الشارع المغاربي – محمد الشريف الفرجاني لـ"الشارع المغاربي": الإسلام السياسي لم يمت ولا يمكن أن يموت إلا عندما تهزمه قوى ديمقراطية حقيقية

محمد الشريف الفرجاني لـ”الشارع المغاربي”: الإسلام السياسي لم يمت ولا يمكن أن يموت إلا عندما تهزمه قوى ديمقراطية حقيقية

قسم الأخبار

29 يوليو، 2023

الشارع المغاربي-حاورته: عوطف البلدي: يوافق اليوم الذكرى الثانية لـ”أحداث 25 جويلية 2021″ ومغادرة حركة النهضة الحكم… مغادرة يراها أستاذ العلوم السّياسيّة والدّراسات العربيّة في جامعة ليون الثّانية محمّد الشّريف الفرجاني غير نهائية ويعتبر أن الاسلام السياسي لم يمت وأنه يمكن أن يعود . الفرجاني الذي صدر له مؤخرا عن دار نيرفانا كتاب “السياسي والديني في المجال الإسلامي” قال في حواره معنا إن  “ما قام به قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 انقلاب من نوع ما قام به لويس بوانابارت في فرنسا سنة 1852  وأنه استفاد من غضب الشعب ولفظه الإسلام السياسي وأن ذلك سهّل عليه مهمته التي تمثلت في الانقلاب على منظومة الإسلام السياسي وحلفائها.

“الشارع المغاربي” حاور الرجل حول كتابه الجديد وحول راهن تونس وواقعها السياسي  بعد مرور سنتين على مغادرة حركة النهضة الحكم وقضايا أخرى لا تقل أهمية..

قلت في حديث سابق إن الاسلام السياسي لم يمت وإنه يمكن أن يعودلو توضح قولك هذا اكثر ؟ ..  وهل ينتهى الإسلام السياسي بفعل الديمقراطية وحده مثلما ذكرت سابقا أم بحل الاشكالات الدينية بطريقة راديكالية مثلما جاء على لسان الدكتور فوزي البدوي في حوار معنا؟

 لا أدري ماذا يعني فوزي البدوي بحل الإشكالات الدينية بطريقة راديكالية. وقد بيّنت في كتابي “السياسي والديني في المجال الإسلامي” (الصادر عن دار نيرفانا للنشر بتونس)، وفي العديد من المقالات والأعمال الأخرى، كيف تم الانتقال من الأشكال القديمة لعلاقة الدين بالسياسة إلى أدلجة الدين وإلى ظهور تيارات سياسية-دينية في كل الفضاءات الثقافية، من ضمنها الإسلام السياسي الذي لا يختلف عن المسيحية السياسية ولا عن نظيرها من الحركات المنتمية لكل الأديان. وقد أبرزت العوامل التي حكمت ظهور وتطور هذه التيارات باعتبارها، كالأديان نفسها، ظواهر لا جواهر. وتباينت منذ تسعينات القرن العشرين مع من لم ينفكوا يعلنون عن فشل الإسلام السياسي، وعن نهايته أو موته، إثر ما مُنّي به من هزائم وانتكاسات في هذا البلد أو ذاك، على غرار ما شهدنا في السنوات الأخيرة في مصر وفي المغرب وتونس. وذكّرت بشروط تطور هذه التيارات، في هذا الاتجاه أو ذاك، من خلال الدراسة المقارنة لسيروراتها في مختلف الفضاءات، وليس من منطلق التنبؤات الاعتباطية بتبنّيها الديمقراطية أو بموتها. وفي هذا الإطار جاء ما قلته من أن الإسلام السياسي لم يمت ولا يمكن أن يموت إلا عندما تهزمه قوى ديمقراطية حقيقية، في مجتمع تصبح فيه الثقافة الديمقراطية سائدة، عبر مؤسسات تسهر على حمايتها من الانتكاسات ومن القوى المتربصة بها. فكيف يمكن الكلام عن موت الإسلام السياسي في أوضاع نشهد فيها شيوعيين واشتراكيين وتقدميين وديمقراطيين من كل الأوساط والتوجهات يتنافسون، لا من أجل القضاء على مقومات هيمنته في الثقافة السائدة، وإنما للتقرب منه والتمسح على أعتابه والتحالف معه، ذاهبين في ذلك إلى حد تبنّي خطابه ومواقفه ؟

