الشارع المغاربي-حوار- كوثر زنطور-نقل- أماني الخديمي: اعتبر محمد عبو الناشط السياسي والوزير السابق أنّ حلّ قيس سعيّد رئيس الجمهورية البرلمان يوم 30 مارس المنقضي «انقلاب» وأنّه «لا علاقة لعملية الحلّ بالدستور» مشيرا في حوار مع «الشارع المغاربي» الى أنّه كان بإمكانه حل البرلمان دون الخروج عن الدستور مبرزا أنّ مشكلة تونس تتعلّق بفرض القوانين لا بالحوارات منتقدا تغيّرات مواقف سعيّد وعدم مرونته .
اللقاءات الأخيرة لرئيس الجمهورية مع ممثلين عن كبريات المنظمات الوطنية هل ترى انها تؤسس لارساء مبدإ التشاركية ومراجعات في مسار ما بعد 25 جويلية عبر الحوار وان كنت من معارضيه (الحوار) سابقا ؟
بخصوص الحوار، نرى ونحن نتابع مسار قيس سعيّد الكثير من التغيّرات في المواقف، وليست هذه المرّة الأولى التي يُطرح فيها التفاوض مع الاتحاد، ثمّ يتراجع، ثم تأتي مبادرة أخرى ويقول نعم ثم يرفض.. مواقفه (سعيّد) غير واضحة، والثابت أنّه يتصرف بشكل غير قابل لأيّة مرونة.
حتى مع التطورات الاخيرة على المستويين الدولي والداخلي واحتدام الأزمة المالية والاقتصادية ألن يعدّل ذلك في بوصلة الرئيس؟
وفقا لما فهمت في الأشهر الفارطة فإنّ سعيّد غير قادر على حُسن تقدير المخاطر… هل تَغيّر في هذه اللحظة؟ لا أعرف ووفق مساره لا يمكننا الوثوق في أنّه تَغيّر. ثمّ ما الغاية من الحوار؟ هو أعلن عن تفعيل الفصل 80 على أساس اعادة السير العادي لدواليب الدولة واستنادا لخروج صنف من المواطنين والكثير منهم من السياسيين عن القانون وهناك جانب آخر يتعلق بجائحة كوفيد-19 …هذه الأسباب الرئيسية المتعلقة بـ 25 جويلية 2021 … لم يتجه نحو فرض القانون على الجميع، بل توجه نحو الشعبوية والشعارات الفضفاضة ولم يفتح ملفات الفساد السياسي وبعد ذلك انتقل إلى ما أسميناه «انقلابا»، وأعتقد أن كل مختص في القانون يقول إن هذا انقلاب على الشرعية.. دستور جديد واستشارة ومشروع يتمّ عرضه على استفتاء وانتخابات… كل هذا انقلاب على الشرعية وعلى الدستور. التساؤل هو هل لرئيس الجمهورية قابلية للتراجع؟ لأنّ الحوار يقتضي قابلية الشخص للتراجع… وفق معرفتي بقيس سعيد لن يتراجع إلاّ بعد خرابها.. أقول هذا على مسؤوليتي.
ما هي شروط النجاح لتجنّب الخراب بخلاف الحوار باعتبارك من رافضيه؟
أنا لم أدعُ إلى حوار ولا أرى أنّ مشكلة تونس تتعلّق بالحوارات بل تتعلق بفرض قوانين.. هل سيطرح قيس سعيّد اليوم في الحوار مسألة إمكانية التراجع عن مساره الانقلابي؟ لا أتصور ذلك.. أتصور أن تشارك في الحوار بعض الأطراف التي تورطت بطريقة من الطرق وارتبطت مصالحها بالفساد… دخلنا في مرحلة العبث ويمكن للحوار أن يكون مقبولا في حالة واحدة هي استعداد كلّ الأطراف للتراجع وخاصة الطرف الممسك بالسلطة اليوم عن طريق القوة وخارج الشرعية وهو قيس سعيد والمطلوب منه باعتبار أنه فشل في إجراءات الفصل 80 خلافا لما يعتقد الكثير من التونسيين هو إنهاء هذه الإجراءات… وطبقا لدستور 2014 هناك سيناريو للوصول إلى انتخابات تشريعية في أقرب وقت. حلّ البرلمان الذي قام به هو انقلاب ولا علاقة لهذه العملية بالقانون.. القرار نُفّذ بقوة السلاح.
