الشارع المغاربي-لطفي النجار ما وقع مؤخرا بين ناجي البغوري نقيب الصحفيين ومحمد السعيدي كاتب عام نقابة التلفزة التونسية من جهة وسامي الفهري وقناته “الحوار التونسي” في الجهة المقابلة من اشتباك ساخن يسيء للإعلام وللقطاع عامة. انطلقت الشرارة الأولى لهذا الاشتباك ببيانات محبّة توضح ما وصّفه كلّ طرف ب”مغالطة للرأي العام” ، لتنزلق بسرعة جبهة ” قناة الحوار” إلى اختراق قواعد الرمي المتعارف عليها إلى قصف عشوائي طال سمعة “الخصم” ورميها باتهامات “تبييض من يشاء” حسب الأهواء والعلاقات والمصالح (كما جاء في بلاغ قناة الحوار) مستعينة بمدّ داخلي بشري وإمداد “جوّي ذبذبي” حصري طوّعه “صاحب الفكرة” في شكل موجات من “الإعلانات” المتكرّرة للبلاغ والبلاتوهات وحتى “السكاتشات” السّاخرة .
في ضرورات إنقاذ الإعلام
في توضيحه لما وصّفه ب”المغالطة” أشار ناجي البغوري نقيب الصحفيين إلى أنّ سامي الفهري قد “أوعز إلى عدد من المشتغلين عنده في قناة الحوار الذين انخرطوا في هذه الحملة، بأنّه تم طرده من قبل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل من اجتماع بمقر وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان حول مشروع القانون الخاص بالاتصال السمعي البصري وأنّه تم حرمان قناة الحوار من الحضور باعتبارها قناة غير قانونية”. ويضيف البغوري موضّحا “إنّ النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين رفضت الحضور على نفس الطاولة مع سامي الفهري لمناقشة مشروع قانون الاتصال السمعي البصري وجملة القضايا التي يطرحها على غرار تنظيم الإعلام العمومي والتلفزة الوطنية تحديدا، باعتبار أنّ سامي الفهري متّهم بالسطو على المليارات من المال العمومي التابع لمؤسسة التلفزة التونسية، مستغلاّ علاقته
بالطرابلسية وبجهات رسمية حالية”.
في “الخندق” المقابل ل”حرب المغالطات” أصدرت قناة الحوار التونسي هي الأخرى بلاغا نفت فيه ما جاء على لسان النقيب وأصرت على أنّ ” القناة حضرت إثر دعوة رسمية من الوزارة المعنية لكن ناجي البغوري نقيب الصحفيين ومحمد السعيدي أصرا على طرد ممثلي قناة الحوار التونسي لأنّها في نظرهما غير قانونية في تحدّ سافر وتصرّف غير لائق لأنّ الاجتماع كان من تنظيم الوزارة”. ويضيف البلاغ “ولن نسمح لناجي البغوري أو محمد السعيدي أو أيّ شخص ينتمي لهيئة أو منظّمة ذات نفوذ أن ينصّب نفسه بديلا للقضاء يدين من يشاء ويبيّض من يشاء..”.
سوف لن ندخل في جدل قانوني ولن نتورّط في قاعدة “انصر زميلك ظالما أو مظلوما” الرائجة للأسف الشديد منذ سنوات في البلاد، ولكنّنا سنكتفي أوّلا بإشارة شكلية نعتقد أنّها هامة ثم بتعليق إجمالي للانزلاقات التي حفّت بهذا التراشق بالبلاغات. تتعلّق الإشارة الشكلية بمغالطة واضحة تضمّنها بلاغ قناة الحوار الذي أشار باللفظ إلى “الإدانة” عندما تحدّث عن “من ينصّب نفسه بديلا للقضاء يدين من يشاء…” والمقصود هنا طبعا البغوري والسعيدي. في حين لم يحتوي كلام نقيب الصحفيين أيّة إدانة بل تحدّث باللفظ أيضا عن اتهام : “متهم بالسطو على المليارات..” والفرق كبير بين الاتهام والإدانة.
هذا في في مستوى الشكل، أما في مستوى “إتيقا الحوار” والمهنية فإنّ ما قامت به قناة الحوار التونسي فيه حيف لا أخلاقي ولامهني وصل إلى درجة التهكّم والسخرية من محمد السعيدي وطريقة نطقه ل”كاكتوس”، هذا إضافة إلى “السكاتش” الرديء الذي قدّمته في إحدى برامجها والاقتصار المسيء لأبسط قواعد المهنية على وجهة نظر واحدة ووحيدة تنتصر للقناة ول”فكرة” صاحبها، توّجت بمرافعة وجّهت خلالها سيل من التهم والانتقادات لنقيب الصحفيين دون أن يكون حاضرا داخل “أروقة” ساحة المرافعة ليدلي بدلوه ولتستجيب في نهاية الأمر المادة الإعلامية المقدّمة لشروط التوازن المطلوب.
أمام هذه الانزلاقات المرفوضة مهنيا وأخلاقيا وأمام هذه الفوضى العامة وهذا التعفّن الذي نرصده في القطاع الإعلامي، نعتقد أنّه قد آن الأوان لإعادة النظر في آفاق جديدة للخروج من هذا المأزق كالتفكير مثلا في إمكانية إعادة وزارة الإعلام أو هيئة رسمية تقوم بالتنظيم ولا شيء غير تنظيم القطاع دون المسّ بالمضامين أو بحرية الإعلام المكسب الأهم بعد 14 جانفي أو استقلالية القطاع كسلطة رابعة منظّمة وفاعلة…وإلّ فإنّ السقوط الأخلاقي سيستمر والفوضى ستجتاحنا.