ترى أن الثورات جاءت في جو غير ملائم لا للحرية ولا للديمقراطية: اليوم وبعد مرور 12 سنة على الثورة هل أصبح الجو ملائما للحرية ؟ وهل ما نعيش اليوم في تونس ديمقراطية أم مجرد ضجيج لا يؤدي إلى تأزم الديمقراطية في تونس؟

فعلا، الوضع الراهن، في تونس، كما في محيطها العربي والإفريقي والعالمي، غير موات للديمقراطية، فمنذ ثمانيات القرن العشرين يخضع تطور العالم لوطأة زواج النيوليبيرالية والثورة المحافظة، مثلما بيّنت ذلك في كتابي الصادر عن دار نيرفانا سنة 2022 (Néolibéralisme et révolution conservatrice). فالنيوليبيرالية تقوم على تقويض أسس الدولة الاجتماعية – دولة الرفاه – وما تؤمنه من حقوق وتضامنات قوامها مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتفضل الاعتماد على التضامنات التقليدية – العائلية والقبلية والعرقية والدينية التي لا مكان فيها للمساواة ولحرية الفرد أمام حقوق الجماعة عليه – لضمان السلم الاجتماعية الضرورية للاستثمار في القطاعات التي تسمح بتحقيق أوفر الأرباح في أقرب الآجال وبأقل التكاليف. وقوى الثورة المحافظة، بقدر ما تعادي مظاهر العولمة التي تقوّض مقوماتها الهووية، بقدر ما تبارك قوانين النيوليبيرالية وتسارع بتطبيقها عندما تصل إلى السلطة – على غرار ما فعل المحافظون في الشيلي ثم في أنقلترا وفي الولايات المتحدة، وحيثما انتصرت تعبيرات الثورة المحافظة – في روسيا كما في الهند أو في البرازيل وفي كل البلدان التي وصل فيها الإسلام السياسي للحكم، مستثمرا ثورة الشعوب على المآسي الناجمة عن السياسات النيوليبيرالية لتحويلها عن أهدافها الديمقراطية والاجتماعية، على غرار ما آلت إليه ثورات الربيع العربي نتيجة ضعف القوى الديمقراطية والتقدمية، ونتيجة انقسامات هذه القوى بين مؤيدين ومعارضين للتحالف مع تعبيرات للثورة المحافظة مثل الإسلام السياسي، مثلما لاحظنا ونشهد ذلك في تونس. وتبعا لمثل هذه التطورات، تحولت مسارات الانتقال الديمقراطي إلى محاولات لإرساء ديمقراطية هجينة ومشوهة قوامها ” المغالبة” و”التدافع الاجتماعي”، على حد تعبير راشد الغنوشي، أي إلى نوع من “الداروينية الاجتماعية” التي ما انفك يحلم بها غلاة الليبيرالية، كتعبير مبكر للنيوليبيرالية، والمحافظون منذ أن نظّر لها هربرت سبنسر في نهاية القرن التاسع عشر داعيا  إلى تأسيس النظام الاجتماعي على مبدإ “تنازع البقاء وبقاء الأصلح” الذي أقام على أساسه داروين نظرية “النشوء والارتقاء” بالنسبة لأنواع الكائنات الحية، رافضا دعوة معاصره سبنسر لجعلها أساسا للعلاقات الاجتماعية. وبذلك، لم تكن “ديمقراطية” الإسلام السياسي وحلفائه سوى تقاسم للمناصب وللسلطة، باعتبارها غنيمة، دون تقيد بما يتطلب النظام الديمقراطي من حريات وحقوق وفصل بين السلط ووجود مؤسسات دستورية، على رأسها المحكمة الدستورية – التي لم يسمحوا بتشكيلها – وظيفتها مراقبة كل السلط والحيلولة دون تغوّلها. وذلك ما أدى إلى رفض هذه الديمقراطية المزيفة وإلى الثورة عليها من طرف القوى الاجتماعية التي ثارت على نظام بن علي، وعلى بدايات تطبيق السياسات النيوليبيرالية المتواصلة حتى اليوم من وراء الشعارات السيادوية المعبرة عن عجز من يرفعونها ولا يفعلون شيئا في اتجاه تحقيقها. 

