الشارع المغاربي – نهاية الإسلام السياسي ومستقبل الوطن: "الحلّ في الحلّ"/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

نهاية الإسلام السياسي ومستقبل الوطن: “الحلّ في الحلّ”/ بقلم: حمادي بن جاء بالله

قسم الأخبار

7 مايو، 2021

الشارع المغاربي: ماذا على التونسي الوطني أن يفعل الآن وهنا بعد أن تحولت دولة الاستقلال إلى دولة متسولة؟ وماذا عليه ان يفعل بمن حول ارض وطنه الى مزبلة احواز روما بعد ان كانت مطمورة روما ذاتها؟ وماذا عليه ان يفعل بمن ترك الشعب يصارع الفقر وحيدا في زمن الوباء ؟ ماذا عليه أن يفعل بمن غرر بشباب تونس فحول شتاتا منه الى قنابل تقتل الشقيق والصديق؟ ماذا عليه ان يفعل بحكام يفتقرون الى كل شيء ،بدءا بالحس السليم حتى الضمير الاخلاقي، مرورا بانعدام الكفاءة والحس المدني والروح الوطنية؟ يقيني أنه ما كان للتونسي ان ينتظر أدنى الخير ممن حكموه منذ عشر سنوات إلا لجهله بحقيقتهم . ولا سبيل اليوم الى الخلاص من بؤس وضعه الا بالتخلص منهم جميعا. واذ أقدم للقارئ شهادتي الشخصية على العواشر البائسة فلأبيّن له من وجهة نظري 1/أخطاء الأمس و2/تباشير الانفراج اليوم /3 واتساءل معه عن اقوم السبل لتقويم ما طرأ على الحياة الوطنية من عوج تقويما يتنزل ضرورة في افق الجمع المتين بين واجب تحرير الوطن والحرص على استكمال مسيرة التحول الديمقراطي.

*I*

والحق أنه ما من شيء يحرجني –وأعتذر للقارئ الكريم عن معاودته- -قدر ما يحرجني ان يتزايد عندي الشعور كل يوم باني لم اخطئ أمس، في حقيقة من حكمونا وأني اليوم على حق:لم أخطئ أمس حين قدرت –في مقال نشرته جريدة “الطريق الجديد” قبيل كارثة انتخاب “المجلس التأسيسي” في اكتوبر 2011 أن الدولة الوطنية. تمر قريبا من طور البناء والتعمير، وأن في مناخ سياسي “سلطوي” (Autoritaire) مثل جميع الدول حديثة الاستقلال، الى طور الهدم والإفساد في مناخ سياسي دكتاتوري ظلامي، وان تنكّر في غلف ديمقراطي. ولم أخطئ أمس حين قدّرت –في مداخلة بشريط أنباء الثامنة على شاشة “الوطنية الأولى يوم 12 ماي 2012” ان جريمة السطو على جامع الزيتونة المعمور، هي الخطوة الأولى على طريق انتصاب الديكتاتورية الظلامية بما تفرضه من هدم للدولة الوطنية وإفساد جميع انجازاتها، بدءا بمدرسة الجمهورية. وهل انبعاث محتشد الرقاب وأمثاله، وغرس التنظيم “العالمي لعلماء المسلمين” في أرضنا إلا من إرادة تحطيم مدرسة الجمهورية ؟ وقد نشرت في ذلك مقالات عديدة بجرائد “المغرب” و”الشروق” و”الشارع المغاربي” دون رجع صدى من الحكومات المتعاقبة.

ولم اخطئ أمس حين بيّنت في حوار طويل نشرته جريدة “الشروق” مشكورة يوم 8 ديسمبر 2013 – حذرت فيه من سقوط دولة الاستقلال على أيدي المخربين من الإسلام السياسي مستعيدا عبارة تيت ليف Tite-Live الشهيرة: “حتى لا يصبح دواؤنا أمر من دائنا” يوم كان يحذر الرومانيين من سقوط روما بأيدي “همج العصر”. وهل تستقيم السياسة دون قدرة على التوقع والاستباق؟ ولم أخطئ أمس حين اتهمت الإسلام السياسي بنشر ثقافة الحقد بتوسط استغلال المشاعر الدينية والاستثمار في الفقر والأمية. فليس ادل على سلامة موقفي من ظهور الاغتيال السياسي وانتشار الاعتداءات على قواتنا المسلحة بجميع فصائلها وفي مقدمتها الجيش الوطني. ومن غير تطويل لقد كان الإسلام السياسي أكثر ذنوبا من الدهر في حق الوطن أرضا وتاريخا وثقافة ودينا وقيما لكنها آثام وجرائم دون محاسبة. وكيف تكون المحاسبة وهو الحاكم بأمره بفضل سياسة وفاق مغشوش زكتها الانتهازية وغذاها العمى الفكري؟

