذه القراءة اصبحت تقريبا سائدة لدى جل الفاعلين الذين انقسموا الى شقين: شق يعارض مسار 25 جويلية وانتقلوا من البيانات وحث «الخارج» على التدخل لإعادة المسار الديمقراطي وتوقيع العرائض الى الدعوة للنزول للشارع وشق ثان يساند المرحلة الجديدة بعنوان «تصحيح المسار» على قاعدة اجرائية دستورية صلبة بعيدا عن المغامرات غير محمودة العواقب ويرفضون تهميشهم ويبحثون عن موقع «المعاضد» للرئيس على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل وحزبي التيار والدستوري الحر.
لكن مع المخاوف من الانزلاق نحو المجهول بما يعني اجهاض فرصة تاريخية للانقاذ، ورغم تعدد محاولات «مد اليد للرئيس» لاخراجه من مأزق دستوري، لا يزال سعيد في «كوكب ٍآخر» مثلما قال عن نفسه ذات يوم، مواصل في منهج الغموض والتردد وعدم المبالاة بالوقت الذي مكن خصومه من اعادة رص صفوفهم والتعويل على اخطائه لإعادة التموقع.
صون الامانة
نشرت قناة سكاي نيوز الحاضرة بـ«الصدفة» في مختلف الانشطة غير المعلنة لرئيس الجمهورية، مقالا حول الشخصيات الاقرب لترؤس الحكومة. القائمة ضمت الثلاثي حكيم بن حمودة وزير المالية السابق في حكومة المهدي جمعة ونزار يعيش وزير المالية السابق في حكومة الياس الفخفاخ ومروان العباسي محافظ البنك المركزي.
اكتسى تسريب القناة نوعا من المصداقية بالنظر الى قربها من رئاسة الجمهورية، وكانت النتيجة هجمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الثلاثي المذكور بدرجات متفاوتة، بما جعل التسريب وكأنه عملية ممنهجة لإزاحتهم من طريق شخصية اخرى هي المحبذة ربما لمحيط الرئيس حتى تكون على راس الحكومة المرتقبة.
وبما ان الثلاثي هم رجال اقتصاد وما يعني ذلك من انهم «البروفيل» المطلوب من شركاء تونس والمطلوب خاصة في مرحلة صعبة على المستويين المالي والاقتصادي، وبعد ما تعرضوا له من سحل «فايسبوكي» منظم فان «البديل» لن يكون الا شخصية «قيسية» بحتة وهو معيار التعيين وتولي المنصب في عهد ما بعد 25 جويلية.
هذا يحيل الى «توفيق شرف الدين» وزير الداخلية في حكومة المشيشي الذي اقيل بعد سلسلة تعيينات شملت اهم المراكز صلب الوزارة ، تم تعيينه بعدها على راس الهيئة العليا لحقوق الانسان بامتيازات وزير . وخلال الفترة الوجيزة التي اشرف فيها على وزارة الداخلية كان شرف الدين يتصرف كرئيس حكومة وقد يكون «وُعد» او «طُلب» منه التصرف على هذا الاساس خاصة ان المشيشي وضع منذ ذلك التاريخ على قائمة المغادرين.
والمعلوم ان شرف الدين هو محام «مغمور» قادته «العلاقات» الى اهم المناصب في السلطة كحال العديد من المسؤولين بعد الثورة. الرجل كان رئيسا للحملة التفسيرية لقيس سعيد في الانتخابات الرئاسية الاخيرة وهو ايضا قريب من عائلة الرئيس من جهة وقريب من «شعب الرئيس» من جهة اخرى باعتباره كان ناشطا معهم ولا يُصنف بالتالي في خانة «الوافدين الجدد».
وزادت تصريحات قيس سعيد التي ادلى بها نهاية الاسبوع المنقضي من شارع الحبيب بورقيبة في توضيح التمشي الذي اتخذه في «كاستينغ» اختيار رئيس الحكومة الذي اعتمد فيه على التجارب السابقة وعلى قاعدة «صون الامانة». وفي الحقيقة لا يمكن تقييم اختيارات سعيد معاضديه بأي توصيف بخلاف الفاشلة بدليل كم الاقالات والتغييرات غير المسبوقة التي اقرها في ظرف وجيز والتي شملت 3 وزراء دفاع ووزيري خارجية ورئيس حكومة وتقريبا كامل فريقه الاستشاري علاوة على سفراء. والاغرب اقالة مدير عام وحدات التدخل بعد 5 ايام فقط من تعيينه في منصبه.
وكان قيس سعيد قد اكد في تصريح للقناة الوطنية ولقناة سكاي نيوز الاماراتية انه سيعلن عن التشكيل الحكومي في اقرب الآجال وان مرد التأخير سعيه لـ«اختيار الاشخاص الذين لا تشوبهم شائبة» مشددا على انه كان في جلسة عمل خصصت لاختيار والبحث عن «اعضاء حكومة يشعرون بثقل الامانة «لا يفترشون الارض ويلتحفون السماء ولا يخونون العهد الذي سيعاهدون عليه».
