الشارع المغاربي : أكدت يوم 7 نوفمبر الجاري وسائل اعلام تونسية رسمية وغير رسمية ووكالة الانباء الروسية “تاس” وعدد اَخر من وكالات الانباء العالمية مثل “روسيا اليوم” و AFP انه وعلى هامش انعقاد مؤتمر خبراء النقد في تونس “FOREX CLUB” تم الاعلان عن اطلاق البنك المركزي التونسي ما اعتبرته عملة رقمية سُميت “الدينار الرقمي للبنك المركزي” مع الاشارة بوضوح الى انه يُستند في التصرف فيها على المنصة الروسية المختصة UNIVERSA وهي التي يرأسها “الكسندر بوريتش” وانه تم لاثبات نجاح عملية الاطلاق تحويل” دينار رقمي” الى ممثل عن صندوق النقد الدولي كان حاضرا في المؤتمر على مرأى ومسمع من الحاضرين وهم مُختصون وخبراء من عدد من الدول اهمها تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وبلدان أوروبية.
واعتبر خبراء كبار تونسيون ودوليون ولفيف من ممثلي وكالات الانباء ان ذلك هو بمثابة الايذان رسميا عن دخول تونس مرحلة اعتماد العملة الرقمية المحلية
وبما يعني تحويل جزء من رأسمال البنك المركزي الى حصة الكترونية.
ووفقا لرئيس الشركة الروسية يعني اطلاق العملة الرقمية التخلي جزئيا عن النقود والاوراق المالية. ووقعت الاشارة الى انه سيتم فتح 2000 “كشك” لتبادل العملة الرقمية والتعامل مع الخارج بها دون المرور بالضرورة بالدولار الامريكي وبالمنظومات العالمية المعتمدة في تحويل الاموال مع ابراز ان تونس هي ثاني بلد بعد فنزويلا تنطلق في هذا الاجراء . وتم التوضيح ايضا بأن تونس ستكون محطة أولى قبل نقل البرنامج الرقمي الى عدد من دول جنوب شرقي اَسيا والقارة الامريكية.
غير ان البنك المركزي التونسي نفى اليوم الثلاثاء 12 نوفمبر في بلاغ صادر عنه اصدار العملة الرقمية وتعامله مع اَية جهة اجنبية في هذا السياق الفني مبرزا انه بصدد البحث عن بدائل وانه يفكر في تطوير المعاملات النقدية لا أكثر في حين ان ما جاء من تفاصيل في مؤتمر خبراء النقد وحيثيات اشغاله التي كانت علنية وسجلتها وسائل الاعلام التونسية والاجنبية يتضارب تماما مع نفي البنك المركزي .
وفي جميع الحالات فإن نفي البنك المركزي الخطوة التي قام بها لاسباب غير معلومة او مفهومة يأتي في نسق غريب الاطوار لغياب اي اطار قانوني او تشريعي يضبُطها مُرّر او سيُمرر للبرلمان. كما اثارت هذه المناورة تعجب التونسيين لعدم ادراكهم مغزاها الحقيقي في بلد لا علاقة لثُلثي سكانه من قريب او من بعيد بأي شكل من اشكال التعامل مع البنوك وغيرها من المؤسسات المالية.
واثارت هذه الخطوة التي كذبها البنك المركزي كذلك الاستغراب لان حصة كبيرة من الاقتصاد -من الصعب تحديدها – تُجرى خارج مسالك التوزيع المُنظّمة وهو الاقتصاد الواهن والمترهل في كل القطاعات .ولتوضيح هذه الخطوة والاجابة على هذه التساؤلات المحيّرة المتعلقة بها صرح مساء اليوم الثلاثاء مصدر مطلع وقريب من الملفات المالية الحسّاسة لـ”الشارع المغاربي” ان “عملة البنك المركزي الرقمية” هي في الواقع قريبة تقنيا من العملة الافتراضية المشفرة وانه يصعب تفسير نفي البنك المركزي اطلاقها واصفا ذلك بالسابقة في تاريخه .
وافاد المصدر بان استغلال فضاء الانترنات و2000 “كشك” لتبادل عملة رقمية غير واضحة المعالم في بلد صغير كتونس يفتقد لبنية اتصالات عصرية يفتح الباب على مصراعيه أمام مجهولي الهوية والمتخفين لانجاز معاملاتهم مع ما يكتسي هذا المعطى من مخاطر مؤكدا انه يمكن ان برتع في تونس مستقبلا من أسماهم بـ”الاشباح” في مفاصل التجارة والاقتصاد لعدم وجود تعقّب ورصد الهويات في بلد تعجز هياكله الرسمية بما لها من امكانات عن تتبع ومجابهة مهربي البطاطا والطماطم والمضاربين فيها حسب تعبيره.
وأوضح المصدر ان من شأن اختيار تونس لهذه التجربة في العالم لتكون نموذجا لدول اخرى ان يثير التعجب من حالة الكساد والضياع التي تميز توازناتها المالية بالكامل مقارنة بمئات البلدان.
كما أشار الى منع جل بلدان العالم العملات الافتراضية وحرصها على استعمال النقود والاوراق المالية ووسائل الدفع القانونية درءا لاستغلال العملات الرقمية والافتراضية والمشفرة في الانشطة الممنوعة بمختلف انواعها ممتنعا عن ذكرها مبرزا سعي البنوك المركزية العالمية لمنع “البيتكوين” مثلا ملاحظا انها عملية افتراضية واسعة الانتشار ترتبط في اغلب الحالات بشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود .وشدد المتحدث على ان ربط تداول عملة ذات سيادة مثل الدينار بمجرد منصة الكترونية قابلة للتوقف والايقاف في كل وقت وموجودة ببلد اجنبي يمثل تهديدا كبيرا لاستقرار البلاد.
واعتبر مصدرنا بالتالي اننا اليوم امام موقف صعب متسائلا “كيف سيقوم المواطنون بتداول عملة رقمية”يفكر” فيها البنك المركزي والدولة لانعترف بها من الاساس ؟ وكيف سيقع ايضا ضمان الحقوق في حالة التعرض لعملية تحيل مقرا بغياب قانون يعترف بالعملات الرقمية من الاساس ؟ كما اشار المصدر المالي الى انه لا يمكن مجابهة عمليات الاختراق مهما كان نظام المعلومات فعّالا مُنبّها الى ان الامثلة على ذلك كثيرة في العالم محذرا من مخاطر المضاربة على تقلبات الاسعار بناء على هذه المؤشرات .
وختم المتحدث تحليله لافتا الى ان ملازمة اليقظة واعلام الرأي العام بما يجري في البلاد على الساحتين المالية والنقدية ضروري لحماية المجتمع من الانزلاق نحو المجهول مذكرا بان دور السلطة هو حماية العملة الوطنية ودعم اساسيات الاقتصاد الحقيقي القائم على خلق الثروة والعمل بدل التوجه نحو ادوات من غير الممكن مراقبتها والتحكم فيها.