ولا ريب عندي أن كل تجاهل لتلك الحقيقة الصارخة، إنما هو من قبيل ضيق الأفق الفكري رغم صدق الحس الوطني، كما هو الشأن في جهة اليسار عامة، أو من قبيل الغباء يتخذ حمقا شكل الفطنة وبعد النظر وخاصة شكل الحرص على “المصلحة الوطنية العليا”، كما خبر الشعب ذلك عند كل من تحالف مع الإسلام السياسي ليتصدر “التأسيسي” تفاخرا، أو ليسكن “قرطاج” على وجه الفضل. ويعلم الشعب التونسي اليوم علم اليقين أن “المحاصة الوفاقية” التي جرى عليها منطق “الحكم منذ 2011 حتى اليوم، كان عاما شاملا حتى انه بلغ تقاسم مرابيح الأسواق وفوائد الاقتصاد الموازي وصغرى المناصب والوظائف، بل حتى الفتات والرجيع…

وهل أدل على ما ذهبت إليه -في اختزال شديد – في توصيف استبداد حكم الإسلام السياسي و”أحزمته” من أن بعض المتمردين من كهنة المعبد الأزرق، اقروا جهارا بهارا وبملء إراداتهم أن “الخوانجية” اتخذوا الثورة “غنيمة حرب”، وكأنما هم كانوا يجهلون تلك الحقيقة، أو كأنما هم لم يشاركوا في نهب خيرات الوطن تحت عناوين مختلفة وبتعلات واهية. وما يشهده الاقتصاد الوطني اليوم من مصاعب، إنما مرده -في بعده الأخطر –الى مقتضيات منطق “الغنيمة” ذاته. والحق أن ما يتميز به الإسلام السياسي من عجز فكري بنيوي يجعل جميع “الخوانجية” يجهلون تمام الجهل ان ثورة شباب مدرسة الجمهورية المطالبة “بالشغل والحرية والكرامة الوطنية”، ليست دالة على فشل دولة الاستقلال التي أسّسها المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة والذين معه ،حفظ الله الاحياء منهم ورحم الأموات، بل إن تلك الثورة كانت ارقي انجازات دولة الاستقلال في مسيرة تجاوز نقائصها ،وهي اسطع دليل على قدرة تونس المستقلة على تجاوز أخطائها لتكون على الدوام قادرة على ضرب المواعيد مع التاريخ.

ولا ريب ان ماجاء في شهادة أحد الاسلامويين الذين شاركوا في جريمة باب سويقة يدل بما لا يدع مجالا للشك على حقيقة التمشي الاسلاموي في المدي القريب والمتوسط والبعيد، في إعداد فيالق الارهاب، حيث بين صادقا -وانا على ذلك من الشاهدين منذ سبعينات القرن الماضي – ما كان الشباب التونسي يتعرض له من تعبئة اديولوجية في المساجد والمعاهد والجامعات، تعده للجريمة داخل الوطن وخارجه ؟ وهل التسفير اليوم الى مواطن الاقتتال بين الإخوة في ليبيا وسوريا والعراق الا مواصلة لتقنيات التعبئئة الإيديولوجية المعتمدة منذ ظهور الخوانجية بيننا في سبعينات القرن الماضي ؟ لم العجب إذا في ان تصبح تونس اليوم مصدرة للإرهاب وجهاد النكاح ؟ الم يحولها المستعمر العثماني أمس الى منطلق للقرصنة البحرية في المتوسط بعد أن كانت في عصرها الأمازيغي-الروماني موطن إشعاع القديسين اوغستين وسيبريان وفي عصرها العربية منصة انطلاق الفكر الخلدوني ؟ وهل للاسلام السياسي في تونس إلا أن يخدم في خنوع سياسة صاحب الأستانة.

*II*

أما أني اليوم على حق فيشهد له تراجع الإسلام السياسي في الانتخابات وفي سبر الآراء، ولاسيما في الضمير الجمعي بعد أن تبين للتونسي الخيط الأبيض من الخيط السود وان بصعوبة زادها عدم المحاسبة صعوبة.وقد تكون للتونسي بعض مظاهر سوء التفاهم مع الأمن الوطني، مثلما يجري عليه الآمر في جميع أنحاء العالم ولكنه لا يقبل البتة من ان يهان رجل الامن كما وقع ذلك مرتين – على الاقل – بمطار تونس قرطاج الدولي.والمواطن لايقبل – حتى وان كان حاليا عاجزا عن الفعل – ان يسمع بتراكم الثروات في ايدي من ظنهم أمس “يخافون الله” في حين ينتشر الفقر في صفوف الشعب انتشار النار في الهشيم. وهو لايقبل ان يتمتع بالتلقيح المحصنون في مكاتب الوزارات قبل المربي وسائق الحافلة وسيارة الأجرة مثلا. لقد ادرك التونسي أن الإسلام السياسي الذي حكمه في السر والعلن منذ 2011 قوم لايشعرون بالعيب ولا يتعايرون بنقيصة، ولا يتعايبون برذيلة، فهم أشد خلق الله رقاعة، على ما تشهد به اليوم مجريات مهازل برلمانالمهازل.