 في احد حواراتك قلت إن قيس سعيد انقلب ولكنه لم ينقلب على الديمقراطية وإن ذلك سهّل عليه المهمة : عن أية مهمة تتحدث ؟

ما قام به قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 انقلاب من نوع ما قام به لويس بونابارت في فرنسا سنة 1852 : فهو لم يقم بتغيير في إطار المؤسسات القائمة ولا على أساسها، خلافا لما تذرع به من تأويل مجانب للصواب للفصل 80 من الدستور، وقد بين بعد ذلك أنه لا يتقيد لا بهذا الفصل ولا بالدستور ولا بأية مؤسسة، ومن ثمة كان ما قام به انقلابا بكل المواصفات. ولكن هل يعني ذلك أنه انقلاب على الديمقراطية مثلما يزعم قادة الإسلام السياسي وحلفاؤهم في الداخل وفي الخارج ؟ وهل كان بالإمكان أن يقع تغيير من خلال المؤسسات التي أرادها الإسلام السياسي وحلفاؤه ؟ كما سبق أن بيّنت، لم تكن هناك ديمقراطية ليتم الانقلاب عليها. ولم تكن هناك مؤسسات يمكن اللجوء إليها لتفادي التغيير من خارجها سواء بالثورة، كما في 2010-2011، أو بحوار وطني، مثلما في سنة 2013، أو بانقلاب، كما فعل قيس سعيد مستفيدا من غضب الشعب ولفظه الإسلام السياسي والأحزاب التي تحالفت معه أو لم تقدر على مواجهته  وهو ما سهّل فعلا على قيس سعيد مهمته التي تمثلت في الانقلاب على منظومة الإسلام السياسي وحلفائها، مستغلا في ذلك غضب من هبوا لحرق مقرات النهضة ورموز نفوذها، مثلما سبق أن فعلوا مع نظام بن علي. ولكن تعامل قيس سعيد مع هذا الغضب لم يختلف عن تعامل النهضة وحلفائها مع ثورة 2010-2011، حيث أنه حول هذا الغضب من المطالبة بالعودة إلى أهداف الثورة والعمل على تحقيقها إلى إرساء نظام قوامه ما يسمى بالبناء القاعدي الذي لا مكان فيه للفصل بين السلطات، التي أصبحت مجرد وظائف خاضعة للسلطة المطلقة لرئيس الدولة، وأبعد ما يكون عن أدنى مقومات الديمقراطية. ومنذ استحواذ قيس سعيد على السلطات، نراه يحكم عبر الأوامر-القوانين، دون أن يتخذ أي قرار نافذ في اتجاه مقاومة الفساد مقاومة فعلية، ومحاكمة المسؤولين عن الاغتيالات السياسية وعن شبكات الإرهاب، أو لإرساء المحكمة الدستورية وغيرها من المؤسسات الضرورية للانتقال الديمقراطي ولإقامة دولة القانون التي لا معنى لها خارج الفصل بين السلطات ومن دون ضمانات قانونية لوجود مجتمع مدني يدافع عن الحريات وعن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وعلى العكس من ذلك، لم نر منذ 25 جويلية 2021 سوى المزيد من التراجعات في مجالات الحقوق والحريات، كما في مستوى المعيشة لكل الفئات الشعبية. فقد تضافر غياب السياسات الاجتماعية مع تدهور الأوضاع الدولية وتأزم العلاقات الخارجية مع العديد من البلدان، ليساهم في استفحال البطالة وفي التهاب الأسعار وفقدان المواد الحيوية الاساسية. وعوضا عن تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية، أدت السياسات المتبعة منذ 2021 إلى نقيض ما وعد به نقيض ما وعد به قيس سعيد من استئناف لطريق الثورة والتقدم في اتجاه تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تباعد أفق بلوغها.

