الشارع المغاربي- منير السويسي*: أكثر من 19 طنا من الذهب تم تهريبها من تركيا إلى تونسبين سنتيْ 2012 و 2014 ، وأكثر من 29 مليارا من المليمات قيمةُ الذهب الذي حجزته الديوانة التونسية عاميْ 2016 و 2017 ، أرقام حول “تهريب” الذهب وردت في أول “تقييم” رسمي تونسي لمخاطر “غسل الأموال وتمويل الإرهاب” في تونس.
قدّرت “اللجنة التونسية للتحاليل المالية” التّابعة للبنك المركزي التونسي، في تقرير بعنوان “التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب” كمّية الذهب التي تمّ تهريبها من تركيا باتجاه تونس بين 2012 و 2014 )أي خلال فترة حكم “الترويكا” بقيادة “حركة النهضة”( بأكثر من 19 طنا.
وفي هذا التقرير، أوردت اللجنة أنّ “مسالك تهريب الذهب بن تركيا وتونس جدّ نشيطة وأن الأرقام تفيد بأنه بين سنتي 2012 و 2014 ، تُقدَّرُ قيمة الذهب الذي تمّ توريده خلسة إلى تونس ب 19 طنا و 400 كلغ” أي ما يعادل، تقريبا، ثلاثة أضعاف احتياطي تونس الحالي من هذا المعدن النفيس.
وقالت إن “كميات هامة (من الذهب) متأتّية من دول الجوار وأنه يتمّ ترويجها بتونس” لافتة إلى “استغلال تونس كبلد عبور لكميات هامة من معدن الذهب في اتجاه تركيا و دول آسيوية بغرض تصنيعها )هناك( وإعادتها عبر تونس إلى دول الجوار” في إشارة إلى ليبيا والجزائر.
وتعتبر الجزائر “سوقا زاخرة بالنسبة لتركيا وايطاليا، فالجزائريون يشترون المصوغ من هذين البلدين، ويكون دخول البضاعة من ليبيا مرورا بتونس بطرق غير مشروعة” حسب “المجمع المهني للمصوغ” التابع ل “كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (CONECT).
وخلال سنة 2016 فاقت القيمة المالية لكميات الذهب التي حجزتها مصالح الديوانية التونسية 13 مليارا و 873 ألف دينار من المليمات، مقابل أكثر من 15 مليارا و 387 ألف دينار من المليمات سنة 2015 ، وفق إحصائيات الديوانة التونسية.
“استغلال قطاع الذهب في غسل الأموال”: مستوى المخاطر “مرتفع”
نبّهت اللّجنة إلى المستوى “المرتفع” لمخاطر وتهديدات “استغلال قطاع الذهب في غسل الأموال” بتونس خصوصا في ظل “الوضع الجغراسياسي الذي تمر به منطقة شمال إفريقيا والشرق الوسط، وتفشّ التهريب وعبور كميات هائلة من الذهب مقارنة بمستوى احتياطي الدولة (التونسية) من الذهب”.
وفسّرت ارتفاع مستوى المخاطر والتهديدات المذكورة ب”عدم الإلمام (في صفوف المهنيين التونسيين) بالواجبات المحمولة على تجّار المصوغ والمعادن النفيسة من حيث وضع برامج وتدابير تطبيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، و”انعدام إجراءات متابعة وترصّد العمليات المشبوهة والتصريح بها” و”انعدام مستوى التدابير التي من شأنها التحقّق من هوية المستفيد الفعلي” من عمليات بيع وشراء الذهب.
كما فسّرته بـ”أهمية العمليات التجارية (بيع وشراء الذهب) المنجزة ‘نقدا’ (cash) مما يعيق محاولة تتبع مصدر الأموال”، و”انعدام التصاريح من قبل تجار المصوغ”، و”صعوبة الرجوع إلى أرشيف العمليات المنجزة”، كل ذلك في ظل “سوء تنظيم المهنة وعدم نجاعة آليات الرقابة على قطاع الذهب”.
