الشارع المغاربي-محمد الجلالي: كشفت تقارير رقابية مُراجع حسابات الشركة التونسية للبنك بين 2018 و2020 افتقار المؤسسة البنكية العمومية الى أبرز مقومات الحوكمة الرشيدة في ادارة الخزينة وفي إنجاز الصفقات والتصرف في القروض اضافة الى وجود مخالفات في إجراءات التقاضي.
150 إخلالا رصدها مراجع الحسابات في ثلاثة تقارير سنوية متتالية، يعود بعضها الى سنة 2012 بما كبّد البنك خسائر بعشرات ملايين الدنانير في ظل تقصير لافت من طرف مجلس ادارته وغياب أية رقابة من وزارة المالية.
أبرز إخلال كشفه تقريرا 2018 و2020 يخص قرضا خارجيا بـ 117 مليون دينار كان قد حصلت عليه الشركة التونسية للبنك (STB) بضمان من الدولة على ان تستعيد المبلغ بعد ان يسترجع البنك عافيته المالية. ويؤكد مراجع الحسابات في تقريره ان البنك حصل على القرض لاستعادة توازنه المالي بعد ان ابرمت ادارته في 8 اكتوبر 2012 اتفاقا مع وزير المالية آنذاك يقضي بموافاته بتقرير سنوي يتضمّن معطيات عن مؤشراته المالية ومصادقا عليه من قبل احد مراجعي الحسابات.
وأكد مراجع الحسابات في تقريريه ان ادارة البنك لم تف بتعهداتها الى حدود سنة 2020.
من جهة أخرى بيّن تقرير سنة 2020 ان بنك STB لم يشكّل لجنة لإدارة الاصول والخصومات وان المؤسسة البنكية لا تزال في ظل غياب اللجنة المذكورة تفتقر لوسائل تقنية تمكنها من قيس المخاطر ومراقبتها. وشدّد على ان هذا الامر لا يسمح بتقييم المخاطر التي يجب على البنك التعامل معها ومواجهتها.
وكشف ان لجان الرقابة الداخلية ومتابعة مهمّات التدقيق والتفقد والتوقي من المخاطر بالبنك لم تعقد اي اجتماع وانه تم استبدال مواضيع بعض مهام التدقيق او التخلي عن تنفيذها مشيرا الى ان مهام الرقابة لا تغطي الشركات التابعة للبنك.
ولاحظ التقرير غياب أية رقابة على ميزانية البنك مشيرا الى ان ذلك سمح بنفقات غير مدرجة بالميزانية.
ولفت الى ان الادارة تكتفي بانجاز رقابة لاحقة عبر احتساب الفارق بين النفقات المخطط لها والنفقات المنجزة.
قروض بلا ضمانات
أشار التقرير الى أن المؤسسة تخالف منشور البنك المركزي بعدم مطالبة حرفائها غير المدرجين بالبورصة والذين تتجاوز التزاماتهم تجاه النظام المالي 25 مليون دينار بتصنيف حديث منجز من قبل وكالة تصنيف.
وأفاد بأن البنك مكّن حرفاء تجاوزت التزاماتهم تجاه النظام المالي 5 ملايين دينار من قروض دون ان يستظهروا بقائمات مالية مصادق عليها من قبل مُراجع حسابات.
وذكر مراجع الحسابات في تقريره انه خلص خلال التدقيق في التزامات حرفاء البنك الى تمكن العديد منهم من سحب اموال غير مصرّح بها مشددا على أنهم حصلوا على قروض دون ان تكون لهم معاملات حقيقية او أنهم تمكنوا من خلاص مبالغ مالية بالعملة التونسية او الاجنبية عن طريق حسابات مَدينة.
وبين ان هؤلاء الحرفاء لا يملكون ضمانات ولم يوفوا بتعهداتهم والتزاماتهم تجاه البنك ملاحظا ان ذلك تسبب له في خسائر مالية كبرى.
واكد التقرير ان فحص عيّنة من القروض الممنوحة كشف استفادة حرفاء من قروض جديدة لخلاص قروض قديمة دون أن تكون مرتبطة بنشاطهم الاقتصادي وان عددا من مديري فروع البنك مكّنوا حرفاء من قروض بلا ضمانات رغم ان ملفاتهم لا تزال قيد الدراسة مفيدا بأن هذه الاجراءات تعرّض البنك الى مخاطر مالية مشددا على انه لا يملك جردا للضمانات التي حصل عليها من حرفائه.
ولاحظ ان عديد الحرفاء حصلوا على قروض بلا ضمانات او رهن عقاري وان ذلك يحرم البنك من ضمان استعادة امواله في صورة عجز المقترض عن تسديد ديونه.
التقرير سجّل أيضا تخلي ادارة البنك عن اللجنة التنفيذية المكلفة بالقروض التي يتمحور دورها في فحص النشاط التمويلي وابداء رأيها في القروض الممنوحة مؤكدا أن التخلي عنها لا يتماشى وتطوّر حجم طلبات القروض التي تتم معالجتها. وخلص الى ان ذلك ينطوي على مخاطر مضاعفة على الشركة.
