الشارع المغاربي – 50 مؤرخا يبرزون سلسلة انزلاقات التميمي في حق العلم

50 مؤرخا يبرزون سلسلة انزلاقات التميمي في حق العلم

20 أبريل، 2018

الشارع المغاربي – لطفي النجّار :رفقا بالتاريخربّما هي العبارة الموجزة التي تليق بتوصيف هذا الغبار الكثيف الذي أحدثه عبد الجليل التميمي ومن معه حولوثيقة الاستقلال، والتشكيك في الحدث عبر سحب نقاش أكاديمي علمي مطلوب دائما من مربّعات الجامعة والنقاش الأكاديمي الرصين إلى دوائر مهاترات التبخيس والتجريح في نخبنا العلمية في الفضاء العام. بعد الستين مؤرّخا الذين ردوا على مغالطات التميمي، يأتي نص آخر ممضى من أكثر من خمسين مؤرخا أكاديميا يدعو مرّة أخرى إلى أن يرفق التميمي بالتاريخ.

يدعو ردّ المؤرخين في جملته الأخيرة المعبّرة التي تختزل هذا الاشتباك بين أهل علم التاريخ من دكاترة وأكاديميين من جهة، وعبد الجليل التميمي من جهة أخرى، إلى التذكير بأنّ المؤرخ يستمد شرعيته المعرفية، أوّلا وبالذات، من اعتراف الوسط الأكاديمي بقيمة أبحاثه وليس من الاصطفاف الظرفي وراء أصحاب النفوذ“. هذا التذكير الذكي يعيد أمر العلم إلى نصابه المفترض وهو ساحة البحث الأكاديمي وليس السقوط في معارك ثأرية طاحنة والاصطفاف لجهة بعينها عبر توظيف وتأويل أحادي للوثائق والتعسّف على سياقات التاريخ ومحاولة إسقاط معارك إيديولوجية معلومة على حساب الموضوعية والحقيقة العلمية.

رفقا بالتاريخشكلا ومضمونا

بعد أن غرّد عبد الجليل التميمي خارج أهل الاختصاص في أسلوب مخلّ  معتبرا أنّ البيان المنشور و الممضى من ستّين مؤرّخا  مهزوزا وغير مدروس وفيه الاعتباط والكذب وعدم الصدق وعدم النزاهة، مضيفا أنّه يتأسّف لزملائه المؤرّخين الذين انساقوا حسب توصيفه وراءنصّ مهزوزوالذي لا يمثّل شيئا في صدقية وأمانة التاريخحسب تقديره، يأتيه الردّ شافيا وافيا هذه المرّة من أكثر من خمسين مؤرّخا. جاء الردّ  مفصّلا لسلسلة الانزلاقات التي قام بها التميمي في حقّ العلم  وفي حقّ زملائه الأكاديميين، وفي حقّ خاصة الحقيقة العلمية التي تستوجب الموضوعية والرصانة والترفّع عن متاهات الثأر الإيديولوجي وتصفية الحسابات مع الخصم السياسي. اعتبر الممضون على بيانرفقا بالتاريخوهم نخبة علم التاريخ في جامعاتنا المشهود لهم بالكفاءة العلمية وأصحاب الكتب والمؤلفات والأبحاث المنشورة في الداخل والخارج وفي الدوريات العلمية المعروفة عند أهل العلم، فيه انحرافات إيتيقية في الشكل وتلبيساتومغالطات في المضمون.

شكلا، اعتبر الممضون أنّ تصريح التميمي قد تضمّن إيحاءات سلبية تبخس قدر ستين مؤرّخا تونسيا، يوحي بأنّهبيان احتجاجي يقارع الفكرة بالفكرة، ويردّ على الحجّة بالحجّة استنادا إلى مرجعية معرفية مضبوطة أو محاذير منهجية متّفق عليها، في حين قدورد في شكل ردّ انفعالي متضارب لا تربط بين مقدّماته واستنتاجاته أيّة روابط“. ويضيف المؤرّخون في ردّهم على التميمي، أنّ ردّه  قد جاء من خارج المؤسّسة الجامعية خلافا لما هو متعارف عليه بخصوص نقد المواقف العلمية، وأنّالسجل اللّغوي الذي استعمله السيّد عبد الجليل التميمي لا يمتّ للحقل الأكاديمي بصلة، لما تضمّنه من نعوت لا تليق وتجريحيلاحظ أنّ مفرداته تندرج ضمن منطق يستند إلى ثنائيات الإدانة والتبرئة والتبخيس والتعظيم، ولا ترتقي إلى مستوى اللّغة الوظيفية الدقيقيةكما يشير نصّ البيان.