هل ما زالت العلمانية ممكنة بعد 25 جويلية في تونس ؟ وفي العالم العربي الاسلامي ؟ هل استفاد الفكر العربي من الحوارات الفلسفية حول العلمانية ؟

العلمانية – بما هي شرط من شروط بناء مجتمع يتعايش فيه أفراد الشعب في كنف الحرية والمساواة، دون أي تمييز على أساس الجنس والفكر ولون البشرة والرأي أو العقيدة، أو على أساس الميولات الجنسية وما إلى ذلك من اعتبارات الميز الذي لم يعد بالإمكان القبول به – كانت ومازالت وستظل من ضرورات مثل هذا النمط من العيش المشترك، إلا إذا اعتبرنا أن الديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق الإنسان لم تعد تطلعا مشروعا من حقنا، ومن واجبنا، مواصلة نضالات الأجيال التي سبقتنا من أجل بلوغه، وأصبحنا من دعاة الميز والاستبداد على غرار ما باتت تروج له بعض الأصوات والتيارات المنخرطة في مشاريع الثورة المحافظة، في تونس كما في كل بلدان العالم. ولا يمكن أن يكون هذا اختيار القوى الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان في تونس أو في غيرها من البلدان، بغض النظر عما يطرأ من أحداث مثل تلك التي جدت وتجد في تونس منذ 25 جويلية 2021، ومثلما حدث وقد يحدث في سائر المجتمعات، بما فيها مجتمعات العالم العربي والإسلامي. أما عن مدى استفادة الفكر العربي من الحوارات الفلسفية حول العلمانية، فلا يمكن التعميم والكلام عن فكر متجانس سواء في الفضاءات العربية والإسلامية أو في ما يسمى بالفضاءات الغربية وغيرها. وتوجد اختلافات في كل الفضاءات حول مفهوم العلمانية. ولا يسمح المجال بالوقوف عليها وبالعودة هنا إلى ما سعيت لتبيانه في مختلف أعمالي، ويمكن أن يكون ذلك في مناسبات أخرى إن توفرت.

كيف تنظر لحرية المرأة اليوم في تونس؟

كنت ومازلت من المدافعين عن الحريات وعن حقوق الإنسان للنساء والرجال والمثليين وكل المنتمين إلى الإنسانية، أيا كانت أصولهم وانتماءاتهم وميولهم وتوجهاتهم. ولا استثني النساء من هذه الحريات على غرار ما يقوم به دعاة التمييز بين الجنسين، باسم الدين وباسم الطبيعة، أو حتى باسم العلم، فضلا عن مختلف الإيديولوجيات الذكورية. وأنا، فضلا عن ذلك، مع المساواة التامة بين النساء والرجال، وقد سبق أن فندت كل حجج رافضي  مبدأ المساواة التامة، بمن فيهم دعاة الإسلام السياسي وقيس سعيد الذي لا يختلف عنهم في موقفه من قضايا حقوق المرأة، مثلما سبق أن بينت ذلك في ردي على ما ذهب في تصريحه بمناسبة ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية في 13 أوت 2020. وأنا من المدافعين عما تحقق للمرأة من مكاسب ولا أقبل بأي تراجع فيها، كما أدعو إلى ضرورة مواصلة النضال من اجل القضاء عما مازال موجودا من أشكال الحيف والميز، حتى تتحقق المساواة التامة وفي كل المجالات بين النساء والرجال.