وشدّد الخبير المحاسب على ان طول مدة منح القروض للحرفاء مخالف للتشريعات السارية وعلى أن ذلك يؤدي الى تراجع حصة الشركة في السوق المالية ويسيء لسمعتها.
فوارق غير مبرّرة
من جهة اكد التقرير الرقابي ان الجرد المادي لحسابات السيولة ومقارنتها بالارصدة المحاسبية اثبتا تضاربا في المعطيات وكشفا عن نقص بـ 724 ألف دينار.
كما اكد التقرير ان مقارنة الارصدة المحاسبية لخزينة العملة الاجنبية بالمخزون المادي اثبتت أيضا وجود نقص قدر بـ 213 ألف دينار في فرع المهدية مثلا وان ذلك ناتج عن عمليات سحب اموال غير مسجّلة ببيانات الفرع.
وكشف تدقيق مُراجع الحسابات في الارصدة الحقيقية للودائع والارصدة المحاسبية عن نقص بـ 1.4 مليون دينار بالعملة المحلية ونقص ب6.6 ملايين دينار بالعملات الاجنبية.
وشدّد مراجع الحسابات على ان هذا النقص الكبير يؤثر على مصداقية البيانات المالية للبنك.
اجراءات التقاضي
ابرز التقرير ان البنك يفتقد الى قاعدة بيانات موحدة تتضمن القضايا التي يكون فيها البنك طرفا في النزاع وان ذلك لا يسمح بحسن ادارتها والتصرف فيها واوضح انه لا يتم مراقبة مراحل التقاضي.
وتحدث عن عدم تفعيل لجنة الخزينة رغم تشكيلها منذ سنة 2010 داعيا الى ضرورة تفعيلها لايجاد حلول ممكنة للمخاطر المحتملة.
وأفاد مُراجع الحسابات في تقيره بأنه حصل من ادارة البنك القانونية على معطيات تؤكد وجود عدد كبير من القضايا المرفوعة بالمؤسسة بسبب أعمال ارتكبها موظفوها من بينها تعمّد موظف سحب أموال من حساب على ملك حريفة قاصر او فتح حساب بوثيقة هوية مسروقة او مزورة او ايداع عائدات شيك في حساب غير حساب المستفيد.
المُراجع دعا البنك الى اتخاذ كل الإجراءات القانونية والتأديبية ضد الضالعين في تجاوزات مالية وادارية لتجنّب عمليات سطو أخرى والحفاظ على سمعة المؤسسة وحماية اموال الحرفاء.
وأشار التقرير الرقابي الى ان البنك متهم بالتعسّف عدة مرات على حرفاء عبر عدم تمكينهم من قروض بعد ابداء موافقته واتمام الحرفاء كل الاجراءات المطلوبة مبرزا ان القضاء اصدر احكاما ابتدائية واستئنافية لصالح الحرفاء في اغلب القضايا المثارة ضد البنك. واتهم التقرير البنك بانتهاك القانون رغم صدور احكام ضده في قضايا مشابهة.
اخلالات في الفروع
وبيّن الخبير ان وجود اخلالات في إدارة فرعي البنك بسوسة وصفاقس تخص معاملات مالية مع بنوك أجنبية لافتا الى ان من شأن غياب الموظف المسؤول عن هذه المعاملات أن يتسبب في تعطلها والى ان ارتفاع عدد المحالين على التقاعد فاقم الوضع.
وأفاد بأن الفرعين المذكورين يفتقدان لدليل اجراءات يغطي كل الأنشطة الفنية المتعلقة بالبنوك الاجنبية.
وكشف التقرير ان فرع البنك بجربة حومة السوق من ولاية مدنين مكّن عديد الحرفاء من قروض دون وجود وثائق ضرورية في ملفاتهم من بينها عقد القرض او شهادة ملكية العقار المرهون مبينا ان ذلك لا يضمن حوكمة سليمة وناجعة لملف القروض.
ولاحظ مُراجع الحسابات أن البنك لا يملك شهائد ملكية تُثبت مساهمته في رأس مال بعض الشركات مبينا ان هذا الوضع لا يحمي مصالحه.
وخلص الى ان البنك لا يمارس سلطته على الشركات التابعة له ولا يراقب القرارات التي تتخذها مجالس الإدارة ذاكرا على سبيل المثال تجاوزات مالية حصلت في شركتي “الدخيلة” و”TF Bank”.
وأكد التقرير ان لجنة الصفقات بالبنك اعدت منذ شهر جانفي 2019 دليل اجراءات جديد للشراءات مقرّا بانه لم يتم اعتماده الى حدود انجاز التقرير الرقابي.
وذكر التقرير ان البنك ابرم خلال سنة 2019 اكثر من 15 صفقة عمومية حُرمت فيها المؤسسة من الاستفادة من افضل الأسعار بسبب نقص المنافسة ملاحظا ان لجنة الصفقات تجاوزت موعد فتح العروض في اكثر من مرة.
* نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 مارس 2023