ولاحظت اللجنة أنه على الرغم من أن القانون عدد 15 لسنة 2005 المنظم لهذه المهنة يلزم “التاجر أو الحرفي” بأن “يوفّر للحريف فاتورة مفصّلة تتضمن خصائص قطعة المصوغ (الوزن و العيار…) ومصدر السِّلع” وأن “يُسجّل (الفاتورة) بدفتر محاسبي للمواد يتم تذييله من طرف مصالح وزارة المالية”، “فإنّه وحسب مخرجات التحريات العدلية لجهات إنفاذ القانون لا يتم احترام هذه الإجراءات”.
حوالي 7 أطنان، احتياطي تونس من الذهب
فاقت كميات الذهب التي احتكم عليها المهربون في تونس منذ 2011 وحتى اليوم، كمية احتياطي الدولة التونسية من هذا المعدن النفيس. وقدّر “مجلس الذهب العالمي” ( World Gold Council ) احتياطي
الدولة التونسية من الذهب (المودع بالبنك المركزي التونسي) بحوالي 6 أطنان و 800 كيلوغرام وذلك إلى حدود شهر مارس 2017 .
ووفق المجلس، تحتل تونس المرتبة 178 دوليا و 12 عربيا من حيث حجم احتياطي الذهب، في حين تحتل الجزائر المرتبة 25 دوليا والثالثة عربيا بأكثر من 173 طنا، وليبيا المركز 31 دوليا والرابع عربيا بأكثر من 116 طنا. أما تركيا التي تملك أكثر من 516 طنا (أي أكثر من احتياطي تونس وليبيا والجزائر مجتمعة) فجاءت في المركز ال 12 عالميا.
توريد الذهب صلاحية حصرية للبنك المركزي
من الناحية القانونية يُعتبر البنك المركزي التونسي الجهة الوحيدة على المستوى الوطني المخول لها توريد الذهب المعدّ للصناعيين وتوزيعه على “التعاضديات” المهنيّة. وتنحصر مهام البنك المركزي في شراء الذهب الخالص، سواء باستيراده أو اقتنائه من وزارة المالية، وتوزيعه شهريا على “التعاضديات” في آجال مضبوطة وعلى أساس مستندات رسمية مختومة.
وحسب البنك المركزي، يوجد في تونس 400 “متعاضد” مهمّتهم “تسلّم الذهب الخام” من البنك المركزي (المقر الرئيسي في العاصمة، وفرعيْ البنك في سوسة وصفاقس) و”توزيعه على الحرفيين لتصنيعه”.
ويحدّد البنك المركزي سعر بيع الذهب إلى التعاضديّات على أساس سعر الذهب النافذ في السوق العالمية وسعر صرف الدولار مقابل الدينار. ويبلغ عدد الحرفيين في قطاع الذّهب في تونس اليوم حوالي 6000 “نصفهم فقط يعملون في إطار منظم والبقية مهمّشون” وفق البنك المركزي.
“تفشي الغش”
وصفت لجنة التحاليل المالية قطاع الذهب والمصوغ بأنّه “من بين القطاعات الأكثر تعقيدا في تونس نظرا لكثرة المتداخلين فيه بين حرفيين ووسطاء من أصحاب رؤوس الأموال وصناعيين وتجار”. وتقول اللجنة: “يشكو هذا القطاع من العديد من المشاكل المرتبطة بتفشي الغش (..) من ذلك تفشي ظاهرة خلط الذهب بالنحاس والحديد وبمعادن أخرى على غرار السليكون لصنع مصوغ يُعرَض للبيْع على أنّه من الذهب الخالص، بالإضافة إلى تواتر تدليس وافتعال القضايا المتعلقة بالطابع الرسمي التونسي للذهب”.
ولاحظت أن قطاع الذهب في تونس شهد في السنوات الأخيرة “أزمات متتالية”، أرجعتها بالخصوص إلى التهريب والتجارة الموازية وتقلبات سعر الذهب وإجراءات التزود بالذهب وتمويل نشاط أصحاب المهنة.
————–
*رئيس “منتدى تونس للصحافة والنفاذ إلى المعلومات”.