 كيف تنظر إلى ملف الأفارقة بتونس؟

 أولا يجب التذكير بأن تونس بلد إفريقي وسكانها أفارقة مثل المهاجرين من جنوب الصحراء. وقد سبق أن كتبت حول هذا الموضوع من موقع التنديد بالممارسات وبالمواقف العنصرية، سواء من المجتمع أو من أعلى هرم السلطة، تجاه من اضطروا إلى المخاطرة بحياتهم والهجرة هربا من الحروب ومن النزاعات العرقية والقبلية والدينية، فضلا عن الكوارث الطبيعية والبيئية الناجمة عن السياسات النيوليبيرالية المفروضة من قبل المؤسسات المالية الدولية والدول الكبرى التي تستفيد من حرية انتقال الأموال والبضائع وترفض تحمل مسؤولية نتاجها البشرية. ولا يمكن تجاهل العلاقة بين ما يروج له منظرو أقصى اليمين من أمثال رونو كامو وزمور حول مؤامرة “التعويض الكبير”، وما ذهب إليه قيس سعيد من أن وصول مهاجري جنوب الصحراء الإفريقية إلى تونس يندرج ضمن خطة تهدف إلى تغيير الهوية التونسية العربية الإسلامية. وإذ أندد بكل وضوح بالمواقف وبالممارسات العنصرية تجاه المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس، كما في الجزائر وفي المغرب وليببا، وفي البلدان الأوروبية، فإني لا أقبل أن تتحول تونس وبلدان شمال أفريقيا إلى حارس للحدود الجنوبية لأوروبا، وأندد بتملص الدول الأوروبية من مسؤولياتها عن مآسي القارة الإفريقية ومحاولتها الإلقاء بتلك المسؤوليات على كاهل بلدان مثل تونس ورواندا، مستغلة صعوباتها المالية والاقتصادية لشراء قبولها القيام بدور الحارس لحدودها، والمساعد على تسهيل العودة القسرية لأفواج من المهاجرين إلى بلدانهم، في ظروف غير إنسانية وغير قانونية. ولا يمكن أن نقبل باتفاقات مثل التي فرضتها الدول الأوروبية على دول مثل رواندا بالأمس، وتونس اليوم، لإجبارها على قبول مهاجريها ومهاجري دول جنوب الصحراء الإفريقية، بدعوى أنهم مروا عبر حدودها قبل أن ينجوا من الغرق في البحر المتوسط ويصلوا إلى أوروبا. ولا يمكن السكوت عن ظروف طرد المهاجرين من طرف الدول الأوروبية التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وتندد بانتهاكها خارج حدودها وحدود حلفائها، ولا تحترمها في تعاملها مع ما يسمى بالهجرة غير الشرعية أو غير النظامية، وخاصة في عمليات الطرد التي تقوم بها استجابة لمطالب التيارات العنصرية وتحت ضغط حركات أقصى اليمين النازية والفاشية والهووية المحافظة التي اكتسح مدها كل بلدان أوروبا وأمريكا، ووصل بعضها إلى الحكم، كما في إيطاليا. ولا مناص من اعتبار أي اتفاق يرمي إلى المساعدة على تحقيق أهداف مثل هذه السياسات العنصرية تواطؤا معها ومشاركة في جرائمها.

أخيرا وفي كتابه البداهات الزائفة في الفكر الاسلامييقول المفكر عبد المجيد الشرفي ان استعمال البسملة في بداية الكلام غير القرآني شفاها أو كتابة سلوك جديد وانه من بدع الاسلام السياسي المقصود منه التمييز بين من يعتبرونهم مسلمين على طريقتهم ومن هم في نظرهم جاهليون في حاجة الى الاسلمة“.. إلى أي حد تشاطره هذا القول؟

أنا من متابعي كتابات عبد المجيد الشرفي منذ كنت طالبا وقد اعتمدت عليها واستفدت منها كثيرا في أبحاثي في مجال الدراسات الإسلامية، مثلما استفدت من كتابات هشام جعيط  ومحمد الطالبي وعلي مراد ومحمد أركون وعبد الله العروي وغيرهم ممن سبقوني في هذا المجال. ولا أدري من كان أول من سمح لنفسه بأن يبدأ كلامه قائلا “باسم الله”، ولا شك أن قصده من ذلك، على غرار قصد أتباع الإسلام السياسي، لم يكن سوى وضع المخاطب في موقع متلقي كلام يوهم بأنه يستمد شرعيته، إن لم يكن من الله، فعلى الأقل من ذكر إسمه، فيصبح من الصعب على ذلك المتلقي، خاصة إذا كان مؤمنا أو مسلما، أن يرفضه أو يحاججه خوفا من أن يجد نفسه متهما بـ”الخروج عن الملة”. ولا يخفى ما في مثل هذا التموقع في مجال التخاطب السجالي أو الحجاجي من رغبة في اكتساب سلطة سياسية أو معرفية للمتكلم باسم الله. ولا يسع من يطلع على أقدم ما وصلنا من الرقاع والنقوش على الأحجار، ومن المخطوطات التي تم اكتشافها في العقود الأخيرة، إلا أن يقر بأن البسملة لم تكن موجودة في البداية، لا في مطلع السور ولا في أقدم ما وصل من كلام المسلمين الأوائل. ولا مناص من اعتبار الكلام باسم الله ضربا من الغرور أو، على الأقل، رفضا من المتكلم تحمل مسؤولية ما يقول، ويحق لنا أن نطلب منه أن يتكلم باسمه عوضا عن التحصن باسم الله.

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 جويلية 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING