الشارع المغاربي-محمد الجلالي: يمرّ بنك تونس الخارجي (Tunisian Foreing Bank) الذي يملك خمس وكالات بفرنسا وأخرى بتونس بأصعب فتراته نتيجة فوضى تسييرية وتجاوزات مالية وادارية حوّلته من دعامة مالية للاقتصاد وهمزة وصل لتأمين المعاملات المالية لمئات الآلاف من المهاجرين بفرنسا الى مؤسسة عمومية مثقلة بشبهات فساد لا تحصى ولا تعدّ.
اللافت حسب ثلاثة تقارير تدقيق حصلت عليها أسبوعية “الشارع المغاربي” ان المديرة العامة السابقة للبنك ليليا المدب استحوذت على نصيب الأسد من اخلالات مالية وادارية مرتكبة بالبنك بين سنتي 2020 و2021 رغم حداثة تعيينها على رأس المؤسسة العمومية.
وزارة المالية على الخط
في 17 جانفي 2022 كلّفت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية فريقا من هيئة الرقابة العامة للمالية يتكون من ثلاثة مراقبين عموميين بإجراء تدقيق في بعض أوجه التصرف صلب بنك تونس الخارجي.
الوزيرة منحت المراقبين أوسع الصلاحيات للاطلاع المطلق على جميع فواتير البنك ووثائقه والاحتفاظ بنسخ منها داعية ادارة المؤسسة المالية الى عدم الاعتصام بالسر المهني.
قبل صدور قرار وزيرة المالية بأيام فقط كان البنك قد شهد مهمة تدقيق في البطاقات المهنية الممنوحة لمديرته العامة. التقرير الرقابي الصادر في 6 جانفي 2022 بين ان المديرة العامة آنذاك واصلت استغلال بطاقتها المهنية رغم ان لجنة الاجور الغت العمل بها منذ 29 اوت 2017.
نفقات غير قانونية
التقرير كشف أيضا ان عددا من مسيري البنك وعلى رأسهم المديرة العامة استغلوا بطاقاتهم المهنية الملغاة منذ 2017 لانفاق أكثر 19 ألف أورو بين فيفري 2020 وديسمبر 2022 في أغراض مختلفة وأن المديرة العامة التي استقالت في أواخر أكتوبر 2022 انفقت في فيفري 2020 أكثر من 5 آلاف أورو لتأثيث مطبخ بيتها و2300 أورو لاقتناء اثاث شخصي رغم تمتعها بمنحة سكن بـ ألفي أورو.
ولفت تقرير التدقيق الى تحمّل البنك نفقات غير قانونية أخرى لفائدة المديرة العامة لاقتناء مواد تجميلية ومرطبات مختلفة ومواد غذائية ومواد مكتبية ولتذاكر سفر ولاجراء فحوصات طبية رغم تمتعها بتغطية صحية.
كما لفت إلى ان المديرة العامة انفقت في المجمل أكثر من 10 آلاف أورو في 50 عملية مالية باستغلال بطاقتها المهنية الملغاة.
وأكد ان المسؤولة الاولى لـ TFB صرفت 8749 أورو لخلاص سيارات أجرة ومطاعم وان جزءا من المبلغ صُرف خلال عطلات نهاية الاسبوع أو في أيام إجازة مؤكدا ان توقيت ومكان انفاقه يدعو الى الارتياب في مدى ارتباطه بالجانب المهني.
و ذاكر التقرير ان الانفاق تزامن مع فترة شهدت فرض حجر صحي بفرنسا اغلقت بموجبه المطاعم طيلة 9 أشهر ومُنع خلالها التنقل.
ولاحظ التقرير ان المديرة العامة سجّلت نفقات عديدة على حساب التنقل على متن سيارات اجرة في 107 مناسبات خلال فترة العمل عن بعد رغم تمتعها بسيارة وظيفية.
مخالفة المجلة التجارية
تقرير ثان يعود انجازه الى 8 ديسمبر 2021 لاحظ انه تم في 24 ديسمبر 2019 تعيين المديرة العامة رغم تجاوزها 65 سنة مشيرا الى ان ذلك مخالف لاحكام المجلة التجارية.
وذكّر التقرير انه سبق لمجلس ادارة البنك ان دعا في 2014 الى عقد جلسة عامة استثنائية لتغيير القانون الاساسي للبنك وان الجلسة لم تنعقد.
وحث التقرير مجلس ادارة البنك على تسوية الوضعية القانونية لمديرته العامة بحكم تجاوزها السن القانونية حتى يتلاءم قانون المؤسسة مع المجلة التجارية.
ارقام غير دقيقة
حصلت أسبوعية “الشارع المغاربي” على تقرير ثالث تم انجازه في 29 ديسمبر 2021 حول التصرف في ميزانية نفقات الموظفين.
وكشف التقرير ان انجاز الميزانية كان يتم بطريقة يدوية متسائلا عن مدى صحة البيانات مؤكدا ان التوفيق بين البيانات المحاسبية وبيانات التصرف لا يتم بصفة آلية.
ودعا الى ضرورة تعزيز مراقبة الميزانية للتحقق من صحة الارقام المقدّمة مسجلا ان غياب مراقبتها بشكل دوري ادى الى اثقال كاهل البنك بنفقات اضافية تمت عبر ابرام عقود مع محامية وخبير محاسب مقابل اسداء خدمات غير مجدية.
أموال سائبة
التقرير أوضح ان الادارة اتفقت مع المحامية على ان تكون قيمة العقد المبرم في فيفري 2021 في حدود 10 آلاف أورو في السنة مشيرا الى ان المحامية حصلت على 25 ألف أورو قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر.