أمّا في الجانب الجوهري، فقد ذكّر المؤرخون الممضون على هذا الردّ عبد الجليل التميمي بمسألة أساسية ومبدئية مفادها أنّ الذاكرة والتاريخ حقلان مختلفان، وأنّالنشر المتواتر لأعمال السيمنارات ليس حجّة يعتدّ بها للتدليل على ضمان الجودة، وأنّ الناشر، وإن كان مسؤولا عن مضمون ما ينشر، لا يمكن أن ينسب لذاته أعمال غيره“. كما ذكّروه أيضا كما جاء في نصّهم بشكل واضح وجليّ: “إنّ عددا من المؤرخين الذين قدح السيّد عبد الجليل التميمي في ذمّتهم العلمية سبق لهم نشر بعض أبحاثهم لدى مؤسّسته، وهذا القدح يسيء إليهم، لأنّ مؤسّسته ممثّلة برئيسها قد قبلت بتلك الأبحاث وقامت ببيعها منشورة وقبضت معلوم بيعها كاملا، ثمّ أدار لهم صاحبها بهذه التصريحات ظهر المجن“.

التميمي و…”جوقة ناكري الاستقلال

في النقاط الأربع الأخيرة من الردّ  على هفوات وأخطاء التميمي، وانخراطه فيجوقة ناكري الاستقلالLes Negationnistes ، يعرب المؤرخون عناستغرابهمممّا أسموه بالصحوة المتأخّرةللتميمي، واندهاشهم إزاء هذاالوعي المفاجىءبزيف الاستقلالمنالسيّد عبد الجليل التميمي الذي أعدّ أطروحة حولالحاج أحمد باي وبايليك قسنطينة 1830 ـ 1837، واشتغل بصورة رئيسية بالتاريخ العثماني ولم يقترب من التاريخ التونسي المعاصر إلّا بصفة عرضية ومن خلال أبحاث غيره“. هذا إضافة كما يشير بيان المؤرخين إلى أنّالتباهي بكثرة المنشورات  يطرح مشكلا منهجيا دقيقا، نظرا لتعدّد الاختصاصات وتنوّعها وتباينها العجيب، في حين يتساءل الأكاديميونكيف يمكن أن تدّعي مؤسّسة خاصّة الاشتغال على كلّ هذه المحاور المتباينة من دون توفّرها على هيئة علمية معروفة أو سند مالي،  فقصارى ما يعرفه الملاحظون حولها ينحصر في بعض المعطيات الشحيحة، منها أنّ إحداثها تمّ من قبل موظّف عمومي قبل سنوات من إحالته على التقاعد وأنّه اختار لها مقرّا فاخرا يقع خارج العاصمة ( زغوان)” وهو ما يطرح فعلا إشكالا إن لم نقل إحراجا  علميا وأخلاقيا فعليا.

إنّ ردّ المؤرخين الأخير قد جاء بعد أن طفح الكيل منتبخيسات  التميمي المجّانية لأهل الاختصاص، وإعادة اعتبار للعلم على إثر ولوجغير المؤرخينمضمار النقاش الأكاديمي لكشفخفايا تاريخ الاستقلالالتيغفل عنهاالمؤرخون المحترفون لينصبوا أنفسهم كجهةناطقة باسم المدرسة التاريخيةزورا وتلبيسا على النّاس.

لجوقة ناكري الاستقلال نقول ما خطّه حمادي بن جاء بالله من كلّمات توفي حق علم التاريخ وفنّه في نصّ تحت عنوان :”توفيق البشروش، العميد اللاشرعي“: “التاريخ علم لا يرقى إليه إلّا من كدّ وجدّ..ومن مفارقاته أنّه ليس من شيء أكثر تبدّلا من الماضي من حيث معانيه وما من شيء أكثر ثباتا من الماضي ذاته لكن من جهة وقائعهوهو بالتالي يطالبنا بإعادة قراءته على الدوام، غير أنّه ينبغي ألاّ نخلط بين تأويل الوقائع تلمّسا لما يمكن أن يكون لها من المعاني الإنسانية التاريخية وبين الوقائع التي شهت لها دماء زكيّة وعذابات عاشها شعبنا بصبر الأنبياء…”.


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING