الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: يبلغ العدد الجملي لوداديات المؤسسات في تونس-وأغلبها وداديات تابعة لمؤسسات عمومية وبلديات- 1312 ودادية تمثل 5.58 بالمائة من اجمالي عدد الجمعيات الذي يقدر بـ 23676 جمعية حسب أحدث إحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة على موقعه الالكتروني نهاية 2020.
وتشهد جل هذه الوداديات تجاوزات كبيرة على جميع مستويات التصرف المالي والإداري وذلك لعدة أسباب أبرزها تقادم الإطار القانوني المنظم لأنشطتها ومسؤولياتها المحاسبية وانعدام الرقابة وهيمنة النقابات عليها. ولا تنشر الوداديات عموما قائماتها المالية رغم خضوعها لقانون الجمعيات (المرسوم عدد 88-2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011) الذي يلزمها بذلك علاوة على حصول العديد منها على مبالغ ضخمة من الأموال العمومية المخصصة لمؤسسات الدولة في شكل دعم.
وتبين وفق تقرير لمرصد رقابة أصدره في هذا الخصوص في 23 ماي 2023 أنّ هذه الوداديات تحصل على مبلغ يصل الى 100 مليون دينار سنويا.وتخصص هذه المبالغ الطائلة بشكل عام للأسفار والرحلات داخل البلاد وخارجها والتعاقد غير الشفاف في كثير من الأحيان عبر آلية المراكنة مع تجار لاقتناء المواد الاستهلاكية للترفيه والهواتف الجوالة الفخمة ومواد تجميل واكسسوارات وما شابه ذلك.
وأشار مرصد رقابة في تقريره الى ان الوداديات أصبحت مصدرا للتمعش والإثراء على حساب إسداء خدمات فعلية ذات طابع اجتماعي للأعوان والإطارات مبرزا ان ذلك جعل التنافس على الإشراف عليها يشتد في السنوات الأخيرة وان رئاسة هذه الوداديات ومنصب الكتابة العامة اصبحت تورّث وتباع وتشترى وان المسؤول النقابي الأول في عديد المؤسسات يفرض نفسه كاتبا عاما للودادية في إطار مناورات مشبوهة وتلاعب لضمان السيطرة على الهيئة المديرة.
ونتيجة مثل هذه التجاوزات، قضت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية بتونس في اخر نوفمبر 2022 بالسجن مدة 10 أعوام في حق موظفين سابقين بشركة نقل تونس. كما قضت الدائرة المذكورة بنفس المدة السجنية في حق سبعة متهمين آخرين محالين بحالة فرار مع النفاذ العاجل، إضافة إلى تسليط خطايا مالية على جميع المتهمين في حدود 4 ملايين دينار بالتضامن في ما بينهم. ويتعلق ملف القضية باستيلاءات على أموال ومداخيل تعاونية شركة نقل تونس بين سنتي 2015 و2017. وقدرت قيمة الاستيلاءات بأكثر من 4 ملايين دينار حسب نتائج الاختبارات المأذون بها من طرف المحكمة.
وفي نفس السياق أصدر يوم 17 فيفري 2023 قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالقصرين بطاقات إيداع بالسجن في حق 4 موظفين تابعين لودادية بلدية الزهور من أجل استغلال موظف عمومي صفته للاستيلاء على الأموال والإضرار بالإدارة، علما أن النيابة العمومية كانت قد أذنت قبل أيام من إصدار بطاقات الإيداع بالاحتفاظ برئيس الودادية وكاتبها العام وأمين المال من أجل شبهات فساد إداري ومالي والتلاعب بحساب الوداية المالي البالغ حجم معاملته 250 ألف دينار والتلاعب بعقود من أجل الحصول على هواتف جوالة دون اقتطاع من المرتب وتوزيع وصولات الأكل على وجه الفضل لغير المنخرطين.
وتتعقد الوضعيات أكثر فأكثر عندما يتعلق الأمر بوداديات المؤسسات العمومية الكبرى نظرا لأهمية الدعم المقدم لها. وفي هذا الإطار كشف التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد 2018، عن شبهات فساد اداري ومالي بودادية أعوان البنك المركزي التونسي. وتعهدت الهيئة تلقائيا بالتحري في شبهة اختلاس وتحويل وجهة أموال عمومية ومخالفة للتراتيب المنطبقة لتحقيق فائدة تنسب إلى الممثل القانوني لودادية أعوان البنك المركزي.
وتبين للهيئة من جهة أخرى أن البنك المركزي يدعم الجمعية بمبالغ مالية هامة دون تحديد سقف ثابت ودون رقابة قانونية وفق الصيغ والإجراءات الوجوبية المنطبقة. وأمام خطورة هذه الأفعال وجديتها أحالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الملف إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس للتعهد وقد أحيلت القضية إلى القطب القضائي الاقتصادي والمالي بتاريخ 25 فيفري 2019.
وفي ذات السياق يشكل عمل ودادية الشركة التونسية للبنك نقطة استفهام باعتبار أنها أقدم ودادية في البلاد يرجع تأسيسها الى أواخر الخمسينات من القرن العشرين. ورغم الدعم السنوي المخصص لها من قبل هذا البنك العمومي من الصندوق الاجتماعي مباشرة، لم يتسن لـ” الشارع المغاربي” الاطلاع على تقريرها الأدبي والمالي السنوي وقائماتها المالية وتقرير مراقبة حساباتها نظرا إلى أنها لا تملك موقع واب أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن النفاذ إليها.
وتبين لـ ” الشارع المغاربي” حسب بلاغات دأبت الودادية على إصدارها لأعوانها أنّ الودادية المذكورة تخصصت منذ أكتوبر 2021 في تنظيم الرحلات للخارج (تركيا – إيطاليا – إسبانيا – الإمارات العربية المتحدة (دبي)- ماليزيا – المملكة العربية السعودية (عمرة).
وتميّزت هذه الرحلات بمشاركة نشطة وكثيفة من الأعوان تصل أعدادهم في المعدل إلى 150 عونا غير أن كلفة رحلة دبي – ماليزيا التي نظمت في جانفي 2023 حسب بلاغ للودادية للعون الواحد بلغت 6000 دينار ودامت بضعة أيام لتناهز كلفتها الإجمالية مليون دينار باعتبار مشاركة 350 موظفا من البنك وأفراد من عائلاتهم أحيانا.
ويأتي تنظيم هذه الرحلات المتواصلة بينما تشكو البلاد من قلة الموارد من العملة الصعبة التي تحرص الدواوين والجهات الرسمية على تخصيصها أساسا لاقتناء الأدوية من الخارج وضمان التزود بالمواد الأساسية الحياتية.