وانأ اليوم على حق لأني كنت اعلم علم اليقين أن الإسلام السياسي غريب عن تونس عقلا ووجدانا وثقافة وطموحات، وان التونسي لن يسلم بلده لجشع الإخوان المسلمين الوافدين علينا من ظلمات القرون. وما يشهد لما ذهبت إليه أن نشا من رحم الشعب حزب يحمل هم الشعب ويعلي إرادته في التحرر من وباء الثورة المضادة بزعامة لفيف الخوانجية. هو حزب وريث النضال التونسي من اجل الأنوار والحرية على مدى ما يقارب القرنين. لذلك قام وفاء لمبادئه “باعتصام الغضب” للتشهير بسطو الإرهاب الفكري الاسلاموي على مدرسة الجمهورية واعلن انطلاق “ثورة الانوار” تبديدا لظلمات تراكمت علينا بكثافة غير معهودة منذ 2011. ولا عجب في ذلك فنحن أمام حزب من ابرز منشئيه وقادته، واكثرهم تفاعلا معه وانفعالا به وفعلا فيه ابن تونس البار الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله، بطل معارك التحرر من الاستعمار الاجنبي وباني دولة الاستقلال ومحرر المرأة وباعث مدرسة الجمهورية.

وحزب بورقيبة يتقدم اليوم بزعامة الاستاذة عبير موسي معركة التحرير الوطني الحقيقية. وفي تقديري المتواضع ان بقية المعارك ودعاوى الإصلاح تمويهات لن تلتئم على معنى صادق، ما لم تتنزل بوضوح في افق معركة التحرر من كابوس من حكمنا منذ عشر سنوات، وفي مقدمتهم الخوانجية كما سمّاهم التونسيون مذ كانوا. والحق انه لا يكفي أن يكون حزب بورقيبة-موسي في المقدمة بل عليه ان يعين غيره من الاحزاب الوطنية مثل حزب الاستاذ عبو او االاحزاب القومية على تجاوز مصاعب التردد وأسباب الخوف. فلا يمين ولا يسار ولا وسط حين يتعلق الأمر بتلبية نداء الوطن. وهل وطنية دون تضحية كما بين ذلك المرحوم الطاهر صفر في “مذكرات المنفى”؟ ومن غريب الامر ان المرء يكتشف أحيانا أن أقصى التضحية –في عالم السياسة -إنما هي التخلص من وهم التعبقر وحبائل الأنانية.

**III**

اما كيف يكون الخلاص اليوم، فإني لا ادعي قدرة على الاجابة الشافية. غير انه مهما حوّم خيالنا وصاغ ما صاغ من فرضيات فإنه لن يقوى على تجاوز مركزية القوى الاجتماعية الفاعلة يوميا في الحياة الوطنية، الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد النسائي ونقابات الفلاحين وهيئات الفنانين والأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين …فالمنظمات الاجتماعية الكبرى كانت أمس في مقدمة معارك التحرير من الاستعمار الأجنبي، وهي مطالبة اليوم بحق الوطن عليها، ان تكون في مقدمة معارك التحرير من الاستعمار الداخلي المتستر بعباءة تقوى الله تكأة لتبرير خيانة الوطن. وليس لي ولا عليّ أن أتجاسر على تلك المنظمات العتيدة فا قترح عليها طريقة تنظيم صفوفها وترتيب اولوياتها قصد اعلان بدء معركة تحرير الوطن واستعادة مسيرة الانتقال الديمقراطي المعطلة… ولكني أعيدها للمرة الالف :ليس لتونس ان تنتظر خيرا من جميع من حكمها منذ 2011. وبقدر ما نعجل في لحظة انطلاق العمل التحريري نكون وقيناها الإيغال في سبل التسول، والتورط في مزيد التداين وتصدير الإرهاب، لاسيما اذا احكم برلمان المهازل غلق باب المستقبل بتشكيل ما سمي بالمحكمة الدستورية. فهل يكون “الحل في الحل” كما قال الأخ نور الدين الطبوبي بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل؟ يقيني انه لا مشروعية أرقى من مشروعية إعادة السلطة إلى الشعب، سواء لاستفتائه او لدعوته لانتخابات جديدة يعبر فيها عن ارادته. وفي هذه الحالة يكون الائتلاف الاجتماعي المنشود أجدى من كل حوار تشارك فيه احزاب خربت الوطن وشوهت سمعتنا حتى أصبحنا أضحوكة الدنيا …لقد طال شوق التونسي الى تونس الحبيبة التائقة الى الانوار والحرية .فمتى لقاؤك ياوطني؟

نُشر بأسبوعية “الشارع المغاربي:” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 4 ماي 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING