الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تبرز بيانات ميزانية وزارة الشؤون الثقافية للعام الحالي، ان الميزانية المرصودة من قبل الدولة للمهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية تقدر بنحو 21.3 مليون دينار منها 11.2 مليون دينار للمهرجانات والتظاهرات بالمناطق الداخلية.
وتشرف على تنظيم ابرز المهرجانات والتصرف المالي فيها سيما المهرجانات الدولية والجهوية الكبرى، المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية التي احدثت بمقتضى الامر الحكومي المؤرخ في 23 جويلية 2015 في سياق تامين دور ما كان يعرف سابقا باللجنة الثقافية القومية.
وباعتبار العدد الكبير للمهرجانات يتسم رصد الدعم الحكومي لها بالتشتت وغياب معايير دقيقة في اسناده اذ لا تتجاوز التمويلات المخصصة لعدة مهرجانات دولية 100 الف دينار في حين يتم رصد ميزانيات كبرى لمجموعات من مهرجانات الاحياء والجهات التي لا تبعد عن بعضها سوى بضع الكيلومترات وذلك بعنوان تقريب الثقافة من المواطن رغم ما يتسبب فيه ذلك من اضاعة للجهد وتردي نوعية العروض.
ووفقا للإحصائيات الرسمية، فان عدد المهرجانات يصل الى حوالي 800 مهرجان، 48 بالمائة منها يقام في شهري جويلية واوت من كل عام .وتلقى اغلب هذه المهرجانات انتقادات واسعة من عديد متابعي الشأن الثقافي في البلاد باعتبارها لا تقدم إضافة إلى المشهد الفني والثقافي، ويقتصر نشاطها على برمجة العروض التجارية لتحقيق المداخيل والارباح والاستجابة لأذواق الجمهور العريض حتى ولو كان ذلك على حساب القيم الفنية والاهداف التي بعثت من اجلها هذه التظاهرات.
في جانب اخر، لا يتوفر الحد الادنى من الشفافية حول الحسابات المالية للمهرجانات ومديونيتها وخصوصا نفقات ومداخيل العروض الاجنبية ومعايير اختيارها سيما ان اغلبها يشكل اركانا قارة بعدة مهرجانات. كما يكتنف انعدام الشفافية والى حد بعيد كيفية التعامل مع متعهدي اعمال العارضين من الخارج وسبل توقيع العقود معهم والتفاوض حولها وطرق تمكينهم من مستحقاتهم.
وكانت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي، قد اكدت اواخر ماي الفارط على هامش مشاركتها في ندوة انتظمت بالعاصمة بعنوان “المهرجانات الثقافية: قاطرة للتنمية”، ان ” الوزارة تسعى لجعل المهرجانات والتظاهرات الثقافية قاطرة تنموية وأن نروّج لتونس في أبهى حلّة” مشددة على أن الوزارة تعمل على أن تكون المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية قاطرة تنموية ودعامة من دعائم الاقتصاد. كما بينت ان الوزارة “لن تدخر جهدا في جعل المهرجانات في أبهى صورة ممكنة لها لأن في ذلك ترويجا لصورة تونس بلد الفن والجمال والتسامح والحوار الثقافي حتى تكون بلادنا قبلة مفضلة للجميع في كل أصقاع العالم”.
غير ان تصريحات الوزيرة لا ترقى، في الواقع، لمستوى التشخيص الحقيقي لملف المهرجانات الذي يُعتبر من أعقد الملفات على مستوى المشهد الثقافي في البلاد نظرا لتداخل عدة جوانب فيه قانونية وادارية ومالية من ناحية، واهمية الجانب الاجتماعي فيه من ناحية أخرى، وذلك باعتبار أن أغلب الفنانين وشركات الانتاج الثقافي تعول لضمان وجودها بالأساس على الدعم المتأتي من التمويل العمومي للمهرجانات. كما يتداخل ملف المهرجانات مع جوانب جهوية ومحلية بعيدة في اغلب الحالات عن المعطى الثقافي والفني. ولا توجد بموقع وزارة الشؤون الثقافية والمؤسسات التي هي تحت اشراف اي مذكرات او دراسات تهم ملف المهرجانات رغم بعض محاولات المتخصصين والنقاد باعتبار ان تفكيك هذا الملف وإعادة تنظيمه يتطلب كفاءات خاصة ورغبة فعلية في التغيير ترتكز على تصور شامل للسياسة الثقافية.