جنرال ضمن فريق مصغر
يحاول العديد من الناشطين من قطاعات مختلفة التقرب من رئاسة الجمهورية منذ التطورات التي عرفتها البلاد باعلان تفعيل الفصل 80 من الدستور واتخاذ جملة من التدابير الاستثنائية . الامر لا يتعلق بأصحاب المواقف المبدئية المساندين لمسار 25 جويلية وخاصة ممن يرون فيه مسار انقاذ تقوده شخصية نزيهة رفضت اية تحالفات او تسويات مع «المنظومة» وانتهت باتخاذ اجراءات «تاريخية» لم يجرؤ على اتخاذها اي شخص من قبله ممن تبوّؤوا طبعا مسؤوليات عليا في الدولة.
للحالمين بالتموقع في منظومة الحكم الجديدة نُقدم شهادة شخصية محترمة تم الاتصال بها لتولي منصب وزاري. انطلق الامر باتصال هاتفي من رئاسة الجمهورية منذ شهر ونصف تقريبا (بداية شهر اوت). طُلب من هذه الشخصية اعداد مشروع متكامل ورؤية حول وزارتين مرفوق بسيرة ذاتية مفصلة والتواصل مع الرئاسة حال اتمامه.
يقول المصدر لـ«الشارع المغاربي» انه أتم الملف كاملا مثلما طلب منه وانه تلقى عند اعلام الرئاسة بذلك طلبا مستعجلا للحضور. بعدها بيوم كانت هذه الشخصية في الرئاسة والتقت بمستشار غير معروف للعموم (نتحفظ على ذكر اسمه) الذي جمعته به جلسة وصفها المصدر بـ»المطولة» وابرز انه تلقى خلالها العديد من الاسئلة حول مسيرته وايضا حول ارتباطاته السياسية السابقة او نشاطاته في الجامعة وفي فترة ما بعد الثورة.
24 ساعة بعد اللقاء الاول كان لهذه الشخصية لقاء ثان مع فريق مضيق لقيس سعيد (هكذا وصفه المصدر) قال انه يضم جنرالا من الجيش وان النقاش تمحور حول الوزارتين والمشروع الذي قدمه بخصوصهما بالاضافة الى اسئلة اخرى متفرقة يبدو انها كانت تهدف لنحت صورة واضحة حول هذا المرشح لنيل حقيبة وزارية .وقبل انتهاء الجلسة حاول ضيف القصر معرفة من سيكون رئيس الحكومة فكانت الاجابة ، يقول المصدر سريعة وباقتضاب «ستعلم في الوقت المناسب».
واكد المتحدث انه غادر القصر الرئاسي بنفس الحفاوة التي استٌقبل بها وهو خالي الذهن من اتصال جديد ودون ان تكون له اية فكرة عن «الفريق المضيق الذي التقاه» او عن صفاتهم بالتدقيق او طبيعة المهام الموكولة اليهم، حسب روايته.
وقال انه فوجىء بعدها بأسبوعين باتصال هاتفي من «والي الجهة» الذي اكد له انه محل بحث امني لـ«التثبت من خلو السيرة» وانه علم في نفس الفترة انه «تم التقصي بشأنه في الحي وبين اقاربه واصدقائه ولدى مختلف الاجهزة والهياكل التي نشط فيها او كان له فيها موقع ما» . اما عن كيفية اختياره والاتصال به، فيجيب المتحدث بان مواقفه وأنشطته في جهته وفي «مواقع التواصل الاجتماعي» قد تكون وراء ذلك.
هذه الشهادة تكشف اولا ان رئيس الحكومة القادم لن يختار فريقه وتعكس ثانيا مخاوف جدية لدى الرئيس من سوء اختيار معاضديه في المرحلة القادمة ، وهو الذي انقلب عليه هشام المشيشي الذي اختاره لرئاسة الحكومة وعينه قبلها مستشارا ثم وزيرا للداخلية وهو ايضا من كان وراء تعيين «مصطفى العروي» وزيرا للبيئة في حكومة المشيشي الموقوف منذ يوم 20 ديسمبر 2020 في ما يعرف بقضية النفايات الايطالية. وقيس سعيد هو من عين الياس الفخفاخ الذي انتهى به الامر الى الاستقالة بسبب شبهة تضارب مصالح وملفه مازال لليوم تحت انظار القضاء واخيرا وليس اخرا قيس سعيد هو الذي عين مدير عام وحدات التدخل المتهم في عدد من قضايا شهداء وجرحى الثورة في تالة والقصرين واكدت النائبة ليلى الحداد انه متهم بالمشاركة في القتل.
قد يكون قيس سعيد فهم الدرس واصبح حريصا اكثر على حسن الاختيار في فترة سيتحمل فيها لوحده مسؤولية النجاح والفشل في مسار انطلق برفض قبول وزراء التحوير الوزاري لأداء اليمين الدستورية بسبب شبهات فساد تلاحق عددا منهم.
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” بتاريخ الثلاثاء 14 سبتمبر 2021