وأفاد بأنه تم في ماي 2021 وفي ظل غياب مسؤول عن المحاسبة ابرام عقد مع خبير محاسب بمقابل 30 ألف أورو وان ذلك خالف الاجراءات الداخلية للبنك في مجال الصفقات العمومية مشددا على عدم حصول الادارة على رأي لجنة الصفقات في الامر.
ولفت التقرير الى ان الخبير المحاسب خالف الاتفاق باسداء خدماته عن بُعد عوض تحوّله الى مقر البنك.
وذكر ان المحامية والخبير المحاسب لم يحترما بنود العقود المبرمة مع البنك.
محاباة في المنح
التقرير سجل ايضا ارتفاع كلفة نقل اموال البنك من 32 ألف أورو سنة 2020 الى 77 ألف أورو سنة 2021 مفسرا ذلك بالترفيع في عدد عمليات نقل مبالغ محدودة.
وأفاد التقرير بوجود شبهات حول ميزانية نفقات الموظفين المعروضة على مجلس ادارة البنك إلى جانب تضمنها فرضيات خاطئة.
وتحدّث عن المنح التحفيزية التي تمتّع بها الموظفون مبينا ان طرق اسدائها انبنت على المحاباة والمحسوبية وتسبّبت في خلق توتر اجتماعي صلب المؤسسة.
وذكر التقرير ان عددا من المسيرين حصلوا منذ جويلية 2020 على زيادات في رواتبهم بمبلغ 320 ألف أورو دون موافقة مجلس ادارة البنك لافتا الى أن المديرة العامة ومدير الموارد البشرية حاولا عند استفسارهما من قبل الفريق الرقابي التنصّل من المسؤولية بالتراشق بالتهم.
وضرب مثالا عن حصول احدهم على زيادة شهرية بـ 500 أورو بقرار من المديرة العامة رغم انه لم يمر على انتدابه سوى أشهر فقط.
كما جاء في التقرير انه تم تمتيع عدد من المتعاونين مع البنك بمنح تحفيزية قدرت جُمليا بـ 137 ألف أورو في غياب أية مؤشرات واضحة أو معايير شفافة وان ذلك تسبب في احتقان اجتماعي داخل المؤسسة.
وذكر فريق التدقيق انه حصل على مراسلة موجهة من الادارة العامة للبنك الى ادارة الموارد البشرية تتضمّن توجيهات بحرمان عدد من المتعاونين من المنح مشددا على ان من بينهم من لم يتغيب ولو يوما واحدا عن العمل ومن حقق أداء عاليا.
المديرة العامة مرة أخرى
وبيّن التقرير ان مجلس ادارة البنك عقد اجتماعين في ديسمبر 2019 وجانفي 2020 لتحديد راتبي المديرة العامة والمدير العام التنفيذي دون سواهما باقتراح من لجنة التأجير المنعقدة بنفس التاريخ وانه لم يُعقد مُذاك اي اجتماع للتداول في رواتب بقية المسيرين.
وشدد على ان المديرة العامة والمدير العام التنفيذي حصلا على زيادات في اجريهما بين جويلية 2020 واكتوبر 2021 دون موافقة مجلس ادارة البنك مؤكدا أن ذلك كلّف المؤسسة اعباء مالية إضافية بـ 640 ألف أورو.
واتهم التقرير المديرة العامة بعدم اعلام مجلس ادارة البنك لادراج مسألة الزيادة في راتبها صحبة المدير العام التنفيذي بجدول اعماله حين ناقش مسألة راتبيهما.
في سياق آخر لفت التقرير الى أنه تم الحصول على اثباتات تشير الى تعمد المديرة العامة الحصول على مساعدة قانونية من محامية البنك لاغراض شخصية وان ذلك يعد تضاربا في المصالح إضافة الى استغلالها أثاث المؤسسة العمومية لغايات شخصية في غياب اعلام مسبق.
ولاحظ ان البنك تحمّل نفقات بـ 10 آلاف أورو لخلاص مصاريف حضانة ابن احد الموظفين بقرار من المديرة العامة وان الاجراء غير المبرمج في ميزانية البنك دفع موظفة أخرى الى المطالبة بالتمتع بنفس “الامتياز” دون ان تحصل على اجابة من الادارة العامة.
ولاحظ تقرير التدقيق ان عملية انتداب عدد من الموظفين لم تحترم الاجراءات المعمول بها بالاعلان عن فتح مناظرة عمومية واختيار ملفات المترشحين ونتائج عرضهم على لجنة الانتداب ومدى استجابة المنتدبين لحاجات البنك.
وخلص التقرير الى انه تم الوقوف على تجاوزات مالية وادارية قد تكون لبعضها تبعات قانونية خطيرة حاثا مجلس ادارة البنك الى اتخاذ اجراءات عاجلة لتجنب اوجه التصرف التي تمت دون موافقته ولفرض حوكمة رشيدة بالمؤسسة.
وفي ظل تسيب اداري ومالي اثبتته تقارير تدقيق داخلية يبقى السؤال قائما حول غياب وزارة المالية عن مراقبة بنك بهذه الاهمية مما أطلق أيادي بعض العابثين بالمال العمومي لتعيث فيه اهدارا واستغلالا لقضاء شؤون شخصية وخدمة لمصالح ضيقة.
فإلى متى يتواصل التلاعب بالمال العمومي؟ وهل من حل آخر غير التفكير في التفريط في أية مؤسسة عمومية بدعوى افلاسها عوض الشروع في برنامج اصلاحي شامل بأياد وأفكار وتصورات جديدة غير التي خربت اقتصاد البلاد؟
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 ماي 2023