مجلس الأمن القومي هو من قرّر حلّ البرلمان بعد اجتماع مطول وبعد التداول في مخاطر تهدّد الدولة ولخصها رئيس الجمهورية الذي قال إن البلاد عاشت محاولة انقلابية فاشلة؟
ليس لمجلس الأمن القومي صلاحيات تقريرية… لا آخذ ما يقوله سعيّد على محمل الجد منذ مدة لأنّه ليس لما يقول أية قيمة قانونية أو أمنية، يعني بكل وضوح لا توجد مسألة تدعى حلّ البرلمان طبقا للدستور بل هناك حل البرلمان طبقا لمنطق القوة… هذا هو الموجود. قيس سعيد كان قد قال قبل 24 ساعة إنّه لن يحلّ البرلمان باعتبار أنّ الدستور يمنع ذلك، ثمّ قام بحلّه في اليوم الموالي استنادا إلى الفصل 72… هذا عبث في حقيقة الأمر ولا يحتاج تحليلا… هذه عملية خارج الشرعية يستند فيها فقط إلى القوة والإجراءات لا هي شرعية ولا قانونية… كان يمكن أن يتم حلّ البرلمان منذ أشهر في إطار الدستور وإلى الآن لو تراجع سعيد ولا أعتقد أنّه سيفعل يمكنه حل البرلمان طبقا للدستور والتوجه نحو انتخابات تشريعية سابقة لأوانها ونبقى دائما في إطار الشرعية وتُبقي للدولة على الأقل على الحد الأدنى من المصداقية حتى يتم إصلاحها. اليوم حتى الحدّ الأدنى من المصداقية مفقود والثقة في المستقبل وفي الاقتصاد أيضا مفقودة… كنت ممن حرضه على اتخاذ إجراءات 25 جويلية على أساس أننا كنّا في منظومة معينة لا يمكن أن تتقدم بتونس لا اقتصاديا ولا اجتماعيا بالنظر لسيطرة الفساد والمصالح واللوبيات وكان من المفروض أن ينهي سعيّد هذه العملية على الأقل بالإعلان عن وجود دولة.. هذا هو المطلوب منه في الفصل 80… الآن أصبحنا في وضع أسوأ حتى من منظومة حكم الفساد قبل 25 جويلية… منظومة معينة موجودة الآن لا تسمح لا بجلب الاستثمارات ولا بأية ثقة في المستقبل… حالة غموض وفوضى ستتسبب في مشاكل للمالية العمومية وفي مشاكل اقتصادية واجتماعية، وربما في تحركات في الشارع وفوضى.
ما تعليقك على إحالة عدد من النواب ومن بينهم رئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي على القضاء بتهمة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، بعد تنظيم جلسة افتراضية برلمانية وإقرار إلغاء الحالة الاستثنائية وما ترتب عنها من إجراءات؟
كنا ننتظر بعد يوم 25 جويلية أن تتم محاكمة الكثير من السياسيين الفاسدين ومن بينهم نواب في البرلمان كانوا يختفون ويختبئون وراء حصانتهم.. هو لم يقم بذلك ولم يقدر على فتح ملفات فساد الكثير من النواب المتورطين، ولكنه قدر على توجيه تهمة لهم تصل عقوبتها الى الإعدام من أجل ما أسماه بالاعتداء على أمن الدولة الداخلي ونسب إليهم ما ننسب إليه هو جميعا وهو الانقلاب وهذا منطق غريب… يريد أن يُستعمل القضاء من طرف الحاكم.. يعني باختصار لو كان قيس سعيد في موضع قوة وهو الآن في موضع قوة مؤقتة لأمكنه أن يطبق هذا النص على خصومه ولو سقط سعيد فسيطبقون عليه نفس النص وهذا يسيء إلى القضاء التونسي عبر التاريخ.
