الشارع المغاربي-كوثر زنطور: تولى العميد الصادق تلاوة “مشروع مسودة الدستور” امام المشاركين في اخر جلسة من اجتماعات لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية المنعقدة نهاية الاسبوع المنقضي واردف التلاوة باعتذار عن الاكتفاء بـ”التلاوة” دون تقديم نسخ من المسودة مبررا ذلك بمخاوف من “تسريبها” والتشويش عليها من قبل “الصائدين في الماء العكر” وغادر الجميع القاعة مع توصيات صارمة من العميد تقضي بالإلتزام بـ”سرية المداولات” مثلما نص على ذلك المرسوم الرئاسي عدد 30.
انتهت يوم امس الاثنين 20 جوان 2022 مرحلة اعداد “دستور الجمهورية الجديدة” بما شابها من جدل وانتقادات واتهامات وقضايا لتفسح المجال لمرحلة التحضير لاستفتاء 25 جويلية 2022 التي سيكون منطلقها الكشف عن مضامين هذا الدستور الذي لا يُعلم عنه شيئا تقريبا باستثناء عموميات جاءت في تصريحات لكبار الفاعلين في اللجنة وتحديدا العميد الصادق بلعيد والعميد ابراهيم بودربالة واستاذ القانون الدستوري امين محفوظ ساد فيها التركيز على علات الماضي وخطاب المقارنات مع دستور 2014 مع توصيفات غابت عنها الموضوعية وغلبت عليها نبرة الغرور والتحدي والتباهي بـ “انجاز عظيم” وغير مسبوق مرفوقة بعموميات عن القواعد الاساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وتنظيم السلط والعلاقات بينها.
ملامح الدستور الجديد
الاخبار شحيحة حول مسودة الدستور التي من المنتظر نشرها يوم 25 جوان الجاري. موعد هو بمثابة تعهد من رئيس الجمهورية قيس سعيد قدمه لعدد ممن التقاهم مؤخرا ونقلوا هذا التعهد خلال الاجتماع الاخير للجنة التي كشف اعضاء منها لـ “الشارع المغاربي” انهم لم يتسلموا نسخة من المسودة لاسباب قالوا انهم “تفهموها” عند طرحها من قبل العميد الصادق بلعيد الذي اعلمهم بـ “تخوفه من تسريبها والتشويش عليها “. وقال مشارك في الجلسة الختامية ان “تلاوة نص المسودة من قبل العميد بلعيد كانت كافية” وان “اغلبية المشاركين وجدوا بعض اقتراحاتهم مضمنة في المسودة” التي شدد على انها تبقى مفتوحة لـ” تعديلات الرئيس سعيد”.
المسودة تتضمن 4 ابواب حسب نفس المصادر، الباب الاول هو الباب الاقتصادي والاجتماعي والباب الثاني هو” نظام الحكم التنفيذي” والباب الثالث هو “باب الحقوق والحريات” والباب الرابع والاخير هو باب” النظام التشريعي والقضائي والحكم المحلي”. النقاشات كانت “حادة” عند تلاوة التوطئة التي “كانت مخيبة لامال عدد ممن شاركوا في الحوار وطالبوا بالمحافظة صراحة على الفصل الاول من الدستور الذي الغي في المسودة وتحول الى ” مجرد اشارة الى الهوية العربية الاسلامية للشعب التونسي في التوطئة” علاوة على ” عدم التنصيص على تجريم التطبيع” الذي كان من الوعود الانتخابية لقيس سعيد، وعد تُرجم في مسودة دستور الجمهورية الجديدة بـ ” الدفاع عن كل القضايا العادلة”.
كما الجلسة الختامية شهدت “جدلا واسعا” قال مصدر موثوق به لـ”الشارع المغاربي” انه تم احتواؤه عبر احالته للحسم من قبل رئيس الجمهورية. كما تم اعلام المشاركين في الجلسة بان البت في “الباب الثاني” (نظام الحكم التنفيذي) سيعود ايضا لرئيس الجمهورية. حسب نفس المصدر فإن” المشرفين على الاجتماع كانوا واضحين في هذه النقطة حيث أكدوا على أن هذا الباب هو من نظر الرئيس سعيد” وأن المسودة اقرت بمبدأ “مَرْكَزَة الحكم في سلطة تنفيذية برأس واحد” ومنح صلاحات واسعة لرئيس الجمهورية مع إحداث منصب “نائب رئيس” والغاء ” الوزارات” وحكم محلي متوازن يقطع مع “سياسة تفكيك الدولة” التي “اسسها دستور 2014”.
تبدو الصورة اوضح بالنسبة للثلاثي الصادق بلعيد وابراهيم بودربالة وامين محفوظ ، الثلاثي الاقرب لرئيس الجمهورية والمشرف الحقيقي على صياغة الدستور. يقول العميد بلعيد حول المسودة في تصريح يوم امس لـ “القناة الوطنية”: “المبدأ في الدستور الجديد هو البحث عن الاليات الكفيلة بإحداث توازن بين السلطات التي تم حذفها وتحولت الى وظيفة بما في ذلك رئيس الجمهورية الذي هو في الاخير موظف انتخبه الشعب صاحب السيادة والحكومة هي ايضا وظيفة والقضاء وظيفة “.