قدم نواب بعض التفاصيل بخصوص الجلسة التي تم عقدها عن بعد يوم 30 مارس المنقضي وقالوا إنّه كان سيتم عزل رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة والدعوة لانتخابات؟
ما الذي يمنع ذلك إن خان المسؤول الأول في الدولة الأمانة وخرج عن الدستور ؟..
الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا يساند قرار حل البرلمان .. ؟
على من يريد فتح الباب لخرق القوانين اليوم ألاّ يغضب عندما تُطبّق عليه هذه العقلية… مصلحة التونسيين ككل تكمن في البقاء في حدود القانون… وفي علاقة بحل البرلمان كان هناك سيناريو من داخل الدستور يسمح بحلّه وهناك نوع من التوافق السياسي على حله، وكان بإمكان سعيد فعل ذلك ولكنه قام بحله خارج الدستور وهذا اعتداء على أمن الدولة الداخلي وأمر خطير جدا ولو تعودنا عليه فهي الطامة الكبرى.. حتى نظام الاستبداد قبل الثورة تلاعب بالقوانين ولكن لم يتم الإعلان عن أن ذلك كان خارجا عن الدستور… يعني عندما نقول إن هناك من هو ضد ومن هو مع قيس سعيد فهو معه سياسيا ويتحمل مسؤوليته ولكن قانونيا لا أعتقد أن هناك رجل قانون معه وساهم معه في هذا التوجه… فقط بعض رجال القانون الذين يرون أنّ هناك مبررا للانقلاب في تونس وهذا أمر يعنيهم.
هل من الممكن اليوم ان يتم تقديم موعد الانتخابات او تغيير الروزنامة التي أعلن عنها سعيد؟ وما هو تعليقك على مخرجات الاستشارة الوطنية؟
بالنسبة لي تمشي رئيس الجمهورية وتغيير الدستور والانتخابات أمر غير شرعي وخارج عن الدستور.. أول شيء تجب الإشارة إليه هو أن عدد المشاركين في الاستشارة صغير وفي الحقيقة حتى لو كان العدد كبيرا أرى ان ذلك يمثل أقصى درجات الشعبوية … مطالبة المواطنين الإجابة عن كلّ كبيرة وصغيرة وكأنّهم جميعا من أهل الاختصاص والسؤال بخصوص نظام سياسي رئاسي أو برلماني أو مختلط هو عملية تحيل لأنّ هناك الكثير من أصناف الأنظمة السياسية… ماذا يعني نظام مختلط؟ هل تكون فيه صلاحيات كبرى لرئيس الجمهورية؟ هذا نوع من التلاعب، تلاعب بهم قيس سعيد وحتى من هم قبل قيس سعيد عندما قالوا إن أزمة تونس هي أزمة اختيار نظام سياسي… النظام السياسي بريء ولا دخل له في حالة التخلّف التي تعيشها تونس قبل الثورة وبعدها… هناك حالة عدم وعي لدى المجتمع وحالة مصالح ولوبيات ومجموعات تصل الى الانتخابات بطريقة أو بأخرى… هذه هي الديمقراطية التونسية على الأقل في الـ11 سنة الأخيرة… لا علاقة للأمر بنظام رئاسي وبرلماني والموضوع لا يتعلق بالاختيارات الدستورية.. الواضح اليوم هو وجود تلاعب بالتونسيين.. عن أية نتيجة نتحدث بعد مشاركة 500 ألف شخص رغم إمكانية المشاركة أكثر من مرة؟
هل تتوقع إمكانية احداث تغيير في الروزنامة التي أعلن عنها سعيّد بعد حل البرلمان؟
تونس متجهة نحو المجهول ولا نتوقع شيئا ولا أعرف من يعرف سيناريو واضحا في تونس.. لا يمكن فهم أين يمكن أن يذهب قيس سعيد لأنه هو نفسه لا يعرف، ولا أدري إن كان يُقدّر المخاطر التي تتجه إليها البلاد… هذه أكثر فترة غامضة في تاريخ تونس ولا يمكن أن نتصور أو نحلّل ماذا سيحدث في الأيام القليلة القادمة.. وضع معقد جدا.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 أفريل 2022