قبلها بايام اكد بلعيد في حوار مع “اورونيوز” ان ميزة الدستور الجديد هي التركيز على مسائل جديدة، لم يتم التطرق إليها في الدساتير السابقة وكانت مهمّشة وهي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وبشكل خاص الرقمنة والشباب مشددا على ان “الوضع الحالي في البلاد وخاصة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية حتّمت تغيير الدستور من منطلق مقاربة وصفها بالراغماتية وقال انها تقوم على تشخيص الأزمة وإيجاد الحلول كما لفت الى ان الدستور الجديد سيتجنب” سوء الفهم وسوء التأويل. ” ذاكر كمثال على ذلك ” مصطلح السلطة” معتبرا انه يحيل على كلمة سلطان أو دكتاتور. أما الرئيس وفق بلعيد فهو “مكلف بمهمة”. اما بالنسبة للبرلمان فالعميد بلعيد يقول انه سيكون بلا سلطة في الدستور الجديد مفسرا ذلك بأن هذا البرلمان” يستمد وجوده من تكليف الشعب له، الذي يبقى هو صاحب السلطة الأصلي”.
كشف انه ستتم ” الاستعانة بالفصول المتعلقة بالحقوق والحريات في دستور 2014، وانه سيتم التنصيص على القسم الأكبر منها” وانه ” سيتم إدراج فصل خاص بإحداث المجلس الاستشاري الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والبيئي”، مبرزا ان هذا المجلس سيلعب دورا وصفه بالهام جدا وان مهامه تتمثل في ” تقبل طلبات الشعب، وابتكار الحلول الملائمة ثم يقدمها للبرلمان الذي قال انه سيُكلف بصياغتها في شكل قوانين”.
وبالنسبة لشكل نظام الحكم ، قال بلعيد انه غير مهم وان شكله والتسمية ان كان برلمانيا او رئاسيا غير مهم وان الاهم ان يكون نظاما متوازنا ومستقرا وقادرا على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتقدم بالبلاد في ظل توازن وتنسيق بين جميع الاطراف كاشفا ايضا انه سيتم ” إدراج فقرة جديدة تتعلق بالمنظومة “الاشتراكية التضامنية” والتي قال انها موجودة في “البلدان النامية والمتقدمة، على غرار فرنسا مؤكدا انها تمثل 20% من الناتج الداخلي الخام.
فوضى
فصل واحد في المرسوم الرئاسي عدد ” 30″ المتعلق بارساء” الهيئة الوطنية الاستشارية من اجل جمهورية جديدة” ” طُلب من الجميع احترامه والالتزام به وتم خلال الجلسة الختامية التذكير به في “شكل تنبيه”. الفصل هو الرابع من هذا المرسوم ويقول نصه” يُحمل على اعضاء الهيئة واجب التحفظ وحفظ سرية مداولاتها” فيما تم الدوس على بقية فصول هذا المرسوم وعدم احترامه بالمرة من قبل “حراس مسار الاصلاح” ممن يسوقون لدستور دولة المؤسسات والقانون.
في المحصلة كان المرسوم عدد 30 مجرد حبر على ورق
-اولا من حيث اللجان المحدثة اقر المرسوم تشكيل هيئة وطنية استشارية من اجل جمهورية جديدة تتفرع عنها 3 لجان هي اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية واللجنة الاستشارية القانونية ولجنة الحوار الوطني. اصبحت اللجنة القانونية في حكم العدم بعد رفض عمداء كليات الحقوق الانخراط في هذا المسار وسقطت معها لجنة الحوار التي تتكون حسب المرسوم من اعضاء لجنتي الشؤون الاقتصادية والاجتماعية واللجنة القانونية.
-ثانيا في منهجية العمل: يفرض المرسوم على اعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية تقديم تقرير نهائي حول مداولات اشغالها ونتائج اعمالها بعد المصادقة عليها من قبل لجنة الحوار قبل اسبوع من تاريخ تقديم مسودة الدستور المقرر ليوم 20 جوان. الموعد هو 13 جوان والتقرير لم يقدم ولجنة الحوار لم تجتمع باعتبارها غير موجودة اصلا ولا وجود ايضا لتقرير المداولات ونتائج الاجتماعات.
-ثالثا : لم تحترم اللجنة الوحيدة المشكلة التي اختلط اسمها بين لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ورئيسها العميد ابراهيم بودربالة والهيئة الاصلية وهي الهيئة الاستشارية من اجل جمهورية جديدة و”رئيسها المنسق” العميد بلعيد، وجوب التصويت على التقرير النهائي (مسودة مشروع الدستور). بلعيد احال المسودة الى الرئيس بعد تلاوتها ودون المرور بالتصويت حسب ما اكد لـ”الشارع المغاربي” عدد من الحاضرين في اخر جلسة انعقدت يوم السبت المنقضي.
هذا يعني ان الدائرة المضيّقة المحيطة بقيس سعيد ممن وظفها لمهمة صياغة دستور على “المقاس” واساسا العميد الصادق بلعيد والاستاذ امين محفوظ قبلت بـ”تشليك” المشاركين في جلسات ما يسمى بالحوار الذين كانوا خلالها مجرد جمهور لمسرحية اعداد دستور تشاركي. هذا الثنائي قد يكون بعد ايام قليلة في نفس الموضع ان قرر قيس سعيد ادخال تغييرات جوهرية على المسودة التي احيلت اليه يوم امس وكانت تعد في الغرف المظلمة منذ شهر سبتمبر المنقضي بين ” سانية” العميد بلعيد في مرناق ومكتب صغير وسط العاصمة ومقر اقامة الرئيس في قصر قرطاج…
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 جوان 2022